البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : مع التحية إلى من أحب وأحترم    قيّم
التقييم :
( من قبل 8 أعضاء )

رأي الوراق :

 محمد جميل 
19 - يوليو - 2010
                                              إلى من أحب وأحترم..
كثيرون، بحمد الله، أولئك الذين يتحفوننا بمقالاتهم القيمة، وآرائهم السديدة، وأفكارهم النيرة ، في شتى حقول المعرفة... في الأدب والفلسفة والعلوم البحتة من فيزياء وكيمياء وفي علم الوراثة والطب.. وفي الرياضيات.. وفي التاريخ والجيولوجيا، وحين تقرأ لأحدهم في مجال تخصصه أو في أي مجال آخر تحس بنشوة وسعادة وهو يجول ويصول في بحثه ذاك، آتيًا عليه من الجوانب كافة.. عباراته سلسة وجلية، ومفرداته منتفاة بدقة ومهارة، ولا تأتي إلى نهاية الموضوع الذي يكتب إلا وقد صارت لديك فكرة تامة وشاملة عما يريد هو أن يوصل إليك.. فلا يسعك عندئذٍ إلى أن ترفع المقال، بحالة عفوية، وتقبله من شدة إعجابك به.. وتسأل نفسك أي عملاق وعظيم كان وراء ما قرأت وفهمت ووعيت... فتحمد الله سبحانه على وجود أمثال هذه المصابيح في طريق البشرية ليضيئوا أمام الناس الدروب إلى الكثير من المناهل المعرفية...
من جهة أخرى، ألقي نظرة أخرى، ومن زاوية ثانية إلى أسماء عديدة لبعض هؤلاء الذين ذكرت عنهم ما ذكرت آنفًا.. فتأخذني الحيرة، وأغدو وكأني أتقلب على جمر تتوهج عنه أسئلة كثيرة...
أقول في نفسي: لا مكان للعبثية في هذا الكون الفسيح.. كل شيء يسير بدقة وانتظام.. ولغاية مُحكمة.. ولم يختل نظام أي من مكوناته عبر العصور والأزمنة... يقول تعالى: " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا تُرجعون" وقال " وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين*" وأنظر إلى الإنسان فأجد أنه ربما يكون آخر المخلوقات في ترتيب خلق الأحياء.. لكنه كان أكرمها وأشرفها.. " ولقد كرّمنا بني آدم" ولهذا التكريم مظاهر كثيرة: منها ما هو خَلْقي فقد جعله الله في أحسن تقويم، ووهبه نعمة العقل التي تميز بها عمن سواه.. ومنها على المستوى الحياتي البيولوجي ومقوماته فقد هيأ له أفضل أنواع الأطعمة وأطيبها ليقوم بها جسمه، وعدّد أصنافها ومذاقاتها ووظائف تأثيرها الإيجابي في جسم الإنسان..ومنها ما هو خدمي.. فقد سخر الله للإنسان ما في السماء والأرض، كل في خدمته ولتحقيق سعادته.. ليتفرغ لما خُلق له وهو العبادة المتمثلة في إعمار الأرض ونشر العدل فيها ورفع الظلم.. ومنها ما هو إرشادي وتوجيهي فبين له طريق فلاحه وطمأنيته وسعادته، فأرسل الأنبياء وأنزل الكتب، وكان مع كل نبي من الحجة والبينة ما على مثله يقنع بنو قومه وعصره بما جاء به... وختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلّم، وختم الكتب بالقرآن الكريم... وجعلهما للناس كافة، في حين كان كل نبي من قبل يُبعث في قومه فقط.
ومن الأسئلة الملتهبة التي تجيش في النفس أنك ترى العديد من أولئك الذين برعوا وأبدعوا فيما قدموه للبشرية قد أداروا ظهرهم للحقيقة التي من وضوحها وجلائها لا يُمكن أن يُعذروا فيما فعلوا .. وإدارة الظهر هذه تأتي على محورين:
الأول: على الإيمان بوجود خالق لهذا الكون مدبر عالم قوي لا يعجزه شيء ... والثاني: على الإيمان بهذا الخالق وفق الهدي القرآني... 
