البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : قصة عندما يرقص القمر    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )

رأي الوراق :

 وفاء 
24 - سبتمبر - 2005

 قفزت كالبهلوان وأرسلت قبلاتها إلى السماء، فاتحة أذرعها تستقبل الهواء وتعانق الخيال...

تلفتت تتأمل المارين بجانبها، هل رأى أحد جنونها، وتنفست الصعداء، فالجميع ساهون عنها بل ربما هم أكثر جنونا منها.
التقطت كراسها، وضمته كطفل بين يديها، وتابعت السير...
"هل يحبني? نعم يحبني"
"ماذا لوكان لا يحبني كما أحبه? حسناً لايهم"...
"سريعاً ستمضي الشهور، وننهي الدراسة"...
"وعدني أن نتزوج عندما يجد عملاً"...
"لماذا أخجل دائماً أن أسأله كم طفلاً يتمنى أن ننجب"...
وتغضن جبينها عندما تذكرت ما ينتظرهما معاً..
"آه: يبقى أن نقنع الأهل... ماذا لو استمروا على إصرارهم?".

صوت أزيز سيارة تقطع الطريق بسرعة نبهها...
شعرت بألم في رسغها و خدر بدأ يدب في مفاصل أصابعها، فانتبهت أنها تعتصر كرّاسها، ويكاد أن يتوقف الدم عن الجريان في يديها.
تلقفته باليسرى لتداعب أناملُ اليمنى غلافه... جاذبٌ ما شدّها أن تفتحه...
وريقات المحاضرة السابقة، وبعض هوامش خطتها بقلمها، رفعتها تستنشق وتستجدي عبق عرق كفين ندت صفحاتها!
تمنت لو لم تفارقها أبداً...
تلفتت ثانية حولها، هل من رقيب? أرسلت قبلة أخرى نحو صورة تتربع الغلاف الداخلي لكراسها، وتداركت أحد أقلامها عن السقوط على الأرض...
شعرت بحرارة الشمس فتلمست أكتافها تبحث عن وشاحها الأسود... لم تجده، فاستدارت إلى الخلف تبحث عنه سدى، وأغمضت عينيها كعادتها عندما تحاول أن تتذكر أين تركته!

لمست يده الوشاح في طريقها نحو مصنف الأوراق، فأمسكه يتأمل الصورة التي تتوسط زخارفه... وتذكر أنها نسيته بين يديه وهي تمسح به عرقا بلل كفيه...
فصل الصيف سينتهي بحرّه، وتعرق الأكف فيه، والشتاء قادم لا تعرق فيه، "كيف سأحظى بملمس وشاحها بين يدي، بل كيف سأفسر لها تعرق كفَّيّ الدائم لو انتبهت "، وجلجلت ضحكة خجولة تهرب بين شفاهه.
يد على المقود وبالأخرى راح يدنيه نحو أنفه، يستنشق عطره... "لا عجب فعبق حبيبتي أزكى أريج... ووجهها أحلى من رسم وشاحها"....
مد نظره من النافذة يستطلع وجه حبيبته، عله يجدها بين العابرين، متأملاً أنها لم تبتعد كثيراً.
بوق سيارة تقف بانتظاره أيقظه من تأمله وأزعج أفكاره...
امتعض لأنه سيرده لها غداً عندما يراها، ولكنه تبسم عندما تذكر عادة حبيبته في النسيان، " أجل قد تأتي مرتدية غيره، سأرد لها هذا، وتنسى الآخر معي"...
واستكان لفكرة طفولية، اعتاد على تنفيذها، أن يخفي هدايا حبيبته وبعض مذكراتها داخل ملابسه، قبل أن يدخل المنزل، عن أعين تراقب لتسأل، وتعترض... فلازال الوقت غير ملائم لفتح نقاش جدي، إن هي إلا بضع شهور وتنتهي...
دس الوشاح في قميصه، بانتظار أن يتوسده ليلاً ليراقص رسمه في أحلامه.
حيث لايستطيع إنسان أن يصل..
حلّق مع حبه يلامس النجوم...
حيث لا جناح يستطيع الطيران داعبت النسيمات وشاحها...
حيث لايستطيع أحد غيره أن يكون، داعب وجه حبيبته...
حيث كل العشاق يخلدون خلد على وجنتيها بقبلاته...
حيث تتهادى موسيقى نبضاته راقص أحلامه...
حيث لا يشعر ويسمع ويرى إلاه في عينيها عانق القمر بين جفنيها...
فأغمضت عيناه على صورة القمر في وشاحها...
ليفتحهما حيث لا يستطيع كائن إلاه أن يكون، لا تستطيع جذور أن تتوغل أعماقه، لايفنى الحب إلا بروحه، لا موسيقى إلا نبض قلبه، لا يرقص إلا صدى صراخه...

حيث لا زمان ولا مكان، التحمت يداهما تتعانقان... وسجد يحتضن جسدها المتهالك أمام سيارته... ويرقص مع القمر رقصته الأخيرة...

كانت الأولى والأخيرة قبلة لامس بها جبينها... وغسلتها دموع امتزجت بخضاب أحمر رسم على خدودها الإشعاعات الأخيرة لقمر غاب بين الأجفان في غفوة عينيها...

بها بدأت رحلته خارج العالم عندما غيبت يد الطبيب وجهها بالغطاء الأبيض... لم يعد للأكسجين مكانٌ في رئتيه... ولا للماء مذاقٌ بين شفتيه...
وبها خطت قدماه خطواته الأخيرة بعيداً عن ذاكرة الحياة...

دفن الألم كل عصارة ذكرياته... في مقبرة الأرواح... بعد أن نطق جلاده بحكم براءته من تهمة القتل لثبات عدم القصد... وحكم على روحه بالسجن في لحدها المؤبد...

عبثاً لم يستطع أحد أن يقنعه بالتخلي عما يخفيه تحت قميصه، ويحمله دائما معه في حله وترحاله، يهيم بين الناس، يتأمل وجوههم، يبحث عن وجهها، ليمسح عنه خضابا أحمر كان آخر الألوان التي رآها بوشاحها المزخرف... يلاحق خطواتهم، يمسك ما يسقط أرضاً ليعيده إليهم، عله يعيد لها وشاحهها الذي ضاع منها
عبثاً لم يتوقف عن الرقص مع القمر
وهو يتمايل مع أغنية لا زال يرددها

إذا القمر رقص بكيت، وإن لم يرقص بكيت، متى أفرح ?
كأن بقلبي وعمري أدمعاً بلا ثمن تسفح،
ضيعت تَبّانتي، فكيف أعود ? وإن عدت فالدرب لا يسمح
ألم يجعل الحب مني قوافي تشدو وقيثارة تصدح
وأسرفت في ظلم نفسي إسراف من لا يلين ولايصفح
لا الحب يكفي ولا الكره يشفي، ولا أنا أمسي بما أصبح
ولا الصبر حين رمتني المقادير داوى الذي يجرح
فالهوى مايزال كما كان بين الجوانح لا يبرح
إلى أين أهرب والليل داج ولا ضوء بعد قمري ألمح.
 
وفاء السيد
هذه القصة القصيرة، أنشرها بينكم لأستفيد من آرائكم بها
أرجو أن أكون قد توفقت بكتابتها
وأرجو أن تكون القفزات المكانية والزمانية بين أجزائها، قد نالت هدفي
بترك مساحة لخيال القارئ يبحث فيها عن الرابط بين الأجزاء
تحياتي
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة