البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : من يكتب التاريخ؟    قيّم
التقييم :
( من قبل 3 أعضاء )

رأي الوراق :

 صادق السعدي 
30 - نوفمبر - 2011
 
 
   كنت ولا أزال في توق شديد للكتابة عن واقع الثقافة وموقف المثقف منذ سقوط الدولة العثمانية لكنّ المشاغل كثيرة، والخوض في مثل هذاالموضوع يحتاج الى جهد ومتابعة وحرص شديد على الجدية في طرح المسائل المهمة واحترام هذه المجالس المفتوحة لجميع الآراء باختلاف اتجاهاتها في التعبير بحرية من غير مصادرة إلا في حدود أظن الجميع قد أصبح على دراية كافية بضرورة الوقوف عندها، حتى لا تتحوّل الحرية الى فوضى، والكلام الى تهريج. ونسأل الله العصمة من زلّة اللسان.
   لم يكن خروج العرب من الهيمنة العثمانية يإرادة حرة من أبناء هذه الأمة بل جاء في ظروف خاصة أملتها شروط الحرب وقوة الحلفاء المنتصرين. كان مجرد خروج من وحل الى مستنقع وهيمنة الدول الغربية على مقدرات الامة العربية سياسيا واقتصاديا وفكريا... هيمنة جاءت في أحلك الظروف والأمة لا تزال تعيش حالة الإستلاب والتخلف الفكري والحضاري والتشوه العميق الذي أصاب العرب في هويتهم بحيث لم تعد هذه الأمة قادرة على معرفة حقيقة ما يدور من حولها وما هو السبيل للخروج من الواقع المتردي وغياب المشروع المدروس والواضح بعد أن تحول المثقف ورجل الدين الى مجرد وظيفة يقررها السلطان لتمرير ما يريد من سياسة وما يحتاج من فتوى تصب في ديمومة واقع نخرت فيه سوسة الفساد في كل مفصل من مفاصله.
         وما يدفعني للحديث عن قرن من الزمان مضى، هو ما أراه وما أسمعه وما أقرأه في هذه الأيام من كلام شبيه بما قرأناه قبل عقود من الزمن على لسان مثقفين كبار كانوا رواد الثقافة العربية في عصرهم ولا زالوا يحتفظون بمكانتهم الكبيرة في خارطة الثقافة العربية. ذلك ما حدث بعد رحيل عبد الناصر وسياسة الإنفتاح في عهد السادات وما عرف بعد ذلك بتصفية التركة الناصرية وحقبة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. عاد عندها كما زعموا الوعي المغيّب بفعل القهر والخوف وتكميم أفواه المثقفين بكل الأشكال ووسائل القمع المادي والمعنوي. فقد عاد الوعي عند علم من أعلام الثقافة العربية مثل توفيق الحكيم بعد غياب وترحيل قسري، وكذلك زعم علم آخر مثل طه حسين الذي وصفه البعض بالذئب الذي كانت تخشى منه الخراف في العهد الملكي، فأصبح في زمن الجمهورية حملا تتخطاه الإبل! وهي حالة تكاد تكون عامة، فالحاكم الذي لا يخيف أحدا يجب أن لا يخاف منه أحد! ومن لا يركب غيره يُركب. منطق خطير وحقير، لكنه كان وسوف يبقى مادام في الإنسان حيوان لم ينقرض بعد!
    إذا كان هذا هو حال المثقف بكل ما يمتلك من رصيد فكري وثقافي وقدرة فائقة على المناورة، وخبرة طويلة في مقارعة الخصوم وتجاوز الصعاب، وقبل كل ذلك مسؤوليته الأخلاقية وتاريخه الذي بناه بالعرق والسهر وما حباه الله دون غيره من عباده بالذكاء والألمعية والموهبة الخلاقة. كيف إذن ترجّحت كفة الحاكم الغاشم على كفة المثقف النابه، والعبقري الفذ. إذا كان هذا هو حال من يفترض أنهم بناة الفكر وصانعي أقدار الشعوب، والفيصل في الحكم عندما تسقط الموازين، وتتداخل المفاهيم، وتضيع المقاييس في ترجيح الأحكام ويقول كل بما يراه بعين الرضا، أو بعين السخط أوالجهل والحماقة.
   ونشير هنا ليس دفاعا عن موقف المثقف، بقدرما هو محاولة لفهم دوافع البعض ممن عرفوا بتشددهم في المواقف والقضايا الكبرى في الفكروالثقافة والسياسة والدين وغيرها، ثم يتحوّل ذلك التمرد والتحدي الى نكوص ومداهنة في موقف المثقف من السلطة الجديدة التي تحكم قبضتها في الحكم وتضيّق مساحة الحرية التي كان يتمتع بها في ظل السلطة التي طالما وجه اليها سهام نقده بكل شراسة وقسوة. ذلك يعود في تصوّري الى عبورهذه النخبة من المثقفين حالة التمرد التي يمرّ بها في العادة كل مثقف في مرحلة أو أكثر من تجاربهم التي تتسم بحدة الخطاب، والثورية في الدعوة لمعالجة الأوضاع الإجتماعية والسياسية والدينية، مما يدفع الى الصدام لا محالة بالأفكار السائدة التي يتوخّى صانع القرار الى بقاء الأحوال كما هي خوفا من جديد يزلزل أرضية ثابتة، ويؤدي الى مفاسد أعظم من منافع محتملة يكون أول ضحاياها صاحب القرار نفسه! ولعلّ قدر بعض المثقفين أن الثورات والإنتفاضات الكبيرة تحدث في مرحلة يكون فيها المثقف قد استهلك طاقة التمرد في داخله، وأكسبته التجارب والنضج الفكري قدرة على ضبط النفس ومراجعة التجارب السابقة والنقد الذاتي، ووضع الأشياء في ميزان الربح والخسارة. وقد يدفع المثقف نتيجة ذلك ثمنا باهضا من سمعته وتاريخه .هذا ما حدث بعد الثورات الكبرى في مجال السياسة، كما حدث في تجارب التجديد في الادب والفن والفلسفة...   
   هل تستطيع الجماهير بالفعل كما يراهن الكثيرون على صنع التاريخ الشعبي بدلا من المثقف والمنظرون والحكماء وكتبة تاريخ القادة والسلاطين؟ على ماذا تقوم هذه المراهنة؟ إن مسؤولية المثقف كبيرة وخطيرة في كل ما يحدث في هذه الأيام من سجالات ورهانات وركوب الموجة والخفة التي لا تليق بالكلمة الحرة النزيهة الصادقة. هذه المسؤولية تجعل المثقف مرة أخرى في مفترق طرق، وفي خيارات ليست بالسهلة عندما تسقط جميع الابعاد، ويكون ما يحدث بالفعل فوق كل التصورات وتوقعات السياسيين فضلا عن المثقف الذي يستغرقه تاريخ الماضي في غياب القدرة على قراءة محايدة واعية، وعجز في الغالب عن المعايشة الحقة لمشاكل الواقع المعاصر مع مرونة في فهم التحولات الكبرى والصدمات التي لا تتفق بطبيعتها مع التوجه العام لطبيعة المثقف التي هي غالبا ما تكون منحصرة في إطار ثقافة دينية مذهبية أو ثقافة في ظاهرها حرة منفتحة، وفي باطنها مستوردة من مناشيء خارجية متعددة، يصعب إن لم نقل يستحيل في ظلها مواجهة مثل هذا الظروف والمتغيّرات غير المتوقعة ووضع التصورات أو الحلول المناسبة لها من غير السقوط في فخ التسرع والخفّة الفكرية ومجارات الرأي العام وركوب العربة مع الآخرين في قطار لا يعرف أحد من ضرب سكّته، وما هي وجهته.
وللحديث صلة...
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
عطر المفكر    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
 
 
    يؤكد العارفون أن العقاد كانت له علاقة غير شرعية بإحدى النساء، كانت ثمرتها فتاة اعتادت على زيارته بين الحين والآخر، وكان العقاد يعطف عليها من غير أن يعلن أبوته لها. بعد وفاة العقاد حضرت الفتاة كما ذكروا مجلس العزاء، فظنّت أسرة العقاد أنّها جاءت تطالب بالأرث، لأنهم- كما يظهر- كانوا على علم بتفاصيل تلك القصة، فطردوها من البيت، فانتحرت.
