مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : المجتمعات البشرية في طريق التفتت والانحلال    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )
 ضياء  
26 - أكتوبر - 2008
أندريه لوبو André Lebeau هو رئيس المركز الوطني للدراسات الفضائية ( CNES ) والمدير العام السابق لمركز الأرصاد الجوية في فرنسا ، وهو قبل كل هذا دارس وباحث في الفيزياء الفضائية ، أصدر منذ مدة قليلة عن دار غاليمارد Gallimard كتاباً بعنوان : " الحصار الكوني " ( L'Enfermement Planétaire ) يدق فيه ناقوس الخطر ، ويتوسع في شرح فرضية تقول : بأن المجتمعات البشرية تعيش في عصرنا الراهن حصاراً كونياً سوف يقضي عليها لأن الأرض التي نسكنها ، والتي هي ملاذنا الوحيد ، لم تعد تتسع لنا ، وبأن المجتمع البشري مهدد بالانفجار الداخي على المستوى البيئي والاقتصادي والاجتماعي .
هذا الافتراض القاسي والمتشائم إلى حدود الغرابة يشرحه " لوبو " بتأكيده على أن الإنسانية تتوجه بسرعة قصوى ، وتندفع في طريق لا رجعة فيها ، نحو الكارثة النهائية : أي التفتت وانحلال المجتمعات الإنسانية ، مما سيقود ربما إلى اختفاء النوع الإنساني من على سطح الأرض . فالانفجار السكاني ، والتبذير الغير محسوب للموارد الطبيعية ( ماء ، أوكسيجين ، بترول ... ) وتلويث كل السمات الخاصة بالأرض ( انقراض الكثير من الأنواع النباتية والحيوانية) وعدم وجود بديل في الفضاء ( أي عدم وجود كواكب أخرى صالحة للنوع ) سيؤدي ، بتقديره ، إلى تحلل المجتمعات ومن ثم انقراض النوع . متى ؟ بعد قرن أو قرنين ، أي غداً !
أما التكنولوجيا ، فهو لا يأمل منها شيئاً ! وأما العولمة ، فهو ينتقدها بشدة ويفضح ممارسات النيوليبرالية ( الليبرالية الجديدة ) التي ترتكز على مبدأ التطور الدائم المؤَسَّس بدوره على مبدأ تضاعف الأرباح بشكل مستمر ، ويتهم نظرية التطور الدائم هذه بالنفاق الذي لا يفيد إلا في مضاعفة الاختلال وعدم التوازن الكوني . إنه يوجه ضربات موجعة إلى النظام العالمي وآلته التي تدور وتطحن العالم . ضربات قاسية ، لكنها مصيبة !
وما سأنقله لكم في هذا الملف ، هو ترجمة للمقابلة التي أجرتها معه صحيفة لوبوان Le Point الأسبوعية الفرنسية في عددها الصادر بتاريخ 9 تشرين الأول 2008 ( العدد 1882 ) . أجرى الحوار فريدريك لوفينو Frédéric Lewino ، وقمت بترجمته بنفسي نظراً لأهميته بنظري ، لما يثيره من رؤية ، وما يطرحه من أفكار ، أرجو أن تحظى هنا بالنقاش الوافي لأنها تعنينا جميعاً .



*عرض كافة التعليقات
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
محدودية الزمن    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
السؤال البديهي الذي يفرض نفسه ويُطرح بمثل هذه الحالة هو : هل لا يزال أمامنا متسع من الوقت لتعطيل هذه الآلية الكارثية التي تسير بنا نحو الهلاك ؟
يشك صاحب هذه النظرية في إمكانية ذلك لأن جينات التطور الوراثي للنوع الإنساني ، كما يقول ، تبرمج الإنسان لكي يغزو ، في كل مرة ، مساحات جديدة ، ولكي يتغلب على أقرانه ، إنما ليس قطعاً ، لكي يواجه " الأرض " التي تضمحل أمامه في كل يوم . ولو كان هناك حلول ممكنة لإيقاف النمو السكاني المتصاعد ، ولتقليص حجم الاستهلاك للطاقة ، ولمزيد من العدالة في توزيع الثروة ، فكيف نقنع بها البشر ؟ وعلى أية رافعة ثقافية سوف نعتمد لكي يستجيبوا لنا ؟
 قيمة هذا الكتاب لا تكمن في تقديم أجابات وإنما ، وعلى أقل تقدير ، في طرحه للسؤال :
ــ  ماذا تقصد بالحصار الكوني ؟
ــ إنه مفهوم بسيط يقوم على الإقرار بأن النوع الإنساني لا يمتلك أية وسيلة للهروب بأعداد كبيرة من هذا الكوكب الذي شهد تطوره ، وأنه لا يوجد أي مكان آخر يمكنه أن يعيش فيه غير هذه الأرض . وأن مصادر الطاقة من مواد أولية ، ومواد غذائية ، ومياه صالحة للشرب ، ومساحات سكنية ، كلها مواضيع يجري التصارع حولها ، وأن هذا النزاع غير مؤهل إلا للتطور بوتيرة تصاعدية ، وإلى ما لا نهاية ودون أن يؤدي هذا إلى حدوث انقطاع أو أي تحول جذري في السلوك العام .