أما عن المحور الأول فلن نطيل النظر فيه.. فقليلون جدًا أولئك النشاز من أكابر العلماء في الغرب والشرق الذين لم يعلنوا صيحة مدوية عن ضرورة الإيمان بالخالق العظيم..ولو أردنا سرد أسمائهم وما قالوا في ذلك لضاق المجال....ولكن ماذا عن المحور الثاني... وهو بيت القصيد -كما يقولون-.. فالقرآن يقول عن نفسه:: "ألم* ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" [ البقرة 1،2] و "كتاب أُحْكِمَتْ آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير" [هود1] و " إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم " [الإسراء9] و " شفاء لما في الصدور" [يونس 57]وقد تحدى أن يؤتَى بمثله.. أو بمثل آية منه.. والمثلية هنا تشمل مثلية البيان والبلاغة.. ومثلية المعالجة لأدواء النفس والمجتمع.. ومثلية الأخبار الصادقة الماضية والحاضرة والمستقبلية.. ومثلية التشريع ونظام الحياة... ومثلية الإحاطة والشمول.... و.. ولما كان القرآن هو الكتاب الخاتم والمنزل هاديًا للبشرية كلها حتى قيام الساعة.. أقول أما يكفي أن يكون هذا حافزًا للعلماء الأفذاذ أيا كانت أفكارهم ومعتقداتهم إلى النظر العميق والموضوعي، ودراسة القرآن للوصول إلى الحقيقة الكبرى التي تفوق كل الحقائق التي أبرزوها في كتبهم ومقالاتهم.. أما سأل أحدهم نفسه؛ ماذا لو كان القرآن فعلاً هو كما يتحدث عن نفسه وعن الكون والإنسان والحياة...(وهو كذلك) ألا يستحق مثلُ هذا السؤال أن يُبحث عن جواب شاف له..؟ فالمسألة مسألة فوز وسعادة ونجاح أو خسران وشقاوة وفشل... كتاب جاء بمثل هذه المهمة الكبيرة الضخمة وهي هداية البشرية وإنقاذها، وأنه فيه الدواء الناجع لما تعانيه المجتمعات من علل وأمراض وانتكاسات،ويصف نفسه بأنه المهيمن على ما سبقه، وأن من تولّى عنه وأدار ظهره له سيلقى مصيرًا أسود في الدنيا وبعد الموت.. وأنه يدعو العقلاء وأولي النهى والمفكرين إلى تدبره وفهمه.. " أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عندِ غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيراً"[النساء82] ويتحدى أن يؤتى بمثله أو بمثل بعضه.."قلْ لَئن اجتمعتِ الجنُّ والإِنْسُ على أنْ يأْتوا بِمثلِ هذا القرآن لا يأْتون بِمثلِه ولو كانَ بعضهم لبعضٍ ظهيرا"[الإسراء88].