    قد تكون مثل هذه القصص من الأمور الشخصية كما يرى البعض، ولا يصح أن نحاكم من خلالها المثقف، بل علينا أن نفصل بين الشأن الشخصي، وبين دورالمثقف في الحياة الأجتماعية والفكرية وسارئر شؤون الحياة التي يساهم رجل الفكر  بإثرائها من خلال الكتابة
   إذا كنا نحاسب رجل الشارع البسيط بوصفه فردا من أفراد المجتمع عندما يقوم بعمل يؤثر سلبا في الحياة العامة ، فمن باب أولى أن يكون المثقف في دائرة من يجب محاسبته أو معاتبته لطبيعة دوره وأهمية الأفكار التي يطرحها وأثرها في الناس.
   من الجدير بالذكر أن جان جاك روسو المفكر الفرنسي الشهير صاحب العقد الإجتماعي، كان قد كتب في مذكرته أمورا تتصل بالجانب الأخلاقي من سيرته، منها علاقته بمربيته مثلا، ولكن روسو لم يشر الى مسألة هي أكثر خطورة من ذلك، وهي إنجابه عدد من الأبناء غير الشرعيين ووضعهم في الملجأ. وهي حالة كما وصفها البعض تدل على خبث شريحة كبيرة من المثقفيين في إخفاء أفعال مشينة كبرى، بواسطة التطرّق الى مسائل تعد هفوات أو نزوات عابرة كما هو الحال في العلاقة مع النساء، لاسيما في مرحلة الشباب. وهي من الأمور التي لا يلتفت إليها في العادة أحد بالقياس الى مايُعدّ جريمة إجتماعية وأخلاقية مثل إنجاب أطفال غير شرعيين والتخلي عنهم ونبذهم في الملاجيء، والهروب من المسؤولية بضمير مستريح. ثم يتحدث هذا المفكر نفسه عن الأخلاق والعقد الإجتماعي.
  والكلام هنا عن القدوة والرمز سواء كان رجل دين أو رجل سياسة أو مثقفا يساهم في صياغة الفكر الثقافي والتربوي للمجتمع. قد يرى البعض أن أثر الحياة الشخصية لقادة الفكر وصنّاع القرارات السياسية وأصحاب النظريات الفلسفية الكبرة لا تؤثر إلا بقدر ضئيل فيما يكتبون وماينشرون. نحن نتحدث عن الإخلاق بمعناها العام، وإنعكاس ذلك على الوظيفة الثقافية والتربوية والإجتماعية والسياسية وسائر نشاط المثقف في الحياة العامة.
   فمثلا ينقل عن طه حسين أنه كان غاضبا من زكي مبارك لأنّه كان يمنح فؤاد سراج الدين درجة النجاح في مادة الأدب، دون أن يكون قد حضر وأدى ذلك الإمتحان بالفعل مقابل زجاجة كولونيا!
    ما قيمة مثل هذه القصص التي تتكرر يوميا في حياتنا سواء الخاصة منها والعامة؟ الإنسان يصيب ويخطيء وليس ملاكا، وما يعني ذلك، والدرجة التي كان يحتاجها الرجل لم تكن داخلة في صميم اختصاصة القانوني. إنها درجة في الأدب فرضت عليه فتحايل للتخلص من عبئها. والرجل لم يكن أستاذا للأدب أو اللغة العربية فيؤثر ذلك على مهنيّته في أداء عمله؟!
   ليس الهدف هو التعريض باحد، بل هو مجرد مثال من أمثلة عديدة سنشير إليها في حينها، الغرض منه التأكيد على أن الإنسان تاريخ متصل بعضه بالبعض الآخر، ونسيج عضوي ملتحم لا يمكن فصل ماضيه عن حاضره. فالرجل الذي نتحدث عنه كان رجل سياسة ومحاميا كبيرا وعضوا في حزب الوفد، ووزيرا للزراعة والمواصلات، ووزير داخلية ومالية. وسياسيا نشيطا. أعتقل عدد من المرات، وسجن عدد من المرات... دور سياسي، وآخر حزبي، ودور إقتصادي ومالي، ودور أمني، بل يقال أنه صاحب مجانية التعليم. من حقنا بعد ذلك أن نسأل: ماهو مقدار أثر زجاجة الكولونيا التي أشار إليها عميد الأدب في مجمل ذلك النشاط الكبير والمؤثر الذي لعبه الرجل في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والقانونية على مدى أكثر من خمسين سنة؟ وآخرون قصصهم أعجب.
   نستعرضها إن شاء الله في المجالس القادمة.
