البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : التاريخ

 موضوع النقاش : في تاريخنا عبرة لأولي الأبصار    قيّم
التقييم :
( من قبل 4 أعضاء )

رأي الوراق :

 ياسين الشيخ سليمان 
17 - نوفمبر - 2010
في تاريخنا عبرة لأولي الأبصار
في هذا الملف أحاول استخلاص بعض العبر من تاريخنا السياسي وما حفل به من أحداث. أما المصادر والمراجع التي اعتمدتها فسوف أذكرها في الآخر:
أبو مسلم الخراساني، الذي كان وفيا لبني العباس أيما وفاء، وكان داعية إليهم، والذي قام بتوطيد أركان الخلافة العباسية في خراسان وغيرها ؛ مرتكبا الكثير من الجرائم في سبيل ذلك، انتهى أمره إلى القتل على أيدي من كان وفيا لهم.
إن في قصة مقتل أبي مسلم وفي قصص الكثير من القادة ؛ من خلفاء ، وأمراء، ووزراء، والعديد من العلماء... مما ورد ذكره في كتب التراث العربي الإسلامي ، ومما حفل به التاريخ الحديث أيضا من أحداث، لعبرة نستخلص منها أن منهج القادة السياسي لا يقوم على الأخلاق الكريمة ورعاية الذمم، وإنما يقوم على المصالح والشهوات والمنافع الدنيوية، وعلى رأسها شهوة الحكم والسيطرة.
لقد كان أحرى بالسياسة وأصحابها أن يكون فيهم وفيها للدين وما يحث عليه من خلق قويم النصيب الأكبر؛ ولكن الواقع التاريخي؛ ماضيا وحاضرا، ينبئنا أن السياسة لم تكن في يوم من الأيام كذلك، خلا سياسة الأنبياء والرسل والثلة التي سارت على نهجهم.
 لقد تسلط المستبدون برأيهم على الشعوب باسم الدين، فأوّلوا أحكامه وفقا لمصالحهم ولما تمليه عليهم أهواؤهم ونزواتهم، وكأن الدين ارتضاه الله لنصرة الظلمة المستبدين ، ولم يرتضه لنصرة المستضعفين المقهورين!
وكأني بأبي مسلم، وقد ساهم في إنشاء الدولة العباسية مساهمة فعالة، قد ظن أن مساهمته تلك تنفعه عند أبي جعفر المنصور، فتحميه من القتل؛ ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما. فبعيد وفاة السفاح زادت أحوال أبي مسلم مع المنصور سوءاً، وآلت إلى نهاية مفجعة.
لقد ذكرت كتب التراث إن أبا مسلم لم يكن يعبأ بالمنصور في حياة السفاح ولم يكن يطيع له أمرا ، وكان ينافسه أحيانا في بعض الأمور، وإن أبا مسلم ادعى النسبة لبني العباس، وانه تجرأ على أن يخطب عمة المنصور لنفسه؛ ولكن هذا كله ربما لم يكن سببا رئيسيا ووحيدا، وإن كان مهما، لنقمة المنصور عليه..
كان أبو جعفر المنصور يخشى على دولة بني العباس الفتية من أن ينقض قواعدها أبو مسلم، الذي ذاع صيته واشتهر أيام أبي العباس السفاح حتى قصده الناس من كل صوب، ودانت له خراسان بعد أن فتك بالأمويين ولم يدع فيها لسانا ينطق بالعربية ، وتشبه بالملوك، وهابه القادة الكبار .
كان أبو مسلم يشعر بخشية المنصور منه ؛ ولكنه مع ذلك لم يتمكن من مخالفة أمر المنصور بالقدوم إليه ليتخلص المنصور منه وبالتالي من نفوذه . لقد وفد الخراساني على المنصور لما أرسل إليه بالرغم من النصائح التي أسداها إليه صحبه ومن تحت إمرته بأن لا يلتقي المنصور، فالمنصور قاتله لا محالة.  
لم يستطع الخراساني الاستجابة لتلك النصائح. فالعباسيون عشيرة حكمت الناس مستندة إلى قرابتها للنبي صلوات الله عليه، وليس من السهل أبدا على أبي مسلم الخراساني أو غيره الإطاحة ببني العباس أو حتى مخالفة أوامرهم إلا أن يدعو إلى طاعة غيرهم من أقرباء النبي وحفدته من العلويين ، وهذا ما يمكن أن يكون المنصور الفقيه الداهية قد حسب له كل حساب، واهتم منه كل اهتمام ، بل لحقه منه غم عظيم لم يزل عنه إلا بزوال أبي مسلم من الوجود.
 فالدعوة إلى العلويين تهمة لحقت بأبي سلمة الخلال، منافس أبي مسلم، والذي كان من أهم دعاة العباسيين ثم وزيرا للسفاح، وقد تنكر له السفاح لما بلغه عنه ذلك .. قُتل الخلال غيلة، ويقال إن أبا مسلم الخراساني دبر مقتله، وإن السفاح لما علم بقتله أنشد:
إلى النار فليذهب ومن كان مثله على أي شيء فاتنا منه iiنأسف!
