لا بشرط، بشرط لا     ( من قبل 2 أعضاء ) قيّم
هل كان السائل من الإعاجم الذين يجهلون اللغة العربية حتى يقال له: إنّ الإستواء معلوم في اللغة. وإذا كان معلوما في اللغة فهو مجهول للسائل لإنه أعجمي. وإذا كان السائل يعرف اللغة، فهو تحصيل للحاصل، وتفسير الماء بالماء. يبقى أن مراد مالك رحمه الله أن الإستواء حقيقة وليس كما ذهب اليه المعتزلة ومن هم على طريقتهم ومنهجهم في التفسير أنه الإستيلاء والتمكن والإستعلاء. فهل أراد مالك هذا الكلام وكان يقول به؟ والكيفية مجهولة تُبقي السؤال معلّقا، وتزيد السائل بلبلة وحيرة. والإيمان به واحب، لا ينكره مسلم. والسؤال عنه بدعة. من هنا تبدأ الحكاية، وتسكب العبرات، ويطلّ الشيطان برأسه وقرنيه، ويكفّر المسلمون بعضهم البعض الآخر تعصبا وعمى مقيتا، جهلا وغفلة. لعلّ التحوّل الأول في حياة البشرية من الجهل الى حالة المعرفة، من الركود الى الحركة والبحث والتقصّي، كان سؤالا من مشاغب. كل الثورات بدأت من الشغب واتهت بالتحولات الكبرى في مصائر الشعوب والإمم. وهي تختلف في حجم ومقدار تأثيراتها حسب قابلية الأمة ومستوى وعيها ومدى تمامية وجاهزيتها على التفاعل الإيجابي أو السلبي تجاه الفعل ونوع الحدث. للأسف الشديد بل المخجل ما نحن فيه مما يضحك الثكلى، ويبكي الحجر الأصم. وقد أسمعت لو ناديت حيّا ولكن لا حياة لمن تنادي هل يعقل أن تسخّر كل هذه الإمكانيات التى ولله الحمد لم نشارك في صنعها، ونهدر كل هذه الطاقات الكبيرة من العقول الشابة الفتية، وهذه الأموال على قنوات وفضائيّات واعداد مشايخ من مذاهب متناحرة متخاصمة، يسب بعضهم بعضا في الله وفي حبه، ويكفر بعضهم البعض دفاعا عن حوزة الأسلام، ونصرة لدين الله الذي يريد هذا الضال المنحرف المأجور المدفوع الثمن المندس في صفوف الأمة لضربها من الداخل! ولكن من هذا الموصوف بكل هذه الصفات. لن تخرج إلا بنتيجة واحدة، الكل يشخّص، وكلّ يُكذّب الآخر في التشخيص. أوصاف وكلمات رنّانة، فصاحة في اللسان وبلاغة في القول لا ترتقي لمحلّها بلاغة، دموع ساخنة ترقق القلب، وتثير العواطف, وتشحن بطارية البغضاء والكراهية لكل مخالف لها في المذهب والعقيدة. كل المسلمين متفقون على أن هذه الآية الكريمة من المتشابه. والمتشابه حكمه عند الله تعالى.فإما أن يسكتوا ويفوّضوا الأمر والحكم الى الله. وإما أن يتركوا النقاش في ذلك حرا، فلا رأي أرجح على غيره بناءا على أن المسألة خلافية والترجيح فيها بلا مرجّح، اللهم إلا الهوى والتعصّب لهذا المذهب أوذاك. وختاما أقول: إذا انتهينا من مشكلة الإستواء، فمعضلة الكرسّي أشدّ وأنكى في الفتنة. فالله تعالى إما كان ولا يزال على كرسيّه، وإما لا - على طريقة المناطقة لا قامت لهم قائمة!- والأول كما هو معلوم باطل لأنه يلزم منه الشركة. والثاني، إن كان الكرسيّ مخلوق لله، فكيف استوى الله وعلى أي شيء كان يستوي قبل خلق الكرسيّ؟ أليست الحاجة الى ذلك تعدّ نقصا في كماله.... نحن اذا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإيمان والتسليم والكفّ عن الخوض في أمرّ هو من المغيّبات التي لا يعلمها إلا الله تعالى، وإما أن نخوض الى ركبنا في مستنقع من الجدال والنزاع والخصومة التي لاتوصلنا الى نهاية سعيدة، ولا تنفعنا علما مأمورا بتحصيله المكلّف. |