موضوع النقاش : استراحة محارب : أجمل ما قلت من الشعر كن أول من يقيّم
زهير
10 - مايو - 2005
قبل عام من هذا اليوم انضممت إلى فريق الوراق، وكنت أحمل في جعبتي الكثير مما أخفقت في ابتكار طريقة مناسبة لتقديمه إلى أصدقاء الوراق، وأنا اليوم أستميحهم العذر في أن آخذ قسطا من الراحة، وأتغني بأجمل ما كتبت من الشعر، وقد سميت هذا الملف استراحة محارب، وسيجد أصدقائي الأعزاء سبب هذه التسمية في أثناء الأبيات المختارة، وكان قد اختلط شعري بشعر محمد إقبال بسبب عكوفي زهاء ثلاث سنوات على نظم ما أستحسن من شعره المترجم إلى العربية، فأنجزت من ذلك (جناح جبريل) وهو مطبوع، و(أرمغان حجاز) ولا يزال في عداد كتبي المسروقة، وقطعة من (مزامير العجم) لذلك سوف أميز ما كتبته في تلك الفترة بقولي: (المعنى لإقبال).
أرجوزة (الدمع المدرار في مفارقة الأهل والصحاب والديار)كن أول من يقيّم
الرجز شقيق الشعر، ولم يكن يصح فيما مضى أن يسمى الراجز شاعرا، ولم يكن كل من كتب الشعر يمتلك القدرة على كتابة الرجز باستثناء طائفة من فحول الشعر. وهذا شوقي: رجز فعجز، وشعر فأعجز، قارن بين أراجيزه في باب القصص وبين قصيدته (برز الثعلب يوما .. في ثياب الواعظينا) ويبدو أن هذا الفن أصبح مستهجنا، ويكاد ينحصر في صياغة المنظومات العلمية التي كان لها الدور الأكبر في إلحاق الخلل في معايير جماله وموازين رصانته. وأما أجمل أراجيزي، وأغلاها على قلبي، فهي الأرجوزة التي سميتها (الدمع المدرار على مفارقة الأهل والصحاب والديار) وهي طويلة جدا، لم أتفرغ لإحصاء أبوابها، وكان أول ما شرعت فيها قبيل مغادرتي دمشق بأسبوع، في (آب: 1998م) فكتبت منها حينئذ زهاء (800) بيت، ثم لما تباعدت الديار، واشتد الشوق والحنين إلى مراتع الصبا، ومعاهد الشباب صرت أضيف عليها وأمر على فصولها بالتهذيب والتطويل. وما أذكر أني كددت الخاطر فيها كمثل ما نالني من بيتين أردت أن أشبه فيهما ما جرى لشقيق لي بما وقع للإمام الجوهري (صاحب الصحاح) المتوفى نحو سنة (393هـ) وكان قد صنع جناحين من خشب وربطهما بحبل، وصعد سطح داره، ونادى في الناس: لقد صنعت ما لم أسبق إليه وسأطير الساعة ؛ فازدحم أهل نيسابور ينظرون إليه فتأبّط الجناحين ونهص بهما، فخانه اختراعه، وسقط إلى الارض قتيلا. وكان أخي وهو دون العاشرة قد صنع لنفسه دراعة من حصير، وأقدم على عش للدبابير يحترشها بالنار، ولكنه نسي أن يجعل في دراعته ما يقي به رأسه، فلما خرجت الدبابير من عشها رأت أمامها فوهة الحصيرة، وكان يوما مشهودا. فلما أردت ذكر قصة الإمام الجوهري في خاتمة القطعة التي ذكرت فيها قصة أخي أعجزني ذلك، لأنني لم أشأ أن أطيل في التشبيه، وحرصت على ذكر عبارة (صاحب الصحاح) وبقيت زهاء خمس ساعات أرسم هذه الصورة ثم أمحو ما رسمت، حتى تمكنت أخيرا من نحتها تماما كما هي في خيالي، فقلت: (كصاحب الصحاح حين اخترعا .. طائرة من خشب وأقلعا) .. (واهتم منها بالجناحين فقط .. ونسيَ الذيل الأهمَّ فسقط) وأما أول القطعة: فهي (سعيدُ هل تذكرُ أم نسيتا .. أيام كنتَ أزعرا عفريتا).. (وهل نسيت ساعة احترشتَ .. عش الدبابير الذي نكشتَ) .. (تحرقه وأنت في حصيره .. ولم تكن حصيرة قصيره) .. (لففتها تحسبها تُرّاسا .. لكن نسيتَ أن تلفَّ الراسا) .. (ولم تكن فتحتُها تكفيها .. وألف دبور يضيع فيها) .. (أشعلته وأنت فيها موثق .. وقمت حين انطلقت تنطلق) .. (واجتمعت عليك كل الجيره .. وأنت تستغيث في الحصيره) .. (كصاحب الصحاح ..إلخ).