اليوم أكملت لكم دينكم.....(3). ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
" قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً }؛ قال ابنُ عبَّاس: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ وَالنَّاسُ وُقُوفٌ رَافِعُونَ أيْدِيَهُمْ بالدُّعَاءِ، فَبَرَكَتْ نَاقَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِقَلِ هَذِهِ الآيَةِ بَعْدَ أنْ كَادَ عَضُدُهَا يَنْدَقُّ، وَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا آيَةُ حَلاَلٍ وَلاَ حَرَامٍ، وَعَاشَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَهَا وَاحِداً وَثَمَانِيْنَ يَوْماً، ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى إلَى رَحْمَتِهِ). قال طارقُ بنُ شِهابٍ: (جَاءَ يَهُودِيٌّ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ! آيَةٌ تَقْرَأونَهَا لَوْ أنْزِلَتْ عَلَيْنَا لاتَّخَذْنَا يَوْمَ نُزُولِهَا عِيْداً، فَقَالَ: وَأيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } الآيَةُ، قَالَ عُمَرُ: هَلْ عَلِمْتَ فِي أيِّ يَوْمٍ نَزَلَتْ وَفِي أيِّ مَكَانٍ نَزَلَتْ؟ إنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ وَاقِفٌ، وَكِلاَهُمَا بحَمْدِ اللهِ لَنَا عِيْدٌ، وَلاَ يَزَالُ ذلِكَ الْيَوْمُ عِيْداً). قال ابنُ عبَّاس: (إنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيْدَيْنِ: يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ عَرَفَةَ). " رويَ عن عمرَ رضي الله عنه أنَّهُ بَكَى يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَا يُبْكِيْكَ يَا عُمَرُ؟! " قَالَ: أبْكَانِي أنَّا كُنَّا فِي زيَادَةٍ مِنْ دِيْنِنَا، فَأمَّا إذا أكْمِلَ، فَإنَّهُ لاَ يَكْمَلُ شَيْءٌ إلاّ نَقُصَ، قَالَ: " صَدَقْتَ " واختلفُوا في معنىَ الآيةِ؛ قال بعضُهم: معناها: اليومَ أكملتُ لكم شَرَائِعَ دِيْنِكُمْ من الفرائضِ والسُّنَنِ والأحكامِ والحدود والحلال والحرام، فلم يَنْزِلْ بعدَها حلالٌ ولا حرامٌ ولا شيء من الفرائضِ، وثَبَتَ لكم جميع ما كنتُ أريدُ أن أبَيِّنَهُ لكم في الأزَلِ، فأمَّا دينُ اللهِ فلم يَزَلْ كامِلاً لا يُنْقَصُ فيهِ، وهذا قولُ ابنِ عبَّاس والسُّدِّيُّ. وقال قتادةُ وسعيدُ: (مَعْنَاهُ: أكْمَلْتُ لَكُمْ دِيْنَكُمْ؛ فَلَمْ يَحُجَّ مَعَكُمْ مُشْرِكٌ). ويحتملُ أن يكون المرادُ بالأكملِ للدين أظْهَرَهُ على سائرِ الأديان بالنُّصْرَةِ والغَلَبَةِ، و (الْيَوْمَ) نُصِبَ على الظَّرفِ، كما يقالُ: الآنَ، وفِي هذا الزَّمانِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي أتْمَمْتُ عليكم مِنَّتِي بإظهار الدِّينِ حتى لم يَحُجَّ معكم مُشْرِكٌ، وَقِيْلَ: نِعْمَةُ اللهِ بَيَانُ فَرَائِضِهِ، وَقِيْلَ: هي إيجابُ الجنَّةِ، وَقِيْلَ: معناهُ: وأنجزتُ لَكُمْ وَعْدِي في قَوْلِي:{ وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ }[البقرة: 150]، فكان من تَمَامِ نِعْمَتِهِ أنْ دَخَلُوا مكَّةَ آمنينَ وعليها ظاهرين، وحَجُّوا مطمئنِّين، ولم يخالِطْهم أحدٌ من المشركينَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } أي اخْتَرْتُ لكمُ الإسلامَ من الأديانِ كلِّها دِيناً، فمن دَانَ بالإسلام، فقد اسْتَحَقَّ ثَوَابي ورضَاي. والدِّينُ: اسْمٌ لِجَمِيْعِ مَا يَعْبُدُ اللهَ بهِ خَلْقُهُ، وأمرَهم بالإقامةِ عليه، وهو الذي أمِرُوا أن يكونَ ذلك عادتُهم والذي به يجزونَ، فإن الدِّينَ في اللغة: الْعَادَةُ، والدِّين الْجَزَاءُ." ( الطبراني). " لقد رضي الحق الإسلام