البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : " كلام ساكت "    كن أول من يقيّم
 abdelhafid 
15 - مايو - 2011
* أين مقام درعـا ؟؟؟
 
 
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
في سياق الانتفاضة العربية : أي نص أدبي، نكتب منذ اليوم ..    كن أول من يقيّم
 
 الملحق الثقافي ** لـ : ج. الاتحاد الاشتراكي المغربية
 أحمد المديني
1ـ حدث ويتواصل في العالم العربي ما هز أركانا، وخلخل بنيات ظلت لعقود راسخة، بل في حكم السرمدية، تعرضت لبعض تململ أحيانا، ولكن لم يطلها الشرخ الذي يحدث بها صدوعا وانهيارات،كما نراه ونلاحقه اليوم، وهذا على الأصعدة كافة، تقريبا. نُنَسِّب هنا،لأن ما اصطلح على تسميته منذ إسقاط نظام بن علي في تونس، وحكم مبارك في مصر، ب «الربيع العربي» محصور في البنية والهيكلة السياسيين،أي السلطة الحاكمة بأجهزتها القيادية العليا، وأحزابها، من غير أن تتبلور بعد، وبكيفية دقيقة وجلية،ملامح تغيير على مستوى الإيديولوجية وقرارات التحول الجذرية، وما في حكمها. والأجدر القول أننا نعيش حالة فوران وانتفاض، مندفعين في سيل عرم، ولا نعلم أين سيمضي، ولا حدود ما سيجرف. وهو أمر طبيعي في كل انتفاضات الشعوب ما طالت عليها عهود الاستبداد.
2ـ سال مداد غزيز حول هذا الربيع،أكثره مائع، حماسي،أو انطباعي،أو انتقامي متهور، وقليل منه رصين، وعقلاني. العجيب حقا، أن يشارك فيه، من لم يكونوا حتى الأمس القريب لا في العير ولا في النفير، ليركبوا الموجة، منصبين أنفسهم دعاة ومستشرفي الثورة العربية، المعبرين عن إرهاصاتها الأولى،،الخ من مثل هذه الفرقعات الكلامية،لا يجرؤ على» تفجيرها « إلا عتاة تجار الكلام ، المزايدون في بورصات الشعارات، المهرجون، هم كثر.
والحق أني قرأت لبعض العرب، في بدايات الربيع المعني أقوالا،هنا وهناك،تبعث على الدهشة وتثير الصدمة، إذ من حيث كانوا يرغبون في ارتياد زعامة موهومة في بداية حركة والتحدث باسمها، سقطوا في شرك فضح ما رافق سيرتهم من جبن ومخاتلة في التعبير عن أي موقف، في زمن الحكام المتجبرين الذين انتفضت ضدهم شعوب أمتنا، وستواصل حتما. في حين، رأينا،من حسن الحظ،أن أغلبية المثقفين الجديين،والأدباء العرب الموثوق بمواهبهم، ومكانتهم، وإذا استثنيتا شذرات وأقوال عفو الخاطر مما أملته الظروف، وحتمته مناسبات عجلى، وقفوا حذرين، منهم المرتبك، منهم القلق، والخائف، ومنهم المتبصر، المنتظر، الراغب في مزيد فهم، فما هذه ثورة مثقفين،ولا قادها زعماء أحزاب،ولا إنتلجنسيا متنورة، متشبعة بمفاهيم الإيديولوجيات والأدبيات الثورية بأنواعها. إذا كانت أعتى الأجهزة الاستخباراتية الأمنية قد فوجئت بها، ولم تحسب حساب امتداداتها، فكيف بالمثقفين والأدباء الذين لا يعملون بإيقاع القنابل الموقوتة،ولاهم من المنجمين، بخلاف بعض السحرة الدجالين.
وبمعدى عن الموقف المتطلب من حركة/ حركات الانتفاض ضد الأنظمة الاستبدادية العربية
فإن ما يعني، أحسب ما يقترن بالكاتب في العالم العربي،هو ذاك المخصوص بالدرجة الأولى بكتابته، أو ما يقع في صلب تكوينها، مادة ومعنى وبناء؛ ما يعنيه هو ما أفترض أنه شاغل أساس سيصبح وسواسا يسكنه، وطوقا يحاصره،إلى أن يجد له بدايات تبديد له وسراح منه. شاغله،ولا غرابة، كيف وبأي أدوات وإمكانات، وجدانية وثقافية وخبرة اجتماعية وإنسانية، وأي مقدرات لغوية أسلوبية، جمالية ورؤيوية، تتأتى له ليواصل وضعه كمنتج للتعبير في الجنس الأدبي الذي اختار قالبا ووعاء لقول ذاته، وتسجيل معاينته، ونقل تجربة حياة كما تتمثلها رؤية الفنان والإنسان والمواطن فيه، فكيف وهو اليوم، وأدواته، فوق مرجل وشرر؟!
3 ـ قد يثور في وجهنا اعتراضان لا ننكر وجاهتهما، يوجبان الانتباه إليهما،لارتباطهما بما يحقق البحث في هذا الموضوع : كيف نكتب النص الأدبي منذ اليوم؟:
ـ أولهما، أن اللحظة الراهنة بالاشتعال الذي تعرفة، وانسيابية تحولاتها، وتركيزها على فعل التغيير ومسلسل حلقاته المتعددة، المتبدلة،لا تبقي أمام الكتاب، ولا تفتح مجالا للخوض في شؤون مهنتهم، حين هي مهنة، وإنما تستدعي منهم الموقف الإستعجالي، بوصفهم مواطنين بالدرجة الأولى، مناصرين، أو مدعوين للانخراط في فعل التغيير، بأي صفة فاعلة ممكنة، كما يحدث في شأن الثورات وأدب المقاومة والتحرر، تاريخيا، ومن ثم تبقى الأمور الأخرى مؤجلة، إلى حين استقرار حال الثورات ورسوّها إلى أمانها المطلوب.
ـ ثانيهما، أن فعل الكتابة له متطلباته الخصوصية، تنضج تحت نار هادئة، وكيفما كان الحال فإن الشأن الجمالي، الكيفي للكتابة، لا يستوي أوانَ التوتر، وحين يبدو خارجُ النص متشنجا، من الصعب ربط الوشيجة المناسبة مع داخله، الذي به يتكون، أو سيمسي انفعالا عابرا فقظ.
4ـ وقد طرحت،هنا وهناك،على لسان بعض الأدباء والنقاد أسئلة متقاربة، تنم حينا عن الحذر، وحينا آخر غمرها الحماس،وفي الأحيان فإن العمومية تغلب على هذا الموضوع،كما جرى تداوله إلى اليوم، وأكثر من هذا أنه خضع لإسقاطات وأحكام قيمة متسرعة، تتجه كلها إلى نصب محاكمة للكتاب والمثقفين العرب، بتعميم شبه مطلق، وكأن هؤلاء فئة واحدة، متجانسة تكوينا وانتماء وولاء ومصالح،باعتبار أن مجرى الأحداث المنتفضة في العالم العربي يقودها جيل آخر،مختلف تماما،وغير منغمس في اهتماماتهم، خطابه ولغته، شأن شعاراته مستجدة، ولا يدين، من عجب، بشيء لأي نخبة سابقة عليه، كأنه ولد من عدم، وهبّ فجأة بهذه الرسالة. والأعجب، بعد هذا أننا لم نر من يتصدى لضحد هذه المزاعم، ولا لإعادة ترتيب الأوراق بكيفية تظهر المشهد»الثوري» العربي الراهن ضمن شجرة أنسابه الطبيعية، وفي السياقات الأقرب إليه، التي إذا لم تلتقط كما ينبغي، فأغلب الظن أننا سنكون إزاء فورة لا ثورة،وتصبح الأسئلة والتساؤلات اللاحقة بها تداعيات لَغْوية،أكثر منها مصيرية جوهرية.
5ـ وإذن، يظهر المشهد الثقافي والفاعلون فيه وكأنهم يستسلمون لواقع أكبر منهم، وهم يتخبطون في أسئلتهم، في شرنقة رؤاهم القديمة، ولا يملكون بعد بوصلة تحديد الرؤية الآخذة في التبلور، والتي هي فعلا في صيرورة، وعصيّة على القبض، ولا يعنيني هنا المتعجلون، راكبو موجة التغيير، وحتى المتاجرون بها، إذ كيف يمكن التفلسف على عجل في ما هو قيد الولادة، شأن الذين باضوا كتبا في الظاهرة بطريقة الولادة القيصرية، ليكونوا رواد تفكير وتخييل لها، وأيّ ريادة. الحق أن موقف التأمل، والتريث، في الشأن الفكري، والإبداعي، حتى لو طال، محمود، وهذا ما نجده عند المتمرسين، سواء من اضطروا إلى إعادة النظر في نصوص مكتوبة، أو الاستنكاف عن نشرها إحساسا بأنها، لسبب ما،إما متجاوزة، أو لم تعد ملائمة لمناخ التغيير، أو الذين يحتاجون إلى القراءة المتريثة، الهادئة، والفهم العميق، وتلمس الظاهرة، لا الإحساس بها وجدانيا، وحسب، ليعودوا إلى القول الأدبي، أو ربما ليسعفهم هذا القول على وجهي الرسالة التي آمن بها الكاتب العربي دائما، جاعلا من أدبه اعتناقا مستمرا لقضية نهضوية وتحررية،،منشئا لهذا الأدب على الصورة التي تنحت ملامحه الفنية، وتعلي من صرحه في صيغ وبناءات وعلى قواعد تتفتق من خيال صاحبه، وتعبر عن خصوصيته النفسية والفكرة،والفنية، طبعا،وما هو سهل التجديد في كل هذه الأدوات دفعة واحدة، وكيف؟
6ـ إن كل توجه نحو كتابة نص جديد، لنقل بالأحرى مختلف عن نص أمس ـ لو صحّ أن أمس طُوي ـ في الأجناس التي تنصرف إليها النصوص، والمتحررة من القالب،أيضا، يتطلب،ولا شك، إعادة توصيف ما كتبناه،وفرد مكوناته، وتمييز خصائصه،مادة واستيحاءات وأدوات، فضلا عن الرؤى التي يصدر عنها، والتشكيلات الأدبية ، والتمثيلات المعبر عنها، وهو موكول إلى اختصاص الدرس والنقد الأدبيين،المتعقلين، البعيدين عن العجلة ونزوة أحكام القيمة، ما يجعل المهمة عسيرة للغاية، ويلقي أمام رغبتنا في مساءلة هذا الموضوع تحديا صعب المنال، ومما لاشك رغبة سابقة عن أوانهاـ وإن لم تخل من إغراء وجاذبية. لسنا في هذا المقام الآن،ولا في القريب العاجل، فيما بوسعنا الاقتراب جزئيا من بعض الخصائص الكبرى التي تعينت في النص الأدبي، شعرا ونثرا، وطبعته لتصبح وجها له، لايكاد يتشكل بدونها، وليس اختيارا دائما،وبل لأن الظروف المسماة موضوعية، حيث يظهر ويتم تداوله ولدته على هذه الشاكلة.
7ـ إن اعتماد التجريد أو اتخاذه نهج كتابة، وبروزه طافحا في القصيدة، في أي اتجاه نَحَتْ، بتوسل ما يصنع كيانه، منقطعا عن مصادر الوجود الشعري،عن البيئة، والواقع الحي في عناصره ومسمياته الأرضية، ليطبع النص الشعري العربي إلى درجة تحوله إلى كمّ من المعميات، وتنفي عنه الانتماء إلى أي محيط. ذلك أن الاستلهام من محيط، والانتساب إلى تربة، والصدور عن ثقافتها وجذورها، يمثل إحالة واقعية، ويصنع للقصيد مظهرا تشخيصيا، فضلا عن كونه يعد أحد الظلال/الأبعاد الدلالية لهذا النص،هو في حاجة لتوليفها،والإرهاص بعوالمها. يجوز أن تكون القصيدة المعتمدة التجريد نسقا اختيارا مسبقا، صادرا عن وعي منظم، وطريقة قول للذات والحياة، وفي هذه الحالة تحتاج إلى تجربة مختمرة، وإلى إحالات مركبة، متعددة المصادر، مبطنة فيها،هي عمادها ومدار حركتها،لا اللفظ مفصولا عن معناه وأي معنى. وقارئ الشعر العربي اليوم لابد سيقف على متن عسير إن لم نقل عديم» المقروئية» اعتمد منتجوه الطريقة الموصوفة،لا عن نضج، فالنضج يبين حينه، وبصرف انظر عن التقليد، بل التقليد الأعمى، وإنما لأن نهجهم هذا ناجم عن مناورة ومداورة تبغيان الالتفاف على معنى يعتقدون أن محيطهم، السياسي والاجتماعي ينكره، إن لم تتطلب ثمنا ما.
