صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : الهرمنيوطيقا    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 صادق السعدي 
3 - أغسطس - 2010
     الهرمنيوطيقا من المصطلهات القديمة المستعملة في مجال تفسير نصوص الكتاب المقدس عند اليهود. ويعني جملة القواعد والمعايير التي يجب على المفسر انتهاجها أو اتباعها لفهم النصوص الدينية. وتقوم هذه القواعد على أساس تناول النص بوصفه متعدد الوجوه، ومنفتحا في دلالاته على معان لا حصر لها، مستفادة من رمزية النص، دون الخضوع لحرفيّته وظواهر معانيه.
 
   انتقل استعمال هذا المصطلح من مجال الدراسات اللاهوتية، الى حقول معرفية متعدد، مثل علم التاريخ وعلم الاجتماع، والفلسفة والنقد الادبي... في محاولة لاكتشاف المعاني الخفية والمستورة في باطن النص.
 
    وهذا اللون من الدراسة كان متزامنا مع حركة النهضة والكشوفات التي عرفها  الغرب في مجالات العلوم وحقول المعرفة المختلفة؛ من اكتشاف كولمبس لأمريكا، وظهور فرنسيس بيكون يدعو الى نظرة جديدة في الفلسفة وإحياء العلوم التجريبية، ومنهج ديكارت في الشك وأسلوبه الخاص في تناول المنطق.
 
    وتفسير النصوص بطريقة الرمز والحكاية قديم؛ وكان أشهر من استعملها في تأويل نص الكتاب المقدس هو الفيلسوف الاسكندري فلو أو فيلون. وكانت وفاته سنة 50 بعد الميلاد. ينتمي الى أسرة يهودية كانت تعيش في الاسكندرية، المدينة التي كانت وقتها واحدة من أهم مراكز الفكر والفلسفة في العالم القديم.
 
    كانت  المخاطر تهدد كيان اليهود ومستقبل ديانتهم من الخارج والداخل، فالرومان من جهة والصراع العقائدي بين اليهود  أنفسهم من جهة أخرى، فقد انقسموا الى طوائف عديدة كان أهمها وأشهرها هم  الفريسيون-بتشديد الراء- والصدوقيون. وهؤلاء كانوا ممن يتمسكون بالنص المكتوب، ورفض الشروح والتقاليد والنصوص الشفاهية التي يعمل بها مخالفوهم من الفريسيين. والفريسيون، معناه المنعزلون أو المنفصلون، أو المعتزلة. والتسمية تعود الى انطواء هذه الطائفة على نفسها، قبل ان تتمكن من مدّ نفوذها بين أوساط عامة اليهود. لم يكن هؤلاء يحفلون بحرفيّة النص، بل اتجهوا الى روحه، يستنطقون باطنه. ولهم يعود الفضل في إخراج التوراة من طابعها العنصري الضّيق بوصفها خطاب الله لبني إسرائيل خاصة ، الى خطاب  لجميع الخلق بواسطة التأويل. ولا يفوتنا في هذا المقام  التنبيه الى دلالة هذه التسمية ووجه الشبه بينها وبين اللفظ الذي يطلق على تلك الفرقة الإسلامية صاحبة الإتجاه العقلي وإعمال التأويل في نصوص الشريعة الإسلامية، وأثر الصراع الذي نشب بين القائلين بالعقل والقائلين بالنقل على اختلاف درجاتهم، ودوره في إطلاق هذه التسمية عليهم. فهل هو تعريض بتلك الفرقة التي أرادت – كما يقول كثير من أهل النقل المخالفين لهم - تأويل النصوص بفعل مؤثر خارجي دخيل لا يمت الى الاسلام  بصلة. احتمال نطرحه ولا نؤكّده. وتكون قصّة واصل بن عطاء مع الحسن البصري لا أساس لها.
 
    كان فيلو يعيش في هذه الفترة الحرجة والخطيرة من تاريخ اليهود، فعمد الى نصوص التوراة، وراح يفسّرها بطريق الرمز والحكاية، وتأويل ما فيها من تشبيه وتجسيم فاضح، مستعملا في ذلك ثقافته الواسعة، ومعرفته المتعمّقة بالثراث اليهودي، والفلسفة بمذاهبها المختلفة، من فيثاغورية، وأفلاطونية، ورواقية، وفلسفة أرسطو والمشّائين من اتباعه. فزعم أن التوراة تشتمل على جميع الحقائق في هذا العالم، الدينية والدنيوية، وما نحتاجه هو فقط فهم هذه النصوص فهما صحيحا بالنظر الى باطن النص، والكشف عن أسراره ورموزه، لان ظاهر هذه النصوص خادع، ولا يدل على معناه المستور خلف حجاب الالفاظ والعبارات التي هي في ظاهرها خطاب لعامة الناس من أهل الغفلة لتقريب معاني النصوص الى أفهامهم، وليس للخواص من أهل النظر والبحث العقلي.
 
