تحياتي لأخي الدمنهوري وشكرا له على هذا الملف الهام     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :     
أرض النفاق ليعذرني أخي الحبيب، الأستاذ الكبير الدمنهوري، على انتقائي هذه الرواية ، وهي من تأليف المرحوم يوسف السباعي كما هو معلوم، كونها تبدأ بكلمة " أرض" دون أن يتبعها كلمة مثل: الأحرار، الأبطال، أو ما يشبه ذلك. فإنني عندما لمحت عنوان الرواية التي انتقتها حضرتك، تذكرت رواية" أرض النفاق" ، ربما لوجود كلمة "أرض" في بداية عنوان الروايتين مما جعلها تخطر ببالي، إلا أن هناك سببا آخر دعاني لانتقاء هذه الرواية، وهو حال الأمة العربية الإسلامية في الكثير من ماضيها، وفي كل حاضرها. تلك الحال التي لا تخفى على احد، والتي كان النفاق من أكبر أدوائها في معظم مجالات حياتها السياسية والاجتماعية. والنفاق كما تعلمون رفيق مخلص للكذب في كل الأحوال. وعلى أية حال، فإني لا أزعم أن تكون رواية" أرض النفاق" من بين أفضل مئة رواية من جميع النواحي؛ وإنما رأيت أن ما فيها من فائدة في سبيل الإصلاح الاجتماعي والسياسي ربما يجعلها مفضلة. ولقد طالعت هذه الرواية في سني الستينيات، كما شاهدتها محولة إلى فيلم سينمائي في تلك البرهة كذلك ( الرواية عندي أحسن من الفيلم)، وكنت استمتع بما فيها من صراحة. ولا أخفي أن هذه الرواية كانت مشجعة لي على الابتعاد عن النفاق الاجتماعي (قدر استطاعتي) منذ أن كنت فتى، وشجعتني أيضا على الجهر بما أراه حقا قدر استطاعتي كذلك. فكان نقد الذات أول سبيلي إلى ما يمكن أن يجعلني اقرب إلى الصدق منه إلى الكذب والمداهنة في القول والعمل. وإني ، وفي هذه البرهة الحالية بالذات، وأوطاننا العربية تمر بما تمر به من أحداث ذات خطر كبير، لأرجو الله تعالى ان تكون نتائجها في صالح الأمة إن جرى تغيير جذري في أحوالنا السياسية والاجتماعية بالاتجاه الصحيح، كما ولأذكر أن يوسف السباعي أفرد فصلا من فصول الرواية يتطرق فيه إلى ما يتعلق بالحكم والحكام، والانتخابات والبرلمانات والأحزاب ، وأن هذا من شر ما ابتليت به مصر على حد قوله. " أرض النفاق" ، لمن لا يعرفها، أو لمن لم يطالعها كتابا أو على الشبكة، رواية ألفها صاحبها سنة تسعة وأربعين من القرن العشرين المنصرم، في أوج ما اعترى الفلسطينيين والعرب بل والمسلمين جميعا من نكبة مريرة حلت بهم بضياع القسم الأكبر من فلسطين سنة ثمانية وأربعين. موضوع الرواية يتعلق بالأدواء الاجتماعية الخلقية ومعالجتها مقارنة بمضاداتها، كالجبن في مقابل الشجاعة، والخيانة في مقابل الأمانة، والغش والخداع والنفاق في مقابل الصدق، والنذالة في مقابل المروءة...الخ. بأسلوب سلس وسهل التناول من قبل كل من لديه إلمام معقول بالقراءة والمطالعة، وفيها الكثير من الجمل الدارجة على ألسنة عامة الناس، فهي بهذا وبموضوعها الشائق المفيد رواية تدخل القلوب من أوسع الأبواب. في صفحة الإهداء يفاجئنا الكاتب بإهداء روايته لنفسه فيقول: إلى خير من استحق الإهداء، إلى أحب الناس إلى نفسي، وأقربهم إلى قلبي، إلى يوسف السباعي..ولو قلت غير هذا لكنت شيخ المنافقين من أرض النفاق. ثم يبين في المقدمة أن ما دفعه إلى إهدائه روايته لنفسه سببان فيقول: أولهما: ...اني لا أود أن أكون، كما قلت في الإهداء، أول المنافقين في أرض النفاق..واني لا أرغب في أن أتهم بأني أنهى عن خلق وآتي مثله... وثانيهما: ...أود أن أكرم نفسي وهي على قيد الحياة..فلشد ما أخشى ألا يكرمني الناس إلا بعد الوفاة.. ونحن شعب يحب الموتى.. ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض... في خاتمة الرواية يقول المؤلف: يا أهل النفاق، تلك هي أرضكم، وذلك هو غرسكم.. ما فعلت سوى أن طفت بها وعرضت على سبيل العينة بعض ما بها..فإن رأيتموه قبيحا مشوها، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم.. لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة. أيها المنافقون، هذه قصتكم، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر. وكان السباعي أديبا وصحفيا مرموقا، وسياسيا ، وعسكريا أيضا. وكان وزيرا للثقافة في حكومة الرئيس المصري السابق أنور السادات ، وقد أدت به رؤيته السياسية والعسكرية لأوضاع مصر، وجرأته على الصدع بما يراه صوابا، أن يؤيد ما قام به الرئيس السادات من عملية للسلام مع إسرائيل مما جعله يلقى حتفه غيلة على يد منظمة فلسطينية ثورية سنة 1977في قبرص. وأخيرا، إلى من تهمه مطالعة الرواية المذكورة يمكنه أن يجدها على الشبكة للتحميل بسهولة. |