ديناً للمسلمين. ومادام رضي سبحانه الإسلام منهجاً، فإياكم أن يرتفع رأس ليقول: لنستدرك على الله؛ لأن الله قال: " أكملت " فلا نقص. وقال: " أتممت " فلا زيادة. وعندما يأتي من يقول: إن التشريع الإسلامي لا يناسب العصر. نرد: إن الإسلام يناسب كل عصر، وإياك أن تستدرك على الله؛ لأنك بمثل هذا القول تريد أن تقول: إن الله قد غفل عن كذا وأريد أو أصوب لله، وسبحانه قال: " أكملت " فلا تزيد، وقال: " أتممت " فلا استدراك، وقال: " ورضيت " فمن خالف ذلك فقد غَلَّب رضاه على رضا ربه." ( الشعراوي). " قوله { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أي: أتْممتُ فرائضي عليكم وحدودي، ونزل ذلك يوم عرفة في حجة الوداع، ولم يعش النبي عليه السلام - بعد نزول هذه الآية - إلا إحدى وثمانين ليلة، ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام، " ولما نزلت هذه الآية بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يُبْكِيكَ؟ فقال: كُنَّا في زيادةٍ من ديننا، فَأَمَّا إِذا كَمُلَ، فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صَدَقْتَ ". قال عمر: نزلت يوم جمعة يوم عرفة. وقيل: معنى كمال الدين: أنه منع أن يحج مشرك وكمل الحج للمسلمين ونُفِيَ المشركون من البيت الحرام والحج، قال ذلك قتادة وابن جبير وغيرهما. وقيل: المعنى: اليوم أظهرت دينكم على سائر الأديان وأهلكت عدوكم" ( مكي القيسي). " { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بالنصر والإظهار لأنهم بذلك يجرون أحكام الدين من غير مانع وبه تمامه، وهذا كما تقول: تم لي الملك إذا كفيت ما تخافه، وإلى ذلك ذهب الزجاج، وعن ابن عباس. والسدى أن المعنى اليوم أكملت لكم حدودي. وفرائضي. وحلالي. وحرامي بتنزيل ما أنزلت. وبيان ما بينت لكم فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، وكان يوم عرفة عام حجة الوداع، واختاره الجبائي. والبلخي. وغيرهما، وادعوا أنه لم ينزل بعد ذلك شيء من الفرائض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحليل ولا تحريم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يلبث بعد سوى أحد وثمانين يوماً، ومضى ـ روحي فداه ـ إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم. وفهم عمر رضي الله تعالى عنه لما سمع الآية نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عنترة " أن عمر رضي الله تعالى عنه لما نزلت الآية بكى فقال له النبـي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص فقال عليه الصلاة والسلام: صدقت " ولا يحتج بها على هذا القول على إبطال القياس ـ كما زعم بعضهم ـ لأن المراد إكمال الدين نفسه بيان ما يلزم بيانه، ويستنبط منه غيره والتنصيص على قواعد العقائد، والتوقيف على أصول الشرع وقوانين الاجتهاد، وروي عن سعيد بن جبير. وقتادة أن المعنى اليوم أكملت لكم حجكم وأقررتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين ـ واختاره الطبري ـ وقال: يرد على ما روي عن ابن عباس. والسدي رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى أنزل بعد ذلك آية الكلالة وهي آخر آية نزلت، واعترض بالمنع، وتقديم الجار للإيذان من أول الأمر بأن الإكمال لمنفعتهم ومصلحتهم، وفيه أيضاً تشويق إلى ذكر المؤخر كما في قوله تعالى: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } وليس الجار فيه متعلقاً ـ بنعمتي ـ لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله، وقيل: متعلق به ولا بأس بتقدم معمول المصدر إذا كان ظرفاً، وإتمام النعمة على المخاطبين بفتح مكة، ودخولها / آمنين