|
قصة الكتاب :
\"بيت الدمية\"، مسرحية للكاتب المسرحي النرويجي هنريك يوهان إبسن، الذي سمي \"أبو المسرح الحديث\"، وله 26 مسرحية. تتسم مسرحياته بنظرة عميقة للحياة، وبالتعبير الشاعري رغم ميلها إلى التراجيديا المأساوية الجادة. مسرحية \"بيت الدمى\" عرضت للمرة الأُولى عام 1879، وأثارت غضب المشاهدين الذين رموا الممثلين بالطماطم لأنها في اعتقادهم ، ووفق فهم المجتمع للمرأة في ذلك الزمن مساس بموقعها المستكين لخدمة البيت والزوج وتهدد طمأنينة العائلة. ولا تزال المسرحية تثير اللغط بين مؤيد ومعارض الى الآن. اسم المسرحية مستمد من أن بطلتها نورا كانت بالنسبة الى أبيها دمية يلعب معها، ثم انتقلت الى زوجها لتصبح لعبته أيضاً. كانت حياتها كما تبدو على السطح هادئة وادعة، كما رسمها لها الأب ثم الزوج، لكن ما يصطرع في داخلها لا يشي بالسعادة، خصوصاً أنها اقترضت أموالاً لعلاج زوجها الذي تنكر لها وأهانها، فخرجت من بيته صافقة الباب وراءها. المسرحية أثارت أوروبا، وكانت من أهم الأدبيات التي ناقشت قضية المرأة في القرن التاسع عشر، وقرنها النقاد برواية \"آنا كارنينا\"، ورواية \"مدام بوفاري\" لجهة التعاطف مع المرأة وتناول قضاياها. وفي مسرحية \"الدمية\"، تخلع نورا قناع الدمية وتكشف عن وجهها الإنساني الحقيقي، ما أثار أوروبا والعالم الذي يجهل المرأة ولا يعترف بحقوقها. بيت الدمية 1870 : كتب إبسن هذه المسرحية بالمرحلة الوسطى من حياته الفنية , وقد سماها إبسن أول مأساة حديثة , فهذه المسرحية التي تقدم حكاية للمرأة الدمية التي تنتقل من كونها لعبة أبيها إلى لعبة زوج 1 – ميوريل برادبروك , حيث تعيش كما رسم لها أن تكون داخل هذه العائلة التي تبدو من الخارج أنها تملك حياة سعيدةوهادئة , ولكن في الواقع هذا الهدوء يخفي وراءه الكثير , وخاصة في داخل نورا , فهي تخفي عن زوجها حقيقة المال الذي اقترضته من أجل مرضه والسفر إلى الجنوب , ولكن عندما تتعقد الأمور ويكشف زوجها الحقيقة , تظهر حقيقته هو , وبالنتيجة تكتشف نورا حقيقة حياتها التي تجهلها , وعندما تخلع ثوب الدمية وترحل تاركة الزيف ورائها لتبحث عن حقيقة ذاتها . وهذه المسرحية من المسرحيات الاجتماعية والتي أراد إبسن من خلالها أن يكشف عصره ويظهر ما فيه من زيف وخداع , وحتى قال عنه الناقد ( أيريك بنتلي ) : \"هذا هو إبسن الذي فضح أوربا\". 1 وبيت الدمية هي ظاهر اجتماعية أكثر منها ظاهرة أدبية , حيث تكمن الإثارة فيها في علاقتها بالدفاع عن قضية المرأة التي كانت الموضوع الأساسي الذي تناوله أدب القرن التاسع عشر في أنحاء أوربا , فموضوع بيت الدمية لا يختلف كثيرا عن موضوع ( آنا كارنينا ) و ( مدام بوفاري ) و ( الأناني ) , ولكن ما يميز هذا النص هو أنه يحمل أصالة في البنية , فقد تناول إبسن أناس حقيقيين ولكن رغم واقعيتهم , \" فهو كان يؤكد أنه يكتب مسرحياته لكي يطرح أسئلة لا لكي يجيب عليها وقد قال عن نفسه ( لقد كنت أكثر كشاعر وأقل كفيلسوف اجتماعي مما يظن الناس ) , ومع هذا فبقد كان لمسرحه تأثيرا كبيرا وأسهم في تغيرات اجتماعية هامة ومن ثم تغيرات سياسية \"2 . هذه المسرحية ليست أهم مسرحياته ولكنها أكثر تأثيرا وانتشارا , ولقد هزت هذه المسرحية