انقطع التيار الكهربائي عن المسجد المجاور لنا فلم يؤذن للصلاة طوال اليوم وفجأة رأيت اليوم طويلا كئيبا حزينا. الأذان يقسم اليوم إلى فترات منتظمة تكسر الملل والسأم عن النفوس، ومن يذهب منا إلى الدول الأوروبية يستشعر طول اليوم لغياب الأذان، ولذلك هناك من يحيك إلى الأذان ويحاول توحيده لحبسه في المساجد وإلغاء الأذان الخارجي كأن الشيطان أوحى إليه بهذه الفكرة لأن الأذان يؤذيه كما يؤذي العَلمانيين (بفتح العين) الذين لا يصلون ولا يودون ترك المسلمين يصلون.
هذا الأذان ينادي الناس بالعقل والحكمة الله أكبر الله أكبر، أي أن الله أكبر من الانغماس المرضي (بفتح الميم والراء) في مشاغل الدنيا، وعليك أن تتوقف للراحة النفسية والصيانة البدنية والعقلية والروحية وهذا ما تفعله بعض الشركات غير المسلمة تجعل الموظفين ينامون على مكاتبهم للراحة.
حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة هي الصلة بين العبد وخالقه، والجار وجاره وهي مصدر الفلاح من الله لعباده، وفي صلاة الفجر يقول المؤذن الصلاة خير من النوم يخاطب العقل والوجدان والمنفعة الدائمة والحقيقية , فتصوروا لو استبدل بالأذان الموسيقى أو الأجراس أو الأبواق فيجب أن يكون هناك الآلة للإعلان أما الإسلام فآلة الإعلان جزء من بدن الإنسان وهو اللسان والفم والأوتار الصوتية والحنجرة والصوت يصل إلى الأذان ويخاطب العقل والوجدان.
والإسلام دين العلم ويقدر العلم الكوني وينبه في آيات القرآن إلى النبات والحيوان والكائنات الحية الدقيقة غير المرئية (وما لا تبصرون) والجبال والرياح والشمس والقمر والنجوم والبحار والأنهار والأمطار والإنبات والنمو والتكاثر والتباين وكلها آيات كونية وإشارات علمية قرآنية تتوافق تماما مع الحقائق العلمية.
ويناشد الدين العقل والروح والوجدان والبدن، وقد شاهدت أفلاما لأناس في سيبيريا غير مسلمين فوجدت أقدامهم وأذرعهم وسيقانهم ووجوههم قذرة , أما المسلمون فيتوضأون ويغتسلون لذلك أرجلهم نظيفة وأيديهم نظيفة ووجوههم نظيفة وأفواههم نظيفة وأسنانهم دائما نظيفة.
ونظم الإسلام العلاقات الإنسانية في آيات قرآنية قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الحجرات/12).
ويقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى" رواه أحمد ، وبذلك ينتفي التمييز العنصري، وتفتح أبواب الوحدة الإنسانية (لتعارفوا) البعيدة عن التعصب للجنس أو اللون أو العصبية الجاهلية وتزال الحواجز الجنسية واللونية واللغوية بين العباد وتوثق بينهم الوحدة الإنسانية (المجتمع المسلم، محمد الهاشمي، دار البشائر - بيروت
(ص 334) 2002).
وأكد الإسلام صلة الرحم، والترابط الأسري وبر الوالدين والعطف على الأبناء واحترام الجدود والترابط مع الأصهار، وحث على الزواج وإنجاب الذرية وبذلك وضع حلولا لمشكلات تفكك الأسرة وآثاره السيئة، ووضع حلولا لمشاكل الآباء والأجداد.
ورفع الإسلام من قدر العلم والعلماء وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق وإتباع الأسباب، وجعل الدنيا مزرعة الآخرة "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فان استطاع أن يغرسها فليغرسها"، وجعل الله العمل هو الفيصل بعد العقيدة فقال تعالى: "{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }الكهف7".
وسخر الله تعالى ما في الكون للإنسان قال تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{13} " (الجاثية/13).
وأوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين الإيمان بالرسل السابقين جميعا ولا نفرق بين رسول ورسول قال تعالى: "آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ" (البقرة/ 285).
كما احل الله للمسلمين الطيبات وحرم عليهم الخبائث قال تعالى: "يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِللا لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ"(الأعراف/ 157).
فكل منكر منكر وكل خبيث محرم وكل معروف مأمور به وكل طيب حلال.
وجاء الإسلام بالتيسير ورفع الحرج عن العباد وعدم تكليفهم بما لا يطيقون قال تعالى: "يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" (البقرة/185),
وأمر الله تعالى المؤمنين بالإسلام على التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان قال تعالى: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" (المائدة/2).
وأمر الله تعالى بالعدل والإحسان قال تعالى: "إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" (النحل/ 90).
وساوى الإسلام بين المرأة والرجل وميز المرأة على الرجل في النفقة والسكن وفي الميراث ترث المرأة مثل الرجل أو أكثر منه في ثلاثين حالة وترث نصفه في أربع حالات فقط قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ" (البقرة/ 228).
وأمر الله تعالى بالعدل مع الأعداء فقال تعالى: "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة/8)، والشنآن: شدة البغض.
وعندما فهم الصحابة رضوان الله عليهم عظمة هذا الدين جاهدوا في سبيل رفعته ونشره وصدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا أو يغيروا أو يبتدعوا وثبتوا على الحق كما قال تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا" (الأحزاب/23). لذلك نشروا الدين وحموه بأرواحهم وأموالهم وكانوا سببا بعد فضل الله في بناء حضارة إسلامية نقية رائعة.
إن الإسلام دين عظيم يحتاج دائما إلى الصادقين كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة/119).
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
أخبار الخليج – منتدى الجمعة- العدد (11865) – الجمعة 17 سبتمبر 2010م – 8 شوال 1431ه