إن سبب مقتل أبي سلمة الخلال يعد مؤشرا واضحا على خشية المنصور من انتقال الخلافة من بني العباس(ر) إلى بني علي بن أبي طالب(ر).
البقية تأتي..
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
نهاية ابي مسلم    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
لما أراد المنصور قتل أبي مسلم تحير في أمره هل يستشير أحدا في ذلك أم يستبد هو به لئلا يشيع وينشر؟ ثم استشار واحدا من خلصاء أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين، قال الله تعالى: " لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا"، فقال له: لقد أودعتها أذناً واعية..
ورد رسول المنصور إلى أبي مسلم وهو في طريقه إلى خراسان بعد هزيمته عبد الله بن علي عم المنصور، يطلب فيه منه أن يفد عليه وهو برومية المدائن، حيث ضرب المنصور فيها خيامه . كان الرسول يحمل ثلاث رسائل ؛ اثنتان منهما تتضمان النصح بأسلوب لين، والتذكير بوجوب الطاعة، فإن لم يستجب أبو مسلم لأمر المنصور فليظهر الرسول الرسالة الآخرة التي جاء فيها: إني بريء من محمد إن مضيتَ مُشاقا ولم تأتني، وإن وكلتَ أمرك إلى أحد سواي، وإن لم آلُ طلبكَ وقتالك بنفسي. ولو خضتَ البحر لخضته، ولو اقتحمتَ النار لاقتحمتها، حتى أقتلك او أموتَ قبل ذلك..
اغتم ابو مسلم من رسالة التهديد والوعيد، وأخذ شكه في نية المنصور يتعاظم. وتذكر أبو مسلم أن المنصور طلب منه قبيل ذلك أن يتولى الشام بدلا من خراسان أرض قومه، ومحل عزته ومنعته، فلا يعود لأبي مسلم من يحميه أو ينصره.. فازدادت شكوك أبي مسلم حتى زاد ارتيابه في نية المنصور ، وأخذت تساوره الهموم والأفكار والوساوس.
قال له الأمير نيزك: أقتل الخليفة من قبل أن يقتلك، فإن لم تفعل، فلن تظل على قيد الحياة.. اقتله وبايع من تشاء، فلن يخالفك أحد..
ــ أقتلُ الخليفة؟!
وأرسل المنصور لأبي مسلم مرة أخرى يخبره باشتياقة إليه، فسرّه ذلك وانشرح له صدره، فعجّل السير إلى منيته ..
ولما رأى نيزك أبا مسلم عازما على الذهاب أنشد:
ما للرجال مع القضاء محالة ذهب  القضاء بحيلة iiالأقوام
اصطحب أبو مسلم من خيرة جيشه ثلاثة آلاف رجل لعل الخليفة يهابه، وحمل معه من الهدايا كل نفيس لعل الخليفة يرضى عنه ويغفر له زلاته..
وصل أبو مسلم إلى المدائن، وتلقاه القادة بالحفاوة بأمر أبي جعفر المنصور، ثم دخل أبو مسلم على المنصور بالرومية عِشاء، فقابله بالحفاوة والتعظيم، ثم قال له:
اذهب فأرح نفسك، وادخل الحمّام، فإذا كان الغد فأتني..
في اليوم التالي أرسل المنصور إلى أبي مسلم بالقدوم إليه.. دخل أبو مسلم
وهو ينتضي سيفه، فسأله المنصور:
ــ أخبرني عن نصلين أصبتَهما في متاع عبد الله بن علي؟
ــ هذا أحدهما الذي عليّ..
ــ أرنيه
انتضى أبو مسلم سيفه ثم ناوله المنصور.. تناوله المنصور وهزّه، ثم وضعه تحت فراشه، وبهذا أصبح أبو مسلم أعزلا من السلاح، ثم بدأ المنصور يعاتب أبا مسلم..
ــ أخبرني عن كتابك إلى السفاح تنهاه عن المَوات.. أردت أن تعلمنا الدين؟!
ــ ظننتُ أخذه لا يحل، فلما أتاني كتابه علمت أنه وأهل بيته معدن العلم..
ــ فمراغمتك وخروجك إلى خراسان؟!
ــ خفتُ أن يكون قد دخلك مني شيء، فقلتُ: آتي خراسان فأكتب إليك بعذري، فأذهِبُ ما في نفسك..
ــ ألست الكاتب إلي تبدأُ بنفسك وتخطب عمتي وتزعم انك ابن سليط بن عبدالله بن عباس؟! لقد ارتقيت، لا أم لك، مرتقى صعبا..
وطال عتاب المنصور لأبي مسلم فقال:
ــ  لا يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني..
ــ يا ابن الخبيثة!، والله لو كانت أمَة مكانك لأجزأت، إنما عملت بدولتنا وبريحنا، فلو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا.. وهنا أخذ أبو مسلم بيد المنصور يقبلها ويعتذر إليه، فقال المنصور:
ــ ما رأيت كاليوم! والله ما زدتني إلا غضبا!