معاصري إبسن وأثارت الرأي العام الأوربي في ذلك الحين , , ووصفه النقاد بأبشع الصفات , وذلك لأنه دافع عن المرأة وأوضح التأثير السلبي للرجل , مما أدى فتح نقاش وضع النساء في المجتمع وأسهم في التغيير الذي بدأ في حق المرأة , وسأحاول في توضيح موضوع المرأة , وكيف كان بالنسبة للمجتمع وكيف رآه وعالجه إبسن عبر تحليل شخصية نورا ومتابعة تطورها . نورا : متزوجة من هيلمر منذ ثمان سنوات ولديها ثلاثة أطفال , فعمرها على الأقل خمسة وعشرون عاما ومع بداية المسرحية وعلى مدى الفصل الأول نرى نورا هذه المرأة المتزنة المنسجمة مع حياتها الزوجية فهي تحضر لعيد الميلاد وتهم بإحضار هدايا وحاجبات الأولاد , وتبدو محبة للمال و تعرف كيف تقنع زوجها بإعطائه المال فهي عصفورته وأرنبته التي لا يستطيع إلا أن يدللها , إذن هي تحمل وجهين وجه المرأة التي تحب أطفالها وقادرة على إدارة منزلها وإطاعة روجها , والوجه الثاني الطفلة التي تأكل البسكويت سرا أو تحب أن تكون هذه الأرنوبة التي تستمتع بأن تجد من يداعب وبرها , وبين هذين الوجهين تظهر مجموعة من صفاتها فهي امرأة مطيعة تحب بشدة هذا المنزل الذي تديره , هذا بالإضافة إلى محبتها وخوفها الظاهر على زوجها كما أنها تملك إحساسا كبيرا بالمسؤولية و مستعدة للقيام بأي شيء في سبيل سعادة عائلتها , حيث تر إشارة بالنص على أطفالها لا يحزنون , هذا وهي إنسان إيجابي , فهي لا تساعد فقط عائلتها , فعندما تحتاجها صديقتها القديمة في إيجاد عمل لا تخيبها وتقنع تورفالد بذلك, ومن خلال حديثها مع صديقتها مدام لند نستنتج أنها سعيدة وتعتبر نفسها تملك مقومات الحياة التي تريدها ،ومن خلال المقارنة بين امرأتين نجد أن مدام ليند تمثل المرأة العاملة العملية التي تسعى لإثبات وجودها معتقدة أنها تملك خبرة في الحيات لأنها عاشت حياة نضال , ولكن رغم ذلك نجدها خالية من أي عاطفة تملكها أو تعطيها في الحياة , على عكس نورا المرأة التي رغم أنها لا تملك خبرة المدام ليند إلا أنها تملك عاطفة وإحساس كبيرين تفيض منهما على كل ما حولها , كما أنه هناك فرق جوهري بين الشخصيتين ومدام ليند تعمل من أجل ذاتها أما نورا فتعمل من أجل الآخرين وذلك واضح عندما تتحدث نورا عن الدين للمدام ليند و كيف تضحي وتبذل جهود كبيرة لتسدده دون أن يشعر تورفالد وكيف أنها تحرم نفسها الكثير من الأشياء التي تحبها كي لا يحرم من تحبه من أشياء يحتاجها , ولكن لا بد أن نسأل أنفسنا لماذا هذه المرأة المثالية والتي لا يمكن لأي زوج أن يحب زوجته كما يحب تورفالد نورا , لماذا إذا لا تستطيع أن تخبره الحقيقة ؟ وعندما تسألها مدام ليند هذا السؤال يكون جوابها أنها ربما تخبره لاحقا عندما يذوي جمالها وتفقد تأثيرها الجسدي عليه , وهنا نحصل على نتيجة مهمة هي أن نورا تعيش بإرادتها حياة الأرنب التي يرسم تورفالد طريقها فهو لا يمكن له أن يتصور أن نورا قادرة على جلب المال , فهي بالنسبة له امرأة فقط لا تعرف إلا العناية بالأطفال والعناية بنفسها لتكون دائما الدمية الجميلة , فهو لم يتصور أبدا أنها بشتري لنفسها الملابس الرخيصة لتوفر القليل من المال , أما هي فلا يمكن لها أن تخبره لأنه الرجل وهو من يجب أن يحضر المال كما أنه لا يمكن لكرامته