|
قصة الكتاب :
الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية " أهم مؤلفات ابن البيطار. وأشمل مؤلفات العرب في المادة الطبية. ذكر فيه أسماء الأدوية و الأغذية من نبات و حيوان و جماد، حسب ترتيب حروفها الهجائية . انظر في مجالس الوراق ما أتحفنا به الأستاذ ( لحسن بنلفقيه) في ملف بعنوان (النبات الطبي عند العرب) قدم فيه قائمة موسعة في توثيق ودراسة مواد كتاب الجامع. ونقتطف من بحوثه القيمة هذا التعريف بكتاب (الجامع) وهو كما يقول: من إعداد المستشرق الفرنسي " لوسيان لوكليرك " [ Lucien Leclerc] الذي ترجم أمهات كتب الطب العربي إلى الفرنسية ، و أهمها كتاب (الجامع) لإبن البيطار ، [Traité des simples d'Ibn El-Beitar ] طبع و نشر بباريز سنة ( 1877 م). وهذه الطبعة تعتبر في عداد الطبعات النادرة، والتي يصعب العثور عليها. وقد قام " لوسيان لوكليرك " أيضا بتأليف :" تاريخ الطب العربي " ، ياللغة الفرنسية ، وعنه ينقل د. حسن التعريف بكتاب (الجامع لمفردات الأدوية والأغذية) قال: (عُرِف جامع ابن البيطار في وقت جد متأخر بِأوروبا ، و لم يترجم مع الأسف في الوقت المناسب . عرفه " ألبغوس " [ Alpagus] إلا أنه لم يلجأ إليه إلا بغية إغناء معجمه عن إبن سينا . و ترجم منه مقالة " ليمون " و هي ليست لإبن البيطار ، و إنما هي منقولة عن ابن جميع . و ذكره " غيوم بوستيل " [ Guillaume Postel] في الوسط العلمي ، و عرّف به . و بالغ " هوتنجير" [ Hottinger] في عدد المواد الأصلية بالكتاب .و اعتمده " صوميز" [ Saumaise ] في بحثه عن الجناس [ homonymies] و أمده الجامع بالمادة كلها . و نهل كل من " غوليوس" [ Golius] و " بوشارت" [ Bochart] الكثير من جامع ابن البيطار . و أشاد بذكره " دربلوت" [ d'Herbelot] في مكتبته الشرقية . و أنجز " غالاند" [ Galand] ترجمة مختصرة للكتاب . و اعتمده " شولتنس" [ Schultens] كمرجع . و أثنى " كازيري" [ Casiri] على ابن البيطار كثيرا . و في مطلع القرن التاسع عشر، بدأ " أمون " [ Amon] ترجمة إلى الإسبانية إلا أنه لم يتمها . و في نفس الفترة ، عبّر "سبرنجل" [Sprengel] - و هو يكتب تاريخ علم النبات ? عن أسفه لعدم استغلاله لكتاب الجامع ، في حين كان " ساسي" [Sacy] يستثمر كنوز كتاب ابن البيطار في تأليفه لكتابه المسمى " عبد اللطيف " [ Abdellatif] . و قام مؤخرا ، مؤرخ آخر لعلم النبات ، هو " ميير" [ Meyer] ، و أفرد لإبن البيطار مقالا مطولا ، و بما أن " ميير " لم يفرق بين مفردات الأدوية و الأغذية ، فقد بالغ في عدد إضافات ابن البيطار ، إلا أن هذا لايمنع من أن هذا المقال هو الدراسة الرزينة الأولى التي تُدرِكُ قيمة ابن البيطار و تقدره حق قدره ..................و في سنة 1833 ، نشر " دييتز " [ Dietz] ترجمة لاتينية مختصرة للحرفين الأولين . و في سنة 1840 قام " سونتيمر " [Sontheimer] بنشر ترجمة كاملة بالألمانية . وإليكم نبذة عن كل ترجمة من ترجمات كتاب الجامع لإبن البيطار إلى اللغات الغربية الأوروبية................: بقيت ترجمة " غالاند " غائبة عن الأنظار و لمدة طويلة ، و لم يتنبه أحد إلى البحث عنها في رقم 11221 من القسم اللاتيني ، و لم يذكر "غالاند" الإغريقيين و جل الأطباء العرب ، لظنه أن لا حاجة لذكرهم ، فلم يبق من الكتاب سوى النصف . و رغم عيوب هذه الترجمة ، فإنها أفضل و أحسن من كل الترجمات التي سنتحدث عنها .