 
*صادق السعدي
5 - ديسمبر - 2011
نزلة برد    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
 
   أجد أكثر من فكرة تقفز الى الرأس كلما بادرت الى كتابة موضوع كنت قد استجمعت بعض خيوطه في الذهن، وتزدحم المشاهد والصورالمختلفة فتدفعني دفعا باتجاه حديث اتجنب الخوض فيه. ربما لأني أصبحت بسبب ما أرى وما اسمع قدري المذهب وإن كنت فيما أزعم بلا مذهب! والويل لمن ليس له مذهب. فلا كعبا بلغت ولا كلابا. حتى مقتل القذافي كان يمرّ أمام عيني كأي مشهد من هذه المشاهد اليومية الدموية التي اعتدنا عليها. لم أفرح بموت الرجل ولم أحزن لفراقه أيضا. وجود ساخر، ومقتل أشد سخرية
 
     أرانب غير أنهم ملوك       مفتحـة عيـونهم نيــام
    وأجسام يَحَرّ القتل فيها       وما أقرانها إلا الطعام
   ربما هي نزلة البرد تفعل فعلها، فتدير الرأس وتعبث بالأفكار. أحاول أن أتجنب ما استطعت ما يثير حساسية البعض.لا تستطيع وأنت تكتب عن التاريخ أن تفصل بين ما هو ثقافي أو أدبي أو اجتماعي، عما هو سياسي. قد نختلف بالطبع في العوامل المنتجة للصراع، هل العامل الإقتصادي أم الديني أم السياسي أم كل هذه العوامل مشتركة؟ طبعا ما نكتبه هنا لا يرقى قطعا الى مستوى البحث الأكاديمي أو العلمي الدقيق. إنها محاولة نتتبع من خلالها مسيرة تاريخية تحفل بالأحداث والصراعات والقصص الغريبة والمثيرة. وما يهمنا في المحصلة هو أن نفهم بقدر ما يتسع له فهمنا، وما تسعفنا فيه الذاكرة من أحداث كادت أن تنسى ولم يبق منها إلا القدر اليسير، نستعين به في ربط الحاضر بالماضي، علنا نفهم ما يدور من  حولنا، وأن نترفّع عن القبول بمهمة الثور الذي يدور معصوب العين.
   نسمع هذه الأيام من يصف الجماهير بالغوغاء والمغفلين. والغريب أن نسمع هذا الكلام ممن يعتقدون أن الأمة لا تجتمع على ضلالة. فإذا كانت الأمة غير الشعب أو الجماهير فمن هي الأمة إذن؟ الفقهاء وخواص العلماء القائلون بوجوب طاعة الحاكم مهما فعل. أم النخبة المثقفة التي سوف نأتي على تناقضاتها بعد ذلك؟ أم من بالتحديد؟ إنها بالفعل عودة ونكوص عجيب في أخطر ظرف يمر به العرب في تاريخهم المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية.
   كما نشهد تناقضا مخجلا هذه الأيام ، سواء كان ذلك من السياسيين أم من المثقفين أم ممن يسمون أنفسهم محللين في الشأن السياسي وأصحاب الفكر الحر! ورجال دين. لماذا إذن كل هذه الدماء التي سالت بفتوى هؤلاء المثقفين الأحرار وهم يدعون الشباب ويدفعوهم الى جهاد المحتل والغازي لأرض المسلمين. لماذا اختلف الخطاب اليوم، لماذا كل هذا الصراخ والإجتماعات المحمومة للتدخل الأجنبي؟ هل أصبحت أمريكا عدو الأمس صديق اليوم؟ أم أن أردوغان الذي لا يتورع عن التصريح وهو وزعيم حزب إسلامي وحاكم لبلد أغلبيّته من المسلمين: أنه يسير في طريق حماية قيم العلمانية في البلاد. وأن حزبه إسلامي معتدل غير معاد للغرب، أصبح هو القشة التي يتعلق بها أصحاب الأوهام والمشاريع الخاسرة. أما وزير خارجيّة تركيا أحمد داود أوغلو فيقول إنهم- حزب العدالة والتنمية- ورثة الدولة العثمانية، و يتصرف بالفعل على هذا الأساس، ويهدد وكأن هذه الدولة العربية أو تلك مقاطعة عثمانية. هذا الرجل الذي يعول عليه البعض، له شبكة علاقات واسعة وحميمة مع كبار ساسة أسرائيل. فهل هذا يكفي أم نتحدث عن العلاقات الإستراتيجية والعسكرية بين البلدين. قد يقول البعض: هذا قبل وصول الإسلاميين. منذ عام 2002 والإسلاميون في السلطة فماذا فعلوا غير تاكيد هويتهم القومية في المنطقة وتعزيز نفوذها كما تفعل إيران. وحزب العدالة والتنمية كان قد انشقّ عن حزب الفضيلة لأهداف يعرفها المطلع على علاقة الإسلاميين بالعسكر في تركيا، وعلاقة العسكر بإسرائيل.
