استوصوا بالنساء خيراً كن أول من يقيّم
من قال : " ... استوصوا بالنساء خيراً " ؟ ومَن قال : " ما أكرمَ النساءَ إلا كريمٌ ، وما أهانهنّ إلا لئيم " ؟ إنه الصادق المصدوق ، الذي لا ينطِق عن هواه ... إنه سيدي وحبيبي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته : صلوات من الأزل إلى الأبد، مستمرة لا تُرَدّ ولا تعد ولا تُحد.... لقد تلقينا عن التاريخ ، ورأينا بأعيننا أزواجاً وزوجات عرفوا حقوق الزوجية واحتفظوا بآدابها التي نصح بها الإسلام ، فعاشوا في ارتياح وهناءة موصولين بتعاطف واحترام ، وربما ظهر هذا فيما يصدر من الزوجين من عبارات الأسف والتحسر عند الوداع ، كما قال ابن دراج عند وداع زوجته : ولما تدانت للوداع وقد هفا *** بصبري منها أنة وزفير تناشدني عهد المودة والهوى *** وفي المهد مبغوم(1) النداء صغير حتى قال : وطار جناح البين بي وهفت به *** جوانح من ذعر الفراق تطير وقد تظهر هذه العواطف الرقيقة في وصية عند حضور الموت ، كما قال يحيى الهندي الأندلسي يوصي بأن يدفن حذاء زوجته التي توفيت قبله وحزن عليها حزناً بالغاً : إذا مُِتُّ فادفِنّي حذاءَ خليلتي *** يخالط عظمي في التراب عظامها ورتّب ضريحي كيفما شاءه الهوى *** تكون أمامي أوأكون أمامها لعلّ إله العرش يجبر صرعتي *** فيعلي مقامي عنده ومقامها وقد تظهر العواطف في تشوق في حال غيبة ، كما قال المحدث ابن حجر متشوقاً إلى زوجته ليلى الحلبية : رحلت وخلفت الحبيب بداره *** برغمي ، ولم أجنح إلى غيره ميلا أشاغل نفسي بالحديث تعللاً *** نهاري ، وفي ليلي أحِنُّ إلى ليلى وقد تظهر في رثاء بعد الموت ، كما قالت الذلفاء ترثي زوجها نجدة بن الأسود : سئمت حياتي حين فارقت قبره *** ورحت وماء العين ينهل هاملُه وقالت نساء الحي : قد مات قبله *** شريف فلم تهلك عليه حلائلُه صدقن ، لقد مات الرجال ، ولم يمت *** كنجدة من إخوانه من يعادلُه وقد تظهر العواطف في عبارات من المؤانسة يعرب فيها أحد الزوجين عن إعجابه بالآخر ، كما قال القاضي شريح بن الحارث في زوجة له تسمى زينب : فزينب شمس والنساء كواكب *** وإذا طلعت الشمس لم تُبقِ منهن كوكبا وكما قال العرجي في زوجته وكان جدها من الأب عثمان بن عفان ، ومن الأم الزبير بن العوام : إن عثمان والزبير أحلا *** دارهما باليفاع إذ ولداها إنها بنت كل أبيض قرم *** نال في المجد من قصى ذراها ولما تزوج الرشيد زوجته العثمانية أعجب بها، وكان كثيراً ما يتمثل بهذين البيتين . يتلخص لنا مما قرأتم أن طيب الحياة ومتعتها يتحققان في زوجة سعيدة ، وسعادة الزوجية أن يكون كل من الزوجين على خلق سمح ، وأدب بهيج ، ويجمع إلى ذلك صفاء الود ، والنصح لصاحبه حاضراً كان أو غائباً . والزوج والزوجة يمثّلان في تقارنهما شطرَيْ البيت من الشعر ، والبيت من الشعر لا يحسن وقعه في النفوس ، وتتهاداه الألسن والأسماع إلا أن يكون شطراه منسجمين ، يسعد أحدهما الآخر في تأدية المعنى الذي صيغا من أجله ، وكذلك الزوجان لا تزدهي حياتهما إلا إذا انسجما ، وقام كل منها بنصيبه من حقوق الزوجية ، وظلا يعيشان في منزل ظهارته المهابة ، وبطانته الصيانة. ________________________________ (1) رخيم الصوت |