إلا أننا نرى أن "غالاند " لم يكن يتحدث في ميدان تخصصه ، فكثيرة هي الألفاظ التي لم يكشف خباياها ، مع إغفاله للعديد من المترادفات . و نفس الملاحظة بالنسبة للأسماء التاريخية و الجغرافية ، لأن الشرق لم يكن معروفا بعد بما فيه الكفاية . و كان " غالاند " يكتب دون مراجعة لما يحرر ........... و أكبر عيب لعمل " دييتز " [ Dietz] هو كونه مختصَرًا، و لم يكن " دييتز " يتقن علم النبات ، و يجهل كل شيء عن " المغرب " ، و تسبب هذا في غياب المترادفات و الأسماء المعربة أو المجهولة للأعلام .و مما يؤاخد عليه كذلك ، حكمه القاسي على ابن البيطار ، رغم جهله له ، و اعتماده في حكمه على كتاب " ما لا يسع " و هو ما هو .................و في سنة 1840 ظهرت ترجمة ألمانية كاملة لكتاب الجامع لإبن البيطار، بقلم " سونتيمر " [ Sontheimer] ، و هي أضعف الترجمات ، و لإدراك هذا احتاج الأمر إلى القيام بترجمة كتاب الجامع ، و مقارنتها بترجمة " سونتيمر "، ليظهر الكم الهائل من الأخطاء و الأغلاط و سوء الفهم و التناقض و النزق الوارد في الترجمة الألمانية تلك . و قد أحصينا فيها ما يفوق الألفين . و لا نريد عرضها بتفصيل هنا لأننا قمنا بتقديم قسط وافر منها بالجريدة الأسيوية [ le Journal asiatique] لسنة 1867 . و نكتفي هنا ببعض الإشارات : لم يكن " سونتيمر " يملك ما يجعل منه مترجما جيدا في مادة علمية بالرغم من معرفته المتوسطة للغة العربية . و أضل كتابُـه هذا كلاًّ من " دوكندول " [ De Condolle] و " ماييرط [ Meyer] . الأول بالنسبة لل"أنبج " [ Mangue] ، و الثاني بالنسبة فيما يرجع إلى كتاب في الفلاحة نسب إلى الإدريسي و إلى الغافقي...الخ. و ما يمكن قوله عن استعجاله هو انه اعتمد نسخة واحدة ، و كان متسرعا في عمله و لا يراجع مسوداته على ما يبدو . و قد أشار " دوزي " [ Dozy] إلى هذه الهفوات بالجريدة الأسيوية . .. بقيت ترجمة الجامع تنتظر من يقوم بها تلبية لنداءات و رغبات كثيرا ما عُبـِّرَ عنها ، و تلكم هي المهمة التي التزمنا بإنجازها ، و مما ساعدنا في هذا الباب ? استئناسنا بترجمة داوود الأنطاكي ، و ابن سينا ، و كذا خمس أو ست ترجمات لمؤلفات أقل حجما من الأولى ، و كذا اعتمادنا على نسخة جيدة. و تمكنا أيضا من الإطلاع على نسخ " باريس " و " الأسكوريال " ، و على كل ما كتبه الشراح و علماء النبات و الرحالة عن الشرق ، و مكنتنا إقامتنا بالجزائر من المؤانسة مع المفردات البربرية الموجودة عند ابن البيطار، و بدأ طبع هذه الترجمة برعاية أكاديمية التسجيلات [ Académie des inscriptions]....................... قال:. يبرز فيه مؤلفه ليس فقط إسهامات القدامى و المحدثين ، بل و أيضا اكتشافاته و ملاحظاته الشخصية ، و ضبطه و تحقيقه لما يأخذ عن غيره. سيما نقولاته عن مؤلفات الإغريق التي تمثل نصف مادة الكتاب تقريبا وفي مقدمتهم " ديسقوريدس " و " جالينوس " ، و قد أورد ابن البيطار في جامعه مقالاتهما في المفردات كاملة . إلا أن