ينتج هذا الإحباط الخارجي، إذن، طريقة شعرية، ومنظورا تعبيريا، ومنزعا في القول، ولنا أن نفترض، ونتساءل في آن، هل لو زال أو تقلص الإحباط إياه، ستتغير الطريقة والمنظور؟
8ـ وبصدد التعبير الشعري،أيضا، يمثل المجاز، بوصفه طريقة متعالية للقول تصعد فوق الواقع/ الواقعي،وهي تتوسله، متخذة من عديد وسائط وصور بلاغية بالذات، أسلوبا غايته شرح الخاطر واستخلاص المعنى،وقد تضافر لصنعه الدال والمدلول،إذ الصناعة قطب رحى المجاز.وهذه هي طريقة القول الشعر عموما، ما يرى أحدٌ من أهل الاختصاص شعرا يمكن أن يسمو وحتى أن يكون بغير خيال،أو هو أراجيز مقررة، منسوج بلغة مخصوصة، موصولة بأجنحة الصورة، قد تناغم فيها اللفظ والمعنى. ومعنى هذا أن المجاز يحتاج إلى مادته، وإلى ضرورة صيرورته مُجازا بالأدوات التي يتأسس بها، والعناصر التي منها يصاغ ،وليس وشيا، أو مساحيق، وإلا تهافت القول، وهو ما كان قد ساد مرحلة ركيكة من الشعر العربي القديم، غلب فيها التصنع والتكلف على الفطرة والموهبة والبلاغة الرفيعة، كما نجد في شعر المتنبي وأبي تمام،والمعري. أما اليوم فحدث عن تضخم مهول في هذا ولا حرج، وبأي ثمن؟!
9 ـ وإن من تجليات التعبير المجازي، وأدواته،الاعتماد على الرمز، الذي، كما نعلم، يكون متعدد المصادر، متنوع الإحالات المرجعية، مباشرا وغير مباشر. وعادة لا يتم استخدام الرمز لذاته، فهو قناع، وتكثيف، وتضعيف قولي، يغني النص كلما اندمج فيه، وتولد من صلبه، مسوَّغا بصورته، مُزكّى بدلاليته المتشبعة للمعنى الحضاري، الثقافي، الاجتماعي، السياسي. أي أن الرمز بنية مركبة قولا، وصورة وإحالة ودلالة. والرمز الذي نشير إليه، وهو متفش في شعرنا، ولا يرقى إليه في آن،لا يعدو كنايات واستعارات سطحية وعابرة، أو تلوينات لفظية مزركشة، لا يشف عن معنى عميق، أو ينحو إلى هذه الغاية، بقدر ما يأتي نتيجة إحباط خارجي، يُكره الشاعر،الكاتب،على الكشف عن مشاعره، أو حقيقة خطابه، فطبيعته وسياقيته ذرائعيان،كامنان فيه، وبالتالي يحق لنا أن نتساءل عن مآل النص، كيفية تشكله، ونوعية تمثيليته، حسب جنسه الأدبي، في حال ارتفع عنه الإكراه، وأضحى القول متاحا،مباحا، كُلاًّ. ومن هذا القبيل تغريب النص، بمعنى:بناؤه تصورا، ورؤية، وصياغة، أيضا،في دائرة الغرابة، بانفصام عن المعطيات الإحالية الواقعية، وصناعة انزياحات واختراقات في جلدها. ليس التغريب عن المجاز، فهو أدخل في بابه العام، ويتوصل إليه ببعض أدواته،ولكنه يختص بحالته حين يتفرد رؤية كلية، كل شيء يشتغل في النص لتحقيق الغرابة،جزءا وشمولا، وفي النصوص السردية العربية، المعدودة والمصنفة حداثيا أمثلة مناسبة دالة على هذا المنزع.
10ـ يتحقق في النص السردي أكثر من غيره، بسبب نزعته الحكائية الضرورية لتجنيسه، حضور قوي للتاريخ والأسطورة،والحكاية الشعبية،إما معتمدة بشكل مباشر،أو هي بنية خلفية وباطنية في هذا النص، تحيل إلى البنية الخارجية، إلى المحكيات الظاهرية، تارة، تعاضدها، تارة أخرى،أوتراها تفترق عنها مستقلة في تجليها بنَسَق التخييل الأسطوري، والغرابي،لا التخييل الصناعي، لو جاز،المشحوذ بموهبة الروائي، طورا. لدينا اليوم في الكتابات الروائية بين العربية السعودية واليمن، تحديدا، نصوص تتحقق فيها بتميز وبنجاعة وطرافة هذه الخاصية، وهي التي يمكن مساءلتها عن سبب تنزُّلها على صورتها، تلك، وأي مآل ومنهج تأخذه لو لم يكن الإحباط الخارجي،الإكراه الموضوعي،هو الذي قاد كتابها،هل أقول أرغمهم، على توسل العناصر المذكورة، وهو ما نتج عنه طريقة سردية هي بنت تكيف مع ظروف الإكراه، كضرب من التقية، وجعل التخييل يلعب بوصفه دائما تمويها لعبته المميزة.
11 ـ فإن جئنا إلى الرواية التاريخية، وقد أضحت من القوالب السردية المتكاثرة في العقد الأخير في أدبنا، يلتمسها الموهوبون، كما يهتبلها المتسلطون عنوة، بتحويلها إلى مكبر صوت لخطب سياسي، إيديولوجي، إيتيقي،...فإننا واجدون أنها تستخدم أداة لاستدعاء تاريخ مقابل تاريخ،وقيم في مواجهة قيم،كأن تقابل النصر بالهزيمة(في الحاضر) والانحطاط ضد المجد(في الماضي)، وغير ذلك من معارضات، ذات طبيعة ميكانيكية، كثيرا ما تفتقد الحس التاريخي، معتمدة قاعدة قياس الشاهد على الغائب، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، يتناسى أصحاب هذه الرؤية المبسطة أن أمس ليس هو اليوم/ ولا المخيال الماضوي يمكن أن يتطابق مع مخيال الحاضر، لأن التخييل الفني جنس أدبي مغاير تماما،وهذا شرط وجوده في السرد الحديث، حتى في لبوس الرواية التاريخية، والحكاية الشعبية، وما في ضربهما، اللهم حين يتم تطويعهما لخدمة منطق الرواية الحديثة، لا لجعل سرد التاريخ تعلة للإفلات من الإحباط.
12 ـ ثمة أمثلة أخرى يمكن إضافتها لتوسيع وتعميق القول في هذا الموضوع القرين بإمكانات واحتمالات تحول النص الأدبي في ضوء تحولات بيئة نشأته وتبلوره، وهو ما يثير من بين أبواب أخرى مسألة الواقعية، مفهوما ومنظورا، وكيفية أداء.هذه الكيفية ذاتها يمكن أن تصبح موضوعا مستقلا لمعالجة القضية التي نحن بصدد تأملها، فالشكل في علم الجمال الأدبي ليس هيئة خارجية،ولا دالا منبتا،بل نسغُه، خيوطُه وغزْلُه على نوْل محدد مرتبط بمادة نسجه، إذ الترميز والتغريب، مثلا يأتيان على مقتضى عبارة وتصوير معينين،هما اللذان، إما يعينانهما أو يوحيان بهما. وكم يفتقر النقد العربي المعاصر إلى دراسات، بالأحرى تطبيقات على نصوص قوية،ودالة من هذه الناحية،لتميز السجلات اللغوية والبلاغية واللَّعبية،صانعة التشكيلات الأسلوبية، كما نقرؤها في النصوص الشعرية والسردية، وعندئذ سنتبين إلى جانب كيفية صوغ مضامينها، كيف يتم تعويقها وتطويعها في علاقة طرد وعكس مع شروط بيئة كتابتها وإكراهاتها، من قبيل هيمنة السلطة السياسية، والرقابة، والقيم السائدة، ومثله، مما سميناه بعامل الإحباط الخارجي.
13 ـ مما لاشك فيه أن النص الأدبي، وهو مغلول إلى قيود إحباطه وخاضع لإكراهات بعينها، ينتج بدوره إكراه تلقيه، بحيث يسنن طريقة في التلقي تأتي مختلفة في ما لو كتب في ظروف موضوعية مغايرة. وإذا كان التلقي هو مستوى وبروتوكول قراءة، ومنهج تأويل، من بين أمور أخرى، فإنه يستوجب قبل ذلك،عموما دائما، قارئا مركبا،عارفا بدليل السير وسُننه ليعيد النص إلى منبعه، قبل أن يتعرض إلى الكوابح، أو وهو يحاول القفز فوق ألغام الإكراه. في كل حال، فإن هذا المتلقي، في حالة الاحتراف، والقارئ العام،تربى على نصوص بعينها، وتعلم محاورتها وفهمها، من ضمن البنية التي يعمل فيها الكاتب نفسه، ويستولد منها نصه. ما يدفعنا إلى القول بأن التغيير الذي يطول المجتمع، أو يطمح إليه، وسيمضي فيه لا محالة، اعتدالا أو جذريا، يمر، أيضا،عبر عملية التلقي، ويحتاج إلى سندها، إن لم تكن متطلبة أكثر.
14 ـ يبقى أمامنا الآن، وقد حصرنا الأطراف الثلاثة المكونة والمشغلة للنص الأدبي،طرح تساؤل حول التيمات التي انشغلت به الكتابة الأدبية العربية في أطوار تحديثها المختلفة، وهي ما يصلها مباشرة بإنتاج الخطابات المناسبة والمحايثة باستمرار للموضوع الواقعي،إلى حد يمكن القول بأن أدبنا مخصص لتيمات الحرمان والحاجة والحرية، وضمنها أخرى دنيا ومتفرعة. هذا مجرد توصيف سريع،لا حكم تفصيل واستنتاج،إذ شرحه يطول. في حياة جديدة تسعى القوى الحية في العالم العربي للانتقال إليها، والاستمتاع بمنافعها لاشك أن تيمات وعديد مضامين ستخلي المكان لغيرها، من دون الربط الميكانيكي بينها والواقع المتحول، فهل سيكون الأمر كذلك حقا؟ وهل كاتب أمس يصلح ليقوم بالمهمة،أم استنفذ دوره، ليخلفه رعيل من قلب معركة التحول؟ بلغة وأحلام وتخييل وخطاب مختلف عن أمس؟
أليس بوسعنا التساؤل،أيضا،بأن التخلص من ربق الاستبداد والحرمان،وتحقق الديموقراطية في المجتمعات العربية من شأنه أن يحرر الكاتب من أدب الشهادة، فينتقل من وضع الوسيط، ومن الخضوع لإكراه الجماعة، وقد تحرر من إكراه القهر السياسي، إلى كتابة نص الذات، الحرة، المتفتحة، هي المنبع والمرصد، بالتفاعل في كل اتجاه. ليس أدبنا عالميا لا بسبب اللغة وحدها، ولكن لأنه سجين خطاطات ذهنية ومجتمعية ثابتة، وهذا أفق مفتوح للتأمل والسؤال.
1/7/2011
*abdelhafid
6 - يوليو - 2011
" الربيع " تقسيم ..    كن أول من يقيّم
 