ألا تتصدع إذا أتدرك أنه مدين لها , فهي تدرك أنه من يملك السيطرة ولا تعارض في ذلك بل هي تعيش السنوات الثماني من زواجها على هذه الطريقة , تنظم له منزله كما يريد وتربي أطفاله على طريقته و تصيغ حياتها كلها كما هو يريد حتى أنها لا تأكل لا ما يريده فهي دميته ولا شيء آخر , ومن هذه النقطة نجد أن نورا تحمل صراعا في ذاتها , فمن جهة تبرمج نفسها لتكون كما يريد تورفالد ومن ناحية أخرى تكون سرا ما تريده هي , فهي تأكل البسكويت سرا رغم منع تورفالد لها وتقوم ببعض الأعمال لتأمين المال بالإضافة إلى كتمان السر التي تعتبره مصدر فخار واعتزاز لها , وهذا كله مرفوض عند تورفالد , مما أدى بنورا لكي تحقق التوازن أن تقوم بعملية كبت , فكل ما تحبه ويده تورفالد غير مناسب هو مخبأ في أعماق نورا وينتظر اللحظة المناسبة للظهور , وربما هذا السبب الذي جعل نورا بعيدة عن تورفالد , فهي عندما تريد أن تتكلم عن ماضيها وأحلامها وحتى أشياءها الصغيرة فتورفالد أبدا لا يكون هو المستمع , بل هي تختار الدكتور رانك فهي معه على طبيعتها دائما ولا تخاف من ذلك , فلا تحسب حساب خطواتها كما تفعل أمام تورفالد , فنورا تكون طبيعية لدرجة أنها تلبس جواربها الحريرية أمامها وتأكل بسكويت أيضا وتطعمه بيدها فالدكتور رانك شكل آخر من أشكال التوازن التي تساعد نورا على إكمال حياتها بطريقة طبيعية . هكذا كانت حياة نورا قبل أن تتعقد الأمور , بحضور كروجشتاد وهو الشخص الذي استطاعت بواسطته الحصول على المال من البنك , وهو الآن مهدد بأن بفصل من البنك الذي يديره تورفالد , وجاء يطلب مساعدة نورا كي لا يحصل ذلك , وعندما تطلب من تورفالد عدم طرده تكتشف أن ذلك مستحيل , فهو بالنسبة لتورفالد موظف فاسد , وهنا يبدأ منعطف من الصراع في حياة نورا وخاصة بعد أن يخبرها أنها بالإضافة لتزوير توقيع هناك خطأ في التاريخ , وهنا تبدأ الصراعات في داخلها , فهي لا تستطيع إقناع زوجها , ولا تستطيع إخباره بالحقيقة , كما أنها خائفة على موقفها أمام زوجها وخائفة عليه أيضا أن يفقد وظيفته بسبب غلطتها , وهي أمام هذا كله لاتملك أن تفعل شيئا سوى محاولاتها بمنع تروفالد من اكتشاف الحقيقة , ولكن ما يلفت النظر أن نورا رغم كل الظروف لم تفقد قوتها وحاولت بأقصى إمكانياتها السيطرة على الوضع ,
وهذه أخطر مرحلة من مراحل تطور نورا , فهي الآن على الحافة , رغم ذلك تسيطر على كل شيء , ولا تشعر تورفالد بأي شيء , بل تستمر بأن تكون الزوجة المطيعة التي لا يشغل بالها إلا الفستان الذي سترتديه في الحفلة التنكرية , وهنا نجد كيف أنه كلما زاد الخطر على نورا , ازدادت قوتها وذلك لأنها تستمر في إرجاع كل خوفها واضطرابها إلى داخلها , ولكننا نجد كيف أن نورا في وسط الخطر وعدم التوازن استطاعت أن تجد طريقة لتفرغ وتعبر عن غضبها وذلك عبر الرقصة عندما لم تجد طريقة لمنع تورفالد من فتح البريد واكتشاف الحقيقة , إلا بأن تقنعه بأنها تريد مساعدته بالتدريب على الرقصة , وفي اللحظة التي تبدأ فيها نورا بالرقص تبدأ بالتحرر أيضا , فهي تترك لجسدها حرية أن يعبر عن كل ما في داخله بطريقة نورا فقط , فعبر الرقص تطير أفكارها المخبأة ورغباتها المكبوتة , تفيض روحها بكل ما تخبئه وتعبر عن