    فإذا قالت التوراة إنّ السماء قد خلقت قبل الارض، فهذا رمز للعقل وفضله وأسبقيّته على الحس. كما ان إبراهيم رمز للعلم، وإسحاق رمز للطبيعة، ويعقوب رمز للزهد. وعلاقة الله بموجودات هذا العالم تقوم على أساس الوسائط والفيض في نظام من العلّية والمعلوليّة.
 
 
    وإذا كانت الافلاطونية قد تركت أثرا واضحا في الفلسفة الإسلامية، فإن محاولة فيلون التوفيق بين الفلسفة والدين لا تقل أهميّة من ناحية تأثيرها في النزعة العقلية عند المسلمين، من معتزلة أو غيرهم من علماء الكلام في الاسلام. ولكي يعمق  الصلة بين الدين والفلسفة، ويقرّب المسافة، ذهب فيلون الى أن كل الافكار العظيمة التي نطق بها الفلاسفة، كانت من وحي التوراة وكلام موسى.
 
 
 
    وسيظهر بعد ذلك تأثير هذه النزعة في الشهرستاني المتكلم الأشعري، في كتابه المعروف بالملل والنحل. والذي أرّخ فيه لمسيرة الفلسفة وتطوّر الفكر الديني الى عصره. يعلّق الشهرستاني في سياق كلامه عن طاليس - الذي ذهب الى أن الله قد أبدع العنصر الأول وهو الماء، وفيه صور الموجودات والمعلومات كلّها – :(
 
     وفي التوراة في السفر الأول منها أن مبدأ الخلق هو جوهر خلقه الله تعالى، ثم نظر إليه نظرة الهيبة فذابت أجزاؤه فصارت ماءا، ثم ثار من الماء بخار مثل الدخان؛ فخلق منه السموات. وظهر على وجه الماء زبدالبحر فخلق من الارض ثم أرساها بالجبال. وكأنّ تاليس الملطي إنما تلقى مذهبه من هذه المشكاة النبويّة
 
     والذي أثبته من العنصر الاول الذي هو منبع الصور شديد الشبه باللوح المحفوظ المذكور في الكتب الإلهيّة، إذ فيه جميع أحكام المعلومات، وصور جميع الموجودات، والخبر عن الكائنات.
 
والماء على القول الثاني شديد الشبه بالماء الذي عليه العرش: ( وكان عرشه على الماء). انتهى كلامه. ص  318دار الفكر بيروت. تحقيق الاستاذ عبد العزيز محمد الوكيل.)
 
    في مقبل الكلام إن شاء الله سنقلّب وجوه الهرمنيوطيقا، دون أن تُلزم أحدا بشيء؛ كما لا نشترط عليها أن تمشي بنا سير المشّائين من المقدمات الى النتائج المنطقيّة.
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الأخلاق وفلسفة التديّن 5    كن أول من يقيّم
 
 
تكملة...
 
 
     رأى الغزالي أن الجواب على سؤاله يكمن في البحث والتقصي ودراسة الأديان والنحل والمذاهب المختلفة، والإطلاع على علوم عصره. فما يدريه، لعله هو الآخرعلى ضلالة وتقليد أعمى لإرث الآباء.
 
    فأخذ يقرأ ويبحث ويفتّش في أقوال وآراء المتكلّمين والفلاسفة والباطنية وغيرهم. فلم يغادر- كما قال في كتابه المنقذ من الضلال- باطنيا الا وأحب أن يطلع على بطانته، ولا ظاهريّا الا وكان يحب أن يعلم حاصل ظهارته، ولا فيلسوفا إلا وسعى للوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلما إلا واجتهد في معرفة غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيّا إلا وقد حرص على العثور على سرّ صوفيّته، ولا زنديقا أو معطلا إلا ونظر في أسباب جرأته في التعطيل والزندقة.
 