 
*abdelhafid
11 - يوليو - 2011
نوستالجيا: «سكان المغرب الأقدمون»     كن أول من يقيّم
 
كنا أطفالا عندما علـّمونا أن «البرابرة هم سكان المغرب الأقدمون»، وأنهم «جاؤوا إلى المغرب عن طريق الحبشة ومصر»، وكانوا «يسكنون المغاور والكهوف ويلبسون جلود الحيوانات»، كنا صغارا حين  لقنتنا وزارة التربية الوطنية تاريخ المغرب المزور، ولم نكن نملك إلا أن نحتقر هؤلاء الوحوش النائمين في دفتر اللغة العربية وكتاب «الاجتماعيات». لم يقل لنا المعلـّم من أين جاؤوا وأينهم الآن، ولم تساعدنا عقولنا الصغيرة كي نفهم أننا أحفادهم، وأن كثيرا ممن يعتقدون أنهم أبناء «العرب الفاتحين» هم في الأصل أمازيغ استعربوا. كان الأطفال الذين يتكلمون الأمازيغية في البيت يتخلون عن لسانهم في الشارع كي يندمجوا مع الآخرين. يفضلون التكلم بعربية مكسّرة، تؤنث المذكر وتذكـّر المؤنث وتضيف إلى المعجم مفردات مضحكة، على الحديث بلسان الجد «يوغرطة»، كي لا يكونوا محط سخرية، ويتجنبوا نظرات الاحتقار التي تندّ عن رفاق الدرب والتلاميذ والمعلم والمدير وبناته... أتذكر الآن صديق طفولتي الأولى «أباغوس» دون أن أستطيع استحضار اسمه الحقيقي. لا أعرف لماذا سميناه «القرد»، يبدو أن أحدنا سمع عمته تناديه كذلك على سبيل التوبيخ، فأغراه رنين الكلمة دون أن يفهمها، أو ربما كنا نعرف جيدا معنى «أباغوس»، فصرنا نناديه بها إمعانا في الاحتقار، لا أتذكر بالضبط. كل ما أتذكره أن «أباغوس» نزل عند عمته من  «قصر» بضواحي المدينة كي يدخل إلى المدرسة. عندما تسمعون كلمة «قصور» لا تصدقوا رنين الكلمة، «القصر» هناك ليس له من الأبهة إلا الاسم، مجرد أكواخ طينية بلا ضوء ولا كهرباء ولا مرحاض، لا أثر فيها لمؤسسات الدولة، لا مدرسة، لا مستشفى، لا إدارة ولا هم يحزنون. «أباغوس» أصبح بسرعة واحدا منـّا، يقتسم معنا الفصل واللعب والمغامرات. لم يكن أخرسَ، لكنه لم يكن يتكلم تقريبا. كنا نجري في المروج ونسرق التفاح والزهور والمشمش، ونقتل الأفاعي والخنافس، نصطاد الطيور والسلاحف والضفادع، دون أن نسمع كلمة واحدة من «أباغوس»، لأنه لا يفهم ما نقوله ولا يعرف العربية بكل بساطة. حينما تبدر منه كلمة ما، نضحك عاليا من لكنته المكسّرة. هو أيضا لم يكن لقمة سائغة. حين نغيظه، يبتعد عنا مسافة محترمة ويشرع في رجمنا بوابل من الحجارة... الكل كان يشهد ببراعته في التصويب، حتى إننا أطلقنا على طريقته في الرشق: «ضربة السرّاح»، لأن «السراح» أكثر الناس مهارة في التصويب بالحجر. أتذكر الآن كم كان «أباغوس» عرضة للسخرية والأذى من طرف شياطين الزنقة، فقط لأنه لا يعرف العربية. أتذكر يوم ربطه حميد، الشرير الذي يكبرنا بأعوام وحماقات، وتركه يصارع الحبل وسط قهقهاتنا الآثمة. في المدرسة أيضا، لم يكن «أباغوس» يفهم ما تقوله المعلمة. كان ينزوي لوحده في آخر الصف كأي تلميذ مصاب بالجذري، لا أحد يريد الجلوس معه لأنه «كسول»، وعندما ينطق بكلمة يضج الفصل كله بالضحكات، حتى المعلمة كانت تهتز من فوق كرسيها الخشبي تحت تأثير القهقهات!
صورة anonymousجمال بدومة
 