 كتاب مثل هذا- وهو الوحيد- الذي فيه تلك الصفات.. ولم يُعرف ذلك عن أي كتاب سواه، ولا يوجد أصلاً ..ألا يستحق من منظري الفلسفة والاقتصاد والعلوم البحتة والتطبيقية، والطب واللغة وعلم الآثار والسياسة أن يعطوه الجهد والوقت الكافيين.. لسعادتهم هم أنفسهم وسعادة البشرية معهم.. هذا فضلاً عن أولئك الذين يؤمنون به ولكنهم لم يولوه الاهتمام والالتزام.. فتراهم - مع إعلانهم الإيمان به - هم في واد وهو في واد... هو ينهاهم عن الظلم، ولا يخجلون من موقعهم العلمي والأكاديمي، فتراهم يسوغون الظلم ويبرورنه لعتاته.. هو ينهاهم عن العبث وهدر الوقت والمال وتراهم في ذلك سادرون.. وهكذا... قال تعالى " اقترب للناس حسبهم وهم في غفلة معرضون* ما يأتيهم من ذكر من ربّهم مُحدَثٍ إلا استمعوه وهم يلعبون* لاهية قلوبهم.."[الأنبياء1-3] وقال " يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون". ومن الجور التعميم..فهناك من هُدي فاهتدى وهدى، وذُكّر فتذكّر وذَكّر... فيا من نجلهم من أعماق قلوبنا، على ما قدموا للبشرية..أنّى كنتم على وجه هذه الأرض.. ولأننا نحب لكم الخير؛ نذكّر أنفسنا وإياكم بضرورة الالتفات بجدية إلى هذا القرآن لنغنم من كنوزه، ونسعد في ظلاله، وتزيد عطاءاتنا بفضله.. ونفوز في دنيانا وآخرتنا.. وأسأل الله ألا نندرج فيمن شكاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه: " وقال الرسول: ياربّ، إن قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورًا". [الفرقان30] وفقنا الله جميعًا لما يحبه ويرضاه.     
  
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
يتبع    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
 
إخوتي السراة : سلامٌ عليكم ورحمة من الله وبركات......
السيد محمد رضا الشيرازي هو كاتب ( فضل السورة) ، وإذا أردتم التفصيل فتكرَّموا بفتح هذا الموقع.
*د يحيى
23 - يوليو - 2010
الشيرازي والإلهام......    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
للسياق أثر كبير على مقصود دلالة المتكلم، ونقصد بـ"السياق": الجو العام الذي يحيط بالكلمة وما يكتنفها من قرائن وعلامات.
إن الكلمة الواحدة والجملة الواحدة قد تحمل مدلولين متناقضين تماماً دون أن تختلف الكلمة في بنائها الداخلي، وإنما الذي تغير هو السياق والقرائن المحيطة. فقد يقول الأب لابنه: "افعل الأمر الفلاني" وهو يقصد المعنى الظاهري لهذه الكلمة، وقد يستخدم نفس الكلمة ويقصد بها التهديد الذي نستطيع اكتشافه من خلال القرائن، وهنا ينقلب معنى "افعل" إلى معنى مناقض تماماً - هو: "لا تفعل."
وهذا هو - بالضبط - ما ينطبق على القرآن الكريم، فقد يستخدم القرآن صيغة الأمر ويقصد بها مدلولها الظاهر عندما يقول: ((أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ))1، وقد يقصد بها الإباحة عندما يقول: ((وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ))2 عقيب الحظر في قوله: ((لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ))3، وقد يقصد التهديد عندما يقول: ((فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ))4، وقد يقصد التعجيز والتحدي عندما يقول: ((فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ))5 أو عندما يقول على لسان نبي الله هود (عليه السلام) مخاطبا قومه الكافرين: ((فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ))6، وهكذا وهلم جرا.
لقد استخدمت هذه الآيات جميعا في صيغة الأمر: "أقم"، "فاصطادوا"، "فاعبدوا"، "فأتوا"، "فكيدوني" فما الذي جعلها تعطي مدلولات مختلفة بل ومتناقضة أيضا؟ إنه السياق القرآني والقرائن الخارجية.
ونحن نجد المسلمين الأولين ربما كان يستطيعون أن يحددوا مدلول كلمة معينة أو آية معينة في القرآن من خلال سياقها العام، ففي الحديث أن أحد الصحابة قرأ على المنبر قوله تعالى: ((فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلا، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا))7، ثم أردف: "كل هذه عرفنا، فما الأب؟" ثم حرك عصى كانت في يده، وقال: "هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب؟" وأضاف موجهاً إلى الجماهير: "اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب واعملوا به، وما لم تعرفه فكلوه إلى ربه."8 وقد نقل أن علياً (عليه السلام) جاء بعد ذلك، وقال: "إن معنى اللفظ في الآية ذاتها، لأن الله يقول: ((وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ))، فالفاكهة لكم، والأب لأنعامكم."9 وهكذا كشف الإمام علي (عليه السلام) للناس معنى الأب من خلال السياق القرآني.
وفي حديث آخر أن عمر مر يوماً بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن، فاستقه، فخلط له الفتى الماء بعسل وقدمه إليه، فلم يشربه، وقال: "إن الله تعالى يقول: ((أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا))" فقال له الفتى: "إنها ليست لك، ولا لأحد من أهل القبلة. أترى ما قبلها: ((وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا))10،" فقال عمر: "كل الناس أفقه من عمر."11
لقد تصور عمر أن هذه الآية تنهى المؤمنين عن تناول الطيبات، وتدعوهم لتأجيلها إلى الآخرة، وتؤكد أن الذين يعجلون بالطيبات في هذه الحياة ليس له منها نصيب في الآخرة، وكان هذا التصور نابعاً من تجزيئه للآية الكريمة. ولكن الفتى الأنصاري استطاع أن يفهم أن المراد "أنه يقال للكافرين حين عرضهم على النار: لقد أنفذتم الطيبات التي /كنتم/ تتلذذون بها في حياتكم الدنيا /و المراد بالطيبات: المعاصي والذنوب ولذلك عبر القرآن بـ"طيباتكم"/ فلم يبق لكم شيء تتلذذون بهم في الآخرة."12، ولم يكن الأنصاري ليستطيع أن يدرك المعنى إلا من خلال ملاحظته لسياق هذه الآية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر استطاع بعض المسلمين أن يكتشفوا ترابط بعض الآيات من خلال ملاحظة السياق القرآني:
لقد سمع أحد العرب رجلاً يتلو أية هكذا: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءاً بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم."
فقال الإعرابي: أخطأت.
قال: وكيف؟
قال: إن المغفرة والرحمة لا تناسبان قطع يد السارق.
فتذكر الرجل الآية، وقال: ((وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))13، فقال الإعرابي: نعم، بعزته أخذها، وبحكمته قطعها14.
من كل ذلك نستطيع أن نكتشف أن "السياق القرآني" هو عامل مهم في فهم القرآن الكريم عندما يكون مؤشراً في صناعة الظهور اللفظي للكلمة أو الجملة، وأن المسلمين الأولين استطاعوا أن يستفيدوا من هذا العامل في فهم أو تفهيم الآية القرآنية.
وجاءت أجيال أخذت تفصل بين الجملة القرآنية وبين السياق، لتستنتج من ذلك - عن علم أو جهل - مفاهيم تتنافى مع أبسط مبادئ الدين. هذه الأجيال أخذت تفسر القرآن على طريقة من يستدل على عدم وجوب الصلاة بقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ))، وقد ترتب على ذلك مضاعفات في مجالات مختلفة، ونذكر منها ما يلي:
  1. مجال العمل والتحرك.
  2. مجال العقيدة والإيمان.
  3. مجال فهم "الكلمة" القرآنية.
ولكن كيف؟ دعنا نعرف.
أولا: في المجال العملي
يقول القرآن الكريم: ((وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ))15.
هذه المقطوعة من الآية أصبحت شعاراً للمتقاعسين الذين يريدون التهرب من مسؤوليات العمل والتضحية، ولكن دعنا نلقي نظرة على سياق هذه الآية لكي نفهم ما هو المقصود. يقول القرآن الكريم: ((وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ، الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ، وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))16.
فقد جاءت هذه الآية في سياق آيات تحث المؤمنين على الجهاد في سبيل الله، ذلك لأن الجهاد كما يحتاج للرجال يحتاج للمال، ورغم أن كل مسلم مجاهد كان يجهز نفسه بعدة القتال ومركب القتال وزاد القتال إلا أن كثيراً من فقراء المسلمين الراغبين في الجهاد لم يكونوا يجدون ما يزودون به أنفسهم ولا ما يتجهزون به من عدة الحرب ومركب الحرب، وكانوا يجيئون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يطلبون منه أن يحملهم إلى ميدان المعركة البعيد، الذي لا يبلغ على الأقدام، فإذا لم يجد ما يحملهم عليه ((تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ)) كما يحكي عنهم القرآن.
