أيام لا تنسى كن أول من يقيّم
تحية طيبة مجددا أستاذنا الأكرم ياسين الشيخ سليمان: كنت أتحين الفرصة لنشر هذه القصة، لأنها غير منشورة في كل الكتب المتاحة بنصوصها على الشبكة.. لذلك وجدت صعوبة في تبييض اوراقها باستثناء التراجم في الهامش فهي من كتب منشورة في الموسوعة، فإذا لمحتم خطأ مطبعيا فأرجو أن تشيروا إليه لأقوم بتصحيحه لاحقا. وكنت لما تذاكرت مع صديقي الأستاذ عبد الله السريحي بقصة ابن النابلسي قال لي: ما هذا بشيء أمام بطشة المطهر (المتوكل على الله الزيدي) ابن الإمام يحيى شرف الدين بخولان وفتكته الكبرى بجيش الدولة العامرية في مَوْكل. وهو جبل شرق جنوب ذمار من أعمال محافظة البيضاء. ثم تركني وعاد ومعه كتاب (روح الروح فيما حدث بعد المائة التاسعة من الفتن والفتوح) لمؤلفه عيسى بن لطف الله ابن المطهر ابن يحيى شرف الدين، وقبل أن يعطيني الكتاب كتب عليه: وفاة المؤلف سنة (1048هـ) ووفاة المطهر بن يحيى سنة (980هـ) ووفاة يحيى شرف الدين سنة (965هـ) وأعطاني الكتاب لأقرأ فيه (ص80) : (وفي هذه السنة لما استقر في صنعاء ظهر من خولان الخلاف وطلب النزال والمصاف، وخرجوا عن طاعة الإمام ونكثوا ذلك الذمام، وسعوا في الأرض فسادا، وأخافوا أغوارا وأنجادا، ودخلوا في قوله تعالى (وإذا أردنا ان نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) فكتب إليهم المطهر ابن الإمام كتابا بقول فيه: (إن رهائنكم الذين في القصر على شفير التلاف، مقرونين بتمام ذلك الخلاف، فإن أصررتم على العصيان وصممتم على الطغيان أجرينا فيهم حكم الله، وإن عدتم عما نهيتم عنه ودخلتم في طاعة إمامكم ومنفذ أحكامكم عفونا عن سيئاتكم واغتفرنا خطاياكم) فلما أبلغهم الرسول الكتاب أجابوه بغير الصواب، فعند ذلك أمر المطهر برهائنهم وكانوا زهاء ثمانين نفرا في سن التكليف فقطعت أيديهم وأرجلهم. ولما بلغ ذلك أهلهم سقط في أيديهم واجتمعوا في ناديهم، وصح لهم أن في ذلك العارض بروقا مقلقة وصواعق محرقة، فتحزبوا وحشدوا، واعدوا واعتدوا. وقد كان قبل قطع رهائنهم والتوجه إلى مساكنهم انبرى أشرارهم والمردة من فجارهم إلى باب اليمن =أحد أبواب صنعاء= وقد أظلم الليل وجنّ ،فأضرب فيه شهابا وأذكى فيه التهابا. فقطن له الحماة، فحمق مسعاه وتبعوه في سواده =أي سواد جِزْيَز جنوب صنعاء= فاختفى في بعض وهاده. وتوجه ذلك الأسد في العد والعدد فاجتمعوا لقتاله وراموا مفاجاة نزاله. فجرت بينهم حروب أفضت عن هزيمتهم وانحلال عزيمتهم. فأخذ بلادهم وفتح أغوارهم وأنجادهم ودمّر ديارهم وقطع أعنابهم وأشجارهم، وتركها خاوية على عروشها كاسفة بقطع غروسها. ولما استأصل بالمغروس والمعمور تركها خاوية بما ظلموا (هل نجازي إلا الكفور) ولما تيقنوا ألا مانع ولا رادع ولا دافع ولا مناصر ولا مدافع سلموا الأمر إليه، ودخلوا فيما حكم به لديه. فقبض من شياطينهم ثلاثمائة نفر أو يزيدون وأودعهم السجون، وامر بهم بقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، فذعر من بقي وخاف، ونسأل من الله خفي الألطاف. ثم إنه عرفهم ألا أمان لهم ولا سكون، ولا يدعهم يغرسون ولا يعرشون حتى ياتوه بمحرّق الباب ولو كان في السحاب. فطلبوه طلب المعدم الدرهمَ والجريح المرهمَ، فوجدوا المريد على بركة ماء في أقصى وَدْيَد =قرية شرق مدينة خمر من مدن ذيبين واعمال محافظة عمران= فحملوه إلى المطهر فأمر بأن يحمل غلى صنعاء فتسمر في الباب كفاه حتى تدركه الوفاة .... ولما فتح نجران وخمدت نار الطغيان وانطمست آثار الشقاق والعصيان، ولم يبق في الجهات الشامية شجن من الأشجان خرج من صعدة يوم سابع ربيع الاخر من السنة المذكورة ووصل الجِراف =قرية شمال صنعاء= يوم الخميس 14 ربيع الآخر ثم دخل محروس صنعاء بكرة يوم الجمعة منتصف الشهر ..