 
*abdelhafid
16 - يوليو - 2011
حوارات في الثورة العربية الجديدة ..    كن أول من يقيّم
 
عن الملحق الثقافي لج. الاتحاد الاشتراكي
 
أنور المرتجي
عبر كثير من المثقفين العرب عن وقع المفاجأة أمام الانتفاضات العربية التي لم يتوقعوا حدوثها، من حيث سرعة انجازها وتوقيتها بالرغم أن تاريخ الثورات يؤكد بالملموس أنها لا تخضع دائما للحتمية الآلية. والدليل على ذلك أن مؤسس التفكير الجدلي كارل ماركس كان يتوقع أن تحدث الثورة الشيوعية الأولى في بلد مثل انجلترا. لامتلاكها لطبقة بورجوازية متنورة، وتنظيم عمالي قوي، لكن مكر التاريخ شاء أن يخيب توقعه، حيث حدثت هذه الثورة في بلد فلاحي هو روسيا القيصرية التي كانت آنذاك تفتقر لهذه الشروط الموضوعية.
إن عامل المصادفة الذي توحي به هذه الثورات هو نتاج تضاريس تاريخية من الإحباط والفساد وعلاقات التسلط والهزائم الفجائعية. التي بقيت في حالة كمون إلى أن توافر لها فتيل الاشتعال، تشبه بركان فيزوف الذي لا يعرف الايطاليون متى يستيقظ. قد يكون سببه مجرد حادث عارض كما حدث مع واقعة البوعزيزي، أو قد يكون سلوكا مترددا في الاستجابة الآنية كما يحدث اليوم في سوريا، أو استبدادا طال أمده لعقود مقترنا بحرمان الشعب من أبسط الشروط الدنيا لبناء الدولة الحديثة كما يحدث في ليبيا أو تجييشا للصراع القبلي والمقايضة بالخطر الإرهابي، ضمانا لعدم المتابعة والمحاكمة العادلة كما يطالب بذلك حاكم اليمن السعيد.
تمثل ثورة 25 يناير في ميدان التحرير، منعطفا متميزا في مسار الحراك العربي، بالرغم من عدم اقتناعنا بوجود مفاضلة معيارية بين الثورات، لقد كان لثورة تونس شرف السبق التمهيدي، الذي صارت على منواله باقي الانتفاضات العربية اللاحقة، من حيث أسلوب العمل والنتائج التي تمخضت عنها وأدت إلى رحيل حاكم تونس القوي.
لكن التجربة المصرية في التغيير والثورة، تمثل المختبر التاريخي لما سيؤول إليه مستقبل الشعوب العربية في الألفية الثالثة، نظرا لوضعها الجيو سياسي ورصيدها الريادي في النهضة والتقدم، ولوجود نخبة ثقافية عريضة لها تجربة غنية في ديمقراطية التعدد الحزبي، تعود إلى أكثر من قرن من الزمن وتمرين في ممارسة الإصلاحات الدستورية، انطلق منذ العقدين الأولين من القرن الماضي.
سر القوة في الثورات العربية الجديدة، أنها لم تقم بتوكيل خارجي، ولهذا السبب تعذر على نظام مبارك وبقية الأنظمة العسكرية أن يتهموها بخدمة أجندة أجنبية، لقد اشتركت الثورات العربية في توظيفها لقاموس حضاري يتسلح بالدعوة المسالمة إلى التغيير والديمقراطية والوعي المدني التواق إلى الحرية والكرامة.
إنها ثورة تفتقر إلى قيادة رائدة أو طبقة طليعية على شاكلة الثورات التقليدية، لأن شباب الفايسبوك لا يؤمرون بتوجيه عمودي بل يعتمدون في حراكهم على التشعب الأفقي المتفاعل مع بقية المتحاورين كأنداد. كما أنها ليست بشرقية أو غربية يكاد نورها يضيء جميع البلدان العربية، تؤرخ لجيل جديد من الثورات الإنسانية وتفند كل التحليلات المكررة لعلماء الاقتصاد السياسي وأدبيات الثوريين التقليديين، القائلين بعدم حرق المراحل، وضرورة التدرج المعتمد على تراكم التجربة ونضج الظرف التاريخي. لقد انطلقت هذه الثورة بأصوات شبابية، لكنها تحولت إلى ثورة شعبية، لأن جيل الشباب يتقاطع مع مختلف الطبقات وينصهر داخل كل الفئات الاجتماعية.
هناك أسئلة عديدة تطرحها الثورة العربية الجديدة، قد يتطلب منا كمثقفين أن ننتظر زمنا طويلا لاستيعابها وإدراكها، لكن أهم ما في هذه الحوارات مع المثقفين المغاربة أن نقترب قدر الإمكان من جذوتها وسخونتها، في محاولة لفهم ما جرى ويجري حاليا.

حوار مع الأستاذ سعيد بنكراد
لم يكن الفايسبوك هو الذي أشعل ثورة الشباب، فلو لم يكن من الظلم ما يدفع إلى الثورة، لما نزل أحد إلى الشارع

