البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : جذور الصراع الطائفي في العراق    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )

رأي الوراق :

 صادق السعدي 
6 - مايو - 2012
 
 
    أسباب عديدة كانت تقف حائلا بيني وبين الكتابة في موضوع أراه يمثل جوهر المحنة التي عاشتها أمتنا العربية والإسلامية من قرون ولا زالت تعاني وتقاسي في ظل أوضاع عربية وإسلامية بائسة وكارثية يساهم الباحث والمثقف قبل رجل السياسة المنتفع في دعم مشاريع خطيرة مشبوهة يدفعه في ذلك قصور في الرؤية وفهم خاطيء لطبيعة الصراع التاريخي على أساس مسبقات وخلفيات تاريخية ومذهبية إذا جاز لرجل الشارع البسيط أن يسقط في فخّها، فمن المعيب أن يكون المثقف أو المفكر طرفا في صياغتها وتصديرها لوضع المزيد من الحطب على النار في قنوات إعلامية وصحف صفراء رخيصة مسيّسة الى قرونها والتي لا تنطح عدوا ولا تدفع الضرّ عن صديق. كنت كلّما تقدمت خطوة للكتابة في موضوع كهذا على أهميته وخطورته أجد الخوض فيه مجازفة لا تصرفني عنها خشية أحد من الناس أو خوف خسارة مادية أو معنوية، فليس عندي ما أخسره وأنا في الخمسين، أو أخشى ضياعه وأنا في بلال الغربة. ما أخشاه حقا أن لا أعطي موضوع في حقيقته مشروع لا أزعم أنه يرتقي الى مستوى وضع اليد على جوهر الصراع الذي كان ولازال يمزق الأمة الى طوائف وفرق متناحرة. فقد كتب الكثيرون في هذا المضمار، وأسهمت نخبة من رجال الفكر والثقافة والأدب في رأب الصدع ومحاولة تضييق الفجوة بين الأطراف المختلفة عن طريق الكتابة والمؤتمرات والندوات الدينية والثقافية. ولم تثمر كثيرا تلك الجهود المبذولة في جمع الأمة أو على أقل تقدير إيجاد قواسم مشتركة قد لا تعالج جوهر الصراع ولكن تجمع الأطراف المتخاصمة على أساس المصالح المشتركة والتنبيه على أن المعركة الحقيقية في ساحة أخرى ساهم العدو الحقيقي في ذكاء وتقنية عالية أن يجعل الحرب خارجها وفي بيت المختلفين من أبناء العمومة والخؤولة.
يتبع...
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الحكاية من البداية    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
    إنّ الأوضاع الراهنة التي يعيشها العرب اليوم، والعراق على وجه الخصوص، هي التي دفعتني الى الكتابة في مثل هذا الموضوع الشائك. أعرف مسبقا خطورة الكلام في مسألة الطائفية. لاسيما وهو يتناول مسائل في غاية الحسّاسية مما قد تسيء دون قصد الى هذا الطرف أوذلك. متجرّدا ما استطعت من عقدة الإنتماء المذهبي إلا من نزوة قد تظهر هنا أو هناك ولا أدّعي العصمة فأنا كغيري ابن هذا المذهب أو ذلك إنتماءا ونشأة. وهذه هي المعضلة التي واجهت ولا زالت أكثر من كتب في هذه القضية: التحيّز الفاقع للمذهب الذي ينتمي إليه، والرجال الذين ورث تقديسهم من حكم رجال آخرين كتبوا في ظرف تاريخي تبلبلت فيه العقول، وساءت الظنون، وسقط المؤرخ في فخ الحاكم وتملق المحكوم. وخاف الكاتب النزيه على نفسه ورزقه وعياله فجامل وخاتل ورمّز وأخفى نصف الحقيقة، والحقيقة لا تقبل المناصفة بين الظلمة والنور. وتعرّض الكثير منهم للأذى والتهميش والضرب والإهانة. وأُحرقت مئات الكتب بتهمة الهرطقة والزندقة وفساد العقيدة في زمن كان رمز الفساد فيه هو الحاكم نفسه وزبانيته. إرهاب مارسته السلطة من قرون طويلة في حق العالم والمفكر وصاحب القلم الحر.
*صادق السعدي
8 - مايو - 2012
إسماعيل الصفوي     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
     ظهر في أواخر القرن التاسع الهجري في إيران شاب طموح إسمه أسماعيل الصفوي. متصوف وشاعر غزل رقيق، يكتب المدائح للنبي وآل بيته. وكان قد ورث النزعة الصوفية من أبيه. وللوراثة دخل كبير في نشأة الإنسان وميوله ونزواته وسلوكه الشخصي. وكان القدر قد مهّد له الطريق ليسعى في طلب الحكم بقلب جسور وكفاءة عالية في إزاحة كل المعوّقات من أجل الوصول الى السلطة. وقد اجتمع مع ما ذكرنا فساد الأوضاع السياسية والإجتماعية ومقارعة خصوم لم يكونوا أقلّ عنفا وشراسة من هذا الرجل. وكانت الفرصة مؤاتية لهذا الشاب الطموح أن يحكم هذه البلاد في ظل الإنقسام الداخلي الذي كانت تشهده الدولة الفارسية والتهديد الخارجي وغياب الحاكم القوي القادر على ضبط الأوضاع والحكم بقبضة قاهرة. وقد تمكّن بالفعل أن يصفي جميع خصومه وأعدائه السياسيين على حداثة سنه ليتوّج ملكا على بلاد فارس عام 1502م.
    كان إسماعيل الصفوي متصوّفا من أهل السنة، ثم قرّر أن يتحوّل الى مذهب التشيّع الغالي. ولعلّ الذين مرّوا في مثل هذه التجارب في الإنتقال من مذهب الى مذهب أو عقيدة الى عقيدة مخالفة، عادة ما يذهبون الى أقصى ما في تلك العقيدة من تطرّف ومغالات. ولنا في التاريخ القديم والحديث نماذج كثيرة لا يسع المجال لذكرها.
    ذكروا أن سبب ذلك التحوّل هو زيارة الإمام علي لإسماعيل الصفوي- أو لإبيه لا يهم- في الرؤيا أو المنام، فكان ذلك الحلم أو الرؤيا أو الكابوس سمّه ما أحببت، سببا في اعتناقه مذهب التشّيع. وقد يكون الدافع السياسي هو السبب في ذلك الإنقلاب المذهبي العاصف. لقد أراد إسماعيل الصفوي- كما يرى آخرون وهو الأقرب الى المنطق- مواجهة الدولة العثمانية التي كانت تناصبه العداء، بسلاح مذهب مخالف. وكان الكثير من أتباعه من المتضررين من سياسة الدولة العثمانية فعبّأهم ضد خصومه بهذه العقيدة.
 