ــ كان " نادي روما " ( جمعية من العلماء والمثقفين تأسست في العام 1968 ) قد تنبأ في حينها بنفاذ مصادر الطاقة ، لكنه أخطأ .
ــ أخطأ في تحديد المدة ، إنما ماذا يعني قرن أو قرنان من عمر التاريخ الذي يـُحْسَبُ بالقرون ؟ في حين أن قصر النظر العام إزاء المستقبل يستخدم نظام العشريات لرصد التحولات القادمة !

ــ كيف تكون رئيس مركز البحوث الفضائية ولا تثق بالتطور التكنولوجي لحل هذه المشكلة ؟
ــ لا تستطيع التكنولوجوجيا بحكم ماهيتها ( خواصها وتكوينها ) كسر هذا الحصار ، لأنها غير مؤهلة لذلك ، وبغض النظر عما تثيره برامج " غزو الفضاء " في مخيلتنا من الأوهام . إن تصورنا للمستقبل عبر التقييم الاستقرائي ( تعميم الجزئي على الكلي ) المباشر للماضي يعني ، في الحقيقة ، بأننا نقف بمستوى الدرجة السفلى في سلم التوقعات . ما أقوله هو : أن عنصراً جديداً قد ظهر وفرض نفسه ، وهي الخاصية المتعلقة ب " محدودية " عمر الأرض التي نعيش عليها ، ومع كل ما يترتب عليه من علاقة تفاعل شاملة بين البشر ومسكنهم .
( يتبع )
*ضياء
27 - أكتوبر - 2008
نظام التبادل    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ هل تجاوز عدد سكان الأرض قدرتها على الاستيعاب ؟
من المرجح أن تكون الأرض قادرة على إطعام تسعة مليارات من البشر ( وهو العدد المتوقع لسكان العالم للعام 2050 ) . إنما من المؤكد أنها لا تستطيع أن تؤمن لكل فرد ، حصة موازية لما يحصل عليه الأوروبي حالياً ، وأقل بكثير مما يحصل عليه الأميركي . إن المستوى المعيشي الذي يتمتع به البعض ، اعتباراً من عصرنا الحالي ، لا يمكن فصله عن مشكلة التفاوت وعدم المساواة ، أي عن الفقر المدقع الذي يعيشه البعض الآخر .

ــ أنت شديد القسوة حيال النيوليبرالية التي تعتمد على مبدأ تطور الإقتصاد .
ــ كتبت سابقاً :بأننا لا نعرف حتى يومنا هذا نظاماً إقتصادياً فعَّالاً سوى اقتصاد السوق . والخطر العام الذي يتهددنا لا يستدعي طروحات ثورية . وهذا يسعدني أنا ، شخصياً . غير أن ما يثير حساسيتي لدى أولئك الذين أسميتهم بالنيوليبراليين ، هو أنهم صنعوا من اقتصاد السوق بناءاً إيديولوجياً كأنه النسخة الأخرى السالبة للإيديولوجيا الشيوعية . والإيديولوجيا ، كما نعلم جميعنا ، تعفينا من التفكير ، بل تمنعنا عنه . وكل إصلاح ممكن لهذا النظام الاقتصادي ، كالذي تقدم به جوزيف ستيغلتز Joseph Stiglitz الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد ، يبدو كأنه شيء من الهرطقة التي تستثير لعنات " كهـَّان المعبد " . في الوقت الذي توجد فيه ثغرة أساسية لمعاينة السوق هي : التعامي عما يمثله الإرث العام .
والغريب هو أننا نحكم على مستوى غنى بلد ما نسبة إلى قيمة الإنتاج والدخل القومي (PIB ) ، وعلى مستوى الفرد ، نسبة لما يمتلكه من ميراث . نحن لا ننظر إليه على المدى الطويل ، وميراث الموارد الطبيعية لا يدخل في هذه الحسابات .

