بسم الله الرحمن الرحيم الرمضانيّ يُنسب المتخرجُ من مدرسة تعليم الفقه إليها فيقال "فقهي" وإلى المتخرج من مدرسة تعليم الحديث "حديثي" وإلى المتخرج من مدرسة التدريب على سلاح المدفعية "مدفعي" كما أن الذي تعود أن يسافر في شهر رجب يُقال عنه "رجبي" السفر وهكذا... وشهر رمضان هو مدرسة، ودورة تدريبية، لكل من حقق شرط دخولها وهو "الإسلام" فإذا تخرج منها المسلم بنجاح قلنا عنه إنه "رمضاني"... والرمضاني يُمضي دورته التدريبية شهرًا كل سنة.. أما مكانها فهو الأرض كلها من حوله... المنزل، والمسجد، والسوق، ومدرسة التعليم، والمتجر، والشارع، وهو لا ينقطع عنها أيا كانت حاله.. إذ ينتظم فيها مقيمًا ومسافرًا، وماشيًا وراكبًا، ونائمًا ومستيقظًا، وآكلاً وصائمًا، وغنيًا وفقيرًا، ومعلّمًا ومتعلّمًا، وبائعًا ومشتريًا، وعزَبًا ومتزوجًا، وهو في هذه الدورة ليلاً ونهارًا، لا ينفكُّ عنها، ولا تنفكّ عنه.. تلازمه دائماً ويلازمها.. تلازمه تعليمًا، وتدريبًا، وتوجيهًا، ومراقبة، وتقويمًا ... ويلازمُها عملاً، وسلوكًا، وطاعةً، وانقيادًا.. تبدأ هذه الدورة من أول ليلة من رمضان... وتنتهي صورتها الجبرية الإلزامية بانتهاء آخر ليلة منه.. لكن صورتها الحقيقية يستمر مفعولها معه إلى ما شاء الله.. فبقدر ما يكون تفاعلُه معها في أثناء الشهر تستمر ملازمته لها بعده ... يساعد على ذلك ما يرفدها من دوراتٍ تكميلية يوميةً (الصلاة) أو أسبوعية(صلاة الجمعة) أو سنوية (الحج). والمرأة تكون "رمضانية" بالمفهوم ذاته.. والأسرة "رمضانية" إذا كان أفرادها "رمضانيين" أو "رمضانيات".. وكذلك المجتمع ... تُرى ماذا يتلقى المسلم في هذه الدورة؟ تعوّد المنتسبون إلى الدورات التدريبية، في مجال ما، أن يتلقوا فيها ما جدّ من أمور؛ تخص ذاك المجال... وإذا كانوا هم الجدد؛ فيتلقون كل شيءٍ عنه..حتى يتخرجوا من الدورة متقنين لما تلقوا فيها من علوم وتدريبات.. ومجال الدورة الرمضانية هو "الإسلام" وهو ليس جديدًا على أعضاء الدورة، وليس هناك من جديد يُضاف على أصوله ومبادئه... فماذا عن هذه الدورة إذن؟ مجال "الإسلام" هو " الحياة" والحياة هي أداء عمل، وممارسة سلوك، ينبثقان من فكرة تضبط "بوصلة" ذلك العمل والسلوك باتجاه معين.. فلا تدعها تنحرف يمينًا أو شمالاً..ولا تدعها تجنح إلى الإفراط أو التفريط...ولا تنجذب لغلو أيا كان شكله، أو مصدره... فالرمضاني يتدرب في مدرسة رمضان على طريقة الحياة.. كيف ينظر إليها؟ كيف يفسر ما حوله ؟ كيف يتعامل مع نفسه؟ كيف يتعامل مع الآخرين؟ وفي المجالات كلها.. من أدق الخصوصيات إلى أجلّ العموميات... فإذا ما أنهى دورته تلك بنجاح صار لبنة في صرح أسرة بناءة معطاء.. تصلح ولا تفسد، تَهدي ولا تُضل، وتكون هي الأخرى لبنةً في مجتمع ذي شخصية متميزة.. يفعل ولا ينفعل، يؤثر ولا يتأثر.. يُتبَع ولا يَتْبع.. لأن أفراده قد تربّوا على نمط فريد في التعامل مع الحياة.. ويكون هذا المجتمع حصنًا لهم من الضياع والتسيب.. ومن الفقر، والعوز، والحرمان، ومن هجمات من هنا وهناك تريد أن تُقوّضه وتُجْهز عليه... وهذه النتيجة ليست إلا "التقوى" التي هي أحد وأهم الثمار المرجوة من "الدورة الرمضانية". [[ يا أيها الّذين آمنوا كُتِبَ عليكُم الصّيامُ كَما كُنِبَ على الّذينَ مِنْ قبلِكم لَعَلَّكم تتّقون]]. فالتقوى وقاية من كل مكروه... وقاية من الفساد والانحلال.. ووقايةٌ من الشقاق والنفاق.. ووقاية من التّبعية للآخرين وتقليدهم فيما حسن أو قبح.. ووقاية من "الإمّعية".. ووقاية من الفقر والحاجة والحرمان.. ووقاية من كل خطر ....وتحصيل التقوى شاق، كمن يمشي في أرض مملوءة بالشوك ويسعى إلى أن يتحاشى هذا الشوك.. و عليه فتحصيلها يحتاج إلى صبر، ولذلك يطلق على شهر رمضان شهر الصبر... لكن النتيجة هي الوقاية التي سبقت الإشارة إليها، ويتحقق عندئذ "مجتمع التقوى" بعد أن أنهى أفراده التدريب في الدورة الرمضانية. |