واستجمع أبو مسلم ما تبقى من عزة نفسه، ولملم أطراف ما هان من هيبته وقال:
ــ دع عنك هذا فقد أصبحت ما أخاف إلا الله تعالى..
غضب المنصور غضبا شديدا حال سماعه ما قال أبو مسلم وقال:
ــ يا ابن اللخناء، قتلني الله إن لم أقتلك..
وأخذ أبو مسلم يستعطف المنصور..
ــ استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين!
*ياسين الشيخ سليمان
17 - نوفمبر - 2010
مقتل أبي مسلم    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
ــ أستبقيك! وأي عدو لي أعدى منك؟!
ثم صفق المنصور بيدية، فخرج الذين أعدهم لقتل أبي مسلم من مخبئهم سراعا ...
بدأت السيوف تتناوش أبا مسلم فجزع وصاح:
ــ العفو العفو يا أمير المؤمنين!!
 وفي برهة قليلة استعرض أبو مسلم شريط سني حياته التي قضاها في خدمة بني العباس.. خمسة عشر عاما وهو يسفك الدماء لتثبيت ملكهم، ومد سيطرتهم حتى سفك دم ستمائة ألف إنسان..وكل ذلك لم يعد مجديا عند أبي جعفر المنصور أبدا..
ــ يا ابن اللخناء، العفو والسيوف قد اعتورتك؟! اضربوا قطع الله أيديكم.. إذبحوه اذبحوه..قطعوه قطعوه..
وقطعوه ولفوه في بساط..
استراحت نفس المنصور استراحة ما بعدها استراحة، فقد تخلص من هم عظيم وبلاء جسيم، فانشد:
زعمتَ أنّ الدّين لا يُقتضى فـاستوف بالكيل أبا iiمجرمِ
سُقيت كأساً كنت تسقي iiبها أمـرّ  في الحلق من iiالعلقم
دخل عيسى عم المنصور يسأل عن أبي مسلم اين هو، وعيسى صاحب عهد ابي مسلم و ذمته:
ــ أين أبو مسلم يا أمير المؤمنين؟
ــ كان ها هنا..
ــ عرفتَ نصيحته وطاعته ورأي الإمام إبراهيم فيه!
ــ يا أحمق، والله ما أعلم في الأرض عدوا أعدى لك منه!.. أنظره قبل أن نلقيه في دجلة، فها هو في البساط..
ــ إنا لله وإنا إليه راجعون..
ــ خلع الله قلبك! وهل كان لكم مُلك او سلطان أو أمر أو نهي مع أبي مسلم؟!
أمر المنصور بصرف جند أبي مسلم بعد أن منحهم الجوائز، وأجزل العطاء لقادتهم مع التهديد والوعيد حتى عادوا وكأنهم لم يسمعوا بأميراسمه أبو مسلم أبدا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
البداية والنهاية لابن كثير
تاريخ الطبري
الكامل في التاريخ لابن الأثير
وفيات الأعيان لابن خلكان
المصادر:
أبو مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية/ صالح سليمان الوشمي/ منشورات نادي القصيم الأدبي ببريدة/ السعودية.
رحلة الخراساني إلى الموت/ مقالة تاريخية أدبية لمحمد المنسي قنديل/ مجلة العربي/ أيار 1985
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
17 - نوفمبر - 2010
تنويه    كن أول من يقيّم
 
أخطات غير متعمد في تسمية المراجع بالمصادر، والمصادر بالمراجع، فمعذرة.. فالمصدر أساس المعلومة، والمرجع يذكرها اعتمادا على المصدر، رغم ان المصادر بالنسبة لعصرنا تعد عند من قبلنا مراجعا، فقد كان يرجع بعضها إلى بعض . فمصدر المعلومة الأقدم هو اساس المصادر الأخرى .
*ياسين الشيخ سليمان
17 - نوفمبر - 2010
المعز لدين الله والمعارضة    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
الفاطميون (بنو عبيد)، وهم فرع من الشيعة كما هو معلوم، دامت دولتهم لأكثر من قرنين ونصف القرن بقليل، وكان لهم نصيب ملموس في تكوين تاريخ البلاد التي حكموها وفي تكوينها الاعتقادي*، ومنها معظم الشمال الإفريقي، ومصر، وبلاد الشام، وأجزاء من جزيرة العرب، فكانوا بذلك المنافس الرئيسي لدولة العباسيين( أو الدول التي حكمت باسم الخلافة العباسية) في المناطق التي سيطروا عليها.
لقد شكك العديد من المؤرخين بنسب الفاطميين وذهبوا إلى أنهم ادعوا الانتساب إلى أهل البيت زورا وبهتانا؛ ولكن من المؤرخين من قال بصحة نسبهم. ونحن هنا لا يهمنا صحة النسب من بطلانه. فالنسب الصادق لا يغفر لأحد ذنبا، والنسب الكاذب لا يجعل من المحسن مسيئا، ولا ينفع الناس عند الله تعالى إلا أعمالهم الصالحة.