ــ لماذا تقول بأن العولمة الإقتصادية تزيد في هشاشة العالم بدلاً من تقويته ؟
إن تعقيدات العولمة تمنع إمكانية التوافق ، وإمكانية السيطرة على الخلافات . وسيكون هذا محركاً للتشنجات والصراعات الدائمة . إن انهيار نظام التبادل يمكن أن يؤدي إلى كارثة ذات أبعاد كونية . إن تدمير أو إقصاء هذه الدولة أو تلك ، ممن تمتلك مصادراً لهذا النوع الطاقة أو ذاك ، سوف يتسبب بعرقلة نظام التبادل . هذا النظام من علاقات التبادل هو في الوقت عينه ، شديد القوة ، وشديد الهشاشة . وما نشهده اليوم من أزمة مالية هو مثال من ضمن أمثلة أخرى .

( يتبع )
*ضياء
28 - أكتوبر - 2008
هل سيتمكن الإنسان من التأقلم ؟    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ ألا يمكن لاستمرارية التطور أن تعيد مسيرة الإنسانية إلى اتجاهها الصحيح ؟
إنها مجرد كلمة ( التطور ) حيث يبقى ، من دواعي الظن ، أن يكون لها دلالات مغايرة عن كونها
خادعة وتافهة . إن النمو والتطور لا يمكن تصورهما في الدول المتطورة إلا إذا ارتكزا على هوة اللاتوازن وعدم المساواة التي تعجز الحدود ( السياسية ) عن احتوائها .

ــ إن أكثر ما يثير القلق في تحليلك هو كون الإنسان لا يبدو مهيأ أبداً للحصار الكوني .
 ــ بالفعل ، إن المحددات الوراثية للنوع الإنساني تشكلت عبر تطوره في محيط غير محدود وهي لا تتكيف ، على الإطلاق ، مع الطابع " المحدود " للفضاء الكوني . ولا يوجد أكثر تعارضاً ، للتحكم بالعلاقة بين النوع الإنساني والأرض ، من هذه النزعة إلى الانقسام والمواجهة العامة التي ترتكز على مبدأ الوفاء للجماعة .

ــ ما السبيل إذن لاستنفار البشرية ؟
ــ كان " لافونتين " ( La Fontaine 1621- 1695 ) قد تطرق لهذا قائلاً : " عندما يتطلب الموضوع إسداء النصحيحة ، يغص البلاط بالمستشارين ، وعندما يأتي وقت التنفيذ ، لا نجد منهم أحداً . " عندما كتبت هذا الكتاب ، لم يكن بنيتي العمل ، ولا إسداء النصيحة ، إنما فقط رسم الصورة وتقييم واقع الحال كما يمكن لمراقب خارجي أن يفعل وهو يطرح السؤال التالي : ما الذي سوف يحدث ؟ وهذا يمكنني من التجرد من كل الخيارات والأحكام الأخلاقية . إنما القيام بعمل ما ، لا يستطيع
بكل تأكيد ، أن يتم بمعزل عن خيار أخلاقي محدد ، غير أن دور المستشار يجب أن ينأى ، من حيث المبدأ ، عن هذه القيود .

ــ ألم يتأخر الوقت بعد للتحرك ؟ وهل يجب علينا أن نخشى انحلال المجتمعات البشرية ؟
ــ حاولت أن أبني رؤية يتصارع فيها ، في مواجهة تثير لدي الشك ، المحددات الوراثية العميقة للنوع ، وقدرته على مواجهة سلوك غريزي بواسطة مكتسبات ثقافية . والمتوقع هنا ، للأسف ، هو حالة من النكوص للمجتمعات الإنسانية . يمكننا أن نتوقع تفتت الروابط التي تؤلف ، بشكل جزئي ، بين مجموعة ما ، وانحلال المجتمعات ، والعودة إلى القبائل التي سيكون بإمكانها استخدام فتات ثقافات أو تقنيات ، والذين سيواصلون ، ربما ، على صنع أسلحة بدائية ( كلاشينكوفات ) لحسم الخلافات فيما بينهم . بيد أنني لا أتكهن بالنتائج . وكتابي لا يمكن اعتباره متشائماً أو متفائلاً . إنه مبني على الفكرة التي تقول بأن : أكبر خطر يتهدد الإنسان هو التعامي عن الحقيقة . وأنا لست نبياً لأتكهن بالباقي .
( تمت )


*ضياء
31 - أكتوبر - 2008
تعقيب ...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
الأستاذة الفاضلة ضياء خانم ،
تحية متجددة ،
قرأت باهتمام ترجمتك للمقال سالف الذكر ، وهو كعادة مقالاتك مثير للاهتمام وللجدل ، وقد عدت إلى النص الفرنسي ، فوجدت الترجمة متآلفة مع النص ، على خلاف عادة الخيانة المتأصلة فيها ...
فوددت أن أناقش بعض ما جاء فيه ....
 
