مشرق مغرب - ديار الإسلام من الأندلس إلى استانبول
تأليف : مجموعة مؤلفين
موضوع الكتاب : الرحلات
الجزء :
تحقيق : 'NA'
ترجمة : 'NA'
|
|
|
|
|
|
قصة الكتاب :
الكتاب: مشرق مغرب، عرب ومسلمون ديار الإسلام من الأندلس إلى استانبول تألبيف جماعة من الكتاب تحرير وتقديم نوري الجراح الناشر: دار السويدي-لندن/ابو ظبي 2011مقدمة الكتاب ليس نصاً ممتعاً، فقط، نص الرحلة، إنه نص للقلق أيضاً. فهو الطاقة في أقصاها، تدفع بها ثقافة لتتماس مع ثقافات أخرى، وترتفع بها روح حضارية لترقى بميزاتها الخاصة نحو روح حضارية أخرى، وليحدث اللقاء في أرض أخرى وحياة أخرى، وقدر آخر.
والرحالة الشرقي عربياً ومسلماً ليس مجرد سائح، خرج يتنزه بعيداً أو قريباً من ملعب طفولته أو هو شخص ملَّ مألوف عالمه، وراح ينشد مصادفة المدهش، ولا هو صاحب غزوة، ولكنه عالم وجغرافي، وفقيه ومتصوف ووراق وطبيب، ورسام خرائط، وحاج وداعية وسفير، وهو مغامر من طراز خاص سليل بيوت المعرفة لا تستقيم فكرته عن نفسه، إلى بالتوق إلى خوض التجربة، وصولاً إلى معرفة غير مسبوقة.
يضم هذا المجلد القسم الثاني من الأبحاث المقدمة إلى \"ندوة الرحالة العرب والمسلمين: اكتشاف الذات والآخر\" المنعقدة في الرباط ما بين 22-25 آيار مايو 2009، تحت عنوان \"الرحلة العربية في ألف عام\". وهو القسم المعنون \"مشرق مغرب، عرب ومسلمون: ديار الإسلام من الأندلس إلى استانبول\" ويتألف هذا المجلد من ثلاثة فصول، أولها تحت عنوان \"رحلات الحج\" والثاني، \"من الأندلس والمغرب إلى استانبول\"، والثالث عنوانه \"الرحلة المعاصرة: شهادات ويوميات\".
وعليه فإن هذا الكتاب بمثابة رحلة مع شبكة متكاملة من النصوص والموضوعات المركبة التي تعكس ثراء نص الرحلة، والإمكانات الهائلة التي يتيحها هذا النص لدراسة المجتمعات والوقائع والتواريخ والأفعال؛ أدوار الأفراد، وأدوار الجماعات، وأدوار الجغرافيا في أزمنة الحرب وأزمنة السلم، وفي التواصل والانقطاع بين الجماعات الثقافية المختلفة في البلد الواحد وبين الأمم والثقافات المختلفة. *** في هذا الكتاب هناك البحوث الفكرية والفلسفية التي تستنطق النصوص لتنتج منها معارف مركبة، فيها ما يبحث وراء الدلالة في النص الرحلي، وفي الكيفيات التي تنتج فيها النصوصُ المعرفةَ. وفيها ما يقف على نصوص تطرح الأسئلة حول جنس الرحلة وخطاباتها، وصوت المجتمع في صوت الرحالة، ووعي الرحالة، والطبقات اللاواعية في نص الرحلة، وجنس النص ولغة السرد، إلخ.. من ثيمات وموضوعات أدبية وفكرية؛ وهي بحوث نقدية وفكرية بارعة في أدائها جديدة في منهجها، جريئة في طروحاتها *** وكما تشي العناوين، فإن هذا المجموع مكرس للأبحاث والدراسات التي تغطي حركة الرحالة العرب في ما عرف في الدراسات الجيوتاريخية بجغرافية الديار الإسلامية. ولما كنا كرسنا المجلد الأول، أساساً، للدراسات التي غطت حركة الرحالة العرب في اتجاه أوروبا والغرب، وعكفت على تفكيك صورة الآخر الأوروبي في هذه نصوص الرحلة العربية على مدار ألف من السنوات، منذ أن انطلق أحمد بن فضلان من بغداد العباسية في رحلته الشهيرة إلى بلاد الصقالبة (روسيا والدول الاسكندنافية اليوم)، في القرن العاشر الميلادي. وعليه فإن هذا المجلد يكمل بأبحاثه القيمة الصورة التي تقدم العربي رائداً في الجغرافيا، وشخصية حضارية تصدر عن ثقافة حضته نصوصها الكبرى على فعل السير في الأرض بقصد الاكتشاف والتعارف، والبناء.