حكم الشيعة الفاطميون شعوبا سنية، فكان للاختلاف بين المذهبين الشيعي والسني أثر واضح في ماهية العلاقة بين الحاكم والمحكوم؛ سواء في المغرب أو في المشرق. وكان الصراع العباسي الفاطمي له الأثر الأكبر في إذكاء ذلك الصراع؛ مستغلا الخلاف المذهبي لاكتساب الأهداف السياسية لدى كل من الطرفين.
في مثل هذه الحال، لا بد وأن تبرز معارضة المحكوم للحاكم ؛ متمثلة في بعض من علماء الدين، الذين يتبعون ما ورد في الأثر: " إن من أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" ، ومن هؤلاء كان محمد بن أحمد بن سهل أبو بكر الرملي المعروف بابن النابلسي، والذي عاصرالخليفة المعز لدين الله الفاطمي.
كان أبو بكر هذا من العلماء الورعين الأتقياء الزهاد ، اشتهر بالتنسك وبالبعد عن بهارج الحياة وزخارفها، وبرفض عطايا الملوك، وكانت له الكلمة المسموعة في بلاده.. ومن كانت تلك صفاته من العلماء يكون في العادة أبعد من غيره عن السياسة وأحابيلها ، ويكون من الذين يخجلون من أن يكتموا عن مجتمعهم معارضتهم للنظام الحاكم. وهم في نفس الوقت يأنفون من أن يُسمّوا بعلماء السلاطين إذا هم سايروا الأمر الواقع؛ هروبا من العقاب.
ويضاف إلى هذا أن الفاطميين بنظر كثير من علماء السنة، في المشرق والمغرب، ومن بينهم ابن النابلسي، قد خرجوا من دين الإسلام لما أشيع عنهم من قتلهم العلماء واستعانتهم بالروم وبالصليبيين على المسلمين السنة، ولما بين الشيعة والسنة من عداء عقائدي .
لقد ذاع عن ابن النابلسي هذا أنه كان ينقم على الحكام  الفاطميين ومذهبهم ، وأنه كان شديدا عليهم حين ملكوا مصر والشام؛ ذاما لهم ومنفرا العامة منهم ، واشتهر عنه أنه قال: لو أن معي عشرة أسهم، لرميت تسعة في المغاربة ( يعني العبيديين) وواحدا في الروم.
ولما غزا القرامطة بلاد الشام في عهد الفاطميين وهم ما زالوا في المغرب، ودخل زعيم حملتهم مدينة الرملة وأبو بكر يومئذ كبير أهلها، ما وسع أبا بكر إلا أن داراهم حفاظا على بلده من أن يستباح . فقد سفك القرامطة الكثير من دماء أهل بلاد الشام.
في تلك البرهة الزمنية قدم المعز لدين الله وغلامه جوهر الصقلي بجيشه إلى مصر واستولوا عليها بعيد موت كافور الإخشيدي، وبنيت قاهرة المعز، والتي حاصرها القرامطة؛ ولكن الفاطميين انتصروا عليهم، ثم بثوا جندهم في بلاد الشام واستولوا عليها. ولما وصل جند الفاطميين إلى مدينة الرملة فر أبو بكر النابلسي منها ولجأ إلى دمشق.
إن مداراة ابن النابلسي القرامطة يمكن أن تعد نوعا من التصرف الشرعي  والسياسي الحكيم ، والذي يمكن اتباعه مع العبيديين؛ إلا أن ابن النابلسي بدا وكأنه لم يكن يحسب حسابا لسطوة العبيديين في مستقبل الأيام، وانهم ربما يصلوا إلى بلاد الشام ويستولوا عليها، وبذلك يكون ابن النابلسي ممن لم يحسنوا قراءة الحال السياسية والعسكرية في ذلك العهد.
وكاني بأبي بكر بن النابلسي وهو يتمنى انتصار القرامطة على الفاطميين المحاصرين في القاهرة على الرغم من أن القرامطة أيضا كانوا مكروهين لديه**؛ ولكن الرياح تجري أحيانا بما لا تشتهي السفن.
لجأ ابن النابلسي إلى دمشق هربا من جند المعز إلا أن حاكمها قبض عليه وعلى ابنه وعلى من معهما ثم أرسل بهم إلى المعز، الذي قتلهم ورمى بجثثهم في نهر النيل؛ ولكنه ابقى على أبي بكر بن النابلسي إلى حين..
للمقال بقية.. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أعني بالتكوين الاعتقادي مساهمة الفاطميين بانتشار ما يعد عند أهل السنة في الأصل من البدع؛ مثل تقديس الصالحين، والاحتفال بالمولد النبوي، وتقديس أئمة أهل البيت وما شابه ذلك.. وفي مصر ما تزال تلك المظاهر واضحة كل الوضوح لدى العامة، وما يزال بعض أثر ذلك منبثا عندنا في فلسطين لدى القليل من كبيرات السن من النساء، اللواتي يدعين لأحفادهن بقولهن: الله وْعلي معاك...