*صادق السعدي
8 - مايو - 2012
عمر وعلي    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
    دخل إسماعيل الصفوي بغداد سنة 914هـ 1508 م. ولم تكن هذه المدينة الحزينة قد نزعت بعد ثياب الحداد الطويل على ضحاياها بيد المغول والمجاعة والأوبئة التي كانت تفتك أحيانا بأكثر من نصف سكان العراق. أدخل هذا الفاتح الجديد لبغداد ما هو أخطر من كل الأوبئة التي ضربت هذا البلد المنكوب عبر تاريخه الطويل، وباء المذهبية في أقبح صورها. ولم يكن العراق منذ تمصيرالكوفة والبصرة بعيدا عن الشحن الطائفي أو الصراع القبلي الذي تأسس على خلفية الجمل ثم صفّين، وقبل ذلك مقتل الخليفة عثمان بن عفان. وكان الجرح عميق وفي كل بيت من بيوت المسلمين نائحة وطالب ثأر. وانقسم المسلمون الى شيع وطوائف. لعلي شيعته في الكوفة وبعض نواحي البصرة ومصر. ولطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة شيعة ينافسون شيعة علي مناطق النفوذ والولاء والنصرة والمحبة. وفي الشام شيعة معاوية من غير منافس. ولم يكن أبو بكر ولا عمر بن الخطاب وقتها طرفا في هذا الصراع بين الإطراف المتخاصمة. كان شيعة علي هم شيعة عمر. ولم يذكر التاريخ حتى في صفحاته المتطرفة أن أحدا من من أنصار علي وأتباعه ومحبيه، كانوا ينالون من أبي بكر أو عمر ، بل العكس من ذلك كانوا يذكرونهم بخير ويقرّون بفضلهم. لقد كان على رأس جيش معاوية عبيد الله بن عمر. وقد حاول جيش الشام استفزاز أتباع علي للنيل من عمر عندما كانوا ينادون: معنا الطيّب ابن الطيّب، فكان شيعة علي يجيبونهم: بل معكم الخبيث ابن الطيّب. لم ينجح أنصار معاوية مع أن الظرف حينئذ كان يساعدهم في تحقيق غرضهم من تحويل وجهة الصراع وكسب المزيد من الشرعية في قضية كانت أصلا فاقدة للشرعية، ظاهرها حقّ وجوهرها باطل.
   أقول في ذلك الوضع الحسّاس والمتوتّر كان شيعة علي أعقل من السقوط في ذلك الفخ الذي سقط فيه الشيعة بعد ذلك نتيجة القهر والإقصاء والظلم من الأنظمة المتلاحقة التي لبست عمامة عمربن الخطاب وحكمت الناس باسمه، فتماهت صورة عمر في الذهنية الشيعية بصورة الحاكم الجائرمن عام 41 هجرية الى لحظة سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد في 9 نيسان سنة 2003 م.
 