    وانتهى الى أنّ المعرفة اليقينية ليست هي معرفة العوام ولا معرفة المتكلمين أو الفلاسفة، بل هي معرفة المتصوفة القائمة على الكشف والمشاهدة بنور يقذفه الله بقلب من يحب من عباده المخلصين وأوليائه المقرّبين. ولم ينكر الغزالي الدليل العقلي، ولكنه ليس هوالسبيل لمعرفة الله معرفة يقينية ينكشف معها حجاب الغيب للعارف.
 
    بل يترقىّ الغزالي في ذوقه الصوفي الى ما يشبه الشطحات والمحاذير التي سقط في شراكها غلاة المتصوفة عندما لم يجعل فرقا بين الوحي والإلهام أو العلم اللدنّي سوى خيط رفيع ولعله قطعه في تصوّره للإلهام: أن صاحبه لا يرى الملك المقيد للعلم، أما الوحي فإنّ الأنبياء يشاهدون فيه جبريل حين يوحي به إليهم.( التصوف بين الغزالي وابن تيمية. عبد الفتاح محمد سيد أحمد ص 121 )
 
     نجد كنت بعد ذلك يؤكد هذا المعني في تصوره لفكرة الله على أنها الكمال المطلق الذي لا يحيط به الفكر ولا يتسع لبراهين العقل، كما لا يجوز إنكاره بالبرهان العقلي أيضا. وإذا كان الحدس والكشف والمشاهدة عند الغزالي هي الطريق لمعرفة الله، فإن كنت جعل بدوره الأخلاق العملية، والتجربة الروحية وقانون الواجب، قيمة جوهرية في التجربة الدينية والإيمان بالله.
 
    ومسألة الحرية الإنسانية والإرادة الأخلاقية في التعرف على الله، تعتبر من المحاور المهمة في فلسفة كنت. فالإيمان تجربة فردية تقوم على الإستبطان والتأمل الروحي بعيدا عن سلطة العقل وفروضه النظرية. والله موجود داخل الإنسان وليس خارجا عنه. كما أنّ للرموز في فلسفته قيمة كبيرة في فهم ذلك الموجود.
 
    ولعلّنا لوتأملنا التصور الفلسفي للدين عند كنت، وجردناه من صياغته الفلسفية البارعة، لوجدناه في جوهره شكلا من أشكال التصوف، وغنوصا من طراز فلسفي رفيع.
 
    وقد تكون نظرية القانون الخلقي وفعل الواجب، هي الحل الذي خرج به كنت للتخلص من إشكالية العلاقة بين الإيمان والإرادة الحرة في معرفة الله، وبين طقوس الدين وأشكال العبادة المفروضة من قبل سلطة الكنيسة ورجالها.
 
    هذه الإشكالية تعود ربما الى التربية الدينية العميقة التي نشأ عليها في طفولته. فقد كانت والدته على قدر كبير من الورع والتقوى. فغرست في نفسه حبّ الخير والحسّ الأخلاقي كما قال. ولعلّ ذلك أرهق أعصابه وأثّر في روحه. فهو في قلق وصراع بين ذلك الأثر العميق الذي تركته الأم في عقله ووجدانه منذ الصغر، وبين الدين ممثلا برجال الكنيسة.
 
    وهكذا يكون كنت قد عاش ومات مخلصا لدين أمّه. ذلك الدين الذي عبّر عنه في كتابه ( نقد العقل العلمي ) بجملتين قصيرتين خالدتين نقشت على شاهد قبره:
 
شيئان يملآني عجبا، السماء المرصعة بالنجوم فوق رأسي، والقانون الخلقي في نفسي.)
قانون أمّه الذي أنتج أهم تيّار فلسفي أخلاقي في القرن الثامن عشر. بل في تاريخ الفلسفة.
 
*صادق السعدي
23 - سبتمبر - 2010
شكراً لك استفقادك    كن أول من يقيّم
 
إلى صديقنا الصادق السعدي :
سلام الله عليك ورحمته وبركاته
سيبقى أحمد شوقي ، على مر الدهور ، أمير شعراء عصره ولسان حاله ، حتى أنه كاد أن يكون فيلسوفاً . وسيبقى كنت ، إلى امد طويل طويل ، فيلسوف الأنوار وداعية الأخلاق ، حتى أنه كاد أن يكون رسولا ...
كلمات الخير والجمال والرحمة تبقى محفورة أبداً في ضمير التاريخ والأجيال مهما كفر الإنسان برسالة الإنسان .
تحياتي لك ولأسرتك الكريمة وكل عام وأنتم بخير .
*ضياء
24 - سبتمبر - 2010
 1  2  3