** مذهب القرامطة شبيه بالمذهب الشيعي الفاطمي في ظاهره على الأقل، وكذلك فقد ادعى القرامطة النسب إلى آل البيت عن طريق اسماعيل بن الإمام جعفر الصادق(ر) كما هم الفاطميون. أما كراهية أبو بكر بن النابلسي للفاطميين فمردها على الأغلب تأثر ابن النابلسي بأهل السنة من المغاربة المالكية أهل القيروان( وكان ابن النابلسي مالكي المذهب) ، الذين كرهوا الفاطميين كراهة شديدة، بل وثاروا عليهم لاعتقادهم بكفرهم القطعي.
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
22 - نوفمبر - 2010
عذاب لا تطيقه الشياطين    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
قلنا إن ابن النابلسي لم يقتل مع الذين قتلوا (ومنهم ابنه) وطرحوا في نهر النيل ، والسبب في ذلك أن أبا تميم(المعزّ) أراد لهذا الزاهد العابد المعارض ميتة بشعة تفوق بشاعتها كل التصورات.
وتقول بعض الروايات التراثية إن أبا بكر النابلسي لم يجزع حين أمر أبو تميم بسلخه حيا وأن يُحشى جلده تبنا ثم تصلب الجثة المسلوخة ويصلب الجلد المحشي تبنا بجانبها، وذلك بعد يومين من التشهير والضرب المبرح، وإنه كان يردد وهو يُسلخ" كان ذلك في الكتاب مسطورا"...
ونحن ، ومن منطلق عدم التصديق بالرواية التي نفت الجزع عن ابي بكر بن النابلسي حين الأمر بسلخه حيا، ننقل رواية نراها أقرب كثيرا إلى الحقيقة من غيرها. وتلك الرواية هي التي ذكرها القاضي عياض في مصنفه: ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعيان مذهب مالك، وذلك للأسباب التالية:
1ـ أبو بكر بن النابلسي كان مالكيا، والقاضي عياض كذلك. ولو لم يجزع ابن النابلسي، لذكر ذلك القاضي عياض؛ لأن في ذكر ذلك افتخار بأن المالكية لا يرهبون عذابا في سبيل الحق.
2ـ سبق القاضي عياض غيره في ذكر الحادثة على حد ما علمناه من الكتب. فهو أقرب إلى الأحداث من غيره، ومكانه قريب من مصدر الحدث.
3ـ طبيعة البشر لا تتحمل التعذيب الزائد عن الحد، فكيف بسلخ الرجل كما تسلخ الشاة وهو حي؟!
4ـ إحدى الروايات ذكرت أن من قام بالسلخ رجل يهودي، وقد روي على لسانه إنه لما وصل بالسلخ إلى مقربة من قلب ابن النابلسي طعنه في قلبه ليميته فيريحه من العذاب؛ إشفاقا عليه من هول ما حصل له.
البقية تأتي..
*ياسين الشيخ سليمان
23 - نوفمبر - 2010
واتخذ الله ابن النابلسي شهيدا    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
لم يكن ابن النابلسي لينكر قوله: لو كان معي عشرة أسهم، لرميت تسعة في المغاربة وواحدا في الروم؛ فنفسه تأبى التراجع عما اشتهر عنه، وشهادة الشهود له بالمرصاد.. كما أنه لم يكن يعلم ما سوف يحل به من عذاب..
قالوا له:
ــ أأنت قلت للناس: لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت بني عبيد بواحد؟!
ــ بلى، قد قلت..
ــ ولمَ؟!
ــ لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم..
أمر المعز غلامه جوهرا الصقلي بأن يسلخ ابن النابلسي حيا...
قال ابن النابلسي لجوهر وقد علته الرهبة وطغى عليه الخوف والجزع:
ــ عرّف السلطان أني أفدي نفسي بخمسمائة ألف.. ورمى بنفسه إلى الأرض يرجو ويتوسل..
دخل جوهر على السلطان ثم خرج وصاح:
ــ اذهبوا به واسلخوه..
رمى ابن النابلسي بنفسه مرة اخرى، وأخذ يلطم لطما شديدا..
 وحملوه بهذا المنظر فطرحوه على وجهه بالأرض، وجلسوا على ظهره ووركيه، فأمسكوه إمساكا شديدا ومحكما.. وشق السلاخون عرقوبيه، ونفخوه كما تنفخ الشاة، ثم سُلخ، وهو في كل هذا يقرأ القرآن بصوت قوي وترتيل: " كان ذلك في الكتاب مسطورا" إلى ان انتهى السلخ إلى كتفيه، فتغاشى ثم فاضت نفسه إلى بارئها.. واتخذ الله ابن النابلسي شهيدا.
وصُلب جسده ناحية ثم جلده بعد أن حُشي ناحية. رحمة الله على هذا الزاهد الشهيد. وانتقام الله من كل ظالم مجرم جبار.
