ضوابط العقاب للأطفال والمراهقين بالضرب البدني ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
بسم الله الرحمن الرحيم (( ضَوَابِطُ الْعِقَابِ لِلأَطْفَالِ وَالْمُرَاهِقِينَ بِالضَّرْبِ الْبَدَنِيِّ )) - مما تقرَّر في علم النفس والاجتماع : أن العقاب بالضرب البدني ليس وسيلةً تعليميةً أو تأديبيةً لذاتها ، بل هو أداةٌ عقابيةٌ قد تُؤَدِّي دَوْرَها المساعد في كفاءة التعليم والتأديب وحسب ، والفارق جليٌّ بين التعبيرين ؛ إذ اتِّخَاذُ العقابِ كوسيلةٍ تعليميةٍ أو تأديبيةٍ معناه : الاستمرارُ والاستمراءُ لهذا الإيلام الجسدي بِمُبَرِّرٍ أو بلا مُبَرِّرٍ على سواءٍ ، أما اتخاذه كأداة مساعدةٍ ومساندةٍ فمعناه : الاقتصار على المواقف الحرجة التي تتطلَّبُ تَدَخُّلاً سريعًا . - الطبيعةُ الضعيفةُ للإنسان التي خلقه الله -عَزَّ وَجَلَّ !- عليها قد تميل به إلى اللذة العاجلة والمتعة القريبة ؛ لا سيما في سني الطفولة والمراهقة قبل اكتمال الروح والعقل نُضْجًا . - هذه الشهوات النازية عندما لا تجد عقلاً راشدًا يردعها ولا قلبًا عابدًا يُخْجِلُهَا = قد تتحكَّمُ بهذا الإنسان الصغير كألعوبةٍ أو أُلْهُوَّةٍ فَتُطَوِّحُهُ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال . - المشكلة : أن المشكلة لا تقف حَيِيَّةً عند جسد هذا الصغير أنه نال متعةً أو لَذَّةً أكبر أو أجرأ ؛= بل : أنها تقتحم عليه فطرته البريئة في خلوةٍ آثمةٍ قد تُلَوِّثُهَا تَلْوِيثًا . - هذه هي المشكلة ؛ أنَّ المبادئَ الفِطْرِيَّةَ الْخَيِّرَةَ في الإنسان قد تتغيَّرُ وتتغَبَّرُ ، فإذا ما علا بنيانه شيئًا فشيئًا علا على أساسٍ شائنٍ وكريهٍ . - والطبيعة المتوازنة للإنسان التي خلقه الله عز وجل عليها بين الرُّوحِ والْجَسَدِ لها سِمَةُ التعادلُ الكهربِيِّ ، فهذه السلوب السيئة إذا ما تكاثرت في الروح وتَخَلَّقَتُ منها نواةُ عَفَنٍ بكتيريٍّ ؛= لم يكن لها من علاجٍ سريعٍ في هذه الأغصان الإنسانية اللَّيِّنَةِ اللَّدْنَةِ كأن تقابل من الخارج في انعكاس المرآة بسَلْبٍ يساويها في المقدار ويضادُّها في الاتجاه ؛ أي بإجهادٍ بدنِيٍّ تُسْلَبُ معه اللَّذَّةُ الزائفة ويُذَاقُ الألَمُ ، فإذا ضُرِبَ السلب في السلب نتج الإيجاب ، وحصل التكافؤ بالفقد والاكتساب . - هذا الإجهادُ البدني له صورتان : الضَّرْبُ ، والْعَمَلُ الشَّاقِّ ، وبتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قد تتحسَّنُ كفاءةُ التهذيبِ الأخلاقيِّ للطِّفْلِ والْمُرَاهِقِ ؛= شريطةَ الالتزامِ بِجُمْلَةٍ من الضوابط والمعايير سأتحدَّثُ عنها من وِجْهَةِ نَظَرٍ شخصيَّةٍ هُدِيتُ إليها بعد الفِكْرِ والتَّجْرِبَةِ . - قبل سِنِّ العاشرة : لا ينبغي اللجوء إلى الضرب إطلاقًا ، لكن من الممكن أن نبدأ منذ سن السابعة بشَيْءٍ من الإيلامات الجسدية الخفيفة التي لا يُفَسِّرُها الطفل على أنها ضَرْبٌ مُخِيفٌ ، هذه النظرية نأخذها من حديث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مُرُوا أبناءَكُمْ بالصلاة لسبعٍ ، واضربوهم عليها لعشرٍ )) ، فمنذ سن السابعة : يتوجَّهُ الخطاب الصريح للطفل عن الواجب والالتزام والطاعة في حياة الإنسان ، لكن لا يحصل الضرب على الإخلال بهذه الواجبات والالتزامات إلا عند سن العاشرة . - إذًا ؛ فمن الخطأ البيِّنِ ما قد يقع فيه بعض الآباء والأمهات والمعلمين من ضرب الأطفال قبل سن العاشرة ، لا سيما مع تكراره ، فمن شأن هذا : أن يُحِيلَ شخصية الطفل إلى شخصيةٍ عدوانيةٍ شَرِسَةٍ قد تتهَذَّبُ بعد هذا وقد لا تتهَذَّبُ ، وهو أمرٌ مشاهدٌ . - لكن قد تكون الوسيلة العقابية المناسبة هي كما ذكرت بعضَ الإيلامات الجسدية الخفيفة ، أو توجيهَ شَيْءٍ من الكلام القاسي للطفل ، دُونَ استخدامِ أيِّ ألفاظٍ نابيةٍ أو بذيئةٍ طبعًا فهذا أمرٌ مرفوضٌ في الإسلام جُمْلَةً وتفصيلاً ، أو بحرمان الطفل من بعض الْمَلَذَّاتِ والتي ينبغي ألا تكون بإسرافٍ أيْضًا متى وجدت . - تبدأ السن المناسبة للضرب من العاشرة إلى الخامسة عشرة ، أي التي هي سِنُّ البلوغ ، فلنا أن نُّصَنِّفَ هذه الأعمار إلى ثلاث مراحل : الطفولة إلى العاشرة ( لا ضرب فيها ) ، المراهقة من العاشرة إلى الخامسة عشرة ( السن المناسبة للضرب ) ، البلوغ من الخامسة عشرة إلى الرشد في الحادية والعشرين ( لا ضرب فيها ) . - أما عن العمل الشاق : فإنه لا يتصوَّرُ تكليف الطفل بأيِّ عملٍ إلى سِنِّ العاشرة - لعدم امتلاكه القوة الجسدية والعقلية لذلك ، لكن قد يخاطب ببعض الالتزامات السلوكية التي ينبغي أن يراعِيَها في مأكلِه ومشربِه ومَلْبَسِه ومنامِه وما هو من هذا القبيل ، وببعض الالتزامات الدراسية كأن يُكَلَّفَ بكتابةِ وظيفةٍ مُّطَوَّلَةٍ أو حَلِّ مسائلَ كثيرةٍ ؛ وهكذا . - لكن منذ سن العاشرة : تبدأ السنُّ المناسبةُ لتكليف الْمُرَاهِقِ بالأعمال والمهامِّ التي تدخل بالفعل تحت مسمى العمل ليس مُجَرَّدِ المشاركة أو الهواية ، وتختلفُ طبيعة هذه الأعمال من مُّرَاهِقٍ لآخرَ حسب قوته الجسدية والعقلية ، ولا مانع مِنْ أن يُّجْعَلَ للمُراهِقِ عند قيامه بما نِيطَ به من المهام والأعمال مقابلٌ من المال ؛ بل ذلك مطلوبٌ ؛ لأنه تعزيزٌ لقيمة العمل في نفسية المراهقِ ، وتأكيدٌ على فائدة الالتزام وأداء الواجب . - مما لا ينبغي إغفال ذكره : أن هذه الأعمال والمهام يشترك فيها الذكور والإناث على سواءٍ ، فالوظائف المنـزلية كترتيب الأسِرَّةِ والكنس والنَّفْضِ والتلميع وكيِّ الملابس وغَسْلِ الأطباق ونَشْرِ الملابس وطيِّها والطبخِ وغيرِ هؤلاء من الوظائف = مطلوبٌ أن يشارك فيها الذكور ، كما أن الأعمال خارج المنـزل على اختلاف مُسَمَّيَاتِهَا = مطلوبٌ أن يشارك فيها الإناث ، فهذا التعاون من شأنه أن يغرِسَ في نفوس المراهقين قيمةَ الاحترامِ المتبادلِ بين الجنسين ، وهي القيمةُ النفسيةُ التي لها ثمرتها الإيجابية في علاقاتهم العاطفيةُ الجنسيةُ فيما بعد ، ولا ننسى حديثَ عائشةَ - رضي الله عنها - عندما سئلت عن حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته فقالت : كان في مَهْنة أهله ، يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ، ويحلب شاته ، ويعجن لأهله خبزهم ، هكذا كانت الرجولة النبوية تعرف واجباتها ! . - منذ سن العاشرة إلى الخامسة عشرة كما ذكرت هي السنوات الشائكة لمرحلة المراهقة ، وهي السنوات التي تمتد دراسِيًّا من الصف الخامس الابتدائي إلى الصف الثالث الإعدادي ، ولذلك فهي مرحلةٌ تحتاج إلى أن تختفي منها مظاهر التدليل الطفولي اختفاءً كُلِّيًّا ، مع إِحْلال مظاهر الْجِدِّيَّةِ والنِّدِّيَّةِ في تعامل الكبار مع الصغار . - ومن هذه الْجِدِّيَّةِ والنِّدِّيَّةِ كما سبق ذِكْرُهُ : استعمال الضَّرْبِ كوسيلةٍ عقابيةٍ . - لكن نضعُ هنا ضوابطَ عامَّةً ، لأن العشوائِيَّةَ قد تُّفْقِدُ هذه الوسيلةَ العقابيةَ خصائِصَها الدوائِيَّةَ . - بالنسبة للأهل لا ينبغي لهم ضرب الطفل مطلقًا على التقصير الدراسي ، وإنما يلجؤون إلى الوسائل الأخرى : كالكلام الجافي ، أو الانزواء عنه ، أو الحرمان من بعض الملذَّاتِ وحسب ، ولكن يقتصر ضَرْبُهُمْ للطفل على التقصير في الفروض الدينية كترك الصلاة أو تأخيرها عن وقتها ، أو الارتكاب للمخالفات الشرعية كالسب والشتم . - أما بالنسبة للتقصير الدراسيِّ ؛: فإِنَّ الضَّرْبَ لأجله يكون قاصرًا على المعلم ، وذلك : لأن الطفل أو المراهق في هذه السنِّ المبكرة قد لا يعي طبيعة البعد الديني للتعلم والدراسة تمامًا ، وإنما هو يفهم هذه القضية بصورتها الدنيوية ، كذلك : فإنه قد لا يصل إلى ذوقه الوجداني عُمْقُ العاطفة الأبوية بين التلميذ والمعلم ، وإنما هو يفهم هذه العلاقة بصورتها الدنيوية أيضًا ، وما دام الأمر مُفَسَّرًا عند المراهق على هذا النحو ، فمعاملةُ المعلِّمِ له بمبدأ الحساب والعقاب بصورةٍ دنيويةٍ جافَّةٍ بَحْتةٍ = يكون مقبُولاً ، ولا تترتَّبُ عليه آثارٌ ضارَّةٌ ؛ كالتي قد تنجم من ضرب الأهل للمراهق على تقصيره الدراسي ، وهذا الضرب الجائز من قبل المعلم - إنما يجبُ أن يتِمَّ وَفْقَ معاييرَ يتفاهم عليها مع الأهل ؛= حتى لا يحصلَ تجاوزٌ يُؤَدِّي إلى سُوءِ فَهْمٍ بين الطرفين ، وهي المعايير ذاتها التي ينبغي مراعاتها في ضرب الأهل للمراهق عند الأخطاء الدينية . - منها : ( موافقة الأهل على ضرب المعلم للطفل عند تقصيره دراسِيًّا ، أداة الضرب ، مكان الضرب من جسد الطفل ، عدد الضربات ، موقف العقاب بالضرب بين الزملاء أو بعيدًا عنهم ، وأن يكون الضرب بقُوَّةٍ مُّتَوَسِّطَةٍ ، وألا يكون مُفَاجِئًا بل بَعْدَ إنذارٍ ) . - ومن الأفضل : أن يعد المعلم بطاقةً للتلميذ خاصَّةً بهذه الضوابط التي يتَّفِقُ عليها مع وَلِيِّ الأمر ، ومُلْحَقًا بها جَدْوَلٌ لرَصْدِ مَرَّاتِ العقابِ بالضَّرْبِ بالتأريخِ وشَرْحِ الأسبابِ . - ما سبق بيانه من العمل الشاقِّ ومن العقاب بالضرب : إنما يؤتي ثماره المرجُوَّة في كفاءة التعليم والتأديب ؛= عندما يصاحب بطبيعة التنشئة الجادة التي تحفز الطفل والمراهق إلى المثالِيَّةِ ، ولا شَكَّ أنَّ عامِلَ الْقُدْوَةِ هُنَا عاملٌ أساسيٌّ قد ينهض بشطر هذا العَبْءِ التربويِّ منفردًا ، فاستقامة الأهل والْتِزَامُهُمْ واستقامة الْمُعَلِّمِ والْتِزَامُهُ يتكاملانِ ويتكافلانِ في الزَّرْعِ والحصادِ . - من صُورِ التَّدْلِيلِ غيرِ المقبولةِ : أن يُخَصَّصَ للطفل والمراهق جُزْءٌ من المال يأخذه كمصروفٍ يَوْمِيٍّ أو أسبُوعِيٍّ ، ومنها : أن يجلب لهما ما لا يحتاجان إليه من مزيد الملابس والأدوات المدرسية ، فهذا تدليلٌ خاطئٌ ، والصواب كما ذَكَرْتُ : أن يُعَامل الطفل والمراهق على مُسْتَوًى من نُّضْجِ البالغينَ ؛ فَتُقَدَّرُ ضروراته وحاجاته بقَدْرِها . - بقي : أن الآداب الإسلامية التي ينبغي أن يتربى وينشأ عليها الجيل المسلم آدابٌ راقيةٌ ، وهي كثيرةٌ ومُتَنَوِّعَةٌ ترسم حياةَ الإنسانِ وتُلَوِّنُهَا وتُزَخْرِفُها من كُلِّ ناحِيَةٍ ، وتضرب حولَه إطارَ الفضيلةِ بأضلاعه الثلاثة : الخيرِ والحَقِّ والجمالِ ، فما أحرى الآباء بتعليمها !، وما أحرى الأبناء بتعلُّمها ! ، إن الأغصان الغضة والأبدان البضة لتنبت بغذاء القلب والروح نباتًا حسنًا قبل اليُبْسِ والجفافِ . [ إِذَا الْمَرْءُ أَعْيَتْهُ الْمُرُوءَةُ نَاشِئًا éفَمَطْلَبُهَا كَهْلاً عَلِيْهِ عَسِيرُ ] |