فضل الله ورحمته كن أول من يقيّم
تحياتي للأستاذ الفاضل أبي هشام، وأهلا به ومرحبا بعد غياب عسى ان يكون سببه خيرا: نتيجة لفهمي المتواضع لما تفضلتم به أقول: لا شك أن تفضل الله تعالى علينا بدين الإسلام هو أعظم فضل وأكمل رحمة، ولكن أفضال الله جل وعلا متنوعة ولا يمكن أن تحصى. وفي القرآن الكريم آيات عديدة يتبين من معانيها أن مظاهر أفضال الله تعالى ورحماته كثيرة ومتنوعة. أما جمع المتاع من اجل الدنيا فقط ، ومن أجل التفاخر بالأموال والأمتعة، فلا ريب أنه جمع مذموم، ولا يقوم به في العادة إلا المشركون او الكفرة، أو العاصون الغافلون عن إرشاد الله تعالى وتوجيهاته، ونواهيه وأوامره . فأولئك متاعهم لن ينفعهم بشيء عند ربهم يوم الحساب؛ وإنما ينفعهم الإيمان والعمل الصالح، كما هو معلوم، مثل ابتغائهم أفضال الله بالحق ؛ حامدين الله شاكرين له ما آتاهم من فضله. وأما أن يكتب صاحب منزل على منزله جملة: " هذا من فضل ربي "، وهو رجل مؤمن بالله معترف بفضله ولا يبتغي التفاخر على احد، فربما كانت مقبولة منه غير مذمومة . ومن الجدير ذكره أن الله تعالى ذكر هذه الجملة في القرآن على لسان سيدنا سليمان على ما حباه من فضل ونعمة غير نعمة الإسلام. والآيات القرآنية التي تضمنت ابتغاءنا لفضل الله عديدة. فإن ابتغينا أفضاله جل وعلا بالطرق الحلال، وعزونا كل ما نحصل عليه من متاع إلى فضل الله ورحمته، فلن نكون مخطئين أبدا. في سورة التوبة: " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين* فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون" التوبة 76،75. والفضل هنا يمكن ان يكون المتاع والأموال بدلالة :" لنصدقن، وبخلوا به"، فالفضل من الله إذن يمكن أن يكون متاعا وأموالا حلالا. وفي سورة التوبة كذلك، في الآية 28: " ...وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم" . ومن المحتمل أن تكون الرواية التي ذكرتها حضرتك عن سيدنا عمر ومولاه غير صحيحة من جهة السند، كما أنها تخص فقط تفسير فضل الله ورحمته في الآية 58 من سورة يونس، وقد يستخلص الكلام في سند تلك الرواية مما طالعناه في " كنز العمال" للمتقي الهندي ( من مكتبة المحدث) مما يلي: ((عن أيفع الكلاعي (أيفع: غير منسوب، قال النسائي: وأيفع لا أعرفه. وقال البخاري: أيفع عن ابن عمر في الطهور منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. تهذيب التهذيب (1/391). ) قال: لما قدم خراج العراق إلى عمر، خرج عمر ومولى له فجعل يعد الإبل، فإذا هو أكثر من ذلك فجعل عمر يقول: الحمد لله، وجعل مولاه يقول: هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}.)) . ولا يخفى عليكم ان من معاني كلمة "منكر" ، حين يصفون بها راويا للحديث، معنى يتضمن ما ينطبق على الموضوعات والوضاعين. إن فهمنا للآية الكريمة مما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره: " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" لا يترتب عليه إذن حصر فضل الله ورحمته بالإسلام وبالقرآن وحدهما وإن كانا قمة الفضل والرحمة وذروتهما ، فهذا يمكن ان يخص هذه الآية وحدها؛ وبذا، فلنا فسحة في أن لا نحجر على أنفسنا عزو كل خير من الله إليه وإلى فضله ورحمته، وأن نقول عن المتاع الحلال: هذا من فضل الله، وأن نحمده تعالى بألسنتنا ونشكره بأعمالنا الطيبة على كل ما تفضل به علينا. بقي أن أشير إلى أن المخاطبين في الآية 58 من سورة يونس هم المشركون على ما ذكره الإمام الطبري في جامع البيان: (( القول في تأويل قوله تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل} يا محمد لهؤلاء المشركين بك وبما أنزل إليك من عند ربك: {بفضل الله} أيها الناس الذي تفضل به عليكم، وهو الإسلام، فبينه لكم ودعاكم إليه، {وبرحمته} التي رحمكم بها، فأنزلها إليكم، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، وبصركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.{فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها.)). دمتم بخير من الله وفضل |