قصة فصيرة خرج الفتى نحو البرية يجري بين المروج والروابي, يعناق الريح ويلامس نسيم الصباح ,ويهتف باعلى صوته ما اجمل ان يتجرد الانسان من توابع عبودية نفسه, ليبقى حرا طليقا فلا يتبع نعشه احد, ولا يسمع صوته احد ,كان عالما فرمى العلم وراء ظهره فناده العلم من ورائه, لما رميتني في هذه القفار وتركتني وحيدا اتجرع كاس الوحدانية, الم يوصك الرب ان تلازمني؟ الم تهتف الكتب المقدسة باسمي, الم اكون انا خير مرغوب...؟؟ فلما هذا الجفاء ؟فاقبل اليه ووضع قدمه على عاتقه, و قال: اصمت ايها العلم لست المقصود, انما انت معراج ,وقد وصلت فليس لي اليك حاجة ,فعد اليهم لعلك تجد من بينهم من يعبدك, فانا قد تحررت منك ومن عبوديتك, ارجع ولا تتبعني لقد كنت خير مرغوب, لانك كنت طريقا, فلما اصبحت المقصود فررت منك..., فقام العلم اليه وقد تتغيرت اوصافه الجميلة الى شيطان عظيم الجثة اشعث الراس, وعليه اطمار بالية وصوته كالرعد القاصف يخرج من فيه دخان كانه ضباب ملتهب, فلوى راسه ثم رفعه, وشهق شهقة عظيمة وقال له: لو لم ترميني لاهلكتك كما اهلكت من سبقك ,فانا شيطان العلم ازين العلم لهم حتى يتاخذوه غايتهم ,ومحط رحالهم ومحبوبهم, وهم يعلمون في قرارة نفوسهم انما ارادوه ليس حبا فيه ولا غاية في ذاته بل من اجل جمع اموال الناس, والكبرياء الزائف الذي يمنحه لهم, فهم كالجلادين بل هم اشد لان الجلادين يجلدون الناس بامر الحاكم, وهؤلاء يجلدونهم بسوط لا يسكن المه ولا يبرئ جرحه ويهتفون باسم الرب, فقال له: اذا انت شيطان العلم, قال: نعم ولكن قل لي كيف وصلت الى ما تدعيه, ولما لم تتبع سبل هؤلاء الغوغاء في تمجدهم وترفعهم, ولما رميت علمك... فقال :كنت اظنك ايها الشيطان عالما مدركا لحقائق الاشياء ,وها انت تظل كما اظللت, و تتيه في الصحراء كما توهت قل لي يا ايها الشيطان ما هي غاية العلم؟ فقال :ان يوصلك الى المقصود, فقال: نعم احسنت فهل تعرف ما هو المقصود الذي وضع من اجله العلم ؟قال :الشيطان لا لكن ما اعرفه هو ان اجعل من العلم غاية المتمني وناهية الارب, ولا شيء وراء ذلك, فقال كيف رايت علمائنا اليوم ايها الشيطان؟ فضحك الشيطان ضحكة ارتجت لها الجبال, وفرت منها الطيور من بين الاشجار, وقال هم عندي كالكرة بين يد الصبي لا ابالي باي اودية الدنيا القي بهم, لانهم منقادون وراء علمهم الذي اجره من ورائي بخيط من ذهب, ثم اطرق الفتى راسه ساعة لا يتكلم ثم قال يا شيطان ما الصفة التي تعجبك في علمائنا هؤلاء فقال الشيطان بغير فكر مسبق الطمع والاقدام فقال الفتى نعم الطمع في رحمة الرب والاقدام في القول بالحق اليس كذلك فضحك الشيطان حتى بدت انيابه وسال لعابه بسخرية شيطانية ثم قال لا ليس هذا عنيت وانما قصدت الطمع في الخلق والاقدام على محارم الرب ثم قال اخبرني يا فتى كيف وصلت وتحررت من اغلال العلم لتصبح حرا طليقا في هذه البرية فمشى الفتى بضع خطوات نحو ظل شجرة فجلس متكئا على حجر بقربه وقال اصبحت امقت كل هؤلاء العلماء والقراؤون الذين اعموا ابصارهم واصموا اذانهم عن رؤية الحق وسماع الحان السماء فقال الشيطان وما الحان السماء فقال الفتى هو ارتجاج في اوتار القلب وهتزاز في اعماق الروح ودقات في ساعة النفس لتمتزج مع تسابيح الملائكة فيصدر من ذلك لحن السماء ثم سكت وبعض لحظة مرت عجوز من امامهما تحمل على راسها مزادة مملوئة بالزيتون فقال الفتى ما تقول في هذه العجوز قال الشيطان عجوز قد انهكها الدهر وهي على مشارف قبرها تنتظر ساعتها وهي والجماد سواء ليس لها من الاحياء الا حركة بين سكون نومها لولا ذلك لدفنت واراحت الارض من مشيتها التي تنهك الناظر اليها فقال الفتى وايهما افضل العلماء الذين يركبون الجاديات العاليات ويسكنون القصور المشرفة على الاودية والاكلين للمن والسلوى البسين للقز والذهب ام هذه العجوز الشمطاء فقال بل العلماء يا فتى ولا حجة لك ها هنا فقال الفتى قم يا شيطان ولقي نظرة على قلب العجوز فختفى الشيطان في لمح البصر ثم عاد كالبرق الخاطف مطئطئ الراس يجر اثوابه المسودة على الارض فنظر اليه الفتى وقال مه يا شيطان ماذا اصابك فقال رايت العجب قال وما رايت قال الشيطان لما القيت نظرتي على قلبها لم اجد فيه علما ولا جدوة منه ومع ذلك فيه من الانوار ما يعمي ابصار الانس والجن ولم ارى مثل تلك الانوار الا في قلوب ابناء الملوك وسلالة القديسين فقال الفتى الان عرفت السر المخفي ايها الشيطان اتدري ما هو مصدر تلك الانوار التي حيرتك وجعلتك تتبع الرسوم وتترك الحقائق قال الشيطان لا فقال الفتى انها الخشية وهي الغاية من العلم وهي العلم كله وهي البحر الذي لا يدركه اهل الطمع والاقدام فقال الشيطان وما الخشية قال الفتى ان ترى سيفا ممدودا من السماء مسلولاعلى رقبتك ينتظر امر الرب فيك فحينها لا تبالي بالعلم ولا باهله لان بين يديك روح العلم وجوهره ثم اختفى الشيطان في لحظته كما جاء |