لا ريب أنّ الأزمة المالية العالمية الحالية قد دفعت بالتفكير الغربي إلى تقصي حدود مفاهيم الليبرالية والعولمة والرأسمالية، وهذا أمر ليس بالجديد ، إذ أنّ الغرب كمنظومة حضارية ، يحاول تجاوز كل أزمة تحل به بمسائلة بعض مسلماته ونظرياته ومناهجه ...
 
كان الأمر كذلك مع العقلانية الديكارتية ، ثمّ نقدها النيتشوي ، ممهدة لبروز تيارات الحداثة ومابعدها على الصعيد الفلسفي .
 
وعلى الصعيد الاقتصادي ، حاول الاقتصاد الكينزي تعديل النزعة الكلاسيكية وفكرة اليد الخفية ، بدعوة الدولة إلى التدخل في حدود ضيّقة ، بعيدا عن التوجه الإرادي ذو النزعة الاشتراكية ...
 
وفي السنوات الأخيرة ، تحوّل الخطاب الغربي إلى الاهتمام بمواضيع البيئة والتنوع والنمو اللامتكافئ ... مع تراجع حاد في الخطاب الفلسفي الذي يؤسس لهذه الرؤى ... وغدا برنارد هنري ليفي أحد فلاسفة فرنسا الأوائل ، على ضحالة تصوراته وتحيزها الشديد ...
 
وإذا أخذنا فرنسا عينة لهذا البحث الغربي عن تساؤلات ترتبط بوجوده واستمراره ، لاحظنا كيف التقى اليسار واليمين على مدونة نيكولا هولو حول البيئة ، على قلة ما يؤيد اليسار فيها اليمين ... وكذا تعالي الصوت الرسمي ، في شخص الرئيس الفرنسي ، في نقد الليبرالية المتوحشة ، والرأسمالية المالية الافتراضية اللاأخلاقية ...
 
هل الحديث عن الأخلاق في هذا السياق ضربا من المثالية والطوباوية الفلسفية ... ليس الأمر بهذه البساطة ...
يبدو لي أنّ حصر النقاش في سياق " قلة الموارد الطبيعية عن كفاية الذوات الانسانية " الطماعة " بغريزتها " سؤال تقليدي ، لا يتجاوز مسلمة مالتوس الكلاسيكية ، حول الفرق بين النمو الانساني ونضوب الموارد ...
 
منذ مدّة ليست بالبعيدة ، قالت المستشارة الألمانية ميركل أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأولية ، يعود إلى ارتفاع النمو في الدول المتوسعة Pays emergents ، حيث أصبح الصيني يتناول صحني أرز بدل واحد ، وغدا الهندي طامحا لركوب سيارة جديدة ...
 
وهذا التصريح في رأيي يعبر عن عمق الأنانية الغربية ، ونزعة الاستعلاء على الآخر ، إذ لا مجال للمقارنة بين هذا " النهم " الغذائي مع نهم مضاربي البورصات ومحتكري أسواق المال والغذاء في وول ستريت وفي شيكاغو ...
 