كل ما حلمت به عبر جسدها , فهي هنا تكتشف دون إرادتها أنها لا تملك سوى ذاتها , رغم أنها لا تفعل شيئا سوى إخفاء هذه الذات وحرمانها مما تريد . مما يجعلها في نهاية الفصل الثاني تصبح إنسانة جديدة , فهي تقول ( أربع وعشرون ساعة حتى منتصف الليل التالي عندما تنقضي الحفلة , أربع وعشرون , وسبع , إحدى وثلاثين ساعة هي كل ما بقي لي من الحياة ) , فهي تشعر أن ذاتها على منعطف التغيير وبالتالي لا بد لحياتها أن تتغير أيضا , فنورا التي حررت ذاتها بالرقص , لن تبدأ من جديد من النقطة نفسها . وتأتي الآن ذروة المسرحية , فها هي نورا و بعد أن رقصت للمرة الثانية بنفس الطريقة السابقة , فهي إذا اعتادت على حريتها وستصعب عليها القيود من الآن فصاعدا , وهنا يكون التعرف والإنكشاف الكبيرين تورفالد ونورا , فهما عائدان من الحفلة , هو يمسك بها كأنه يملك كنز , وهي تقاوم وتريد العودة إلى الحفلة , تورفالد سعيد بدميته الجميلة التي سحرت الجميع بجمالها وحضورها ورقصتها المميزة , بينما هي خائفة تنتظر لحظة الحقيقة والتي هي الآن تحاول منع ظهورها , هو يريدها ولا يريد شيء آخر , وهي تريد الحرية فقط , ومن هنا تبدأ لحظة الانشقاق فترى كيف نورا فقدت رغبتها بالمقاومة واستسلمت ولم تمنع تورفالد من فتح البريد بل تدفعه لذلك , وعندها تنكشف الحقيقة , الحقيقة التي هي الشيء الوحيد الذي لا يمكن إلا أن يكون مطلقا , فحقيقة ما فعلته نورا , تفجر حقيقة تورفالد المخفية فهاهو يعتبر ثماني سنوات زواجه خدعة وزوجته منافقة وكاذبة ولا تملك أي شيء من الدين والأخلاق , وهي بالضرورة غير جديرة بأن تكون أم وتدير عائلة فهي ليست إلا طائشة ولا تقدر المسؤولية , هكذا واجه تورفالد تضحية نورا , لقد انتهى كل شيء , ولكنه بعد لحظات وعندما يأتيه الخطاب الثاني , الذي يبعد الخطر عن تورفالد ونورا , يعود تورفالد إلى طبيعته وتعود نورا بالنسبة له كما كانت سابقا الدمية المحببة , ولكن الأوان قد فات , فقد انكشف الجميع , وأدركت نورا أيضا حقيقتها , أدركت أنها كانت جزء من المحيط بها , كل ما حولها لا يمت لها بصلة أقرب الأشياء غريبة ولا يمكن لنورا أن تعيش في الغربة مجددا , فها هي أخيرا وبعد صراعات طويلة تكتشف في اللحظة المناسبة حقيقة كل شيء , لا بد للإنسان أن يكون كما يريد ليس كما يريد له الآخرون , ذاتي ملكي وعلي أن أعيش لأجلها هذا ما أدركته نورا أخيرا , فبعد أن أدركت أعماق ذاتها , كان لا بد أن ترفض خارجها , فرمت ثوب الدمية , وارتدت حقيقتها ككائن إنساني ورحلت . - لقد كانت بيت الدمية مهمة في تلك الفترة التي قدمت فيها لأنها أثارت موضوعا كان أساسيا في تلك المرحلة , وهو الصراع بين الرجل و المرأة , ولكننا إلى اليوم عندما نقرأ هذه المسرحية , لا نجد أن الوضع قد اختلف كثيرا , فمشكلة الرجل و المرأة كانت ولا تزال هي ذاتها , فصراع الوجود والأفضلية قائم , وهذا الصراع لم يحسم إلا إذا تخلص من فكرة كونه صراعا , أي أنه يجب أن يوجد بصيغة مختلفة , أساسها بسيط ولكنه غير ممكن التحقق غالبا , وهو الحب الذي يوجد لذاته وتنتج علاقة قائمة على التوازن دون أفضلية , وهذا هو ما اكتشفت نورا أنها لا تملكه , فالحل وحده لا يكفي يجب أن يكون الحب حرا .
|
|