{ في انتظار أن تنضج الملامح الموضوعية لهذا الحراك العربي، يجد الملاحظ نفسه بين رؤيتين متناقضتين حيث تتحمس الأولى لما يحدث الآن، معتبرة إياه بارقة أمل حقيقي للقطع التام مع زمن القهر والخوف والإهانة الممنهجة التي طالما عانت منها الشعوب العربية، نجد بالمقابل أصحاب الرؤية الثانية انطلاقا من تبنيهم لنظرية المؤامرة، يختزلون الأمر في مقولة دسائس الغرب ومقالبه الموجهة ضد أمن واستقرار الغرب والمسلمين قاطبة، كيف تنظر من جهتك إلى الرؤيتين؟
> لا أعتقد أن الأمر يتعلق بوجهتي نظر، أو بتقويمين مختلفين لما يجري، بقدر ما هو محاولة يائسة من المنتفعين من النظام القائم للدفاع عن وضع منحهم كل شيء، وحرم الآخرين من لقمة عيش نقية. إن للأمر أسبابا أخرى لا يمكن أن ينكرها إلا من على أعينه غشاوة المال والنفوذ والسلطة. يتعلق الأمر بعقود، أو بقرون، من القهر المتتالي، ويتعلق الأمر أيضا بعقود أو قرون من الإذلال الممنهج. يجب أن نسجل أن هذا الحراك جاء في شرط حضاري خاص. وهذا الشرط لم تستطع حتى أعتى الإمبرياليات الهروب منه: لقد تغير العالم كثيرا، لم يعد من الممكن إخفاء الجريمة، الكل أصبح مكشوفا أمام نفسه وأمام الآخرين، وما أنتجته الرأسمالية في اندفاعها الأهوج إلى الأمام هو ذاته الذي وفر للشعوب فرصة خلق عالم لا يستطيع أحد التحكم فيه (أو على الأقل لا يستطيع فعل ذلك طويلا)، عالم يتطور في شكل بروفه افتراضية لا يكتمل وجهها إلا من خلال تحققها في الشارع حيث الحميمية الإنسانية تشير إلى الاستعداد للموت من أجل عالم جديد خال من الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فالحامل الجديد للخبرة الإنسانية (بكل مظاهرها السلبية منها والإيجابية) قادر على تخطي كل أشكال الرقابات السياسية والإيديولوجية والدينية. وقد أصبح، بصفته تلك، قادرا على اقتحام البيوت والتسلل إلى الأذهان في غفلة من سلطة تراقب.
والقائلون بالمؤامرة، من موقع المصالح أو من موقع الوهم الإيديولوجي، لا يقومون، في واقع الأمر، سوى بالخلط بين الحضارة التي أنتجت التحرر والنزعة الإنسية التي تحتفي بالإنسان وحده، وبين ما يرتكبه المنتمون إليها من جرائم خارج حدودهم. فحاصل هذا الخلط سيكون دون شك تبريرا لوجود طغاة يحكمون شعوبهم بعبث سلطوي لا نظير له في التاريخ. لقد برروا باسم المعركة تارة وباسم الخصوصية الدينية والتميز الثقافي تارة أخرى، كل أشكال الاستبداد والتخلف والانكفاء على الذات خارج مجريات تاريخ يُصنع في غيابنا، وخارج قدرتنا على مجاراة إيقاعه.
{ عند الحديث عن العدوى الديمقراطية التي تجتاح العالم العربي، يتم الحديث عن (الاستثناء المغربي) ما هي معالم هذا الاستثناء إن وجدت؟
> لا أومن بحكاية الاستثناء هاته، فهي الخرافة التي رددناها لسنوات طويلة في ما يتعلق بالمد الأصولي. فقد داهمتنا آلياته في الشارع والإعلام وفي الانفجارات ونحن نتغنى بالخصوصية والاستثناء والتميز. إن الاستثناء إما أن يكون شاملا وإما لا يكون. والحال أننا لم نكن استثناء في الاستبداد والحكم المطلق والقهر بكل أشكاله. لنا خصوصيتنا الثقافية، هذا أمر مؤكد، كما لكل شعوب المعمور خصوصيتها. وقد تكون السلطة في بلادنا، استنادا إلى حسابات المصالح لا إلى إمكانية تبني نموذج جديد في إدارة الشأن السياسي، أذكى من مثيلاتها في العالم العربي، فبادرت إلى نزع الفتيل قبل اشتعال النار في كل الهشيم. ومع ذلك لم ننجز شيئا ذا قيمة كبيرة. يجب ألا نبرر عجزنا على المضي بالحراك إلى أقصى نقطة ممكنة فيه بالاستثناء الذي لا استثناء فيه. والغريب أن القوى اليسارية، أو من تقول عن نفسها كذلك، هي التي روجت لحكاية الاستثناء هاته، لقد كانت تتعجل الاستفتاء كمن يريد أن يتخلص من تبعات وضع لا يستطيع التحكم فيه.
{ هل تعتقد أن الإصلاحات الدستورية التي تنهجها بلادنا ستؤهل المغرب، إلى الانتقال إلى الديمقراطية التي طال أمدها؟
> الأهم من الإصلاحات الدستورية هو استراتيجية تتحكم في هذه الإصلاحات وتوجهها. فمنذ انطلاقة ما سمي بالتوافق السياسي كانت هناك الكثير من الأصوات التي تقول إن هذا التوافق لا يمكن أن يكون له معنى إلا إذا كان سيؤدي في نهاية الأمر إلى توزيع جديد للسلطة، ويعيد إلى الشعب سلطته في المراقبة ضمن ملكية برلمانية تحظى بكل الاحترام وتكون رمزا محايدا للأمة. وهذا ما تقف في وجهه الكثير من العوائق. فالإصلاحات الموعودة هي في الأصل تعديلات تمس بنودا ولا تشكل في عمقها إعادة النظر في البناء الحضاري الذي يقوم عليه النظام السياسي في بلادنا. لقد ارتبطت كتابة الدساتير بالثورات، والدسترة كانت دائما «ترسيما قانونيا» لممارسات جديدة عجزت القوالب القديمة على احتوائها. لذلك فهذه الإصلاحات ليست، على الأقل في المدى المنظور، سوى توزيع جديد للكعكة السياسية، ولن يقود إلى إعادة النظر في النظام القيمي الذي نحتكم إليه ونقوم العالم استنادا إليه. وما حدث في الاستفتاء الأخير يزرع الكثير من الشكوك حول قدرة إصلاحات دستورية معزولة على إحداث تغيير فعلي في البلاد. سيتناوبون على السلطة بطريقة جديدة دون أن يؤدي هذا التناوب إلى انتقال فعلي من نمط سياسي إلى آخر. لقد فقدت هذه الإصلاحات الكثير من مضمونها من حيث الصياغة، ومن حيث طريقة تصريفها والدعاية لها: لقد استعملت الأساليب القديمة نفسها: استعمال المساجد في خرق سافر لحياد السلطة، واستعمال الإعلام العمومي خارج ضوابط القانون الذي ينظم الاستفتاء، وغياب أي رقابة على الاستفتاء وعلى طريقة التصويت، تجييش أئمة المساجد والنزول بهم إلى الشارع دفاعا عن شيء لا يؤمن الكثيرون منهم به.... لكن المثير هذه المرة هو أن الأحزاب التي طالما اشتكت من التزوير باركت كل هذه الأساليب أو غضت الطرف عنها، وكأنها تحاول أن تتخلص من عبء في أقرب الأوقات.
{ من مضمرات الفكر السياسي النظر إلى الحركة الإصلاحية باعتبارها نتاجا لتحول في سيرورة الوعي المعرفي، بينما نجد أن النخب المغربية تحاول الالتحاق بهذه التحولات، هل تعتبر ذلك نتيجة لوجود أزمة تستدعي ضرورة التسريع بثورة ثقافية ؟
> ما أشرت إليه سابقا يتضمن جزءا من الجواب. فليست بنود الدستور هي التي ستغير من تصورنا للحياة. فقد نأتي بأكثر الدساتير ديمقراطية دون أن ينتج عن ذلك تغيير جوهري للتركيبة الفكرية والاجتماعية السائدة. نحن نعيش أزمة حقيقية على مستوى القيم. أو إن شئت، يتعلق الأمر بحالة تخلف حضاري يختفي في تفاصيل اليومي. فقد داهمتنا المدنية الحديثة ونحن أعجز ما نكون عن القدرة على استيعاب سيرورتها واستنبات قيمها في تربة ثقافية قادرة على فعل التمثل. إننا نعيش خلاصات ما يفرزه الآخر في انفصال كلي عن السيرورة التاريخية التي أنتجته. إن المواطن الذي حرم لعقود من حقوقه لا يستطيع استيعاب مفهوم «الواجب»، والمواطن الذي سلب من حريته لعقود لا يمكن أن يتصور الحرية باعتبارها «مسؤولية» (لقد سارع الكل إلى دسترة الحقوق وحدها). لذلك نحن فعلا في حاجة إلى ثورة ثقافية تبدأ من المدرسة، يجب أن يتعلم الطفل كيف يحب الحق والواجب والخير والصدق والأمانة باعتبارها قيما في ذاتها في انفصال عن أية مردودية، دينية كانت أم سياسية. حينها سيعلن عن ميلاد الإنسان الجديد.
{ يقول بعض الباحثين، إن ظهور الإسلام السياسي في العالم العربي هو نتاج للجمود السياسي، وأن هذه الثورة الديمقراطية هي بمثابة صمام أمان ضد الإسلام الراديكالي ؟
> قد يكون هذا التقدير ساذجا، أو يتسم، في أحسن الأحوال، بالكثير من التفاؤل. فمن زاوية ما قد يكون الإسلام «القاعدي» قد فقد بعضا من بريقه مع هذا الحراك، فقد أثبتت هذه الهزة إمكانية الإطاحة بأنظمة عتيدة بأساليب سلمية، ولكنه لم يفقد أي شيء من روحه. لذلك لا يبدو لي أن هذا الحراك يملك القدرة على تشكيل صمام أمان أمام زحف الأصولية. ذلك أن الأصولية لم تكن دائما حاصل جمود سياسي، ولم يكن هذا الاختيار دائما حتميا أيضا(انتعش الإخوان المسلمون مع ثورة الضباط الأحرار في مصر). وهناك شعوب أخرى عاشت مناخ الجمود السياسي، ولكنها لم تكن ملزمة بالتلف للوراء بحثا عن بديل يأتيها من الماضي. لقد اختارت شعوب أمريكا اللاتينية، بعد أن دمرتها رأسمالية متوحشة وحكم دكتاتوري مريض، من جديد الوصفة الاشتراكية ضمن قواعد جديدة للعبة السياسية. وعاشت إسبانيا وقبلها البرتغال تحت نظامين دكتاتوريين، ومع ذلك فقد كانت عودتهما سريعة إلى الديمقراطية. والشيء ذاته حصل مع دول أوروبا الشرقية، لقد استعادت موقعها الطبيعي بشكل سلس ضمن المنظومات الديمقراطية بعد سقوط الأنظمة الشيوعية. لقد كان هناك في جميع هذه الحالات رصيد حضاري مشترك قابل للتعميم، وهو الذي سهل التحول الديمقراطي، وجعل العودة إلى نظام شمولي من قبيل ردة تدعو إلى قيام دولة دينية أمرا مستحيلا. في حين احتاجت تركيا، المنتمية جغرافيا إلى أوروبا، وعقديا وفكريا إلى الشرق، إلى العسكر لكي تحمي علمانيتها ومازالت في حاجة إليه، رغم الضمانات التي قدمها الحزب الحكام حاليا. وهذه أمور للتأمل.
{ إن القاسم المشترك بين الثورات العربية يتمثل في مبادرة الشباب إلى إشعالها، هل ترى أن المحللين السياسيين والمثقفين عموما قد استهانوا بدور الشباب الذين ألصقت بهم نعوت العزوف السياسي والابتعاد عن الشأن العام؟
> لم يكن الفايسبوك هو الذي أشعل ثورة الشباب، فلو لم يكن هناك في الواقع من الظلم والتسلط ما يدفع أكثر الفئات خمولا إلى الثورة، لما نزل أحد إلى الشارع. بالتأكيد كان هناك عزوف عن العمل السياسي ومازال، وهو عزوف طال جميع الفئات بما فيها فئة الشباب. ولكن هناك حقيقة أخرى تفسر الكثير من الأشياء، وهي أن الأحزاب السياسية نفسها شاخت، ولم تعد قادرة على استيعاب طموحات شباب يعيش أكثر من نصف واقعه في عالم افتراضي يقدم له عوالم هي النقيض المطلق لما يراه في محيطه المباشر. لقد ثار الشباب، بشكل عفوي، على السلطة بكل معانيها بما فيها سلطة شيوخ الأحزاب الذين لا يريدون التخلي عن كراسيهم. لقد تماهوا مع النظام الذي يحاربونه. ومع ذلك يجب ألا ننساق وراء الظاهر. فنسبة كبيرة من الشباب «المستقل» الذي يخرج للتظاهر في الشارع لا يملك وعيا سياسيا بالمعنى الذي يدفع به إلى تجاوز الاحتجاج إلى تبني نموذج قيمي جديد، بل إن جزءا كبيرا منهم ينادي الآن بعودة مفجعة إلى نمط حياتي هو النقيض المطلق لما علمته إياه آلة التواصل الحديثة. لا يشكل الحداثيون داخل الحراك الآن سوى فئة قليلة، وهذه حقيقة لا يجب أن ننكرها. إن المطالبة بالديمقراطية قد تكون طريقة ديمقراطية لإلغاء الديمقراطية بكل بساطة.
7/30/2011