*صادق السعدي
8 - مايو - 2012
علي وعمر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
    وقد قالوا قديما لا ينبغي لشيعي أن يكتب في عمر. ولكي يعتدل الميزان في كفتين فلنا أن نقول: لا يصح أن يتحدّث السني في علي لأنه قطعا سوف يفضّل عليه عمر، ولا في الحسين بن علي، لأن من قتلوا الحسين في نظره إما مجتهدون، وإما مأجورون في قتلهم رجل خرج على الإجماع وسنة جده الذي أمر بقتل من يريد تفريق شمل هذه الأمة وهي جمعاء!
      والإعتراض الذي لا يخلو من وجاهة هو: ليسوا سواء من يترحّم على جميع الصحابة وبين من يفرق بينهم فيقدس طرف ويشتم طرف آخر. لا نتوقّع من الشيعة أن تقول كلمة منصفة في أبي بكر، ولا حكما عادلا في عمر، وهي ترى أن الأول قد خالف وصيّة النبي واغتصب الخلافة من علي، والثاني كسر ضلع الزهراء! هذا كلام صحيح قطعا. لكن لماذا؟ هذا هو السؤال. لعلّ الجواب هو أنّ أحد الأطراف كان حاكما لقرون حتي استقرّ في في ذهنه اعتقاد راسخ أنّه أصلح وأحقّ في الحكم من الطرف الآخر. ولابدّ أن يكون هو الحاكم والطرف المخالف له مذهبيّا لا محكوما فقط بل هو في السلالم الدنيا من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية...
   والخاسر أوالمهزوم هو الذي يتهم ويشكك ويعلو صراخه ويشتم. إنها حيلة العاجز، فما بالك ومع العجز تاريخ من المظالم والقهر والملاحقة والإقصاء والقتل.غيّر مواقع الأسماء ودع المعادلة التاريخية كما هي، سوف تكون الصورة هي هي، والنتيجة واحدة: المحكوم المخالف لمذهب الحاكم يصرخ ويشتم. لو قدر لعي أن يسبق أبا بكر وعمر الى سقيفة بني ساعدة ويقدم نفس الحجج والمبررات التي عرضها في السقيفة أبو بكر، لكان أتباع عمر اليوم هم أتباع علي، وشيعة علي هم شيعة أبي بكرالمغتصَب حقه في الخلافة. ولكانت أم المؤمنين عائشة وربما حفصة بنت عمر المعتدى عليها، المكسور ضلعها! ولكان المقتول في كربلاء أحد أبناء أبي بكر وعمرلا الحسين بن علي. ولكانت المجالس الحسيّنية بكرية عمرية، لهما أضرحة ومزارات. ولكان شيعة علي وهم أكثرية حاكمة تترضّى على جميع صحابة رسول الله، الأكثرية في جناح المذهب الحاكم وتحسن الظن بهم! ولكنّ الطرف الآخر قطعا لا يرضى هذه النتيجة. ولأنه عاجز فسوف يشتم عليا وأتباعه وأكثر الصحابة المتواطئين معه. ويأتي بالف دليل وحجة على بطلان هذه الشرعية المزعومة. وقد لا يرضى بالموقف السلبي والشتائم. عندها يلجأ الحاكم المنتصر الى خيارآخرهو استعمال العصا الغليظة. ويكون ضحايا الدولة الأموية والعباسية ومن ورثهما بعد ذلك، ضحايا الدولة العلويّة!
    ومن ويرى أن مثل هذا الكلام فذلكة ولعب بالألفاظ واستفزاز غير مقبول، نحيله الى واقعنا المعاش بكل أبعاده الطائفية حيث يصبح عمر من حصّة السنّة، وعلي من حصّة الشيعة، فئة تعتاش على ثراث عمر، وأخرى على تراث علي في محاصصة طائفية أطرافها عمائم ولحى ومدارس ومؤسسات وشيوخ وتلاميذ وكتب ووسائل إعلام بأشكالها المختلفة...
وللحديث بقية...
*صادق السعدي
8 - مايو - 2012
العثمانيون والفرس    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
   وكتب التاريخ مشحونة بتبادل التهم والسباب بين علماء وكتاب المذهبين المختلفين. فلم يكن اسماعيل الصفوي صاحب بدعة غير مسبوقة. وقد شهد العراق قبل ذلك صراعا مذهبيا بين الشيعة والسنة، كما عرف الصراع بين المذاهب السنية نفسها اتسم بالعنف والتكفير أيضا، لكن لم يصل الامر يوما الى تعريض الناس الى الفتنة وقهرهم والنيل من عقائدهم وشتم رموزهم الدينية بالصورة التي عرفها العراق بعد الغزو الصفوي. وكما تعرّض علي بن أبي طالب الى الشتم على المنابر في مرحلة ليست بالقصيرة من تاريخ المسلمين بلغة عربية فصيحة، فقد أخذ كل من أبي بكر وعمر حصلتهم من هذه الشتائم بالعربية والأعجمية! وتعرّض السنة في العراق الى بلاء عظيم. ولمّا كان الصراع سياسيا في طبيعته وجوهره، فقد قرر السلطان العثماني أن يصفي حسابه مع الدولة الصفوية التي كانت قد أخذت في الإتساع وتهديد تخوم الدولة العثمانية ولكن بغطاء مذهبي هو الثأرلأهل السنة في العراق. وبالفعل شنّ السلطان سليم الأول حملة شعواء على الشيعة في الأراضي التابعة لسلطة الدولة العثمانية، قتلا وتشريدا. وفي كل الاحوال لم يكن أكثر الضحايا طرفا في هذا الصراع المذهبي البغيض بين الفرس والعثمانيين.
    ولعل من أغرب قضايا التاريخ التي سفكت فيها دماء ملايين من البشر، وخلفت ولازالت أضغان ومدارس وأطنان من الحبر والورق، وحروب حديثة استعملت فيها أقذر الاسلحة وأشدّها فتكا بالبشر، أقلام ورجال فكر وعلماء دين، ملوك وسلاطين... أن تكون هناك قضية غاب خصومها، ومحكمة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، موكّلون بلا وكالة، وقضاة يصدرون أحكاما في غياب أصحاب الحق الشرعي في المطالبة بالحقوق. وجمهور دخل قاعة المحكمة بطريق القهر والإكراه، وانقسم بمرورالزمن وما ورث الخلف عن السلف، الى فريق موالاة وفريق معارضة. مسرحية تاريخية هزلية جنائزية من الدم والدموع قرّر الممثلون فيها كما ذكر بعض أبطالها أنّ جده السابع كان قد أوصى ولده إذا سقط عن خشبة المسرح أن يكمل الدور ولده من بعده حتى لحظة التجلي والظهورأو قيام الساعة.
    والعراق كان ولايزال الأرض التي حملت هذا الارث الثقيل دون سواها من البلاد العربية، ودفع أبناؤها وما زالو ثمن سياسات داخلية وخارجية، لم يكونوا يوما طرفا حقيقيا فيها إلا بالقدر الذي يدفع فيه الحاكم الناس في كل مرة بما يمارسه ضدهم من إقصاء وتهميش وسياسة غير عادلة ولا منصفة، عدوان وقتل وتشريد الى التخندق الطائفي في محاولة لحماية هويتها التي يريد الحاكم الطائفي انتزاعها بحجة مصلحة الطائفة التي يزعم أنّه يمثلها.
 