يبدو لي أنّ الأمر يستدعي مراجعة جذرية لطبيعة النظام (أو اللانظام) الذي يحكم العالم ، ليس بالرجوع إلى خطابات النظام الدولي الجديد وعلاقات الشمال بالجنوب ... بل بمراجعة الأصول الفلسفية التي تحكم هذا النظام ، وهو أمر لا يتم في أبراج فلسفية فحسب ، بل يرتبط بطبيعة النظم السياسية وبأشكال الاقتصاد الليبرالي ... وغيرها ... وهو أمر قد يكون متعذرا بل مستحيلا في ظلّ المعطيات الحالية ...
مع التحية
زين الدين
*زين الدين
2 - نوفمبر - 2008
صياغة الأسطورة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
مساء الخير أستاذ زين الدين :
سرني جداً اهتمامك بالموضوع وثناؤك على ترجمتي المتواضعة .
لقد أثار تعليقك الكثير من الأسئلة التي أتمنى أن نجد الوقت الكافي ، والصبر الكافي ، لنقاشها ، لأنها أسئلة صعبة ومتفجرة ، كونها شديدة الالتصاق بهموم واقعنا الراهن .
لا شك عندي ، وكما ألمحتَ في تعليقك بأن الغرب ، والغرب الأوروبي تحديداً لأنني أجيد التحدث عنه أكثر من غيره ، يعيش اليوم أزمة هوية ، وأزمة اتجاه ، وذلك منذ انهيار المنظومة الإشتراكية ، وانهيار جدار برلين ، ومنذ بدأت الأزمة تتفاقم بين التمثيل السياسي وقاعدته الشعبية وكما عبرت عنها نتائج الاستفتاء الشعبي الذي صوتت ضده القاعدة الشعبية لبلدان المنظومة الأوروبية والمتمثل بمعاهدة ماستريتش ( عام 2002 في فرنسا ) . يضاف إلى هذا طبعاً حرب العراق وتبعاتها ، وحرب أفغانستان التي بدأت نتائجها تظهر اليوم ، وأزمة البطالة والتفسخ الاجتماعي نتيجة لمعطيات ديموغرافية جديدة لم يعد بالإمكان تجاهلها ، وأزمة جورجيا ونتائجها ... وأخيراً نتيجة الأزمة المالية الأخيرة حيث نجد بأن الثقة بالطبقة السياسية الحاكمة بلغ حده الأدنى ، بينما بلغ الخوف والقلق من المستقبل حده الأقصى .
فمنذ هزيمة الشيوعية ( وكلنا يعلم بأن النخبة المثقفة الأوروبية كانت ذات غالبية يسارية ) لم تتمكن هذه النخبة من إيجاد بديل آخر لليبرالية ، وهي تعلم بأن هذا البديل الإيديولوجي لن يتمكن من العيش والاستمرار لو لم يتعايش في داخله الواقع مع الأسطورة : كان بيار ريكوار قد فصل هذه العلاقة الجدلية بين النظام السائد والطوباوية من جهة ، وبين المعايير المشتركة ( للشعب ) والإيديولوجية من جهة أخرى . وبينما تكون مهمة الطوباوية هي عرض المشكلة وتحديد الهدف ، يكون دور الإيديولوجيا هو : إضفاء الشرعية على النظام القائم .
وبينما تجهد النخبة في صياغة أسطورة مجتمع الإعلام والمعرفة ، وهي الأسطورة التي تمتلك خاصية الجمع بين الإيديولوجيا الليبرالية والتطور التكنولوجي والبعد الطوباوي الخاص بالعقلانية العالمية كما صاغها عصر الأنوار ، يجهد المواطنون المسلمون بالنظام القائم الذي لا بديل عنه حالياً في البحث عن الأمان المفقود عبر أشكال من التذمر الاقتصادي وبالقدر المسموح به ديموقراطياً ، وعبر أشكال من العنصرية ( المرفوضة من النخبة ) التي تتجلى في كل يوم بأسلوب مختلف وبالانزواء داخل حدود الجماعة التي تعبر عن هذا الأمان المفقود داخل هوية فضفاضة وتعبر عن فقدان الثقة بالنخبة المثقفة التي تعرض عليها مستقبلاً طوباوياً وأسطورياً .
إن ما ذكرته حول المقالة التي قمت بترجمتها ، وحول ما تمثله رموز اجتماعية كنيقولا هولو ( حماية البيئة ) ، والتراجع الذي وصفته بالحاد للخطاب الفلسفي ( ولا أظن بأن هناك من يعتقد بصدق بأن برنارد هنري ليفي هو فيلسوف رغم كل ما يغدقه من المال للحصول على هذا اللقب ) كل هذا ، ضمن معطيات أخرى ، تدل على أن هناك أزمة تشكيك بالمعطيات البديهية (  الليبرالية وثقافة عصر الأنوار ) يجري طمسها وتعويمها داخل هذه السيناريوهات الكارثية حتى ولو كانت هذه الطروحات ترتكز إلى عناصر واقعية وحقيقية .
 نعم ، إن ما طرحته من خلال عرضي للمقالة  كان بقصد التحليل والنقاش وليس بقصد تنبني الموقف رغم أن أكثر المعطيات صحيحة ولا غبار عليها ، ورغم أن الموقف ضروري وأكثر من ملح ، إلا أننا بحاجة للنظر بطريقة أشمل وأعمق قبل تبني أي موقف ، لذلك تجدني سعيدة جداً بتعقيبك وملاحظاتك الذكية .