*abdelhafid
1 - أغسطس - 2011
رمضان مبارك ..    كن أول من يقيّم
 
ل كل الساكتين ولكل القائمين على موقع الوراق ..
 
    اللهم أعنا على الصلاة والصيام والقيام... و"إسقاط النظام " 
 
*abdelhafid
6 - أغسطس - 2011
مشهدان للتأمل..     كن أول من يقيّم
 
 
لغة الصور هنا بليغة.. فما أبعد المسافة بين ذا الجيش وذا الجيش.. بين ذا الإنسان وبين ذا الشئ المنتسب للإنسان..
في واحدة من الصور يتمدد الجندي الياباني أرضا، تواضعا للمستقبل كي يمر آمنا، وينام على الأرض كي يحمي الطفولة ويحمي الحياة ويحمي آدمية الآدميين. وفي الأخرى يتلع الجندي السوري المريض بالإستبداد والطغيان على الجسد المنتفض سلميا من أجل الحرية والكرامة والعدل..
أي لغة تليق بهذين المشهدين، غير أن نؤمن فعليا أن ليس القوس من يطلق السهم بل قلب صاحبه. في سوريا هذه الأيام، كم نكتشف للهمجية من وجوه وملامح وصور وأصحاب.. كم ندرك أن مرض السلطة متعفن في القلوب وأن الحيوانية ما غادرت بعد حياض بعض البلاد.. أي لغة سوف تبرر الوحشية السادرة هناك في ربى دمشق وبردى واللاذقية وحماة وحمص ودير الزور؟. أفق أبى العلاء المعري، وانظر ما يفعل القوم هناك بأبناء بلدك، خد في يدك المتنبي وانسجوا لنا معنى كلمات نستطيع بها تحمل هذا الإستئساد في الهمجية ضد الحياة الحرة الكريمة. ألم تعلمنا أيها المبصر بعين البصيرة، أنه "لو ترك القطا ليلا لنام" وأن الناس ما خرجت في بلاد الشام للموت إلا لأن الألم جاوز العظم. يا رب السماوات، ارحم خلقك من أبناء الحياة، من بطش خلقك من الجناة المرضى بالطغيان.
8/26/2011
عن الاتحاد الاشتراكي المغربية
*abdelhafid
26 - أغسطس - 2011
الصراحة راحة..    كن أول من يقيّم
 
********** ما يدوم حال.. *************
 
عرض ساخـــر
*abdelhafid
4 - سبتمبر - 2011
عروس البحر ..    كن أول من يقيّم
 
زُفتْ
لمن زُفتْ
عروسُ البحر
زُفتْ
للشيوخ أم الشبابِ
يَزُفّ ربُّ البحر
حوريّاتهِ
_ حُوريّةً !
_ حُرّيّةً !
_ فوريّةً !
_ ثوريّةً !
للبر أم
للبحر ربٌّ
ليس يحميهِ
إله البحر
بوسايدونُ !
من يحمي عروسَ البحر
منكَ ومن حرابِ
شيوخكَ الشوكيةِ الرأسِ
الثّلاثيِّ الشِّعابِ:
اللهُ والمُلْكُ العَضُوضُ
ومَن يسودُ
بخير ما قد أُخرِجتْ للناسِ
مِن شبّيحةٍ قنّاصةٍ
أ و بلطجيّاتِ البراري
والبحارِ
ومَن عليها الآنَ
يقتتلانِ :
قابيل وقايينُ
ولا جبروتُ تيتانِ
ولا عرباتُكَ الذهبيّةُ
الصخريّةُ الخيلِ
المجنّحةِ العِرابِ
ولا ابنُكَ الوحشيُّ أُورْيونُ
ولا توتٌ
ولا تينٌ
وزيتونُ
يُواري أو يُباري
عورةً عزلاءَ
لا «أُوتّو»
ولا «سينُ»
ولا قلمٌ
ولا نونُ
ولا حوتُ
ولا ناتو
ولا ليتو
ودلفينُ
يُباري أو يُواري
عورةً حسناءَ
أو سَوْآءَ
لا هذي ولا تلك الوَلودُ
أو العقيمُ
ولا إلهُ البحر
بوسايدونُ !
هل لكَ خارجَ البحر
الذراري
خارجَ البحر
البراري
كلها بحرٌ
يموجُ بهِ دمٌ
يُجريهِ بشّا/رونُ
أو دَمْ..عٌ غزيرٌ
لا يُكفكفُ
يا دمشقُ !
وذلك النهرُ العظيمُ
يموجُ بالدَّمْ..عِ الذي
يُجريهِ نيرونُ
العقيدُ
و خارجَ البحر
العبيدُ هُمُ
العبيدُ
وأنت مثلهمُ
الطليقُ
من الرقيقِ
على الضفاف تَرودُ
تجزُرُ تارةً وتَهيجُ
باسم مستعار
أو يُعادلُهُ
سِتُّ
ونبتونُ
ويسأل عنك فيها
المغربُ الذهبيُّ
أدناهُ وأقصاهُ وأوسطهُ
وتسأل عنك تيغالينُ
مُغرقةً، أتذكرها،
وتذكر كابَّ كانْتانِ
ومَعبدَكَ الذي قد شادَهُ
لكَ فيه حانونُ
وحتى الآنَ
يهتف باسمكَ
السودانُ والبيضانُ
واليمنُ السعيدُ
وخارجَ البحر
البراري كلها
عرشٌ لهُ
هو والإلهُ
بل الإلهُ الربُّ
ليس سواهُ
هوّ وآلهُ
هو وحدهُ
ملكُ الملوكِ
وعهدهُ
العهدُ الظلاميُّ
الرهيبُ
ووعدهُ
الوعدُ الإلهيُّ
الكَذوبُ
هوَ القديمُ
هوَ الجديدُ
طريفُهُ وتليدُهُ
هوَ المقدّسُ والمسدّسُ
وهْوَ كيسُ قمامةٍ
هوّ المبارك والذليلُ
هوَ الرذيلُ
هوَ العميلُ
هوَ البشيرُ
وهوّ بشا/رونُ
نيرونُ الصغيرُ
العبدُ زينُ العابثين
هوَ ابنُهُ وحفيدُهُ
وهْوَ الزَّعيمُ
الزِّيرُ والزُّورُ
الزَّنيمُ
هو الغفير الجمُّ
والجمُّ الغفيرُ
هوَ الظَّلومُ
هوَ المَهيبُ
هوَ العريفُ
هوَ الرقيبُ
هوَ المُشيرُ
هوَ العقيدُ
هوَالعميدُ
هوَ العمادُ الركنُ
والجنرالُ والمَرِشالُ
آلُ البيت والحرمينِ
خادمُهُ وسيّدُهُ
وآلُ خلافةٍ وخليفةٍ
وولايةٍ وأئمةٍ
وعمامةٍ ولِحىً
وسلطانِ
وربُّ البحر والبحرينِ
ربُّ الحربِ
حربُ الحزبِ
حزبُ الربِّ
مغتالُ الرفيقِ
ومن غلا وعلا
من الشهداءِ
أمواتاً وأحياءَ
وهُوّ «نجادُ يا !»
هو جندهُ
هو قبلهُ
هو بعدهُ
هو مثلهُ
هو ضدهُ
هو ظلهُ
هو في المجالس الانتقاليةِ
المؤقتةِ التي حكمتْ
وسادتْ ثم بادتْ ثم عادتْ
كلها لهُ وحدهُ
هُوَ والمجالسُ
ليسَ ينتقلانِ
ربَّ البحر
بوسايدونُ !
من لكَ خارجَ البحر
البراري كلها موتٌ
وتابوتٌ
ولا هوتٌ
وطاغوتٌ
وأنت وهيّ «روسالْكا»
عروسُ البحر
إن لم ترجعا فجراً
قتيلانِ
فعدْ للبحر عدْ للبحر
إنكما غريقانِ
ولا مهديُّ إلا جاءَ
سَفّاحاً وسَفّاكا
إلهَ البحر
بوسايدونُ !
هذا البحر يَبكيها
ويَشكو ظُلْمَ أرباب البراري
والبحار
وجُرْمَ مَنْ في البَّنْثِيُونِ
مِنَ الشيوخ ويشتكيكَ
إلى الملايينِ التي
ابتلعتكَ ثانيةً
ولم تلفظكَ بعدُ
ولم تزل وحشاً
تَزفّ إليكَ حُوريّاتِها
الأشهى من العِينِ
إلى حينِ !