ولنا عودة إن شاء الله
*صادق السعدي
11 - مايو - 2012
الخبيث بن الطيب    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
تحية طيبة أصدقائي وأساتذتي الكرام: وتحية خاصة لأستاذنا وشاعرنا صادق السعدي راعي هذا الملف، وليسمح لي بداية أن أقدم اعتذاري إلى الأساتذة الأجلاء ياسين الشيخ سليمان وأحمد عزو ومحمود العسكري المتلقب سابقا بالدمنهوري اعتذاري على تقصيري في المشاركة في مساهماتهم الأخيرة ولاسيما قصيدة أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان. كما أحمل إليكم تحية من حامل لواء الحرية الأستاذ المستشار عبد الرؤوف النويهي إذ كان الكابتن هشام الأرغا في زيارتي البارحة مع صديقنا جميل لحام فرأيته يعطيني جواله ويطلب مني أن أرد فإذا بالمتصل الأستاذ عبد الرؤوف النويهي، وقضينا على الهاتف مدة طويلة (على حساب الكابتن) استعدنا فيها ذكريات الوارق وأيام الأستاذة ضياء خانم، وقرأنا بعض قصائد الديوان، وبحثنا عن قصيدة (من وحي أولغا) فلم نهتد إلي مكانها في الديوان فلعلها غير منشورة في الديوان، وأصر الكابتن أن أجمل قصائد الديوان (معذب وممرمر) كما أصر جميل أن أجمل قصائد الديوان هي وصيتي إلى ابني فداء، بينما كانت الأستاذة ضياء لا تتنازل عن تفضيلها قصيدة (شمعة) وحسب اقتراحها اخترنا قطعة منها لتنشر على غلاف الديوان. هذه تحيتي في فاتحة حديثي مع صديقنا الغالي صادق السعدي، وقد دخلت إلى موضوعه هذا لأسجل بعض الملاحظات ليس على ما دبجه بقلمه الساحر وإنما هي قناعاتي الخاصة فيما يتعلق بحروب السلف الأول، وجعلت مدخلي إلى ذلك قول أهل العراق في الرد على عبيد الله بن عمر لما قال (أنا الطيب ابن الطيب) : (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وهي نفس الكلمة التي رددها في معسكر أهل العراق محمد ابن أبي بكر إذ خرج قائلا (أنا الطيب ابن الطيب) فقال له أهل الشام (بل أنت الخبيث ابن الطيب) وفي رواية أن قائل كلمة أهل العراق في الرد على ابن عمر هو عمار بن ياسر (ر) الذي بشره رسول الله (ص) بأنه تقتله الفئة الباغية (ما شاء الله !!) وكان في صفين في الرابعة والتسعين من عمره، وخرج ينادي
(نحن قتلناكم على تنزيله ثـم قتلناكم على iiتأويله)
إلى آخر الأبيات... وقتل وحز رأسه وحمل إلى معاوية، وكان قاتله وهو أبو الغادية الجهني (من الصحابة الكرام ) له ترجمة ساخرة في الكتب المعنية بتراجم الصحابة، قالوا: (كان ضربا من الرجال كأنه ليس من رجال هذه الأمة) لم يرو عن النبي (ص) إلا حديثا واحدا (إن أموالكم ودماءكم عليكم حرام)، وفي (الإصابة) للحافظ ابن حجر حديث يفصل فيه أبو الغادية سبب قتله لعمار، وأنه خرج إلى صفين وليس له هدف من ذلك إلا قتل عمار، قال: (كنا نعد عمار بن ياسر فينا حناناً (أي مما يتقرب به إلى الله) فوالله إني لفي مسجد قباء إذ هو يقول: إن معقلاً فعل كذا -يعني عثمان قال فوالله لو وجدت عليه أعواناً لوطئته حتى أقتله فلما أن كان يوم صفين أقبل يمشي أول الكتيبة راجلاً حتى إذا كان بين الصفين طعن الرجل في ركبته بالرمح وعثر فانكفأ المغفر عنه فضربه فإذا رأسه قال: فكانوا يتعجبون منه أنه سمع: "إن دماءكم وأموالكم حرام"، ثم يقتل عماراً) وفي رواية: ( سمعت عماراً يقع في عثمان بالمدينة فتوعدته بالقتل فقلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن فلما كان يوم صفين جعل يحمل على الناس فقيل هذا عمار فطعنته في ركبته فوقع فقتلته فأخبر عمرو بن العاص فقال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "قاتل عمار وسالبه في النار"؛ فقيل لعمرو: فكيف تقاتله؟ فقال: إنما قال قاتله وسالبه.