وقد كان ولده المطهر تخلف عنه في تلك الجهات لأمر رىه واقتضاه ولما أراد الله فتح بقية البلاد اليمينة والجهات العامرية تحرك عامر بن داود بن طاهر، لفناء بقية ذلك الملك الذاهب والعز الغارب، لزواله واتضاع حاله. وكان عنده وزير سوء: الشريف يحيى السراجي: وهو ممن باع الهدى بالضلالة ونكث عهود الإمام لا أبا له. وكان منه أن حسّن لعامر بن داود ما حسّن، فهلك المُحسِّن والمحسَّن. وذلك لما طالت إقامة الإمام في تلك الجهات الشامية وتعقبه المرض الحادث في العسكر بنجران ظن أن عود الإمام وولده المطهر دونه القارضان. فسهّل لعامر قصد بلاد الإمام وإنفاذ أمره فيها والأحكام. فعمل في عامر كلامه وأسكر مدامه. فتجهز الشريف يحيى السراجي المشير بالمسير، وصحبه علي بن محمد البغدادي الملقب بالشرامي، وكان عين دولة عامر، القائم فيها والآمر. فعاثت الجيوش العامرية في أطراف البلاد الإمامية، وعاب من عاب من ولاة الحصون، مثل الدارم وهيوه وغيرها، وانتهى السراجي المذكور إلى (دَمْت) وتخلف عنه الشرامي. فلما بلغ الإمام الخبر أرسل الرسل إلى المطهر وهو بنجران في سكون وأمان. فجمع زهاء ألف ناقة من ذوات القوة والطاقة، فأركب عليها عساكره وصاحب باكره، وتوجه لا يلوي على شيء ولا يأوي إلى فيء، حتى صبّح القوم بمَوْكَل وقد أناخ الشريف السراجي بها الكلكل. وذلك يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، فما شعر الشقي إلا والسيوف عليه مظلة وغمامها مستهلة. وكان مستبعدا وصول المطهر من نجران كما يستبعد الزبرقان =القمر= فأخذهم المطهر في ذلك الحين، وساء صباح المنذَرين. ولما ظفروا بالشريف أسيرا وأتوا به حسيرا أمر بضرب عنقه في الحال وأذاقه الوبال. وكانت الأسرى ألفين وثلاثمائة. والرؤوس التي قطعت حال دخل عليهم المطهر ثلاثمائة. فأمر المطهر وهو راكب بضرب أعناق ألف من الأسرى واستبقى ألفا وثلاثمائة ولقد حدثني من شهد ذلك الموقف أنه لما أمر المطهر بضرب أعناق الأسرى وهو راكب على بغلته وهم يأتون بالأسرى أفواجا. فقتل كل زمرة وحدها حتى غطى الدم حواف بغلته. ثم حمل كل أسير رأسا ووجه بهم إلى والده إلى محروس صنعاء. فدخلوا بالأسرى والرؤوس إلى صنعاء في العشر الوسطى من جمادى الأولى، وكان لوصولهم على هذه الصفة إلى صنعاء موقع عظيم وباس جسيم. ثم إنهم وجهوا بالرؤوس والأسارى إلى مدينة صعدة إلى عند الفقيه عماد الدين يحيى بن إبراهيم النصيري وكان واليا على تلك البلاد من قبل الإمام. فلما وصلت الرؤوس والأسارى إلى صعدة ذلت النفوس وانقاد النافر الشموس. وللسيد العلامة المطهر بن تاج الدين الحمزي قصيدة رائقة ومنظومة فائقة أثيت بعضها وأضربت عن أكثرها اختصارا وإيجازا كان أولها:
يـا وطـيـة وطئ الإله iiبمَوكل | | انجت على حزب الضلال iiبكلكل | طـحـنتهم طحن الرحى iiبثفالها | | أو طحن طود هد أرضا من iiعل | كـانـت على يد فخر آل iiمحمد | | عـن امـر واسط عقده iiالمتوكل | قـاد الـكتائب من جميع iiجهاتها | | حـمـراء بـين مجفف iiومسربل | وانصب من نجران من كثب على | | أهـل الـضلالة انصباب iiالأجدل | فـتـصـادم الجيشان في iiأرجائه | | نـاهـيك من حول هنالك iiأحول | مازال يزحف في قساورة iiالوعى | | ذاك الـنـهـار على أقبّ iiهيكل | مـن كـل ندب للحروب iiمجرب | | وافٍ أخـي ثـقـة انوف iiأفضل | ودخـان نـفـط لـلقتام ممازجا | | أذكـر وأطـيب من دخان iiالمندل | وكـان مـعـترك المنايا iiعندهم | | مـلقى الأحبة في الدخول وحومل | جـتـى أحـان الله أعداء iiالهدى | | يـحـنـون بـين مجدّل ومكبّل | مـتـحـملين رؤوس قتلاهم iiفيا | | لـشـقـاوة المحمول iiوالمتحمل | |