   يبقى الكلام عن أسطول الحرية. طلبت تركيا من إسرائيل أن تعتذر وأن تقدم تعويضات لأسر الضحايا الأتراك وسوف ينتهي كل شي وتعود العلاقات سمنا على عسل. وقد صرّح أكثر من مسؤول اسرائيلي أن ما حدث مجرد سحابة صيف سوف يتجاوزها الطرفان، وأن العلاقات بينهما أقوى من أن يؤثر عليها مثل هذا الحادث. وهذا ما تريده تركيا، المحافظة على هيبتها من جهة، وتأمين مصالحها القومية من جهة أخرى. ومن حقها ذلك، بل نحن نصفّق لها بحرارة وإعجاب كبير. ولكن ماذا عن قضايا العرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي يراهن البعض فيها على الدور التركي؟ هل يمكن لدولة لها كل هذه العلاقات العسكرية والاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، أن تكون حليفا أو مدافعا عن الحق العربي في فلسطين. مالكم كيف تحكمون، وبأي ميزان تزنون؟
   ونختم كلامنا بما صرّح به أردوغان: أن المسلسلات التركية المدبلجة قد أصبحت واحدة ومن وسائل التقارب بين تركيا والعرب!
 فهل نحن أمة محمد، أم أمة مهند؟!
*صادق السعدي
7 - ديسمبر - 2011
تربية القطيع    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
 
يذكر طه حسين في كتابه الأيام عن بعض شيوخه- كان يدرسهم المنطق كما أظن- أنه كان يسأل الطلبة، وعندما لا يجد الإجابة يقول: ردوا يا غنم، ردوا يابهائم، ردوا يا خنازير.
 
  موروث ينتقل كالعدوى بين مجتمعاتنا على الصعيد السياسي والإجتماعي وفي داخل الإسرة بين الزوج المتسلّط، والزوجة الضعيفة المغلوبة على أمرها، بين الأب وأبنائه، والأخ الأكبر عندما يتسلط على أخواته أو اخوته الصغار. حتى ننتهي بقمة الهرم السلطوي، الحاكم المستبد وأزلامه الميامين!
   لايزال الى الآن يُعرّف الأنسان أنّه حيوان ناطق. هذه المقولة التي أخذناها من التراث اليوناني تجعل الوجود في شجرة قمتها الجوهر، وفي نهايتها الإنسان. كيف كان شيوخنا وهم من أشد أعداء فرضية أو نظرية الإنتخاب الطبيعي، يعلموننا أن الإنسان نوع جنسه الحيوان. وفصله بالنطق أو الفكر لا يغيّر من المسألة شيئا، لأن القائلين بالتطور يقرّون أيضا أن الإنسان كائن عاقل مفكر يمتاز عن جده الحوان غير العاقل بالفكر وأن الأنواع لاتتداخل. فإن أذكى قرد، هو أدنى ذكاءا من صبيّ متخلف عقليّا. إن تعريف اليونان للإنسان لا يختلف في جوهره عن نظرية دارون. وهي مخالفة صريحة لما ذكرته الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، أن الله قد خلق الإنسان قبل خلق الحيوان الأعجم، وكرّمه بإمور أخصّها: أن الله تعالى نفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له تكريما وتشريفا...