   قالوا: وأما اهل الشام فيقولون: (قاتل عمار هو حوي بن ماتع السكسكي).... وأنا في الحقيقة لا اجد متعة أكبر من متعتي في قراءة هذه الإلياذة، وفي كل مرة أقف على ساحلها تغريني في الغوص إلى أبعد قيعانها، ولو جمعت صوري التي التقطها لروائع ذلك القاع لكانت تحفة من تحف الدهر. واما في فاتحة شبابي فقد كانت الأخبار نفسها تسبب لي حالة من الكآبة والسوداوية لا يمحوها ماح ولا ينفع معها لا عصير العنب ولا عصير التفاح.
ولايمكن لأي باحث أن ينسب هذه الأسمار إلى قلم واحد اخترعها وأبدعها من وحي خياله وبنات أفكاره، إلا أنهم متفقون أنها من إنتاج (عيسى بن داب) وطبقته. وكان ابن داب نديم الخليفة الهادي العباسي وهو القائل لابن داب (والله ما غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك)
وكل نصوص هذه الإلياذة ناطقة بانها مؤلفة لواحد من أعداء بني أمية وهو في نفس الوقت من أعداء الطالبيين، لذلك يحرص المشتركون في إخراج هذه المسرحية أن يحطوا ما أمكنهم من قدر الطرفين استرضاء لخليفتهم العباسي وأبنائه. وانا أختار من هذه النصوص نصا يتعرض لرسم دور عبد الله بن عباس في هذه المسرحية وهو جد الخلفاء بني العباس وكان مستشار الإمام علي (ر) في هذه الوقعة. والنص منقول عن كتاب انساب الأشراف للبلاذري قال:
(لما قامت الحرب بين علي ومعاوية بصفين فتحاربوا أياماً قال معاوية لعمرو بن العاص في بعض أيامهم: إن رأس الناس مع علي عبد الله بن عباس، فلو ألقيت إليه كتاباً تعطفه به، فإنه إن قال قولاً لم يخرج منه علي وقد أكلتنا هذه الحرب. فقال عمرو: إن ابن عباس أريب لا يخدع ولو طمعت فيه لطمعت في علي. قال: صدقت إنه لأريب ولكن اكتب إليه على ذلك.
فكتب إليه:
من عمرو بن العاص إلى عبد الله بن العباس.
أما بعد: فإن الذي نحن وأنتم فيه، ليس بأول أمر قاده البلاء، وساقه سفه العاقبة، وأنت رأس هذا الأمر بعد علي.
فانظر فيما بقي بغير ما مضى،
فوالله ما أبقت هذه الحرب لنا ولا لكم حيلة،
واعلم أن الشام لا يملك إلا بهلاك العراق، وأن العراق لا يملك إلا بهلاك الشام،
فما خيرنا بعد إسراعنا فيكم وما خيركم بعد إسراعكم فينا،
ولست أقول: ليت الحرب عادت ولكن أقول: ليتها لم تكن،
وإن فينا من يكره اللقاء كما أن فيكم من يكرهه،
وإنما هو أمير مطاع، أو مأمور مطيع، أو مشاور مأمون وهو أنت، فأما السفيه فليس بأهل أن يعد من ثقات أهل الشورى ولا خواص أهل النجوى. وكتب في آخر كتابه:
طـال  الـبلاء فما يرجى له iiآسٍ بـعد  الإله سوى رفق ابن iiعباس
قـولا  لـه قول مسرور iiبحظوته لا  تـنس حظك إن التارك الناسي
كـل لـصـاحـبـه قرن iiيعادله أسـد تـلاقـي أسوداً بين iiأخياس
انـظر  فدى لك نفسي قبل قاصمة لـلـظهر  ليس لها راق ولا iiآسي
أهل  العراق وأهل الشام لن iiيجدوا طـعـم  الحياة لحرب ذات أنفاس
والـسـلـم فـيه بقاء ليس يجهله إلا  الـجهول وما النوكى iiكأكياس
فـاصـدع  بأمرك أمر القوم iiإنهم خشاش طير رأت صقراً بحسحاس
فلما قرأ ابن عباس الكتاب والشعر أقرأهما علياً، فقال علي: قاتل الله ابن العاص ما أغره بك، يا بن عباس أجبه، وليرد عليه شعره فضل بن عباس بن أبي لهب.
فكتب إليه عبد الله بن عباس:
أما بعد: فإني لا أعلم رجلاً من العرب أقل حياء منك، إنه مال بك إلى معاوية الهوى وبعته دينك بالثمن اليسير، ثم خبطت للناس في عشواء طخياء طمعاً في هذا الملك، فلما لم تر شيئاً أعظمت الدماء إعظام أهل الدين، وأظهرت فيها زهادة أهل الورع، ولا تريد بذلك إلا تهييب الحرب وكسر أهل العراق،
فإن كنت أردت الله بذلك، فدع مصر وارجع إلى بيتك،
فإن هذه حرب ليس معاوية فيها كعلي، بدأها علي بالحق وانتهى فيها إلى العذر، وابتدأها معاوية بالبغي فانتهى منها إلى السرف،
وليس اهل الشام فيها كأهل العراق،
بايع علياً أهل العراق وهو خير منهم، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه،
ولست وأنا فيها سواء، أردتُ الله، وأردتَ مصر، فإن ترد شراً لا يفتنا، وإن ترد خيراً لا تسبقنا.
ثم دعا الفضل بن العباس بن عتبة فقال: يا بن عم أجب عمرو بن العاص. فقال:
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس فـاذهب فمالك في ترك الهدى iiآس
إلاّ  بـوادر طـعن في iiنحوركم ووشـك ضرب يفرّي جلدة iiالراس
هـذا لـكـم عندنا في كل iiمعركة حـتـى  تطيعوا علياً وابن iiعباس
أمّـا عـلـي فـإنّ الله iiفـضّـله فـضلاً  له شرف عال على iiالناس
لا  بـارك الله في مصر فقد iiجلبت شـراً  وحظك منها حسوة iiالحاسي
فلما قرأ معاوية الكتاب قال: ما كان أغنانا عن هذا.
وكان هشام بن عمرو الدمشقي يقول: هذا الحديث مما صنعه ابن دابكم هذا.
 