***
افتتحنا هذا المجلد بالدراسات التي رصدت ملامح من رحلات الحج انطلاقاً من كون نص الرحلة الحجية أو الحجازية، أو الزيارية نصاً تأسيسياً في هذا الأدب. فشد الرحال إلى البيت العتيق طالما كان قبلة الرحالة، وفي الثقافة العربية، لاسيما في شطرها المغربي، يتوجه الرحالة حاجاً إلى الديار المقدسة، ومن هناك تبدأ رحلته. كذلك فعل ابن بطوطة، وابن جبير، والعبدري، والتيجاني والقلصادي والعياشي، وعشرات بل مئات من الرحالة العرب الكبار الذين دونوا أسماءهم في سجل روّاد أدب الرحلة العربي. وقد مثّلت بالمغاربة والأندلسيين لكونهم أبعد العرب جغرافياً عن البيت العتيق، وأبلغهم في التأسيس للتقاليد الكلاسيكية التي طبعت أدب الرحلة في عصور ازدهاره. في هذا الفصل من الكتاب نقف مع \"تحفة النظار\" لشمس الدين الطنجي، بوصفها رحلة حجازية، ومع الرحلات الحجية الشنقيطية في ما تأتلف من حوله (وعليه)، وما تختلف به في ما بينها، وعلى الرحلات الحجازية الجزائرية المكتوبة نثراً والمنظومة شعراً، خلال العهد العثماني، وحتى الاحتلال الفرنسي للجزائر. وبين الدراسات ما ينصب على درس رحلات بعينها أو هو يعرض لتجارب رحالتها كما هو الحال بالنسبة إلى \"الرحلة الفاسية الممزوجة بالمناسك المالكية\" لابن كيران الفاسي، وهي نموذج للرحلة الفقهية، و\"رحلة الصديق إلى البيت العتيق\" لمحمد صديق خان البخاري القنوجي، وهو أحد أعلام النهضة في الهند المسلمة. ورحلة خير الدين الزركلي من دمشق إلى مكة، حيث عين المثقف الموسوعي وهي تتقرى وتنفعل وتتأمل في صور المكان القدسي، وتضاريس الجغرافيا المقدسة، وعلامات الطريق المؤدية إليها. وكان خير مدخل إلى هذه الفضاءات الحجازية ذلك المقال الطريف المعنون بـ\"رحلة الشتاء والصيف: أم الرحلات العربية\" للشاعر الفلسطيني زكريا محمد، وهو ثمرة رحلة مع المظان والمراجع العربية القديمة، وقف خلالها الشاعر على كتابات القرطبي واليعقوبي والمقدسي البشاري وإخوان الصفا وأبي هلال العسكري وغيرهم من الأعلام، ليجعلنا، في النهاية، نتساءل معه: \"الإيلاف\"، هل كانت رحلة واقعية أم أنها رحلة دينية رمزية؟
جغرافية ديار الإسلام ومن رحلات الحج ننفذ، مع أبحاث الفصل الثاني من هذا الكتاب، إلى الرحلة بين المشرق والمغرب، على قوس جغرافي واسع طرفه الأول الأندلس، وطرفه الثاني الآستانة حيث كانت تتركز في ما مضى بيزنطة، قبل أن تقوى شوكة الدولة الإسلامية، وتمتد بفتوحاتها إلى تلك البقعة من الشرق.
وبين هنا وهناك من جغرافية الشرق، تتدرج النصوص التأريخية والنقدية الحديثة في قراءة تجارب الرحالة العرب والمسلمين منعكسة في نصوصهم، أكانوا مغاربة في رحلة إلى المشرق، أو مشارقة يستكشفون ديار الإسلام، وربما وصلوا إلى المغرب، كما هو الحال بالنسبة إلى رحلة ابن حمويه من المشرق إلى المغرب في عهد الدولة الموحدية. وهذا الرحالة المشهور بالسرخسي من مواليد دمشق وكانت وفاته فيها، وقد دامت رحلته إلى المغرب ست سنوات ما بين 594ـ 600هـ، وهي رحلة مشهورة. د. نجاة المريني تزودنا بنص دقيق جداً عن هذه الرحلة التي تعتبر من النوادر. وفي هذا السياق نقرأ عن رحلة السائح أبي الحسن الهروي المسماة \"الإشارات إلى معرفة الزيارات\". وهذا الرحالة المولود بالموصل في القرن السادس الهجري طاف في أرجاء كثيرة من أنحاء المعمور، وقد اشتهر عنه أنه كان يكتب اسمه على أبرز الآثار والمعالم، ويفيدنا المؤرخ ابن خلّكان باطلاعه على نماذج من إشارات الهروي المتروكة على الشواهد والآثار. فهو، حسب المؤرخ الدمشقي، \"لم يترك براً، ولا بحراً، ولا سهلاً، ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قَصْدها ورؤيتها إلا رآه، ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه\". وقد اعتُبر الهروي المصدر الفريد لطائفة كبيرة من الأخبار والمرويات المتعلقة بـ\"جغرافية الأماكن المقدسة\" في بلاد المشرق العربي خلال الحروب الصليبية. واعتبرت إشارات الهروي مرجعاً للمؤرخين المسلمين الموسوعيين منذ القرن الثالث عشر الميلادي. ويحفل الكتاب بعدد من الدراسات التي تتقصى صورة استانبول في كتابات الرحالة العرب، مغاربة ومشارقة، وتجدر الإشارة، هنا، إلى رحلتين، على الأقل، قامتا من المغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر هما رحلة التمكروتي المسماة بـ\"النفحة المسكية في السفارة التركية\"، و\"إحراز المعلى\" لابن عثمان المكناسي. وفي هذا الفصل من الكتاب، أيضاً، هناك مقدمة حول رحلة وفد يمني إلى استانبول مطلع القرن العشرين، وأخرى تقدم لنا رحالة مسلم تتاري يسافر إلى اليابان في إطار جولة آسيوية له فتطول رحلته ويموت ويدفن هناك، والواقع أن هذه الرحلة التي يقدم لها الباحث اللامع د. عبد الرحيم بنحادة عرضاً شيقاً، إنما تؤرخ لشخصية نهضوية إسلامية من تتارستان كان صاحبها يحمل فكرة مضادة للاستعمار الأوروبي والروسي أيضاً منادياً بمقولة جمال الدين الأفغاني: الشرق للشرقيين. فهذا المثقف الذي شغل سنة 1892 منصب رئيس المجلس الأعلى لمسلمي روسيا، كان شخصية إصلاحية، وربط نهضة المسلمين بإصلاح أوضاعهم وتحررهم من ربقة الهيمنة الاستعمارية والاستبداد السياسي وقد عبر عن انخراطه في ما سُمي بـ\"التيار التجديدي\" من خلال المرافعة الفكرية التي قدمها دفاعاً عن هذا التيار في كتابه \"عالم الإسلام\".