*ضياء
3 - نوفمبر - 2008
بول فيرليو : لعنة التيه    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
استكمالاً للنقاش الذي كنا قد بدأناه في المقالة السابقة ، سأعرض عليكم وجهة نظر فيلسوف متخصص بدراسة المجتمعات المدنية ( Philosophe - Urbaniste ) هو بول فيريليو Paul VIRILIO الذي يعتقد أيضاً بأن العالم قد وصل إلى نهايته بسبب أننا سرَّعنا حركة الزمن وألغينا الجغرفيا من التاريخ ، وأن السرعة التي باتت تحركنا هي التلوث المضمر الذي لا نتحدث عنه ، وأن اختصار الوقت ( اختصار الزمن ) هو تقليص للمساحة والامتداد بحيث باتت الأرض صغيرة جداً وأخذت تضيق بنا .
ما سأنقله هنا ، هو نص المقابلة التي أجرتها معه مجلة النوفيل أوبسرفاتور Le Nouvel Observateur  الفرنسية بعددها الصادر في 27 تشرين الثاني 2008  . أجرى المقابلة : François Armanet et Gilles Anquetil . والمقال بعنوان : " لعنة التيه " .
*ضياء
10 - ديسمبر - 2008
السرعة هي القدرة     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ هل الأزمة الإقتصادية الراهنة هي حدث عارض كغيره من الأحداث ؟
ــ لا بل هي حدث كلي ، والبعض يقول بأنه حدث في أصل البنية ( systémique ) ، وأنه حدث مؤسس لنظام ( جديد ) . وهل يمكننا أصلاً تصنيفه ب " الحدث " ؟ بالطبع لا ، لأننا بصدد نوع جديد من " الحدث العرضي " الذي يضع طبيعة التطور موضع تساؤل . غالباً ما نعود لأحداث 1929 ( انهيار بورصة نيويورك ) كمرجع في هدا الموضوع ، لكن مصدر الفوضى الحاصلة حالياً يعود إلى العام 1987 ( الانهيار الثاني في بورصة نيويورك ) والذي تسبب به ال Program Trading ، تاريخ ربط المبادلات المصرفية وعمليات البورصة بشبكة الإتصالات الفورية ، أي ربطها بامتدادات إفتراضية ( Flux virtuels ) منفصلة عن الواقع وهو ما أسميناه بوقتها " الانفجار الكبير " Big Bang الذي أدى اليوم إلى " الفجوة الكبيرة " ( Big Crunch) في قطاع التسليف . لقد شاهدنا بروز عالم البورصة أمام أعيننا بطريقة حية ، مباشرة ، ورأينا كيف يتم التبادل لهذا الكم الكبير من العمليات بسرعة الضوء . والنتيجة هي أننا ، بعد عشرين سنة ، لدينا برامج يصعب السيطرة عليها ، وأنظمة حسابية فيما يخص " المال والفرضيات الاحتمالية " مصطنعة ولا عقلانية . الحسابات الرياضية طغت على التفكير الاقتصادي السليم ، والرأسمالية سرَّعت الخطى . لم تعد البنوك تعرف أين يجري كل هذا ! والطارىء الجديد هو أنه لم يعد هناك مكان محدد لما يحدث ، إنه في الشامل واللامحل ، ولم نعد نستطيع تحديد موقع الخطر . والأسهم " السامة " كانت قد انتشرت في عالم الاتصالات الإفتراضي .
لكن التاريخ كله يرتكز إلى الجغرافيا : الأرض ، الملك العقاري ، المناجم ... الإنسان هو السماد . ليس من سبيل الصدفة أن تكون الأزمة الحالية قد بدأت في قطاع العقارات ( السكن ) . للملك العقاري هيمنة قوية على التاريخ . في أثينا مثلاً ، كان عليك أن تكون مالكاً لكي تكون مواطناً .( يقصد بهذا مفهوم الثبات والاستقرار في مكان واحد ) . إن تسريع وتيرة الحركة في مجتمعاتنا كانت قد بدأت في القرن التاسع عشر مع الانقلاب الذي حصل لوسائل النقل . وأما الثورة الثانية فقد حصلت في مجال سرعة انتقال الأخبار والمعلومات . الثورة الثالثة هي اليوم في طور التحضير : هي عملية النقل والزرع بواسطة الكبسولات ( puces ) . لقد اجتاحت السرعة ليس الجسم الاجتماعي فقط ، بل حتى جسم الإنسان .
يكمن الإنقلاب الحاصل حالياً في هذه : الفورية ، والتزامن ، والتواجد في كل مكان ( l'instantanéité , l'Ubiquité , la simultanéité ) وهي من صفات الألوهة الخارقة .  مجتمعاتنا الحديثة التي هي بالإجمال مجتمعات علمانية تنكر هذه الصفات ، في الوقت الذي تقوم فيه بتحريكها باستمرار . وإذا كان " الوقت من ذهب " ، فإن " السرعة هي القدرة " . يقول التجار والموزعون : كلما ازدادت رقعة الامتداد ، كلما خفَّ الاحتياطي . الامتداد هو السرعة ، والاحتياطي مساوي للصفر ، أي أنه لا يوجد تراكم . إن هذا الصراع داخل الرأسمالية اليوم أدى إلى الانهيار الكبير : تعارض مبدأ السرعة مع مبدأ التراكم .
( يتبع )
 