*زهير
15 - مايو - 2012
أهلاً أهلاً بأهل الوراق الكرام     ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
من أسعد لحظات حياتى ..أن أسمع صوت شاعرنا الكبير زهير ظاظا  ينساب عذباً فى مسمعى وكأنى أسمع شدواً جميلاً وقصيدةً من قصائده الخالدات التى عشناها فى ديوان" ضياء نامه ".
 وعلاقتى مع عزيزى محمد هشام.. لم تنقطع  فالحديث بيننا لاينقطع ،وما أكثر تبادل الرسائل عبر المحمول أو على الفيسبوك ..وأحياناً الحديث عبر المحمول دقائق ..للاطمئنان على الأحوال والأولادوالعباد والبلاد
.
كنت مشتاقاً لسماع صوت شاعرنا الكبير زهير ظاظا  وتحقق مرادى بمبادرة جميلة ومفاجأة أجمل من الأخ العزيز محمد هشام ،بارك الله فيه وفى أسرته الكريمة .
 
وعاطر الأشواق لأخى الفاضل ياسين الشيخ سليمان وقصائده العصماء وتمنياتى له بالصحة والسعادة والإبداع .
 
 وإلى ابنى الشاعر النابغة  محمود الدمنهورى "العسكرى " الذى شرفنى بزيارته مرةً واحدة "يتيمة "ثم شغلته الحياة "
وإذا الدنيا كما نعرفها وإذا الأحباب كل فى طريق".
 
وإلى الأخ الفاضل جميل لحام ..وأهمس فى أذنك  لاتدع شاعرنا الكبير زهير ظاظا ..ينسانا .
 
وأحلم حلماً جميلاً  ليته يتحقق ألا وهو عودة الأحباب "عبدالحفيظ ..ضياء ..يحيى رفاعى ..سلوى ..إلخ ...إلى صفحات الوراق ..فلقد شقينا من بعده..  وطال وقوفنا على أبواب المواقع الأخرى !!!!!
 
وإلى أستاذنا الجليل والشاعر الكبير  صادق السعدى  
 
 تحية إجلال وتقدير
لقد اطلعت فيما سلف على هذا الموضوع المحفوف بالمخاطر والمنزلقات الفكرية والمذهبية ،وربما لأننا فى مصر لا تشغلنا هذه المسائل  ،لكون الأغلبية من المسلمين سنة  وحبنا لآل البيت لايرتبط بمذهب ،فقد آثرت ألا أشارك فيه ،فمن الصعوبة بمكان أن يتحدث المرء   ولا تكون تحت يديه  كافة المستندات والحجج والأدلة حتى يقطع برأي .ويتوخى فيها تقديم دراسة منهجية تاريخية  لوجود الكثير من التعقيدات الفكرية والسياسية والدينية .وكما قال د.نصر حامد أبوزيد فى دراسة قيمة  "الاستخدام النفعى للدين ".
 
أما الدكتور وجيه كوثرانى  يؤكد :
  "فقد أصبح الدين هو التعبئة العامة لكل طرف من أطراف الصراع" الأمر  الذى أعطى لصراع الدولتين السياسى والاقتصادى والاستراتيجى فى مناطق العالم الإسلامى صبغة دينية مذهبية ،انعكست بدورها على أوضاع عامة المسلمين تشتتاً وتفرقاً واضطهاداً وتصفية .وهذا ماعانى منه سنة إيران ،وكذلك شيعة البلقان والعراق وسورية ولبنان ابتداءً من القرن السادس عشر الميلادى ،تاريخ انفجار الصراع بين الدولتين"
 
 
"الفقيه والسلطان ..دراسة فى تجربتين تاريختين العثمانية والصفوية-القجارية " المركز العربى الدولى  للترجمة والنشر  مصر ...طبعة 1990م ص6،5
 
وهذه الدراسة التى كتبها د.وجيه كوثرانى ،ربما تكون  ،فى زعمى ،من الدراسات الجادة التى حصلت عليها وقرأتها  سنة 1990م بعد حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران .
اليوم سأتابع ما يكتبه أستاذنا صادق السعدى وشاعرنا الكبير زهير ظاظا  وباحثونا الذين يمتلكون ملكة البحث العلمى والمنهج الموضوعى .
 
