الكاتب الأردني الراحل صلاح حزين... مثال المثقف الملتزم كان الكاتب الصديق صلاح حزين، الذي رحل بصمت عن هذا العالم قبل أيام، واحداً من المثقفين البارزين مع أنه لم يصدر كتاباً واحداً في حياته سوى ترجمته لروايتي «قلب الظلام» و «إنهم يقتلون الجياد». لكنه كتب عدداً لا يحصى من المقالات والدراسات التي نشرها في صحف كويتية وإماراتية، إضافة إلى صحيفة «الحياة» التي نشر فيها مقالات ومتابعات ثقافية واقتصادية، وقبل ذلك كله في مجلة «العربي» الكويتية التي عمل فيها فترة طويلة قبل أن يعود ويستقر في عمان ليكتب في صحيفتي «الرأي» و «الغد» الأردنيتين، ثم صحيفة «السجل» الأسبوعية الأردنية كذلك. صلاح حزين هو مثال المثقف المنخرط في عالم الثقافة، المنتمي الى قضايا الثقافة الكبرى في العالم العربي والعالم. متابعته لما يحدث على صعيد الثقافات المختلفة في هذا الكون دفعته الى أن يكون واحداً من الذي فتحوا عيون القراء العرب على التحولات الكبرى في دنيا الرواية والقصة القصيرة والنقد ونظرية الأدب. فهو كان من ذلك النوع من المثقفين الذين يمكن أن نطلق عليهم وصف «المثقف الشامل»، فقد كان مهتماً بالأدب والموسيقى والفنون المختلفة. ولعل هذا ما أعاقه عن تأليف الكتب ونشرها، على رغم كثرة ما كتب ونشر من مقالات وترجمات واستطلاعات صحافية أجراها لمجلة «العربي» وغيرها من الصحف والمجلات. وربما نضيف إلى هذه الأسباب انشغالات الحياة ومتاعبها وطاقاتها المهدورة التي تصرف المرء عن القيام بما يحب من أعمال وتدفعه إلى الجري وراء لقمة العيش المغموسة في متاعب الحياة اليومية التي لا تنتهي. ومع هذا كان الراحل صلاح حزين مثقفاً مدهشاً بسعة معرفته واطلاعه. لا يهم كم أصدر من كتب وكم نشر من مقالات ودراسات، فالمثقف الحقيقي لا يقاس عمله بعدد ما نشر أو بحجم ما كتب، بل بتأثيره في الحياة الثقافية ودوره المحوري فيها. وصلاح واحد من هؤلاء الذين عملوا بصمت وأناة على تثقيف أنفسهم والكتابة عما هو جوهري في الحياة الثقافية العربية وفي العالم. لكن صلاح مني في سنواته الأخيرة بمأساة ابنه غسان (الذي عمل في «الحياة» أيضاً) والذي يرقد منذ نحو ثلاث سنوات في الغيبوبة إثر تدهور سيارته عندما كان يقل المخرج الفلسطيني ميشيل خليفي في رحلته إلى الضفة الغربية. ذلك الحادث دمر صلاح من الداخل، وجعله ضعيفاً أمام مرض السرطان الذي فتك بجسده في أٌقل من ثلاث سنوات، أمضاها صلاح يتعالج وينتظر معجزة يستفيق بها غسان من غيبوبته التي امتدت وامتدت حتى بعد رحيل أبيه. كتب صلاح عن تلك المأساة المروعة واحداً من أقوى النصوص الإبداعية التي أنجزها وعنوانه «قلبي غسان» الذي نشر فصولاً منه في صحيفة «أخبار الأدب» الأسبوعية المصرية. ولعل إخوة صلاح وابنه قصي وزوجته يدفعون بهذا الكتاب للنشر، بغض النظر عن كونه مكتملاً أو غير مكتمل، لأن حرارة النص وجماله وطاقته الخلاقة تجعله قابلاً للنشر كما تركه صلاح قبل غيابه. وأتمنى شخصياً على عائلة الصديق صلاح أن تنبش أرشيفه الكبير وتعيد تنظيم هذا الأرشيف وتنشر ما يتسق من مقالات في كتب، بادئة بما كتبه عن الأدب الصهيوني إذ كان صلاح متابعاً جيداً له من خلال قراءاته باللغة الإنكليزية. فتلك الدراسات، والمقالات التي ركزت على الثقافة في العالم، تستحق النشر بالفعل حتى لو لم يكن الراحل راضياً عنها. المصدر : دار الحياة |