ومن أجل هذه كثرت التوجيهات القرآنية إلى الإنفاق في سبيل الله: الإنفاق لتجهيز الغزاة، وصاحبت الدعوة إلى الجهاد دعوة الإنفاق في معظم المواقع، وعقيب هذه الدعوة يؤكد القرآن على أن عدم الإنفاق في سبيل الله يعني: إلقاء النفس في التهلكة، ذلك أن البخل يسبب تضعضع الجبهة الداخلية للمؤمنين وبالتالي انتصار الأعداء عليهم وإبادتهم ماديا ومعنوياً.
ثم يطالب القرآن الأمة المؤمنة بالمزيد من البذل والعطاء حين يقول: ((وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))، إذن، فالسياق - هنا - يؤكد أن المراد من التهلكة هي: التهلكة التي تنبع من عدم الإنفاق، فتأمل.
ثانيا: في المجال العقائدي
يقول القرآن الكريم: ((بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ))17. من خلال هذه المقطوعة من الآية وآيات أخرى غيرها يحاول "التجزيئيون" أن يفهموا أن لله تعالى وجهاً وعيناً ويداً وساقاً إلى غير ذلك من الأعضاء والجوارح18. ولكن هل هو صحيح ما يفهمون؟ قبل أن نجيب على هذا السؤال لابد أن نوضح حقيقة هامة هي: أن لليد استعمالات مختلفة فبعضها حقيقي وبعضها غير حقيقي، والسياق الظهوري هو الذي يستطيع أن يبين المعنى المقصود.
مثلاً: إذا سمعت شخصاً يسأل زميله قائلاً: "ما فعلت الشرطة بفلان؟" فأجاب: "غلّوا يده وراء ظهره، وأدخلوه السجن،" فما الذي تفهم من كلمة "اليد" هنا؟ لا شك أنك تفهم المعنى الحقيقي لليد، أي تلك القطعة المكونة من لحم وعظم والمتصلة بالذراع.
أما لو سأل أحدهما من الآخر عن جود فرد معين، فأجابه بأن يده مغلقة أو مغلقة أو مغلولة إلى عنقه، فهل تفهم من ذلك أن هنالك مرضاً في يديه لا يدعه يفتحها، أو أن هنالك حبلا يربط يديه إلا عنقه؟ أو عندما يقول القرآن: ((وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ))19 فهل تُجَمّد على ظاهر اللفظ بعيداً عن اللفظ العربي الدقيق، وتجعل المعنى: ولا تشد يديك إلى رقبتك كالكسير، ولا تمدهما إلى طرفيك أفقياً كلاعب رياضة، أم أنك تفهم أن "غل اليد إلى العنق" و "بسط اليد" تعبيران غير حقيقيين يقصد منهما البخل والإسراف؟
وإذا اتضحت هذه الحقيقة نقول: إن سياق هذه الآية الكريمة يكشف لنا أن "اليد" هنا لم تستعمل بمعناها الحقيقي، بل هي مجرد تعبير غير حقيقي يقصد به التعبير عن مدى جود الله وكرمه في قبال أولئك اليهود الذين اتهموا الله بالبخل والذين جاءت هذه الآية الكريمة للرد عليهم.
والآن تعالوا نلقي نظرة شمولية على هذه الآية الكريمة: ((وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء))20، فماذا نفهم؟ هل نفهم المعنى الحقيقي لكلمة "اليد" أم أننا نفهم المعنى غير الحقيقي الذي يعني: الجود والعطاء؟
الحكم متروك للقراء الكرام.
ثالثاً: في مجال فهم الكلمة القرآنية
يقول الله تعالى: ((الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ))21.