ثمة دراسة نشرناها في هذا الفصل وكان يمكن أن ننشرها في الفصل السابق المخصص لرحلات الحج، لولا أننا رأينا فيها نصاً مميزاًُ جداً في مساره الذي يغطي أوسع مساحة ممكنة من جغرافية الديار الإسلامية في القرن الثامن الهجري، (من الأندلس الذي راح عقده ينفرط إلى القسطنطينية التي لم تكن قد فتحت بعد) ونقصد به رحلة ابن الصباح الأندلسي المسماة \"أنساب الأخبار وتذكرة الأخيار\" والمصنّفة في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، والتي حققها ونشرها د. محمد بنشريفة.
لا أجمل في هذه المقدمة جميع الأبحاث والدراسات، ولكنني أستعين بعناوين بعضها مما يمكن أن يدل على فحوى الكتاب وطبيعة البحوث التي ضمها بين جلدتيه.
الفصل الثالث والأخير من الكتاب خصصناه للرحلة المعاصرة وقد ضم أساساً شهادات حول أدب الرحلة المعاصر كتبها رحالة وأدباء معاصرون كالروائي السوري خليل النعيمي، والشاعر التونسي خالد النجار، والروائي العراقي علي بدر، والكاتب الفلسطيني حسين شاويش وهؤلاء جميعهم ممن حازوا على جائزة ابن بطوطة للرحلة المعاصرة وأدب اليوميات هذا العام وفي أعوام مضت. وتشكل نصوصهم وشهاداتهم إضافة حقيقية إلى أدب الرحلة العربي الحديث الذي بدأ يشهد انطلاقة جديدة في ظل المناخ الفكري والجمالي الذي وفره \"المركز العربي للأدب الجغرافي-ارتياد الآفاق\" بمنشوراته وبعثاته وجوائزه وندوته السنوية التي باتت تعتبر فضاء حراً للتفكير الخلاق والبحث الجاد في علاقة الثقافة العربية بذاتها وعلاقتها بالثقافات الأخرى، وذلك من خلال العناية بأدب طالما كان مرآة هذه العلاقة.
ولعلَّ من الواجب الإشارة هنا إلى أن رحالتنا المعاصرين غطوا برحلاتهم القارات الأربع، وطافوا في الأقاليم والبلدان وطرقوا أزقة المدن، واحتكوا بأوساط العلم والعمل والابتكار، ليقفوا على التطور الحادث، وليمكنهم، من بعد، أن يتاملوا في ذواتهم، من خلال تاملهم في الآخر وقد حلوا في عالمه، وديدن كل منهم ليس اكتشاف جغرافية العالم، فالعالم اكتشف من زمن بعيد، ولكن اكتشاف ذواتهم في مرايا جديدة. ***
أخيراً، يتراءى لنا أن دراسة نصوص الرحلة في ثقافتنا العربية لهو عملٌ جاد يعكس الرغبة العارمة في الحركة، بدلاً من العكوف المرضي على الذات، وإيثار أشيائها المألوفة، وهو بحث يسعى، مرة أخرى، في أثر \"الذات\" الساعية نحو الآخر، الملاقية له في فضائه وعلى أرضه، ومن شأن هذه البحوث أن تفحص الكيفية التي تشاكلت بها هذه الثقافة مع الآخر في عالمه؛ بين ناسه وثقافته، ومرّات في الأبعد من مكوناته الخاصة.
هذا الكتاب بمجلديه يقترح قراءة راقية، بل قل يؤسس لمثل هذه القراءة في ثقافتنا العربية.
نوري الجرّاح لندن في 15 أيار/ مايو 2009
|
|
|
|
أعد هذه الصفحة الباحث زهير ظاظا
.zaza@alwarraq.com
|
مرآة التواصل الاجتماعي – تعليقات الزوار
|