تقدير عدد الأدوية المذكورة و الأغذية الجديدة في الكتاب مبالغ فيها. قال: و تجدر الإشارة هنا أن الأمر يتعلق بالأغذية و الأدوية في نفس الوقت ، و هذا ما يُنسى عادة . فقد ذهب " هوتنجر " [ Hottinger] إلى القول بأن في الجامع أكثر من 2000 مجهولة عند ديسقوريدس . و تبقى هذه المبالغة تتكرر. و سندلي هنا بحقيقة الأمر و بالأرقام . من ضمن 2330 مادة ، نجد الثلث من الأسماء المترادفة . و من 1400 الباقية يعتبر الربع منها جديدا . و إذا اعتبرنا حوالي الألف من الأدوية المأخوذة عن الإغريق ، يبقى ما يقارب الثلاثمائة دواء أو غذاء جديد عند ابن البيطار . و هذا ما نستنتجه من جرد قائمة أنجزناها لمحتوى الكتاب . و إذا استثنينا من هذه الأرقام عدد الأدوية و الأغذية المنتمية إلى الحيوان و الجماد ، لا يبقى عندنا سوى 200 نبات جديد . و هكذا نرى أننا أبعد ما نكون من الأرقام الخيالية التي قـُدِّمـَت عن مواد الكتاب في غياب الإسقاطات اللآزمة ، و هذا تقدم لا يستهان به يحققه ابن البيطار في ميدانه . أما منهجه في دراسته للنباتات : فهناك طريقتان يتبعهما في الإستشهادات عن كل مفردة، تحديد أسمائها و أشخاصها أولا ، ثم خصائصها الطبية و استعمالاتها ثانيا . و يأتي في المقدمة ذكر أطباء الإغريق ، و على رأسهم ديسقوريدس ، ثم يليهم الشرقيون . كما يتطرق إلى مرادفات إسم المادة . و بحثه الطويل حول النبات المسمى بــ" اللوطس " [ Lotus] خير مثال لأحسن نقد و تحقيق . و لا يفوته بيان الأخطاء عند سابقيه ، وإبداء رأيه ، كطعنه في تعريفهم للكهرمان [ Succin] و صمغ الصفصاف [ larmes du peuplier] . كثيرة هي الفقرات [ المواد] الخاصة بابن البيطار. و نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى " آطريلآل" [ Ptychotis verticillata] ، و "أمليلس" ، و " الصفيراء" [ Rhamnus alternus] ، و [ L'Aakouthar] ، و [ Bunium bulbocatanum] ، و [Oegle marmelos] ، و شجرة " الأركان " [ L'Arganier] ... الخ . نحن نعلم كثرة الشراح و الدارسين الذين بذلوا الجهد الكبير حول " ديسقوريدس " اليوناني و العرب ، و ذلك منذ عصر النهضة و إلى أيامنا هذه . في حين أن ترجمة كتاب ابن البيطار كانت كفيلة بأن توفر كل هذه الجهود المبذولة في أبحاث مضنية و عقيمة تتوخى إظهار اتفاق العرب و الإغريق ، و تزيل عن العرب ما أُلصِقَ بهم من انتقادات ترجع في أغلبيتها إلى الترجمات اللاتينية . و يبين ابن البيطار كذلك اصطلاح المفردات المختلفة تبعا للبلدان ، مثل ما هو الشأن بالنسبة لـ" الريحان " و " الدردار" . كما يقدم ستين اسما بربريا [ أمازيغيا ] ، أدخلها بنفسه ، أو سبقه إليها نباتيون أندلسيون ، عن طريق الغزوات أو المشاهدة المباشرة بالمغرب . و هناك لائحة غريبة للمفردات المرادفة المأخوذة من اللغة المسيحية بالأندلس ، و يسميها بالعجمية ، و المفروض أنها اللاتينية ، ما تزال منها أسماء مستعملة مثل " السا لمية " [ La sauge= Salbya] ، و " الخمان" أو " البلسان" [ Chebouka = le Sureau] ، و " صريمة الجدي " [ le Chevrefeuille = Mather Chelba] ، و " بيلسان صغير " [ l'Hièlbe =Yazgou] . و توجد اللغة الفارسية ممثلة بمائة مفردة . و