حول المشرق والمغرب كن أول من يقيّم
لقد أخذ النقاش في هذا الموضوع شكل المفاضلة. وهو معروف في الأدب العربي القديم. فهناك المفاضلة بين النثر والشعر، وبين السيف والقلم ، وبين الفلسفة والشريعة، وبين البلاغة والحساب، ... (انظر كتاب الامتاع والمؤانسة مثلا). وتتكوّن بنية هذا الون من النّصوص غالبا من ثلاثة مواقف: - موقف ينتصر لأحد طرفي المفاضلة. وله حججه. - وموقف ينتصر للطرف الثاني وله أيضا حججه. - وموقف ثالث يحاول التوفيق بينهما. ويتكثّف استعمال صيغ التّفضيل من قبل "أفضل ، أحسن ، أكثر ، ...). لذلك لا يبدو لي هذا الجدل بدعة. فهو سلوك مارسه الأجداد حين كانوا يحرّكون التّاريخ بإبداعاتهم الفذّة. وأخشى أنّنا نمارسه حديثا بداعي الترف الفكري .... أظن أن أطروحات الدكتور الجابري قد ساهمت في إذكاء الجدل حول هذا الموضوع. ولي بعض الملاحظات في هذا السياق: 1- إنّ المصادرة المنهجية في أطروحة الجابري تتمثّل في أن المجال السّياسي محدِّدٌ للفعل الثقافي/المعرفي. ووفقا لهذه المصادرة قرأ الجابري حلم المأمون الذي رأى فيه أرسطو. (انظر فصل "تنصيب العقل في الاسلام" من كتاب "تكوين العقل العربي"). 2- وطبقا لهذه المصادرة قرأ الدكتور الجابري أيضا مسألة الثقافة في الدولة الأموية في الاندلس. وقد بيّن - عن حقّ - أنّ الدولة الناشئة في الأندلس كانت تبحث عن إيديولوجيتها الخاصة بها المختلفة عن إيديولوجيّتي الدّولتين العبّاسيّة والفاطميّة في المشرق. وهكذا كان بروز الفلسفة في المغرب من خلال أعمال ابن حزم وابن رشد وابن باجة.... (انظر فصل "بداية جديدة ... ولكن ..." من نفس الكتاب). 3- إن هذه القراءة متماسكة منطقيّا. وهي معقولة وقابلة لأن تكون منطلقا لإعادة قراءة التاريخ العربي الإسلامي. لكنّ الإشكال حصل عندما انزاحت فكرة "الاختلاف" - عند عدد من الباحثين - إلى فكرة "التّميّز". فالقول بالاختلاف وصف لمعطى معيّ. والقول بالتميّز إصدار لحكم قيمة لا يخلو من الايديولوجيا. 4- أظنّ أنه لا يمكن الحديث عن مفاظلة بين المشرق والمغرب. بل إن الأمر من قبيل "التنوّع داخلب الوحدة". وعلى هذا النحوة يمكن أن نقرأ العلاقة بيم شعر المتنبي وشعر ابن زيدون. إنها علاقة حواريّة يحاور فيها ابن زيدون شعر المتنبي من خلال معارضته لبعض قصائدة. ثمّ جاء أحمد شوقي - فيما بعد - يحاور قصائد ابن زيدون... وهكذا.... وما يقال عن الشعر يقال عن الفلسفة أيضا. .... والسّلام |