الخبيث بن الطيب ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
تحية طيبة أصدقائي وأساتذتي الكرام: وتحية خاصة لأستاذنا وشاعرنا صادق السعدي راعي هذا الملف، وليسمح لي بداية أن أقدم اعتذاري إلى الأساتذة الأجلاء ياسين الشيخ سليمان وأحمد عزو ومحمود العسكري المتلقب سابقا بالدمنهوري اعتذاري على تقصيري في المشاركة في مساهماتهم الأخيرة ولاسيما قصيدة أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان. كما أحمل إليكم تحية من حامل لواء الحرية الأستاذ المستشار عبد الرؤوف النويهي إذ كان الكابتن هشام الأرغا في زيارتي البارحة مع صديقنا جميل لحام فرأيته يعطيني جواله ويطلب مني أن أرد فإذا بالمتصل الأستاذ عبد الرؤوف النويهي، وقضينا على الهاتف مدة طويلة (على حساب الكابتن) استعدنا فيها ذكريات الوارق وأيام الأستاذة ضياء خانم، وقرأنا بعض قصائد الديوان، وبحثنا عن قصيدة (من وحي أولغا) فلم نهتد إلي مكانها في الديوان فلعلها غير منشورة في الديوان، وأصر الكابتن أن أجمل قصائد الديوان (معذب وممرمر) كما أصر جميل أن أجمل قصائد الديوان هي وصيتي إلى ابني فداء، بينما كانت الأستاذة ضياء لا تتنازل عن تفضيلها قصيدة (شمعة) وحسب اقتراحها اخترنا قطعة منها لتنشر على غلاف الديوان. هذه تحيتي في فاتحة حديثي مع صديقنا الغالي صادق السعدي، وقد دخلت إلى موضوعه هذا لأسجل بعض الملاحظات ليس على ما دبجه بقلمه الساحر وإنما هي قناعاتي الخاصة فيما يتعلق بحروب السلف الأول، وجعلت مدخلي إلى ذلك قول أهل العراق في الرد على عبيد الله بن عمر لما قال (أنا الطيب ابن الطيب) : (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وهي نفس الكلمة التي رددها في معسكر أهل العراق محمد ابن أبي بكر إذ خرج قائلا (أنا الطيب ابن الطيب) فقال له أهل الشام (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وفي رواية أن قائل كلمة أهل العراق في الرد على ابن عمر هو عمار بن ياسر (ر) الذي بشره رسول الله (ص) بأنه تقتله الفئة الباغية (ما شاء الله !!) وكان في صفين في الرابعة والتسعين من عمره، وخرج ينادي
(نحن قتلناكم على تنزيله |
|
ثـم قتلناكم على iiتأويله) |
إلى آخر الأبيات... وقتل وحز رأسه وحمل إلى معاوية، وكان قاتله وهو أبو الغادية الجهني (من الصحابة الكرام ) له ترجمة ساخرة في الكتب المعنية بتراجم الصحابة، قالوا: (كان ضربا من الرجال كأنه ليس من رجال هذه الأمة) لم يرو عن النبي (ص) إلا حديثا واحدا (إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام)، وفي (الإصابة) للحافظ ابن حجر حديث يفصل فيه أبو الغادية سبب قتله لعمار، وأنه خرج إلى صفين وليس له هدف من ذلك إلا قتل عمار، قال: (كنا نعد عمار بن ياسر فينا حناناً (أي مما يتقرب به إلى الله) فوالله إني لفي مسجد قباء إذ هو يقول: إن معقلاً فعل كذا -يعني عثمان قال فوالله لو وجدت عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله فلما أن كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة راجلاً حتى إذا كان بين الصفين طعن الرجل في ركبته بالرمح وعثر فانكفأ المغفر عنه فضربه فإذا رأسه قال: فكانوا يتعجبون منه أنه سمع: "إن دماءكم وأموالكم حرام"، ثم يقتل عماراً) وفي رواية: ( سمعت عماراً يقع في عثمان بالمدينة فتوعدته بالقتل فقلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس فقيل هذا عمار فطعنته في ركبته فوقع فقتلته فأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قاتل عمار وسالبه في النار"؛ فقيل لعمرو: فكيف تقاتله؟ فقال: إنما قال قاتله وسالبه.
قالوا: وأما اهل الشام فيقولون: (قاتل عمار هو حوي بن ماتع السكسكي).... وأنا في الحقيقة لا اجد متعة أكبر من متعتي في قراءة هذه الإلياذة، وفي كل مرة أقف على ساحلها تغريني في الغوص إلى أبعد قيعانها، ولو جمعت صوري التي التقطها لروائع ذلك القاع لكانت تحفة من تحف الدهر. واما في فاتحة شبابي فقد كانت الأخبار نفسها تسبب لي حالة من الكآبة والسوداوية لا يمحوها ماح ولا ينفع معها لا عصير العنب ولا عصير التفاح.