ترى لو أن الشهيد أبا بكر بن النابلسي ضرب المعز بالحذاء، فما نوع العذاب الذي يوقعه عليه المعز؟!
واخيرا، أتمثل قول الشاعر:
أمـتـي  كم صنم مجدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في iiعدوانه إن يك الراعي عدو iiالغنم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
البداية والنهاية لابن كثير
الوافي بالوفيات للصفدي
ترتيب المدارك وتقريب المسالك... للقاضي عياض
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور
معجم البلدان لياقوت
قصيدة الشاعر عمر أبي ريشة: أمتي هل لك بين الأمم..
 
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
24 - نوفمبر - 2010
ثلاثة أخوة في قبر واحد    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
تحية طيبة أستاذنا الكبير ياسين الشيخ سليمان: كنت منهمكا هذه المدة (ولا أزال) بإعداد تعريفات لبعض الكتب وأكثرها غير منشور في الوراق،منها كتاب وصلتنا قطعة منه، وهو (إنباء الهصر بأنباء العصر) وفيه أخبار كثيرين ممن سلخوا وهم أحياء وتلك كانت سنة السلخ. وكنت قد قرأت قصة الشهيد النابلسي مرات آخرها ربما قبل أسبوع، واطول رواية لها ما حكاه المقريزي في (اتعاظ الحنفا) واستوقفني لدى البحث قول ابن كثير في (البداية والنهاية) في آخر ترجمته للنابلسي قوله:
(فكان يقال له: الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم، ولم تزل فيهم بقايا خير). ولكن ابن كثير مات قبل حادثة إعدام (ابن الشهيد النابلسي) الذي أعتقد أنه من أحفاد صاحب الترجمة، وقد ترجم له ابن حجر في الدرر وحكى ما جرى له مفصلا في (إنباء الغمر) فقال: (محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن أبي الكرم النابلسي الأصل، ثم الدمشقي، فتح الدين ابن الشهيد أبو بكر، أحد أفراد الدهر ذكاء وعلماً ورياسة .......وكانت له دروس حافلة عظيمة، وكان رئيساً عالي الرتبة رفيع المنزلة، له آثار حميدة وسجايا جميلة ومحاضرة حسنة، ولي كتابة السر بدمشق مراراً ومشيخة الشيوخ بها، ودرس وتقدم إلى أن قتل ظلماً في شعبان من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وذلك أنه لما خرج منطاش ويلبغا الناصري وملكا الأمر ونفي برقوق إلى الكرك ثم خلص منها وحاصر دمشق قام ابن الشهيد وجمع لمحاربته، فلما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه فحمل إلى القاهرة مقيداً، فأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة، وذلك قبل رمضان بيوم، وكان بينه وبين بيدمر شر كبير، فإذا ولي بيدمر النيابة سعى في أذاه بكل طريق وصودر غير مرة واختفى وعزل مراراً، ثم يعود، وكان أعظم ذنوبه عند الظاهر أن منطاش لما سجن الشهاب القرشي أعطاه الخطابة، فكان يحرض في خطبته على الظاهر.
ثم ترجم عقب ذلك لأخويه فقال:
محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد النابلسي الأصل ثم الدمشقي شمس الدين ابن الشهيد أخو الذي كان قبله، كان مقيماً بالقاهرة، فمات قبل قتل أخيه فتح الدين ودفن أخوه عنده.
محمد بن إبراهيم النابلسي ثم الدمشقي، نجم الدين ابن الشهيد أخو اللذين قبله، تنقل في البلاد وولي كتابة السر بسيس عشرين سنة، ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة، واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل).
*زهير
24 - نوفمبر - 2010
شكرا لأستاذنا    كن أول من يقيّم
 
تحياتي أستاذنا الغالي، زهير ظاظا، حفظك الله ورعاك،
وأشكرك من صميم قلبي على ما تتحفنا به من فوائد جمة لا يمكننا معرفتها دون الاستعانة بفكرك النير، وعلمك الواسع، وفي مختلف المواضيع. وشكرا على نبأ الإخوة من بني الشهيد، الذين آواهم قبر واحد، مثلما كان همهم واحدا.
 
*ياسين الشيخ سليمان
25 - نوفمبر - 2010
لدي مشكلة..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
لدي مشكلة مثلما هي لدى كل محب للحق والعدالة
 
مشكلتي مع أخبار التعذيب والقتل التراثية وغير التراثية أنني آلم ليس من التعذيب الجسدي فحسب؛ وإنما من الآلام النفسية التي تنتابني مدة طويلة كلما طالعت شيئا من ذلك. فامتهان الكرامة الإنسانية لنفس المعذَّب أشد ألما عندي من التعذيب الجسدي. 
إنني كلما أتخيل الشهيد أبا بكر بن النابلسي وهو يلطم ويرجو ويتوسل ثم يسلخوه حيا، أو أتخيل غيره ممن دفنوا أحياء ، أو دقت المسامير في آذانهم أو في عيونهم ، أو ما يعجز الوصف عن بيان بشاعته من أنواع التعذيب والقتل، يقشعر جلدي ، ويكاد اليأس ينتابني من صلاح البشرية.
