نهاية ابي مسلم     ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
رأي الوراق :     
لما أراد المنصور قتل أبي مسلم تحير في أمره هل يستشير أحدا في ذلك أم يستبد هو به لئلا يشيع وينشر؟ ثم استشار واحدا من خلصاء أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: " لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا"، فقال له: لقد أودعتها أذناً واعية.. ورد رسول المنصور إلى أبي مسلم وهو في طريقه إلى خراسان بعد هزيمته عبد الله بن علي عم المنصور، يطلب فيه منه أن يفد عليه وهو برومية المدائن، حيث ضرب المنصور فيها خيامه . كان الرسول يحمل ثلاث رسائل ؛ اثنتان منهما تتضمان النصح بأسلوب لين، والتذكير بوجوب الطاعة، فإن لم يستجب أبو مسلم لأمر المنصور فليظهر الرسول الرسالة الآخرة التي جاء فيها: إني بريء من محمد إن مضيتَ مُشاقا ولم تأتني، وإن وكلتَ أمرك إلى أحد سواي، وإن لم آلُ طلبكَ وقتالك بنفسي. ولو خضتَ البحر لخضته، ولو اقتحمتَ النار لاقتحمتها، حتى أقتلك او أموتَ قبل ذلك.. اغتم ابو مسلم من رسالة التهديد والوعيد، وأخذ شكه في نية المنصور يتعاظم. وتذكر أبو مسلم أن المنصور طلب منه قبيل ذلك أن يتولى الشام بدلا من خراسان أرض قومه، ومحل عزته ومنعته، فلا يعود لأبي مسلم من يحميه أو ينصره.. فازدادت شكوك أبي مسلم حتى زاد ارتيابه في نية المنصور ، وأخذت تساوره الهموم والأفكار والوساوس. قال له الأمير نيزك: أقتل الخليفة من قبل أن يقتلك، فإن لم تفعل، فلن تظل على قيد الحياة.. اقتله وبايع من تشاء، فلن يخالفك أحد.. ــ أقتلُ الخليفة؟! وأرسل المنصور لأبي مسلم مرة أخرى يخبره باشتياقة إليه، فسرّه ذلك وانشرح له صدره، فعجّل السير إلى منيته .. ولما رأى نيزك أبا مسلم عازما على الذهاب أنشد: ما للرجال مع القضاء محالة | | ذهب القضاء بحيلة iiالأقوام | اصطحب أبو مسلم من خيرة جيشه ثلاثة آلاف رجل لعل الخليفة يهابه، وحمل معه من الهدايا كل نفيس لعل الخليفة يرضى عنه ويغفر له زلاته.. وصل أبو مسلم إلى المدائن، وتلقاه القادة بالحفاوة بأمر أبي جعفر المنصور، ثم دخل أبو مسلم على المنصور بالرومية عِشاء، فقابله بالحفاوة والتعظيم، ثم قال له: اذهب فأرح نفسك، وادخل الحمّام، فإذا كان الغد فأتني.. في اليوم التالي أرسل المنصور إلى أبي مسلم بالقدوم إليه.. دخل أبو مسلم وهو ينتضي سيفه، فسأله المنصور: ــ أخبرني عن نصلين أصبتَهما في متاع عبد الله بن علي؟ ــ هذا أحدهما الذي عليّ.. ــ أرنيه انتضى أبو مسلم سيفه ثم ناوله المنصور.. تناوله المنصور وهزّه، ثم وضعه تحت فراشه، وبهذا أصبح أبو مسلم أعزلا من السلاح، ثم بدأ المنصور يعاتب أبا مسلم.. ــ أخبرني عن كتابك إلى السفاح تنهاه عن المَوات.. أردت أن تعلمنا الدين؟! ــ ظننتُ أخذه لا يحل، فلما أتاني كتابه علمت أنه وأهل بيته معدن العلم.. ــ فمراغمتك وخروجك إلى خراسان؟! ــ خفتُ أن يكون قد دخلك مني شيء، فقلتُ: آتي خراسان فأكتب إليك بعذري، فأذهِبُ ما في نفسك.. ــ ألست الكاتب إلي تبدأُ بنفسك وتخطب عمتي وتزعم انك ابن سليط بن عبدالله بن عباس؟! لقد ارتقيت، لا أم لك، مرتقى صعبا.. وطال عتاب المنصور لأبي مسلم فقال: ــ لا يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني.. ــ يا ابن الخبيثة!، والله لو كانت أمَة مكانك لأجزأت، إنما عملت بدولتنا وبريحنا، فلو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا.. وهنا أخذ أبو مسلم بيد المنصور يقبلها ويعتذر إليه، فقال المنصور: ــ ما رأيت كاليوم! والله ما زدتني إلا غضبا! واستجمع أبو مسلم ما تبقى من عزة نفسه، ولملم أطراف ما هان من هيبته وقال: ــ دع عنك هذا فقد أصبحت ما أخاف إلا الله تعالى.. غضب المنصور غضبا شديدا حال سماعه ما قال أبو مسلم وقال: ــ يا ابن اللخناء، قتلني الله إن لم أقتلك.. وأخذ أبو مسلم يستعطف المنصور.. ــ استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين! |