*ضياء
10 - ديسمبر - 2008
أرض الوطن    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ موضوع " السرعة " هو في القلب من المعرض " أرض الوطن " ( Terre Natale ) الذي تقيمونه مع ريمون دوباردون ( Raymond Depardon ) لدى مؤسسة " كارتييه " . هذا الثنائي الذي تؤلفانه معاً يبدو غريباً : دوباردون هو البدوي ، الريفي ، المحب للحياة الهادئة ، نموذج الشعوب الآيلة للانقراض . وأنت المدني ، الحضري ، المنـَظـّْر للسرعة و" اللامحسوس " ( الافتراضي ) ( virtuel ). ما الذي يجمع بينكما ؟
 
ــ التناقض بين المدينة والقرية هو ما يجمعنا . وهذا التناقض هو الذي صنع تاريخ أوروبا . أنا ابن مهاجر إيطالي " غير شرعي " ( clandestin ) ودوباردون فلاّح . من جهته : توجد الحياة الريفية ، التجذر ، السياسي والجغرافي . من جهتي : المدينة ، فقدان الجذور ، واليوم صحراء التيهلأننا اليوم في مرحلة حلت فيها هجرة المدن إلى المدن مكان هجرة القرية إلى المدينة . إن المدن التي تحتوي على 20 إلى 30 مليون إنسان هي دليل على فشل المدنية والتحضر . إنها لحظة خارقة ( inoui) تهم رجل السياسة ، كما تهم الإقتصادي أو الباحث المدني . المدينة كانت تعني : التراكم . هذه المدن التي تحتوي اليوم على 20 إلى 30 مليون من البشر تعني فشل الرأسمالية التي تعتمد على التراكم .
الغريب أن دوباردون هو حضري ودائم الترحال ، وأنا رجل يتحدث عن السرعة دون أن يبرح مكانه . أنا أفكر بما يتعلق بخط السير . وهو ، رجل الصورة ، يفكر بما يخص الموضوع . غير أن ثورة " الترحيل "  الشاملة (  délocalisation globale ) الحالية سوف تفتتح عصر ما أسميه ب : " المسيرية " ( Trajectivité ) ( وتعني سجلاً يرسم الخط الزمني لتاريخ مسيرة كل شخص وحركة تنقله )  كما كانت الفلسفة بالأمس تتحدث عن الذاتية والموضوعية ( objectivité et subjectivité ) .
 
*ضياء
11 - ديسمبر - 2008
ما وراء المدينة    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ مهجرون ، معتقلون ، لاجئون ، مطرودون خارج أو أوطانهم أو محتجزون في مخيمات مؤقتة ... هؤلاء يعدّون بالملايين . ما الذي ستحدثه هذه الظاهرة الغير مسبوقة في التاريخ من تغييرات في العالم ؟
ــ هناك حوالي ال 200 مليون إنسان يعيشون اليوم خارج أوطانهم . بعد أربعين سنة ، سيرتفع عدد أولئك الذين سيغادرون بلدانهم بسبب الوضع الإقتصادي ، أو بسببب سخونة المناخ ، أو بسبب الكوارث الطبيعية ، أو الحروب ، إلى المليار إنسان ، وسنضطر لأن نجد لهم مكاناً بشكل أو بآخر . لقد تغير اتجاه المد الإنساني : فالمستعمـَرون القدامى ينزحون اليوم باتجاه البلدان التي استعمرتهم في الماضي . أزمة الهجرة هذه لا مثيل لها في التاريخ ، وهي تعيد تعريف البداوة والمدنية على نحو مختلف عما ألفناه . تحصل هذه الهجرات في الوقت الذي يبقى فيه " المتوطن " في موقعه بفضل وسائل الإتصالات والتكنولوجيا الحديثة ( أنترنيت ، هاتف محمول ... ) وأينما وجد ، بينما يعيش المهجَّر في اللامكان ، لأنه منذ الآن فصاعداً ، وخارج مسكنه المؤقت ، سيكون في ارتحال بدون نهاية ، ليس فقط بين البلدان المختلفة ، وإنما أيضاً داخل البلد الواحد والأرض الواحدة . إن المخيمات المؤقتة للاجئين لا تأتي لتحل فقط مكان أحزمة البؤس التي كانت تحيط سابقاً بالمدن ، بل لتحل مكان المدن نفسها . إنها المدينة العملاقة ( mégalopole ) للمهمشين بمختلف أصولهم والتي ستأتي لتنافس تلك المدن الحقيقية " للمندمجين " الذين يعيشون " ما وراء المدينة ( Outre Ville) .
كان للمدنية ، في مجتمعاتنا ، سيطرة على البداوة . مغزى التاريخ هو أن نفهم : كيف تحولت المجتمعات المتحركة ( المرتحلة ) إلى مجتمعات ثابتة ( متوطنة ) . هذا النموذج أصبح لاغياً . أتحدث عن " ما وراء المدينة " لأننا نتجه صوب مدنية متحركة ، يسكن فيها من يعيش في المتحرك وليس في الثابت . إنها اليوم هجرة المدينة إلى " ما وراء المدينة " ، المدينة المائجة لوسائل الإتصالات ، للمطارات ، للمحطات الكبيرة ، للموانىء ، والتي أصبحت مفترق العولمة . الغريب هو أننا ، ومنذ انهيار جدار برلين في العام 1989 ، لم نبن جدراناً ، ولم نحفر أنفاقاً أكثر مما فعلنا اليوم . هناك أكثر من عشرين حائطاً بنيت كالذي يفصل بين المكسيك والولايات المتحدة الأميركية ، أو كالجدار الذي بنته إسرائيل في الضفة الغربية ، وحتى في داخل المدينة الواحدة ، كالسور الذي شيد في مدينة بادو( Padou ) الإيطالية لعزل أحياء الغجر .
 