قبل خمسة وثلاثين عاما حدثت في منطقتنا جريمة قتل بشعة كان ضحيتها رجل مسن من قريتنا ، قتلته زوجته(يبدو أن طينتها من طينة السلاخين) بالتعاون مع أهلها (وهم من قرية أخرى) لأسباب لا مجال لذكرها.اعترف الجناة بالجريمة ودلوا الشرطة على مكان الجثة. حضر ذوو المجني عليه فمنعتهم الشرطة من رؤية الجثة في هذه الحال؛ خشية أن يثوروا وينتقموا من عائلة الجناة، أو يتطور الأمر إلى العداء بين قريتين؛ فتطوع بعض الأشخاص وكنت أنا منهم بجلب الجثة من المكان الذي كانت مخفاة فيه، فإذا بها مقطوعة الرأس واليدين والرجلين ومحروقة.. ندمت ندما شديدا على تطوعي، فقد كان تطوعي " نخوة عرب " كما يقال، وخجلا من ذوي القتيل، وليس حبا بالمساعدة في وضع كهذا. وكان الواجب على الشرطة أن تحضر من يقوم بهذه المهمة..
مكثت مدة سنة كاملة لا أذوق أي نوع من اللحوم بما فيها اللحوم المعلبة، ومكثت سنة أخرى بالتدرج في اعتياد أكلها؛ ولكن الذي يؤرقني كلما فطنت لتلك الحادثة هو كيف تطوع للإنسان نفسه أن يرتكب ما يرتكب من جرائم في حق أخيه الإنسان؟! أما الإجابة فما زلت لا أعلمها .
إنني لم أشاهد في حياتي، وأنا ابن بيئة قروية، حمارا يقتل حمارا، أو قطا يقتل قطا، او كلبا يقتل كلبا، وإن يحدث هذا فلا بد ان يكون قليل الحدوث.. كل ما يفعله الحمار بعد صبره على ما يفعله به صاحبه الإنسان من أفاعيل أنه ربما يعض أو يرفس من يضربه ضربا مبرحا، أو إنه يعلو نهيقه ويعنفص كلما اشتم رائحة أتان إذا لم يكن (طواشة)، وهذا حقه وغريزته. وأنظر إلى القطط من حولي، فأراها تتسابق لنيل ما ألقيه إليها من طعام، ثم لما تشبع أراها تلعب وتقفز وتتدرب صغارها على صيد ما في الأرض من خشاش. أما الكلاب فلا حاجة لذكر وفائها وإخلاصها. فقد فضلها (المرزباني) على كثير ممن لبس الثياب. ومدح شاعر خليفة فشبهه بالكلب في الحفاظ على الود، وكان الشاعر يومها بدويا جافيا. ونعمت البداوة الجافية الصادقة!، وبئست المدنية الكاذبة الخاطئة!
أما الرجل الكردي العراقي، الذي أعلن قبل بضعة أيام عن إنشاء جمعية أو حزب سماه حزب الحمير؛ احتراما منه للحمير وفضلها وصبرها، فهو عندي ناقد اجتماعي وسياسي يهدف إلى الإصلاح. وهو رجل منصف يرى في الحمير خيرا لا يراه في الكثير من بني الإنسان المنحرفين عن فطرتهم السوية، وقد كنى نفسه بأبي الصابر كما هي كنية الحمار، وهو بصدد إنشاء خان( مركز) لحزبه، وافتتح لحزبه بعض الفروع؛ والنقد عنده اسمه الرفس، والشكوى اسمها النهيق، وهو بصدد إنشاء إذاعة يسميها صوت النهيق... والذي فاته خبر جمعية أو حزب الحمير هذا، فليكتب، إن شاء، في خانة البحث على قناة "يوتيوب" جملة: " حزب الحمير".
والحيوانات المفترسة إن تقتل وتفترس وتلعق الدماء فلا يلومها لائم . فحياة الحيوان من السباع قتل وافتراس ؛ ولكنها إن اعتدت اعتداء لا عن جوع وفاقة، وإنما طمعا واستئثارا على غيرها فربما يحاسبها الله، وقد ورد معنى ذلك في الأثر. فكيف ببني آدم إذا غدا التعذيب والقتل أشهى لديهم من كل شهي؟!
 
*ياسين الشيخ سليمان
26 - نوفمبر - 2010
وما من يد إلا يد الله فوقها - ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم    كن أول من يقيّم
 
( قراءةٌ مطلوبةٌ )
هذه القراءات المتفقِّهَةُ في مواعظ التاريخ ومصائر الأيام ومصارع الأقوام ؛= نحتاج إليها دائمًا لنتحرَّر من المنطق الزمنيِّ والمكانِيِّ الذي كثيرًا ما يقهر الإنسان ، فيقصر نظره وتفكيره في بقعةٍ مَحُوطةٍ بسياج الواقع الصارم ؛ الذي يريده على أن يسير مَعْمَعِيًّا معصوب العينين ، لا يطلب لأقدامه المواطئ الآمنة .