   والجدير بالذكر أن العلماء القائلين بالنشوء والإرتقاء، قد جعلوا المشترك الأول لجميع الكائنات الحية على الارض، كائنا وحيد الخلية يسمى الأمبيبا. وهي كتلة عديمة الشكل كما يصفونها. وإذا عدنا الى الجوهر الذي وضعه المناطقة والفلاسفة في قمة الهرم المنحدر منه الحيوان المنفصل منه الكائن البشري بالفكر أو النطق، لا نجد فرقا يُذكر بين من يقول: أن الإنسان والقرد ينحدران من أصل واحد، وبين من يقول: أن الإنسان والقرد من جنس واحد. فكيف نكفر بالأول ونؤمن بالثاني؟ وكلاهما أجنبيّان مستوردان؟ أم أن هناك فرقا جوهريا نجهله ويعرفه أهل الإختصاص أعمق بكثير من ذلك الشبه في الصياغة والتعبير. ولطالما سقط الناس ضحايا التعبير، وأساء آخرون التفسير لهوى في النفس أو قناعة مشفوعة بالتعليم في الصغر، وما ثبت في الصغر تحجّر!  
   نعود لحديث الشيخ الذي أغرانا بالتفلسف، وقصة الغنم. من حلقة هذا الشيخ تخرج واحد من أعلام الثقافة والفكر. وكم تخرج من حلقة أمثال هؤلاء الشيوخ من كانت لهم وظائف وأدوار في الحياة الثقافية والسياسية والإجتماعية. والعدوى تنتقل لا تعرف إن كان مصدرها الأول هو البيت أم المدرسة أم الحارة والزقاق.. وعن طريق التكرار والسماع اليومي نألف الأشياء في خبثها وقسوتها، وتصبح سلوكا وعادة وممارسة يومية لتنتهي بمرور الأيام والسنين الى مداعبة لانستحي منها. كنت في أحد الأسواق، فسمعت أحدهم يصرخ في وجه ابنه: ولك ابن ال... قلت له: ألا يكفي أننا أنجبنا أولادنا في هذه البلاد التي تتطلب منا مضاعفة الجهد في تربيتهم، فنكون نحن والبيئة الرديئة أعوانا في إفسادهم. قال: كلنا تربينا هكذا. أبي كان يشتمني ويضربني، وكذلك كان يفعل المعلم... تريد أن تغيّر الدنيا! فليذهب الجميع الى جهنّم!
   ولا أظن الزمان قد سرّ بنيه في ماض كان المتنبي يتوهمه بقوله:
أتى الزمان بنوه في شبيبته       فسرّهم وأتيناه على الهرم
   وما بكائنا على الأمس الغابر إلا لأننا لم نكن شهودا على ضحاياه. وللماضي سحره الذي لا يبطل. يخفي مرارته ما استطاع، ويظهر حلاوته لمن يتّبع أثره.
   ذكروا أن مصعب ابن الزبير لقي عبد الله بن عمر فسلم عليه وقال له: أنا ابن أخيك مصعب. فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة. فقال مصعب: إنهم كانوا كفرة فجرة. فقال: والله لو قتلت عدتهم غنماً من تراث أبيك لكان ذلك سرفاً.
 
*صادق السعدي
12 - ديسمبر - 2011
جناية الحاكم، جناية المحكوم    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
 
    يقول عبد الرحمن بدوي في كتابه سيرة حياتي: يئست نفسي اذن من كل شئ في مصر: حاكم طاغية مستبد طيّاش، وشعب مسلوب العقل والإرادة مطواع لكل ظالم مستبد...نعم قد يزول الحاكم بعد وقت قد يكون قصير.. لكن لن يتغيّر شئ كثير لأن داء الأستبداد قد تمكن من الحكم فصار من العسير اقتلاعه...فحتى لو جاء حاكم مستنير عادل فسرعان ما تلتف حوله كأغشاب العلّيق حاشية من الإنتهازيين والمتملقين....
  وكان بدوي قد سافر في صيف عام 1937 الى أوروبا عن طريق الجامعة المصرية. فأقام أربعة اشهر في منشن عاصمة الحركة النازية. قرأ فيها كتاب كفاحي لهتلر، وشاهد هتلر واستمع الى إحدى خطبه النارية التي تركت أثرا كبيرا في نفس الفتى الذي لم يتجاوز العشرين. كما قرأمقالات عديدة عن الأسس التي تقوم عليها الحركة النازية. فكانت حصيلة هذه الإقامة في منشن التعرف على الثقافة والسياسة والروح الالمانية؛ فتعاطف معها بوعي كبير كما يقول. ورأى ضرورة استلهام النموذج النازي لإستنهاض الوطنية المصرية. ويقول إن إعجاب المصريين بالتجرية الألماني كان أصيلا، لاسيما أن الألمان لم يكن لهم تاريخ استعماري لمصر ولا لأية دولة عربية أو إسلامية.