* بوسايدون: إله المياه والبحار والمحيطات وله سلطان على العواصف والرياح والزلازل والرعد والسحب وهو حسب هيرودوت إله ليبي أمازيغي الأصل وما من شعب عرف عبادته في القدم غير الشعب الليبي كما أشار إلى أن كلمة بوسايدون كلمة أمازيغية وعن الليبيين الأمازيغ عرفه الإغريق..
* في القرن 5 ق.م. حين وصل القرطاجنيون، بقيادة الرحالة البحار حانون القرطاجني، إلى سواحل المغرب، بنوا معبدا لبوسايدون في موقع المنارة الشهيرة باسم الكاب أو كاب كانتان الذي يعتقد أنه كان مدينة تيغالين الغارقة في المحيط الأطلسي.
* الحوريات: ربات من طبقة أدنى، لا حصر لهن، اقتبست أسماؤهن من الأماكن التي يعشن فيها، حوريات المحيط، الأبيض المتوسط الينابيع البحيرات الجبال الغابات إلخ وهن فتيات فاتنات مغرمات بالرقص والغناء ويساعدن البشر في حالات اليأس.
 
 
 
إدريس الملياني
الملحق الثقافي * ج الاتحاد الشتراكي (المغربية)
 
 
 
*abdelhafid
10 - أكتوبر - 2011
الشعراء بأصواتهم..    كن أول من يقيّم
 
أصوات الشعراء
بالاتفاق مع إذاعة الشرق
في باريس 2006
  1. حبيب دنكور
  2. نزية أبو عفش
  3. أنسي الحاج
  4. عبدالعزيز المقالح
  5. مريد البرغوثي
  6. عباس بيضون
  7. قاسم حداد
  8. حسن طلب
  9. عائشة ارناؤوط
  10. صلاح ستيتية
  11. أمجد ناصر
  12. أحمد دحبور
  1. بدر شاكر السياب
  2. أدونيس
  3. محمد درويش
  4. عبداللطيف اللعبي
  5. سعدي يوسف
  6. جاك بريقير
  7. شوقي أبي شقرا
  8. أحمد عبدالمعطي حجازي
  9. فينوس خوري غاتا
  10. عبدالرحمن الابنودي
  11. محمد علي شمس الدين
  12. محمد عفيفي مطر
http://www.jehat.com/Jehaat/ar/Alshu3araa/
*abdelhafid
17 - أكتوبر - 2011
الطغاة يلقون الموت الذي يوافقهم ..    كن أول من يقيّم
 