ربما يرجح كون "النجم" في هذه الآية الكريمة بمعنى ما نجم أي طلع من النبات على غير ساق، وهو خلاف الشجر، لأن المعنى هو الذي ينسجم مع السياق القرآني، فعندما نفسر "النجم" هنا بأنه ما لا ساق له من النباتات يكون الارتباط واضحاً بينه وبين "الشجر" - باعتبار أن "النجم" هو النبات الضئيل و"الشجر" هو النبات الكبير الحجم. بعكس ما لو فسرنا النجم بـ"الكوكب"، فتأمل.
إلى هنا نكون قد انتهيا من البحث الأول من بحوث "الفهم التجزيئي للقرآن"، وكان يدور حول فصل الجملة القرآنية عن السياق. وتبقى - هنا - ملاحظتان:
الأولى: أن "السياق القرآني" - وإن كان عاملاً هاماً في فهمنا لمعاني القرآني <القرآن> إلا أنه يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع العوامل الأخرى المساعدة على فهم الآيات الكريمة من التفاسير والروايات وموارد نزول الآيات وما أشبه.
الثانية: في حالة تعارض الروايات الصحيحة مع "السياق القرآني" المتصور تقدم الروايات بالطبع، وذلك لأن السياق لا يشكل أكثر من "ظهور" للجملة، ومن الواضح أن الظهور يمكن التصرف فيه بالقرائن المنفصلة التي تكشف عن كون الإرادة الجدية غير مطابقة للإرادة الإستعمالية، وتفصيل الكلام في ذلك موكل إلى "علم الأصول".
(1) سورة الإسراء - 78
(2) سورة المائدة - 2
(3) راجع الكتب الأصولية في مبحث "الأمر عقيب الحظر"
(4) سورة الزمر - 15
(5) سورة البقرة - 23
(6) سورة هود - 55
(7) سورة عبس - 27 - 31
(8) الغدير - ج 6 - ص 99
(9) بحوث في القرآن الحكيم - ص 40
(10) سورة الأحقاف - 20
(11) شرح نهج البلاغة - لابن أبي حديد - ص 61 - طبعة دار إحياء التراث العربي
(12) الميزان في تفسير القرآن - ج 18 - ص 206
(13) سورة المائدة - 38
(14) القرآن كتاب حياة - ص 67، 68
(15) سورة البقرة - 195
(16) سورة البقرة - 193 - 195
(17) سورة المائدة - 64
(18) ويقول شاعرهم في ذلك:
لله وجـه لا يحـــد بصورة --- ولربنا عينــان ناظــرتان
وله يـدان كما يقول إلــهنا --- ويمينه جلت عن الإيمــان
والله يضحك لا كضحك عبيده --- والكيف ممتنع على الرحمن
والله ينــزل كل آخر ليـلة --- لسمـائه الدنيا بلا كتــمان
فيقول هل من سائل فأجيـبه --- فأنا القريب أجيب من ناداني

بل لقد تطرف بعضهم حتى حكى الكعبي عنه: أنه كان يجوز الرؤية في دار الدنيا، وأن يزوروا الله ويزورهم، وحكي عن داود الجواربي أنه قال: "هو /أي الله/ أجوف من أعلاه إلى صدره، مصمتا /أي غير مجوف/ ما سوى ذلك، وأن له وفرة /الشعر المتدلي/" كما أنهم رووا أن الله اشتكى عينيه فعادته الملائكة، وأنه بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه، وأن العرش ليئط من تحته /أي يصوت ويهتز/ أطيط الرحل الحديد. تعالى الله سبحانه عن ذلك علواً كبيراً. (راجع التمهيد - ج 1 - ص 64، 65)
(19) سورةالإسراء - 69
(20) قال الزمخشري في الكشاف: "... حتى أنه يستعمل /أي مثل هذه التعبيرات غير الحقيقية/ في ملك لا يعطي عطاءاً قط، ولا يمنعه إلا بإشادته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها، ولو أعطى الأقطع /أي مقطوع اليد/ إلى المنكب عطاءاً جزيلاً لقالوا: ما أبسط يده بالنوال، لأن بسط اليد، وقبضها عبارتان وقعتا متعاقبتين للبخل والجود" راجع الكشاف - المجلد الأول - ص 627 - طبعة دار المعرفة - لبنان
(20) سورة المائدة - 62
(21) سورة الرحمن - 5، 6
*د يحيى
23 - يوليو - 2010
" تهادوا تحابوا " صدق سيدي رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلَّم...    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
 
لو اطلعتم - إخوتي - على هذا الموقع لَمُلئتم منه حبورا......
