كلمة في معنى ترتيل القرآن ( من قبل 1 أعضاء ) قيّم
بسم الله الرحمن الرحيم ( كلمةٌ في معنى ترتيل القرآن ) - جاء في كتاب الله أمرٌ : (( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً )) ، وجاء في سنة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ : (( مَن لَّمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) . - في هذه الآية الكريمة وفي هذا الحديث الشريف = بيانٌ : أن المأمورَ بأدائه في تلاوة القرآن هو وصفٌ داخلٌ في إطاقة كل إنسانٍ ، فترتيل الكلام في اللغة : تلاوته بالتأني والتمهُّل والترسُّل والنطق بالحروف مفسَّرةً واضحةً ، وقراءة القرآن بهذا المعنى لا تعسر على أحدٍ ، فليس من أحدٍ مقهورٍ على العجلة والسرعة والهذِّ ، والتغني في اللغة : هو نطق الكلام على وجهٍ تظهر به حلاوة الصوت ، وليس من أحدٍ مقهورٍ على إمرار قراءته عفوًا من الترنُّم والتطريب على قَدْر مستطاعه ، فالترتيل والتغني هو ما أمر به الشرع في تلاوة القرآن . - والأمر الشرعي هو أمرٌ لغويٌّ لا يخرج عن مطلق الطلب = إلا بمزيد دلالةٍ تقتضي كونه متحتِّمًا لازمًا يأثم المسلم والمسلمة بتركه ، وليس في الآي الكريمة أو الأحاديث الشريفة ما يدُلُّ على أن ترتيل القرآن والتغني به من قبيل الأمر المتحتم التنفيذ بحيث يقع من مخالفته الإثم . - ومن حفظ الله للدين : أَنْ حفظ لنا صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بنقل المشايخ الأثبات متواترةً مضبوطةً ، ولذا ؛ فليس ثَمَّ من طريقةٍ أمثل لقراءة القرآن الكريم من مواطأة صفة قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومطابقتها بقَدْر ما ينتهي إلى القارئ من العلم بتفاصيلها المحرَّرة في كتب التجويد ، والمتحصِّلة شفاهًا بقراءة المشايخ الثقات . - إلا أن هذه المواطأة والمطابقة المستحبة لا يلزم منها تخطئةُ وتأثيمُ من خالفها ، لا سيما مع عدم القدرة ، وقد جاء في الأثر : (( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي )) ، وكما أن في الصلاة أركانٌ وواجباتٌ ومستحبَّاتٌ ، فقراءة القرآن وهي عملٌ من أعمال الصلاة ؛= فيها ما هو واجبٌ لا يسقط إلا بالعجز ، وفيها ما هو مستحبٌ يكون تركه مع القدرة عليه مكروهًا . - فإقامة الحروف على نطقها العربي واجبٌ ، وإلا تحرَّف القرآن عن كونه عربيًّا ، لكن ما عدا إقامة الحروف من تحقيق المخارج والصفات الأصلية والفرعيَّة فهو مستحبٌّ ؛ لأنها متابعةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم في قراءته ، ولكنها ليست واجبةً لأنه لا دليل على ذلك . - لا يقال : إن قراءة القرآن عبادة ، والعبادات توقيف ، والموقوف عليه من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم هو هذه الصفة المجودة ، فمن خالفها كان مبتدعًا وقارئًا بما لا يَحِلّ؛ ومستأهلاً للتفسيق ! ،= لأن التوقيف هو على جُمْلَةِ القراءة ، وهي أبعاضٌ كما سبق ، منها الواجب ومنها المستحب ، والمشابهة بالقراءات الشاذة ليس صوابًا ، لأن القراءات الشاذة فيها كيفياتٌ زائدةٌ ومختلفةٌ عن القراءات الثابتة ، فمن ترك بعض الصفات المستحبة في قراءة القرآن كان مزيلاً لشيْءٍ من الجمال، ولم يكن محيلاً للقرآن عن وجهه، والقراءة الشاذة هي شاذةٌ ولو قرأها بغاية ما يقتدر عليه إنسانٌ من التجويد ، لأن الثبوت والشذوذ جهةٌ أخرى غير التجويد وعدمه . - والناظر في الآراء المشتجرة في هذه القضية يجد بعضها بين الغلو والجفاء ، فغلوٌّ أن يقال : إن عدم تحقيق هيأة الفم عند نطق الضم أو الكسر أو الفتح أقبح من اللحن الجليِّ ، وَهَبِ المرء ركع أو سجد ، ولكنه لم يحقق غاية الكمال في وصفي الركوع والسجود ؛= أيقال : إن صلاته غير صحيحة ؟! ، وجفاءٌ أن يقال : إن تعلم أحكام التجويد وتطبيقها تنطُّعٌ وتشدُّقٌ ، وترى بعض المتصدِّرين للفتوى والتدريس لا يحسنون قراءة القرآن على تلك الصفة النبوية المحفوظة بنعمة الله ، مع أنهم أولى الناس بالمتابعة والاقتداء . - فالقول الحقُّ المعتدل اللائق بيُسْرِ الدين وسماحته : أن تجويد القرآن فضيلةٌ لا ينبغي لمسلمٍ أو مسلمةٍ أن يرغبا عنها ، وأن اللحن الجليَّ للقادر على تحاشيه مبطلٌ لقراءته ومأثمةٌ له ، وأنَّ العاجِزَ عن ذلك في قليلٍ أو كثيرٍ له أجران لاجتهاده في التعتعة ، وأنَّ التاركَ لبعض الصفات الجميلة في تلاوة القرآن مع القدرة عليها بالفعل أو بالقوَّة - أي بالصيرورة إلى ذلك بالتعلُّم - ؛= فاعِلٌ لمعيبٍ في حقِّه ومنقصٍ من ثوابه . - والله الموفق إلى العلم النافع والعمل الصالح والكلم الطيِّب . |