( أسلوبٌ قرآنِيٌّ )
إن هذا التدبُّر والتفكُّر في قصص التاريخ = لَهُو أسلوبٌ من أساليب الإرشاد في القرآن الحكيم ، فبين تضاعيف سور القرآن نجد القصص المرشدة مبثوثةً منثوثةً ، تذكر قصص الأقوام الغابرين ، وما آلت إليه غطرستهم الجهلاء من عاقبةٍ وخيمةٍ وعذابٍ وبيلٍ ، وتذكر مآثر الصابرين الصالحين ، وما آل إليه اضطهادهم وإذلالهم من ظفرٍ ظاهرٍ وأحدوثةٍ محمودةٍ ، يا لعظمة القرآن ! ، إنه يرفع الإنسان لينظر إلى البداية والنهاية من حالقٍ .
وهذا أبو مسلم أمثولةٌ للشر الذي جاهد فيه ، وهذا النابلسي الشهيد أمثولةٌ للخير الذي ثبت عليه .
( قلوبٌ ميِّتةٌ )
[ البسيط - المتراكب ]
إِنَّ الْقُلُوبَ مَتَى جَاشَ الظَّلامُ بِهَا v لَمْ يَبْقَ لِلنُّورِ فِيهَا وَاعِظٌ يَعِظُ ،
تِلْكَ الْجُلُودُ الَّتِي فِي حَشْوِهَا نَجَسٌ : v أَنَّى يُطَهِّرُهَا الأَشْنَانُ وَالْقَرَظُ ! ،
لَوْ مُثِّلَتْ جَسَدًا لَصُوِّرَتْ أَسْدًا v يَرْتَاعُ مِنْهُ الْنَّثَا وَالْيُبْسُ وَالْغِلَظُ ،
لِلظَّالِمِينَ مِنَ الثُّوَّارِ مِقْصَلَةٌ ، v وَالدَّهْرُ مِن قَبْلِ هَذَا : الْوَاتِرُ اليَقِظُ ! ،
( لزوم الجماعة )
- (( وقلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولَّد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير ، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة ، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك في العراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان ، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا ، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة ، وأمثال هؤلاء ، وغاية هؤلاء : إما أن يَغْلِبوا وإما أن يُغْلبوا ثم يزول ملكهم ، فلا يكون لهم عاقبة ، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقًا كثيرًا ، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور ، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم = فهزموا وهزم أصحابهم ، فلا أقاموا دينًا ، ولا أبقوا دنيا )) ابن تيمية ، منهاج السنة ، 4/528 .
( الهموم على قدر الهمم )
- (( ولقد رأيت أقوامًا يصفون علوَّ هممهم ، فتأملتها فإذا بها في فنٍّ واحدٍ ، ولا يبالون بالنقص فيما هو أهم ، قال الرضي :
ولكل جسمٍ في النحول بليَّةٌ - وبلاء جسمي من تفاوت همتي !
فنظرت ؛ فإذا غاية أمله الإمارة ! .
وكان أبو مسلم الخراساني في حال شبيبته لا يكاد ينام ، فقيل له في ذلك ، فقال : ذهن صاف ، وهمٌّ بعيدٌ ، ونفسٌ تتوق إلى معالي الأمور ، مع عيشٍ كعيش الهمج الرعاع ! .
قيل : فما الذي يبرد غليلك ؟ ، قال : الظفر بالملك ، قيل : فاطلبه ، قال : لا يطلب إلا بالأهوال ، قيل : فاركب الأهوال ، قال : العقل مانع ، قيل : فما تصنع ؟ ، قال : سأجعل من عقلي جهلاً ، وأحاول به خطرًا لا ينال إلا بالجهل ! ، وأدبِّرُ بالعقل ما لا يحفظ إلا به ، فإن الخمول أخو العدم .
فنظرت إلى حال هذا المسكين ؛ فإذا هو قد ضيع أهم المهمات ، وهو جانب الآخرة ، وانتصب في طلب الولايات ، فكم فتك وقتل ! ، حتى نال بعض مراده من لذات الدنيا ، ثم لم يتنعم في ذلك غير ثمان سنين ، ثم اغتيل ، ونسي تدبير العقل ، فقتل ومضى إلى الآخرة على أقبح حالٍ )) ابن الجوزي ، صيد الخاطر .
( حيلة كسروية )
كنت قد قرأت : أن الحيلة التي دبرها أبو جعفر لاغتيال أبي مسلم كانت حيلة سابقة لأحد أكاسرة الفرس دبرها لاغتيال وزير من وزرائه ، وقد قصها على أبي جعفر بعض ندمائه ، ولكني نسيت الكتاب الذي قرأتها فيه وتفاصيل القصة .
*محمود العسكري
29 - نوفمبر - 2010
 1  2  3