م
بقلم سيمون صباغ مونتيفيوري
Simon Sebag Montefiore

«تنتهي حياة كل السياسيين بالفشل ما لم تنقطع في ظروف مواتية»، هذا ما كتبه الكاتب السياسي البريطاني إينوك باول Enoch Powel، وهو إن كان موضوع جدل فهو مشهود له بالنباهة. وأضاف مبررا قوله: «لأن تلك هي طبيعة السياسة وطبيعة الأعمال الإنسانية» ، بيد أن الحياة السياسية للطغاة يختلف شأنها في التعامل مع شؤون الناس بكثافة خاصة، فموت زعيم ديموقراطي ، بعد وقت طويل من التقاعد ، يعد حدثا من قبيل الحياة الخاصة، لكن موت طاغية يعد في كل الأحوال حدثا سياسيا يعكس طبيعة سلطانه.
فإذا مات بسلام في سريره في تمام ازدهار حكمه، فإن موته يعد مسرحا لتلك السلطة، أما إذا تجرع الطاغية الموت وهو يبكي مستجديا الرحمة وهو يتمرغ في التراب فهذا أيضا انعكاس لطبيعة نظام منهار ورد فعل شعب مضطهد.
ما صدق هذا على حال مثل ما صدق على ما وقع قبل أيام من موت معمر القذافي، فالفرق الوحيد بين موته وموت كثير من طغاة آخرين، وما أكثرهم على امتداد التاريخ، هو أن موت القذافي وقع تصويره بكاميرات الهواتف المحمولة، وهي وسيلة لم تكن متوفرة على سبيل المثال لمعاصري الإمبراطور الروماني كاليكولا Caligula
فبالرغم مما يتباهى به اليوم من هواتف ومسدسات ، فقد كان في المناظر الوحشية الماضية مما يذكر بأقاصيص العهد القديم، مثل ما نجده في حكاية موت الملك أهاب Ahab ،الذي لعقت الكلاب دمه ، ومثل الملكة يزابيل Jezebel ،التي ألقيت من شرفة القصر ، وربما لم يكن في المثالين من البشاعة مثل ما كان في موت الإمبراطور البيزنطي أندورنيكوس الأول Andronicus I، الذي نتف الغوغاء لحيته وأقلعوا أسنانه، كما أحرقوا وجهه الجميل الوضاء بالماء المغلي.
وفي العصور الحديثة ، شوهدت حوادث من هذا القبيل، منها محاكمة شبه صورية أعدم على إثرها دكتاتور رومانيا تشاوسيسكو، ولكن هذا الإعدام ليس أكثر فظاعة من التمثيل بجثة الملك العراقي البريء فيصل ، وعمره 23 عاما، عام 1958 مع عمه الممقوت ، اللذين قيل إنهما وضعا على سفود وبترت أعضاؤهما ولُعبت الكرة برأسهما.
وفي عام 1996 عومل الرئيس الأفغاني الموالي للسوفيات، نجيب الله بقساوة حيث قطعت أعضاؤه التناسلية وتم جره في الشوارع وفي الأخير تم شنقه,
رأى زعماء ومثقفون غربيون أن التمثيل بجثة القذافي عمل مناف للذوق، فقد عبر برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy عن تخوفه من أن يسيء ما وقع للصورة المعنوية للثورة. ربما كانت هناك دواع سياسية لما وقع من تصفية أمام الملأ لمن سمى نفسه بملك الملوك، فقد كان طغيان القذافي مطلقا وسلطانيا وشخصيا. فالمشكل في مثل هذه الدكتاتوريات يكمن في أنه بطول حياة الدكتاتور يطول حكمه وإرهابه، وقد سبق لتشرشل أن قال: «إن الدكتاتوريين يشبهون من يمتطون نمورا ولا يستطيعون النزول من فوقها»,
إن الموت وحده يضع حدا لأمرين يحكمان تصرف الدكتاتور، التحايل للتأثير على النفوس ، والتبجح بالشرعية لإحكام السيطرة، وفي بعض الحالات ، فحتى الموت لا يكفي لإطفاء سلطة الدكتاتور. فقد كتب الكاتب اللاتيني سويطونيوس «ظل عهد كاليكولا يوحي بالرعب، ذلك ما شهد به من جاءوا من السلف»، فقد ظل الرومان تحت تأثير رعب الإمبراطور إلى حد أنهم لم يكتفوا بمجرد اغتياله، بل أرادوا أن يشاهدوه ميتا، إذ تشككوا في أن يكون الأمر مجرد خدعة، وكانوا بحاجة إلى الاقتناع التام بأنه قد قضى. وهكذا فإن طابور الليبيين الطويل الذين اصطفوا متشوقين إلى مشاهدة جثة القذافي في غرفة ثلاجة منظر يفهم في ضوء ما مضى.
عندما قامت كاترين الكبرى بالانقلاب على زوجها، بطرس الثالث، عام 1762، كانت تعلم أن أي شيء سيقع للزوج، ستؤاخد عليه... بيد أن حاشيتها، يتزعمهم عشيقها كريكوري أورلوف، Gregory Orlov، أدركوا أنه ما دام على قيد الحياة فإنه يمثل الحاكم الشرعي المستبد، لذلك بادروا إلى شنقه، وعرضوا جثته ليقتنع الناس أنه قد مات، غير أن جماعة ممن كانوا يطمعون في بطرس الثالث وينافقونه قد شغبوا على كاترين وأقضوا مضجعها طول حياتها. وقد عاش هنري الرابع مشاكل مماثلة بعد وفاة ريتشارد الثاني، لأن جماعة من الأدعياء قد ظلوا يشاكسون هنري باعتباره مغتصبا للحكم.
لكن هذه الشواهد كلها في ذمة التاريخ، أما صور الفيديو عن طريق الهاتف الخلوي التي أظهرت القذافي وهو يتلقى الضرب، وبعد ذلك حفر الرصاص في جسده منظر خلص آخر أتباعه من وهم إمكان قيادة ثورة باسمه ، وبدد حماسة تشبه حماسة صدام حسين وهو في حالة هروب. هكذا تبدد ما ظل يصاحبه ويحرص عليه من تبجيل شخصه، تبدد بمنظر دماره المريع,
وفي بعض الحالات ، فإن قتل الطغاة يتم بطريقة الهدف منها التشهير بمفاسد الزعيم. فهذه شجرة الدر، أرملة سلطان مصري، قد صارت ملكة ،وهي الحالة الوحيدة في العالم الإسلامي، مع ما اشتهرت به من الطيش. فعندما قتلت زوجها الجديد عام 1257 ، قامت إماؤها بضربها بجزماتها حتى ماتت، وفي ذلك، مهانة على الطريقة العربية وما يماثل القتل باستعمال الحذاء في العصر الوسيط.
لقد قيل إن إدوارد الثاني، المشهور بعلاقاته الجنسية الشاذة مع محظييه، قد قتل باستعمال قضيب محمي إلى حد الإحمرار، وإن تعليق جثة موسوليني مع جثة عشيقته في ساحة مدينة يشير إلى نهاية ادعائه بتقمص البعد البطولي عند القياصرة ، والبعد الفحولي عند كازانوفا.
فبالنسبة لمن نشأ في عصر التلفزيون وتشبع بجوه، وبحسه المحلل لكل ما وقع من أعمال العنف على الساحة العمومية، فإن القذافي إنما واجه نهاية مواتية. فعندما توجه إلى قتلته المرعبين، وهم الذين لم يعرفوا حاكما غيره في حياتهم بقوله «هل تعرفون الفرق بين الحق والباطل؟» كان بسؤاله هذا قد أوحى إليهم بالجواب، ويمكن أن نسمي هذا بانتحار الطغيان.
أما السلطان المملوكي الشهير بيبرس ، فقد كان مع ممارسته لترعيب آلي خال من كل شفقة، كان من الناحية الشكلية شبه ضحية: فقد جاء في بعض الأخبار أنه اعتاد على قتل ضيوفه بالسم إلى أن قام ذات يوم من عام 1277 ، وقد كان ذهنه شاردا حين تناول كوبا من حليب الناقة المتخمر السام. وفي زمن الحروب الصليبية نجد أتابك حاكم الموصل وحلب ،العراق وجزء من سوريا، ويدعى زناكي، وكان يحب أن يقطع أعضاء التناسل لأطفال أعدائه، وربما فعل كذلك مع عشاقه من الغلمان، وقد قام أحد هؤلاء الخصيان الذين أهانهم بطعنه في سريره.
عندما أصيب ستالين بنوبة قليبة ، كان قد قام قبل أيام بإلقاء القبض على عشرات الأطباء بتهمة الخيانة، فقد حبس بوله لأكثر من اثنتي عشرة ساعة قبل أن يجرؤ خدامه على استدعاء الطبيب، فهو لم يقتل كما قتل القذافي، بل كان هو من قام بتدمير نفسه.
لا إنجاز بالنسبة لطاغية بعيدا عن الخلود من أن يموت في سريره. ففي هذه الحالة يكون هو سيد الموقف، يراقب الزمان والمكان والعواقب في ما يتصل بموته. إنما يتأتى له هذا إن طال مرضه. لقد كتب جوزيفوس Josephus حول ملك يهوديا Judea يقول: «إن مرض هيرود يشتد عليه يوما بعد يوم... ذلك عقاب الرب له على ذنوبه، لقد تقرحت جوانبه... واستقر حول رجليه وحول أسفل بطنه، وأعضاؤه التناسلية قد تعفنت وصارت تولد فيها الديدان». غير أن هيرود المتقيح هذا قد تحايل حتى قتل أحد أبنائه الثائرين ورتب لوراثة ثلاثة آخرين قبل أن يقع فريسة للموت.
فعلى خلاف الملوك الذين يعهدون بالحكم لورثتهم عند موتهم ليضمنوا استمرار نظامهم، فإن الطغاة يحرصون على أن يعيشوا أطول مدة ممكنة. ومن هنا نفهم المجهودات التي تفوق طاقة الإنسان والتي يتطلب من الأطباء بذلها كي يبقوا الدكتاتوريين على قيد الحياة في فراش مرضهم، تلك كانت حالة ماو وبريجنيف وتيتو وفرانكو، والشاطر من بينهم الكوري الشمالي الذي وجد للمشكل حلا بإعلان كيم إلسونك Kim Il-sung خالدا، رئيسا على دوام الأيام.
إن صنائع الديكتاتورية الحديثة قد اجتهدوا في كيفية تجنب هذا الأمر المزعج الذي ينتج عن موت الدكتاتور، وذلك بابتكار صنف جديد من الأنظمة الوراثية. فمن هؤلاء خارج العالم العربي نجد آل كيم في كوريا الشمالية وآل كاديروف في تشيشينيا وآل كابيلا في الكونكو وآل عالييف في أزربيدجان، وكلهم حققوا هذا الحلم الذي يراود الدكتاتور. وقام بمثل ذلك بعضهم في العالم العربي. فمنهم حافظ الأسد في سوريا الذي حكم منذ 1970 ومات عام 2000 حيث مرر الرئاسة لولده بشار. وقد راود نفس الحلم كلا من القذافي ومبارك وصدام حسين. ولكن هؤلاء الورثة الافتراضيين من كثرة ما هم مدللون لا يملكون مواهب آبائهم في المكر.
كل الدكتاتوريات تتفنن في الدهاء، وفي المخاطرة وفي الترويع وفي حب الذات وفي كثرة الظهور وفي التحبب الكاذب للناس، كل ذلك مفرغ في فرجة جوهر التحكم التام في الغير. فالطغاة يتفوقون على كل المدبرين للتمثيل، هم محركو مسرحيات واقعية لا حدود لسلطتهم في إخراجها، يدومون ما دام لهم النفوذ والرخاء وبقية عدل. ويمكن أن يكون لصالحهم نوع من إراقة الدماء مثلما أظهر بشار الأسد وآية الله علي خامنئي، إلى أن ينفد الحظ في ملابسات تكتنفها الخيانة، خارج كل مرجعية ، أو إلى أن يجتاح تسونامي الثورة مثل ما يحدث في الربيع العربي. فمن الصعب أن يتصور المرء ترك ما عدا الأحشاء لو وقع هذان الاثنان في أيدي شعبيهما.
فإذا لم يتأت لدكتاتور أن يموت في سريره الخاص، فأفضل ما يمكنه أن يفعل ، هو أن يحاول تدبير سقوطه بكيفية تدريجية، لأن الدكتاتوريين لا يجدون من المقبول أن يعيشوا وهم لا يحكمون. فالقذافي بين آخرين، كان من النرجسية بحيث نفى في البداية أن تكون ثورة قد قامت عليه قبل أن يندفع دوره البطولي العـنيد الذي انتهى بمأساة الشوط الأخير. فشكسبير يقول على لسان الملك ريتشارد الثالث: «ألقيت حياتي كما يلقى بزهر نرد...وما يأتي به الحظ يكون».
كان بإمكان القذافي أن ينقذ حياته وينقذ حياة آلاف الليبيين بمجرد انسحابه في فيلا إلى أن يواجه محكمة العدل الدولية. لكن هذا النرجسي لم يكن يتصور سقوطه إلا على شكل إخراج مسرحي يكون من اللاعبين فيه أتباعه وعائلته وأهل بلده ، تحرقهم نار أنانيته المرضية العدمية. ربما خطط القذافي لأن يموت في معركة مثل ريتشارد الثالث وماكبث، أو لأن يقتل نفسه، غير أن هذا المتبجح الرهيب قد خسر حياته خسرانا تاما.
إن النموذج الأسمى لموت طاغية هو الذي قدمه هتلر، فبالرغم من كون الكتائب الروسية كانت تشق طريقها عبر برلين لتصل إليه، فإنه استطاع أن يتحكم في مصيره بما يكفي للتخطيط لحياته الأخيرة وتنفيذ وصيته، وذلك بالزواج ثم الانتحار: التحكم في نهاية في حديقة كوتردا ميرونك Götterdammerung بعد الرش بزيت الكيروزين. ومع ذلك فإنه لم يبلغ إشراقة نخوة تشارلز الأول عند موته، فإنه وإن اتهمه مستفزوه من الطهوريين بأنه «رجل دموي» فإن شهادته قبل إعدامه قد سجلت مثالا لا يستطيع القذافي حتى أن يحلم به، فقد قال قبل أن يواجه الشاقور: «لقد انتقلت من تاج فاسد إلى تاج غير فاسد حيث لا محل للإزعاج، لا إزعاج في العالم».

عن جريدة إنترناشيونال
هيرالد تريبيون
الجمعة 28 أكتوبر 2011
ترجمة عالية حميد
3/11/2011
*abdelhafid
4 - نوفمبر - 2011
 1  2