ظاهرين، وهدم منار الجاهلية ومناسكها، والنهي عن حج المشركين وطواف العريان، وقيل: بإتمام الهداية والتوفيق باتمام سببهما، وقيل: بإكمال الدين، وقيل: بإعطائهم من العلم والحكمة ما لم يعطه أحداً قبلهم، وقيل: معنى أتممت عليكم نعمتي أنجزت لكم وعدي بقوله سبحانه: { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي }. { وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } أي اخترته لكم من بين الأديان، وهو الدين عند الله تعالى لا غير وهو المقبول وعليه المدار. وأخرج ابن جبير عن قتادة قال: «ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم في الخير حتى يجيء الإسلام فيقول: رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول: إياك اليوم أقبل وبك اليوم أجزي» وقد نظر في الرضا معنى الاختيار ولذا عدي باللام، ومنهم من جعل الجار ـ صفة لدين ـ قدم عليه فانتصب حالا، والإسلام و { دِينًا } مفعولاً { رضيت } إن ضمن معنى صير، أو دينا منصوب على الحالية من (الإسلام)، أو تمييز من { لَكُمْ } والجملة ـ على ما ذهب إليه الكرخي ـ مستأنفة لا معطوفة على { أَكْمَلْتُ } وإلا كان مفهوم ذلك أنه لم يرضى لهم الإسلام قبل ذلك اليوم ديناً، وليس كذلك إذ الإسلام لم يزل ديناً مرضياً لله تعالى. وللنبي صلى الله عليه وسلم. وأصحابه رضي الله تعالى عنهم منذ شرع. والجمهور على العطف، وأجيب عن التقييد بأن المراد برضاه سبحانه حكمه جل وعلا باختياره حكماً أبدياً لا ينسخ وهو كان في ذلك اليوم، وأخرج الشيعة عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت بعد أن قال النبـي صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه في غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فلما نزلت قال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وولاية علي كرم الله تعالى وجهه بعدي، ولا يخفى أن هذا من مفترياتهم، وركاكة الخبر شاهدة على ذلك في مبتدأ الأمر، نعم ثبت عندنا أنه صلى الله عليه وسلم قال في حق الأمير كرم الله تعالى وجهه هناك: من كنت مولاه فعلي مولاه وزاد على ذلك ـ كما في بعض الروايات ـ لكن لا دلالة في الجميع على ما يدعونه من الإمامة الكبرى والزعامة العظمى كما سيأتي إن شاء الله تعالى غير بعيد. وقد بسطنا الكلام عليه في كتابنا «النفحات القدسية في رد الإمامية» ولم يتم إلى الآن ونسأل الله تعالى إتمامه، ورواياتهم في هذا الفصل ينادي لفظها على وضعها، وقد أكثر منها يوسف الأوالي عليه ما عليه." ( الآلوسي). " هذه الآية: بشارة للمؤمنين، ونكاية بالمشركين. وقد روي: أنَّها نزلت يوم فتح مكة، كما رواه الطبري عن مجاهد، والقرطبي عن الضحّاك. وقيل: نزلت يوم عرفة في حجّة الوداع مع الآية التي ستأتي عقبها. وهْو ما رواه الطبري عن ابن زيد وجمع، ونسبه ابن عطِيّة إلى عمر بن الخطاب وهو الأصحّ. فــ { اليوم } يجوز أن يُراد به اليوم الحاضر، وهو يوم نزول الآية، وهو إن أريد به يوم فتح مكة، فلا جرم أنّ ذلك اليوم كان أبهج أيّام الإسلام، وظهر فيه من قوّة الدين، بين ظهراني من بقي على الشرك، ما أيْأسَهم من تقهقر أمر الإسلام، ولا شكّ أنّ قلوب جميع العرب كانت متعلّقة بمكة وموسم الحجّ ومناسكه: التي كانت فيها حياتهم الاجتماعية والتجارية والدينية والأدبية، وقوام شؤونهم، وتعارفهم، وفصل نزاعهم، فلا جرم أن يكون انفراد المسلمين بتلك المواطن قاطعاً لبقية آمالهم: من بقاء دين الشرك، ومن محاولة الفتّ في عضد الإسلام. فذلك اليوم على الحقيقة: يوم تمام اليأس وانقطاع الرجاء، وقد كانوا قبل ذلك يعاودهم الرجاء تارة. فقد قال أبو سفيان يوم أحد «أعْلُ هُبَل، وقال: لنا العُزّى ولا عُزّى لكم». وقال صفوان بن أمية أو أخوه، يوم هوازن، حين انكشف المسلمون وظنّها هزيمة للمسلمين: «ألا بطل السحر اليوم». وكان نزول هذه الآية يوم حجّة الوداع مع الآية التي بعدها، كما يؤيّده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته يومئذٍ في قول كثير من أصحاب السير " أيها الناس إنّ الشيطان قد يَئِس أن يُعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي منكم بما دون ذلك فيما تَحْقرون من أعمالكم فاحذروه على أنفسكم . و { اليوم } يجوز أن يراد به يوم معين، جدير بالامتنان بزمانه، ويجوز أن يجعل (اليومَ) بمعنى الآن، أي زمان الحال، الصادق بطائفة من الزمان، رَسخ اليأس، في خلالها، في قلوب أهل الشرك بعد أن خامر نفوسهم التردّد في ذلك، فإنّ العرب يطلقون (اليوم) على زمن الحال، (والأمس) على الماضي، و(الغَد) على المستقبل. قال زهير: وأعْلَمُ عِلم اليومِ والأمسِ قبلَه | | ولكِنَّنِي عن عِلمِ مَا في غد عَمِي | يريد باليوم زمان الحال، وبالأمس ما مضى، وَبالغد ما يستقبل، ومنه قول زياد الأعجم: رأيتُك أمسِ خيرَ بني مَعَدّ | | وأنتَ اليوم خيرُ منكَ أمسِ | وأنت غَدا تزيد الخير خيراً | | كذاكَ تزيد سادةُ عبدِ شمس | والدّين: ما كلف الله به الأمّة من مجموع العقائد، والأعمال، والشرائع، والنظم. وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى:{ إنّ الدين عند الله الإسلام }في سورة آل عمران (19). فإكمال الدين هو إكمال البيان المراد لله تعالى الذي اقتضت الحكمة تنجيمه، فكان بعد نزول أحكام الاعتقاد، التي لا يسع المسلمين جهلها، وبعد تفاصيل أحكام قواعد الإسلام التي آخرها الحجّ بالقول والفعل، وبعد بيان شرائع المعاملات وأصول النظام الإسلامي، كان بعد ذلك كلّه قد تمّ البيان المراد لله تعالى في قوله:{ ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء }[النحل: 89] وقوله: { لتبيّن للناس ما نزّل إليهم }[النحل: 44] بحيث صار مجموع التشريع الحاصل بالقرآن والسنّة، كافياً في هدي الأمّة في عبادتها، ومعاملتها، وسياستها، في سائر عصورها، بحسب ما تدعو إليه حاجاتها، فقد كان الدين وافياً في كلّ وقت بما يحتاجه المسلمون. ولكن ابتدأتْ أحوال جماعة المسلمين بسيطة ثمّ اتّسعت جامعتهم، فكان الدين يكفيهم لبيان الحاجات في أحوالهم بمقدار اتّساعها، إذ كان تعليم الدين بطريق التدريج ليتمكّن رسوخُه، حتّى استكملت جامعة المسلمين كلّ شؤون الجوامع الكبرى، وصاروا أمّة كأكمل ما تكون أمّة، فكمل من بيان الدين ما به الوفاء بحاجاتهم كلّها، فذلك معنى إكمال الدين لهم يومئذٍ. وليس في ذلك ما يشعر بأنّ الدين كان ناقصاً، ولكن أحوال الأمّة في الأمَمِيَّة غير مستوفاة، فلمّا توفّرتْ كمل الدين لهم فلا إشكال على الآية. وما نزل من القرآن بعد هذه الآية لعلّه ليس فيه تشريع شيء جديد، ولكنَّه تأكيد لما تقرّر تشريعه من قبل بالقرآن أو السنّة." ( ابن عاشور). " ذكروا عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية: { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وعنده رجل من اليهود فقال اليهودي: لو أن هذه الآية نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. فقال ابن عباس: فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين: يوم جمعة ويوم عرفة..... { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يعني باليوم زمان النبي عليه السلام كله. { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي بالجنة. قال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }." ( الهواري). |