وإلى لقاء ودمتم بخير
*عبدالرؤوف النويهى
15 - مايو - 2012
والله زمان    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
   وألف أهلا بهذه الإطلالة البهية الكريمة لإستاذنا وشاعرنا ومعلمنا زهيرظاظا، وصديقي  الأستاذ النويهي الكبير بعلمه وأدبه وقلبه وخلقه وضميره الموجوع المتعب بقضايا هذه الإمة المنكوبة بالجهل والأمية وغلبت المصالح الذاتية على مصلحة البلاد والعباد، في ظرف تتعرض فيه البلاد العربية والإسلامية لحالة يصعب وصفها أو معرفة حقيقة ما يدور وما يحصل. وضع غير مسبوق من البؤس لا يمكن تصوّره أو احتماله في زمن لم يعد فيه كبير حتى في سوق المزايدة والبيع والشراء. غاب السياسي والمفكر والمربي والحكيم. حرقة  أحاول أن أضعها في سياقها بين السطور، ربما هي محاولة عرجاء لتجنب مزالق الطرق الوعرة والكلام الصريح. أي بؤس هذا الذي يجعلنا نتخبط في ظلمة التاريخ المصنوع على أعين هذا الحاكم أو ذلك الأمير أو السلطان.
   لم يخلص الكلام بعد. ما أكتبه هنا هو مجرد انطباعات خزنتها الذاكرة لقراءات ومشاهدات وصور وحالات إنسانية أتمنى أن يسعفني الوقت وفراغ البال المشغول والمرهق، في مواصلة ما وعدت به من بقية الحديث. ولكن كيف نعالج هذه الإشكالية المزمنة: (قل الحق ولو على نفسك، ولكن ما كل ما يعرف يقال). كم تركنا ما يجب أن يقال، وقلنا ما لا يجب قوله، وكم غلبتنا عادة الجسد وسنة البلد. خسرنا الكثير لكي لا نخسر كلّ شيء، ثم اكتشفنا أننا لم نربح شيئا ولم نحتفظ بشيء. لا أوجع من أن تكون لسان ببغاء، أو بنصف لسان، أو أن تتكلم بلغة تخشى أن يفهمها أحد! سوف تخسر القريب قبل البعيد.
    ما كتبته كان مجرد توطئة لحديث أملته الظروف الراهنة، قد يطول وقد يقصر، وقد أشرت في مقدمة الكلام عن صعوبة الولوج الى موضوع اختلف فيه جهابذة السلف والخلف. وهذا أمر طبيعي لأننا تحمّلنا تراثا ملغوما مثقلا بالتناقضات والأكاذيب والوضع والدس. والنتائج حصيلة المقدمات، تصلح بصلاحها، وتفسد بفسادها.
   في كل الأحوال أنا في منتهى السرور يا أستاذ زهير. هذا الإختلاف الجميل المطبوع بختم الصدق والمحبة هو ما نحتاجه في حياتنا العامة. نحن متورّطون بآفة المكابرة والعنجهية ومصادرة الرأي الآخر وخنقه. نحن نرجسيون وليتنا كنّا بجمال نرجس ليكون لتلك  النرجسية  مبرر مقبول. ما أبهى حضورك يا أستاذ زهير.
   وما أحلى هذه الطلة التي أعطت لهذا المجلس بعد يأس، أمل العودة لأيام زمان. سعادة غامرة أن تكون حاضرا معنا يا أستاذنا وكبيرنا عبد الرؤوف النويهي.
  ولا يزال للحديث بقية...
 