   كما قرأ في السنة الاخيرة من الإبتدائية بضع مقالات عن نيتشه وشوبنهور. ويبدو أن ذلك كله قد ساهم في وضع كتابه عن نيتشه بعد ذلك. ولكن بدوي الذي لم يخفي اعجابه بالتجربة النازية بل وفي شخصية هتلر ومشروعه القومي الذي تميّز بالغطرسة والعنصرية والإستبداد بالحكم، شن حملة شعواء على عبد الناصر وأركان حكمه لأسباب قد تعود الى موقف الحكومة المصرية من تحديد ملكية الأرض الذي تضررت منه عائلة عبد الرحمن بدوي. ولأسباب شخصية تعود الى مزاج هذا المثقف الكبير الذي يتسم بالحدة والغرور والتعالي على الجميع. فهو جبل شامخ كما يقول عن نفسه، وخصومه طنين ذباب!
   يقول: تدخل الجيش في الحياة السيايسة والإقتصادية للمواطنين بما يسمى بتصفية الأقطاع وتولى عبد الحكيم عامر هذه المهمة، بدلا من الإهتمام بالجيش والسلاح. فلا عجب أن ينهار الجيش المصري من أول ضربة ... فكانت هزيمة من أنكر الهزائم التي عرفتها مصر في تاريخها.
   وكانت وسائل التنصت والتجسس كفيلة بإبلاغ كل نقد أو تذمر حتى ولو كان خافتا شبه صامت الى زبانية المخابرات الذين استباحوا كل حرمة، واختصوا أنفسهم بكل ما يطلبون من العملة الصعبة. هذا في الوقت الذي كانوا فيه يجهلون كل ما يدبره أعداء مصر من إعدادات للهجوم ومؤامرات للإطاحة بمصر ...وكان التنافس في خدمة المخابرات شديدا للغاية، خصوصا بين المثفقفين من أساتذة الجامعات، وكبار الموظفين في الوزارات، والأدباء والفنانين لإنهم رأوا في ذلك أنجع وسيلة للوصول وأسهلها، حتي صار التفسير الشائع بين الناس أن صول أحد الى منصب كبير هو أنه من رجال المخابرات، فإذا كان المنصب أقل شأنا قيل عن صاحبه أنه من عملاء المخابرات... وتحوّلت مصر الى سجن كبير لا يخرج منه إلا السجّانون)
  وإذا كانت الجماهير المغلوبة على أمرها، والمطحونة بين سندان الفقر والجهل ومطرقة الحاكم الظالم المستبد، تخضع لمنطق القطيع وتسير بقوة العصى، تتقلب أهوائها، وتتناقض مواقفها. تصفق للحاكم مادام قويّا في سلطانه، وتخذله وتنقلب عليه متى ما ضعف، أو وجدت عليه أعوانا أشداء، فتناقض المثقف أو المفكر أشد خطرا، وأبلغ أثرا في صناعة الحدث التاريخي.
    يُذكر أن هتلر كان من المعجبين بالفيلسوف نيتشه وما كتبه عن الرجل السوبرمان وعظمة العرق الجرماني وتمجيد القوة واحتقار الضعيف. والأول عاش طفولة مضطربة عنيفة، كان أبوه يضربه بقسوة، فكانت القسوة وعدم الرحمة منهجا اتبعه هتلر في حياته السياسية. وكانت جدته لأبيه قد تعرّضت للإغتصاب وهي تخدم في أحد البيوت التي قد يكون أهلها من اليهود. فقد كان هؤلاء على قلتهم في ألمانيا في يدهم الإقتصاد وأغلب ثروة البلد. بيقت هذه في نفس هتلر، فمنع عمل المرأة الألمانية في بيوت اليهود! بل قرر تطهير ألمانيا من شرورهم. ولكن كيف ذلك وهم في عروقه! وقد دفع العالم وليس أوروبا فحسب ثمنا باهضا لذلك. أما نيتشه فيشترك مع هتلر في كثير من نزواته العقلية،واضطرابه النفسي، وحبه للموسيقى والفن. وربما هناك مشتركات أخرى لانتبيّن أثرها، منها اعتلال بدن نيتشه الذي أوصله في النهاية الى الجنون التام.