نعلم أن العرب أخذوا معلوماتهم العلمية الأولى عن الفرس و استعملوا مصطلحات فارسية ، و كانت بلاد فارس هي الطريق التي يسلكها جل المواد القادمة من الشرق الأقصى إلى الجزيرة العربية التي كانت مخزنا عالميا لها ، نسجت حوله شهرة من الغنى جد مبالغ فيها . ? و ينهي ابن البيطار جل فقرات كتابه ليشير إلى التناقضات و الأخطاء الواردة فيها . ذكر ابن البيطار في جامعه حوالي 150 كاتبا [ مؤلّـِـفا ] اعتمدهم كمراجع ، و هذه واحدة من مزايا هذا الكتاب الذي احتفظ لنا بالعديد من المقتطفات من كتب ضاع جلها . و يبلغ كتّاب الإغريق نحو العشرين ، و أما الباقون فليسوا فقط علماء عرب ، بل و كذلك علماء فارسيون ، و سوريانيون ، و هنود ، و كلدانيون ، تمت ترجمة مؤلفاتهم . و إليكم فيما يلي الأعداد التقريبية لهذه الإستشهادات أو المقتطفات : *- ذكر الرازي 400 مرة ، *- و ذكر ابن سينا 300 مرة ، *- و الغافقي و الشريف الإدريسي 200 مرة ، *- و ابن باجة ، و إسحاق بن عمران ، و ابن ماسويه ، 160 مرة ، *- و ابن ماسة ، و أبو حنيفة الدينوري 130 مرة ، *- و مسيح بن حكم ، و أبو العباس النباتي ، 100 مرة . هذا عن المشارقة . , أما بالنسبة للإغريق ، فقد سبقت الإشارة إلن أن ابن البيطار قد ضمن كتابه الجامع هذا مقالات ديسقوريدس و جالينس بالتمام و المال . و أما عن الباقين منهم فنكتفي بالإشارة إلى " أرسطو " و " روفوس " [ Rufus] و " بول الإيجيني = المولد" [ Paul d'Egine= l'accoucheur ] ،و قد ورد ذكر كل واحد منهم 30 مرة. سبقت الإشارة إلى اهتمام ابن البيطار بالمترادفات و المتشابه من الإصطلاحات ، و هذه من أفضال كتاباته في تذليل هذه الصعوبات و تصحيح الأخطاء. من الطبيعي أن المترجمين الأوائل وجدوا أسماء يونانية لم يكن للعرب ما يقابلها في لسانهم ، أو لم تكن مترادفاتها معرفة بعد لديهم ، و المقصود هنا هي المصطلحات أو المفردات . لذا تُرِكَتْ أسماء كثيرة على حالها في انتظار تحديدها و من هنا جاءت المغالطات و الأخطاء . كما تجدر الإشارة هنا إلى أن عملا هاما قد أُنْجِزَ بالأندلس ، هو مراجعة كتاب " ديسقوريدس "، و قد استفاد ابن البيطار من هذه الأعمال و أضاف إليها ملاحظاته . و هكذا نجده يواخذ " إصطفن " أو " إتيان بن باسيل " [ Stephan ou Etienne fils de Basile] في ترجمة " " [ Gingidium] عند " ديسقوريدس " " بالشهترج " [ Fumeterre] ، كما يشير إلى الإلتباس الواقع بين " " [ Chamelea] و " " [ Chameleon] . خلاصة القول أن الجامع لمفردات الأدوية و الأغذية يمتاز بطابع التفوق و الظهور على كل الكتابات العربية في ميدانه ، و يترك خلفه و عن بعيد الكتاب الثاني [ عن المفردات ] لإبن سينا ، و جامع " سرافيون " [ Serapion] : اكتفى ابن سينا بحوالي 800 مفردة مأخوذة عن سابقيه ، و قام بترتيبها في جداوله . أما سرافيون ، و رغم إتيانه بالجديد ، إلا أنه يفتقد إلى النبوغ و النقد و الملاحظة و التعليق . لم ينجح قط ما سُمّيَ بـ" ما لا يسع " لإبن الجويني " iesa d'Ebn Djouiny] - و Mala [ هو كتاب الجامع لإبن البيطار بعينه ، بعد السطو عليه و سلخ فقرات مطولة منه ، و تطعيمه بأخطاء، لم ينجح في الاستغناء به عن الأصل.
|
|