*صادق السعدي
16 - مايو - 2012
جذور المحبة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
مرة أخرى أضطر للدخول عاجلا إلى هذا الملف الساخن مرحبا بعودة أستاذنا (مستشار الحرية وحامل لوائها) المحامي الأستاذ عبد الرؤوف النويهي معتزا بكلمات المحبة التي غمرني بمودتها، اعتزازي بصداقة أستاذنا (المعلم) وشاعرنا صادق السعدي متمنيا ألا يضع قلمه في هذه المعركة فهو أقدر من يكتب في هذا الموضوع فقد ذاق وعرف وعاش وعاشر وعاقر وتمرمر مع الطائفية ومخالبها، ونام واستيقظ على فوهة بركانها، ولكنه استطاع أن يحرر حياته من كف عفريتها، وهو في كل ذلك أقرب ما يكون من (صور حياتي) التي قضيتها تحت أروقة أخرى، وجدت أثناءها كراما أودت الحياة ببيانهم، وأجاويد يبذلون أغلى ما يملكون في سبيل الوصول إلى بناء مجتمع يكون الانتماء إليه نعمة يشكر الله عليها لا محنة وبلاء وخزيا وخجلا.
لم يكن في بالي بالأمس أن أكتب ما كتبت لما دخلت إلى هذا الملف، بل دخلت لأكتب عن زيارتي إلى أصفهان، قبل ثلاث سنوات، فكتبت ما كتبت ونسيت موضوع رحلتي إلى أصفهان. وقد قصدتها لأداوي جراحي بالطواف في أرجائها ومساجدها ومدارسها. ولم أنزل فندقا واعتذرت من السائق الذي أوصلني إلى الفندق أني سأبحث عن فندق يناسبني، وركبت أول حافلة رأيتها، ولم تمض دقائق حتى استوقفني منظر نهر الزندروذ وعشرات الزوارق الملونة تعوم فوقه كالفراشات، والناس على ضفافه بطولها مدى النظر. فنزلت من الحافلة وأخذا ألتقطت بعض الصور فإذا بشاب يقصدني، حسبت أنه سيخبرني أن التصوير ممنوع، وإذا به يسلم علي بكل تودد ويطلب مني سيكارة، فلما أعطيته سيكارة طلب أخرى لصديقه، فقلت له فما رأيك أن تدلني على مكان يبيع القهوة والشاي، ففهمت منه أن أصفهان لا تباع فيها القهوة (التركية) وإنما الشاي فقط، وفي غضون دقائق صار (مهدي علي نساج بور) أول أصدقائي في أصفهان، وتلاه صديقه أحمد كهنه كار، شربنا الشاي معا ثم تناولنا الغداء في أفخم مطاعم أصفهان، ثم سألني مهدي : في أي فندق نزلت ؟ فأخبرته أني لم أنزل في فندق. فسأل: فأين حقائبك ؟ فقلت له ليس معي حقائب، أنا هنا فقط لمدة ثلاثة أيام فما رأيك أن أنام فيها عندكم في البيت وأعطيك أجرة الفندق عن ثلاثة أيام، فطار فرحا وسارع لإخبار أمه بضرورة أن تحضر لي غرفة عندهم، وبعد أقل من ساعة كنت أغط في القيلولة، واستيقظت مساء لأرى والد مهدي وأمه وأخوته وأقاربه وقد عرفوا أني من بلاد الشام، ولم  يرتابوا أني شيعي، وليطمئن قلبهم سألني والد مهدي، انت شيعي والحمد لله ؟ فقلت له: (لا والله انا سني) ولكني لا أميز أبدا بين الشيعة والسنة وأنا أتيت إلى أصفهان لأراها من كثرة ما قرأت عن اخبارها وأخبار رجالها في التاريخ وقد كانت لي حاجة في (جزيرة كيش) وهي لا تقضى إلا بعد ثلاثة أيام لذلك اغتنمت الفرصة لزيارة أصفهان. كان مهدي هو الوحيد من بين كل الذين رأيتهم وتعرفت عليهم يصدقني في كل ما أقول، وكان لعينيه لمعان خاص هو الذي أشعرني بهذا الشعور. وكنت طوال تطوافي في أصفهان أستشف صورة أول قافلة أصفهانية أمت بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، بل كنت ربما احتد شعوري فحسبت أني أصطدم ببعض مواكب تلك القافلة، وأوجه الشبه بين أصفهان ودمشق تصل إلى درجة كنت أرى أحياء كاملة هي نسخة طبق الأصل عن مثيلاتها في دمشق، ولولا أن نهر دمشق (وهو بردى) ينقسم في منطقة الشادروان إلى سبعة انهر لكانت أصفهان هي دمشق بعينها. لا يمكن أن أنسى أيامي التي عشتها في بيت الفنان علي نساج بور وكنت قد كتبت قصيدة حول هذه الزيارة ونشرتها فور رجوعي من أصبهان في الوراق، ولا يزال يرن في سمعي قول مهدي يغني كما علمته (أصفهانه طريقي، مهدي وأحمد رفيقي، ضياء نامه حريقي) على وزن الأغنية (لا تضربني لا تضرب كسّرت الخيزرانه) ودمتم بخير
*زهير
16 - مايو - 2012
(( النأي بالنفس ))    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحية شوق للأساتذة الكبار في الوراق , الأصدقاء الحقيقيين الذين لم ننسهم , ولم ننس الأيام الجميلة التي كانت بيننا , , ,
لقد حاولتُ كثيراً العودة لصفحات هذا الموقع الحبيب وكان العائق الكبير هو هجران الأحبة للموقع , وكان ابتعاد أستاذنا زهير لظروف عمله لفترة مؤثراً جداً , وكذلك ابتعاد أستاذتنا ضياء التي فضلت ( النأي بالنفس ) بعيداً , وأوصدت على تفسها كل الأبواب , وقد حاول الصديق أحمد عزو أن يجمع الشمل ثانيةً , ولكنه وجد التجاوب ضعيفاً , فكان التواصل فردياً مع بعض الأحبة وانقطعت للأسف طرق التواصل مع البقية , ولأنني ألتقي كثيراً بأستاذنا زهير ظاظا فقد بقي الوراق حاضراً في فكري وقلبي .
وأريد في مشاركتي هذه أن أشكر الأستاذ عبد الرؤوف النويهي الذي بقي على تواصل معي , فكنا نتذكر معاً الأيام الخوالي , وصفحات العمر التي كتبناها على صفحات الوراق .
وقد وجدتُ تردداً كبيراً في الكتابة بهذا الموضوع لأستاذنا الكبير صادق السعدي , ذلك أن موضوع الصراع الطائفي شائكٌ , والتفكير فيه جارحٌ ومؤلمٌ للروح , وفي المقابل أرى أن هذا الموضوع قد فرض نفسه علينا في أماكن كثيرة ومنها بلدي سوريا , فصار تجنب النقاش في هذا الموضوع و ( النأي بالنفس ) عنه أمرٌ غير واقعي .. 
*محمد هشام
17 - مايو - 2012
 1  2  3