   في المجلس القادم نكمل حديثنا إن شاء الله
 
*صادق السعدي
15 - ديسمبر - 2011
وعلى المحصنات جرّ الذيول    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
   إحباط كبير يجتاحني هذه الايام، مما يجعل نفس الانسان تضيق بالاشياء من حولها، ويتضاعف هذا الشعور بالاحباط والخيبة عندما نكتشف أن النخبة السياسية والثقافية والفكرية على السواء هي المسؤولة عن تشكيل هذا الواقع وصياغة أحداثه المفجعة. وكأننا كتب علينا أن ندور في حلقة بدايتها هي نهايتها. حالة أقرب الى العبث. لوكان الشاعر خليل حاوي بيننا الآن، لفكر مليّا قبل أن يقرر الإنتحار بدافع اليأس والإحباط. فهل نحن بحاجة دائمة لعدو خارجي حتى في مبررات الموت المجّاني؟
   كانت إسرائيل قضية العرب الكبرى لأكثر من سبعين عاما. ما هي قضيتنا اليوم وقد أصبحنا مكشوفين لا تسترنا حتى ورقة التوت المتمثلة بالقضية الكبرى؟! أي بؤس هذا وأي انهيار وأنت ترى جزمة الجنود البواسل على جسد المرأة بعد أن تعرّت في الشارع من الضرب والسحل؟! واليمن في طريقها الى صومال آخر كما يشهد بذلك الواقع، و تؤكده التقاريرالخارجية. وليبيا تحكمها المليشيات ووضعها غامض. والعراق كما نشاهد وكفى! وكذلك الحال في سوريا الذبيحة.
   والأزهر يأسف لماذا يحدث! لا يجوز بالطبع أن نحمل وزر مايحدث على جهة بعينها، فنقول كما قال بدوي عن علماء الأزهر بأنهم زمرة من المنافقين. ماذا بقي لنا إذن؟ فإذا كان سعد زغلول في نظره صاحب تاريخ مشبوه مع الإنكليز، وحزب الوفد جهلة وأنصاف متعلمين، ومحمد عبده صديق اللورد كريمرالذي أساء للمصريين، والذي ظن التجديد في لبس القبعة! وجمال الدين الأفغاني رجل لبس عباءة الدين لأغراض سياسية... وبمن نستجير؟
   والمشكلة مع الأزهر قديمة فقد ذكر طه حسين أن علماء الأزهر كانوا قد حضروا مؤتمر الدعوة والإرشاد بمناسبة مرور مائة عام على إنشائه برئاسة رشيد رضا. فدارت كؤوس الخمر في المؤتمر. صحيح أن شيوخ الأزهر لم يشربوا، إلا أنهم حضروا مجلسا يرتكب فيه الحرام. فيكتب طه حسين قصيدة يهجو فيها الشيوخ، فيقرر شيخ الأزهر وقتها- سليم البشري- أن يرسب طه حسين في الإمتحان.
   وكثير من أصحاب الفكر والمثقفين ما زالوا في دائرة الجدل العقيم والإتجاه المعاكس الذي يروجه الإعلام النفطي لغايات أبعد ماتكون عن طلب الحق بالإستماع الى وجهات النظر المختلفة. الملفت أن من أفضل ما كتبه الرواد وأعلام الثقافة العربية كان في المعارك الأدبية التي حفلت بالتناقضات والغرائب والكيد، فضلا عن التجريح والتسقيط المتبادل بين الأعلام. غريب هذا الطبع البشري. كم نشعر بالمتعة ونحن نقرأ تلك الكتابات! نبدأ من أول صفحة من الكتاب، فنجد أنفسنا مشدودين بقوة الى مواصلة القراءة حتى الوصول الى الصفحة الأخيرة منه. لماذا إذن هذا الإعتراض أو الهجوم على ماكان يحدث بين هذه النخبة من أعلام الثقافة والفكر؟! ربما لأننا نبحث عن مثال لسنا قادرين على تحقيقه في ذواتنا المعلولة؟ أم أننا نريد أن نحمّل من نحب ما لا تحتمله طبائع الأشياء؟ ومزاج الأديب وحال المثقف عموما لا يحكمه ضابط إلا ماندر.
  قد بات سيفي في مجال وشاحها       ومدامعي تجري على خدّيها
*صادق السعدي
21 - ديسمبر - 2011