*ضياء
11 - ديسمبر - 2008
عظمة الكون    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ــ ما هي الهوية الممكنة لهؤلاء " البدو العصريين " ؟
ــ يعيش البدوي الجديد في خيم على تخوم العواصم ، أو في مخيمات الترانزيت ... التنقل أصبح بيته الجديد . كانت المدينة في السابق تـُعـَدُّ مكاناً منتخباً اخترنا أن نحيا فيه . والمكان المنتخب هو " المحل " ، هو المدنية والهوية . اليوم ، أصبحت المدينة مكاناً للضخ ، وفي المدينة " العمومية " ( Omni - Polis ) نحن في كل مكان ، وفي اللامكان . هذه الظاهرة تعيد النظر بمفهوم الهوية التي كانت في السابق محلية ( تابعة للمحل الجغرافي ) . مفهوم الهوية يتخلى اليوم عن محتواه ليصبح مسيرة فردية كما تخشى " المؤسسة الوطنية للمعلوماتية والحريات " (CNIL ) . لأنه لن يكون لكل واحد منا " ملفاً معلوماتياً " فقط ، وإنما سجلاً كاملاً يتبع أثرنا أينما كنا ويجعل من مكان سكننا أمراً بدون أهمية . خارطة التنقل ستحل محل الجغرافيا . سيكون للإنسان " المتحضر " أثر دائم ، وسيخضع للمراقبة بشكل مستمر . سرعة وسائل الاتصال ستجعل من هذه المطاردة الدائمة شيئاً ممكناً . كيف نحتفظ إذن بهويتنا الوطنية ؟ كان أحد رجال المطافىء قد حكى لي يوماً أنه عندما قام في إحدى المرات بمساعدة امرأة على الولادة داخل قطار ، كانوا قد أوقفوا القطار بوقتها لكي يتمكن الطفل من الحصول على " مكان الولادة " . اليوم ، ما من أحد بستطيع أن يوقف القطار السريع (TGV!)
 
ــ المدينة كانت تعني أيضاً أسلوب الحياة الذي نحيا به معاً ....
ــ نعم ، كان هناك التهذيب ، واللياقات ، واليوم حلت مكانها العدوانية . لماذا ؟ لأننا لم نعد نعرف بعضنا البعض . كان معدل حركة التبدل السكاني في المدينة ، أي متوسط المدة التي نقضيها في سكن معين ، أيام شبابي ( هو من مواليد 1932) تتراوح بين 10 إلى 15 سنة . كان بإمكاننا تكوين صداقات خلال هذه المدة . لقد تدنت هذه النسبة اليوم إلى أربع أو خمس سنوات ، وهي تقارب السنتين في المجمعات السكنية الكبرى . ليس من الممكن في هذه الحالة إقامة علاقات مع الجيران ، وهذا هو سبب التوجس الدائم والشعور بعدم الأمان .
 
ــ لماذا تقول بأننا نشهد اضمحلال العالم ؟
ــ الاكتشاف هو : أن العالم قد انتهى ، وأنه لم يعد هناك على سطح هذه الأرض متسع للجميع ، وأن العلم قد أنهكها وامتص كل قدراتها وألغى فيها المسافات . إنها نهاية الجغرافيا . نحن في أزمة اضمحلال العالم . تفاقم السرعة هو التلوث الذي لا نتحدث عنه أبداً . تقليص الوقت هو إفقار لاتساع الأفق . ما أُتلف هو " عظمة الكون " .
 
( تمت )
*ضياء
12 - ديسمبر - 2008

 
   أضف تعليقك