ولايمكن لأي باحث أن ينسب هذه الأسمار إلى قلم واحد اخترعها وأبدعها من وحي خياله وبنات أفكاره، إلا أنهم متفقون أنها من إنتاج (عيسى بن داب) وطبقته. وكان ابن داب نديم الخليفة الهادي العباسي وهو القائل لابن داب (والله ما غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك)
وكل نصوص هذه الإلياذة ناطقة بانها مؤلفة لواحد من أعداء بني أمية وهو في نفس الوقت من أعداء الطالبيين، لذلك يحرص المشتركون في إخراج هذه المسرحية أن يحطوا ما أمكنهم من قدر الطرفين استرضاء لخليفتهم العباسي وأبنائه. وانا أختار من هذه النصوص نصا يتعرض لرسم دور عبد الله بن عباس في هذه المسرحية وهو جد الخلفاء بني العباس وكان مستشار الإمام علي (ر) في هذه الوقعة. والنص منقول عن كتاب انساب الأشراف للبلاذري قال:
(لما قامت الحرب بين علي ومعاوية بصفين فتحاربوا أياماً قال معاوية لعمرو بن العاص في بعض أيامهم: إن رأس الناس مع علي عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه كتاباً تعطفه به، فإنه إن قال قولاً لم يخرج منه علي وقد أكلتنا هذه الحرب. فقال عمرو: إن ابن عباس أريب لا يخدع ولو طمعت فيه لطمعت في علي. قال: صدقت إنه لأريب ولكن اكتب إليه على ذلك.
فكتب إليه:
من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس.
أما بعد: فإن الذي نحن وأنتم فيه، ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقه سفه العاقبة، وأنت رأس هذا الأمر بعد علي.
فانظر فيما بقي بغير ما مضى،
فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة،
واعلم أن الشام لا يملك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا يملك إلا بهلاك الشام،
فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم وما خيركم بعد إسراعكم فينا،
ولست أقول: ليت الحرب عادت ولكن أقول: ليتها لم تكن،
وإن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه،
وإنما هو أمير مطاع، أو مأمور مطيع، أو مشاور مأمون وهو أنت، فأما السفيه فليس بأهل أن يعد من ثقات أهل الشورى ولا خواص أهل النجوى. وكتب في آخر كتابه:
طـال الـبلاء فما يرجى له iiآسٍ |
|
بـعد الإله سوى رفق ابن iiعباس |
قـولا لـه قول مسرور iiبحظوته |
|
لا تـنس حظك إن التارك الناسي |
كـل لـصـاحـبـه قرن iiيعادله |
|
أسـد تـلاقـي أسوداً بين iiأخياس |
انـظر فدى لك نفسي قبل قاصمة |
|
لـلـظهر ليس لها راق ولا iiآسي |
أهل العراق وأهل الشام لن iiيجدوا |
|
طـعـم الحياة لحرب ذات أنفاس |
والـسـلـم فـيه بقاء ليس يجهله |
|
إلا الـجهول وما النوكى iiكأكياس |
فـاصـدع بأمرك أمر القوم iiإنهم |
|
خشاش طير رأت صقراً بحسحاس | فلما قرأ ابن عباس الكتاب والشعر أقرأهما علياً، فقال علي: قاتل الله ابن العاص ما أغره بك، يا بن عباس أجبه، وليرد عليه شعره فضل بن عباس بن أبي لهب.
فكتب إليه عبد الله بن عباس:
أما بعد: فإني لا أعلم رجلاً من العرب أقل حياء منك، إنه مال بك إلى معاوية الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت للناس في عشواء طخياء طمعاً في هذا الملك، فلما لم تر شيئاً أعظمت الدماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فيها زهادة أهل الورع، ولا تريد بذلك إلا تهييب الحرب وكسر أهل العراق،
فإن كنت أردت الله بذلك، فدع مصر وارجع إلى بيتك،
فإن هذه حرب ليس معاوية فيها كعلي، بدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر، وابتدأها معاوية بالبغي فانتهى منها إلى السرف،
وليس اهل الشام فيها كأهل العراق،
بايع علياً أهل العراق وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه،
ولست وأنا فيها سواء، أردتُ الله، وأردتَ مصر، فإن ترد شراً لا يفتنا، وإن ترد خيراً لا تسبقنا.
ثم دعا الفضل بن العباس بن عتبة فقال: يا بن عم أجب عمرو بن العاص. فقال:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس |
|
فـاذهب فمالك في ترك الهدى iiآس |
إلاّ بـوادر طـعن في iiنحوركم |
|
ووشـك ضرب يفرّي جلدة iiالراس |
هـذا لـكـم عندنا في كل iiمعركة |
|
حـتـى تطيعوا علياً وابن iiعباس |
أمّـا عـلـي فـإنّ الله iiفـضّـله |
|
فـضلاً له شرف عال على iiالناس |
لا بـارك الله في مصر فقد iiجلبت |
|
شـراً وحظك منها حسوة iiالحاسي | فلما قرأ معاوية الكتاب قال: ما كان أغنانا عن هذا.
وكان هشام بن عمرو الدمشقي يقول: هذا الحديث مما صنعه ابن دابكم هذا.
|