تعقيب ... كن أول من يقيّم
الأستاذة الفاضلة ضياء خانم ، تحية متجددة ، قرأت باهتمام ترجمتك للمقال سالف الذكر ، وهو كعادة مقالاتك مثير للاهتمام وللجدل ، وقد عدت إلى النص الفرنسي ، فوجدت الترجمة متآلفة مع النص ، على خلاف عادة الخيانة المتأصلة فيها ... فوددت أن أناقش بعض ما جاء فيه .... لا ريب أنّ الأزمة المالية العالمية الحالية قد دفعت بالتفكير الغربي إلى تقصي حدود مفاهيم الليبرالية والعولمة والرأسمالية، وهذا أمر ليس بالجديد ، إذ أنّ الغرب كمنظومة حضارية ، يحاول تجاوز كل أزمة تحل به بمسائلة بعض مسلماته ونظرياته ومناهجه ... كان الأمر كذلك مع العقلانية الديكارتية ، ثمّ نقدها النيتشوي ، ممهدة لبروز تيارات الحداثة ومابعدها على الصعيد الفلسفي . وعلى الصعيد الاقتصادي ، حاول الاقتصاد الكينزي تعديل النزعة الكلاسيكية وفكرة اليد الخفية ، بدعوة الدولة إلى التدخل في حدود ضيّقة ، بعيدا عن التوجه الإرادي ذو النزعة الاشتراكية ... وفي السنوات الأخيرة ، تحوّل الخطاب الغربي إلى الاهتمام بمواضيع البيئة والتنوع والنمو اللامتكافئ ... مع تراجع حاد في الخطاب الفلسفي الذي يؤسس لهذه الرؤى ... وغدا برنارد هنري ليفي أحد فلاسفة فرنسا الأوائل ، على ضحالة تصوراته وتحيزها الشديد ... وإذا أخذنا فرنسا عينة لهذا البحث الغربي عن تساؤلات ترتبط بوجوده واستمراره ، لاحظنا كيف التقى اليسار واليمين على مدونة نيكولا هولو حول البيئة ، على قلة ما يؤيد اليسار فيها اليمين ... وكذا تعالي الصوت الرسمي ، في شخص الرئيس الفرنسي ، في نقد الليبرالية المتوحشة ، والرأسمالية المالية الافتراضية اللاأخلاقية ... هل الحديث عن الأخلاق في هذا السياق ضربا من المثالية والطوباوية الفلسفية ... ليس الأمر بهذه البساطة ... يبدو لي أنّ حصر النقاش في سياق " قلة الموارد الطبيعية عن كفاية الذوات الانسانية " الطماعة " بغريزتها " سؤال تقليدي ، لا يتجاوز مسلمة مالتوس الكلاسيكية ، حول الفرق بين النمو الانساني ونضوب الموارد ... منذ مدّة ليست بالبعيدة ، قالت المستشارة الألمانية ميركل أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأولية ، يعود إلى ارتفاع النمو في الدول المتوسعة Pays emergents ، حيث أصبح الصيني يتناول صحني أرز بدل واحد ، وغدا الهندي طامحا لركوب سيارة جديدة ... وهذا التصريح في رأيي يعبر عن عمق الأنانية الغربية ، ونزعة الاستعلاء على الآخر ، إذ لا مجال للمقارنة بين هذا " النهم " الغذائي مع نهم مضاربي البورصات ومحتكري أسواق المال والغذاء في وول ستريت وفي شيكاغو ... يبدو لي أنّ الأمر يستدعي مراجعة جذرية لطبيعة النظام (أو اللانظام) الذي يحكم العالم ، ليس بالرجوع إلى خطابات النظام الدولي الجديد وعلاقات الشمال بالجنوب ... بل بمراجعة الأصول الفلسفية التي تحكم هذا النظام ، وهو أمر لا يتم في أبراج فلسفية فحسب ، بل يرتبط بطبيعة النظم السياسية وبأشكال الاقتصاد الليبرالي ... وغيرها ... وهو أمر قد يكون متعذرا بل مستحيلا في ظلّ المعطيات الحالية ... مع التحية زين الدين |