 
لا تنسونا من دعائكم .
*د يحيى
23 - يوليو - 2010
عقيدة أهل السنة والجماعة.    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
عقيدة أهل السنة والجماعة على هذا الرابط:


*تركي
24 - يوليو - 2010
كل الناس أفقه من عمر!    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
كل الناس أفقه من عمر...
نعم... قالها عمر –رضي الله عنه- ولكن في موقفٍ مختلف.. قالها حين كان يومًا على المنبر وطلب من الناس أن لا يغالوا في مهور النساء، ولما نزل قالت له امرأة من قريش: نهيتَ الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت قول الله تعالى: ((وآتيتم إحداهن قنطارا)) ( القنطار: المال الكثير). فقال: اللهم غفرانك، كل الناس أفقه من عمر.
ثم رجع فصعد المنبر، وقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في مهور النساء، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل.
صحيح أن هذه الحادثة تدل على أن عمر قد غاب عنه ذلك الحكم القرآني.. وما يضيره في ذلك؟ بل إن هذا أمر جِبِلّي في حياة الناس، حتى ولو كانوا من العباقرة الأفذاذ... وهب أن ذلك تكرر مرات ذوات العدد.. فماذا في الأمر؟  فلو أنّ عمر لن يُخطئ وأن عثمان لن يُخطئ أو أي واحد من الصحابة لن يُخطئ لما كان هناك من حاجة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان حين جهّز جيش الْعُسرة " ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم " فهذا يعني أنه يمكن أن يفعل خطأً..والرسول صلى الله ليه وسلم يقول:" كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون" [ عن أنس، بلوغ المرام]   لكن الذي لم يغب عن عمر منذ أن تولّى الخلافة هو تعويده للناس أن يقولوا الحق، لا يخشون في الله لومة لائم ولا حتى "درّة عمر" كما يُقال.. وما فعلته المرأة حين اعترضت عليه لخير دليل على ذلك، وأعظم وأكرم بما فعل حين صعد المنبر ثانية وتراجع عن قوله السابق.. فلله درك يا أمير المؤمنين.. وحادثة أخرى لا تقل أهميّة عن الأولى، فقد جاءت إلى عمر بُرود من اليمن، ففرقها على النّاس بُرْدًا بُردًا..ثم صعد المنبر يخطب وعليه حُلّة نها  فقال: اسمعوا رحمكم الله. فقام إليه سلمان، فقال: والله لا نسمع، والله لا نسمع. فقال: ولِمَ يا عبد الله؟ فقال: يا عمر!تفضّلت علينا بالدّنيا، فرّقتَ علينا بُرْدًا بُرْدًا، وخرجتَ تخطب في حُلّة منها؟ فقال: أينَ عبد الله بنُ عمر؟ فقال: ها أنذا يا أمير المؤمنين! قال: لِمَن أحد هذين البُردين اللذين علي؟ قال: لي. فقال لسلمان: عجلتَ عليّ يا أبا عبد الله، إني كنتُ غسلتُ ثوبي الْخَلِقَ، فاسْتعرْتُ ثوب عبد الله. قال: أما الآن فقل: نسمع ونُطع [ الطبري 5:24].
ولا يقدح في كون عمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين أن يُراجَع في مرة أو مرتين أو أكثر أو أن يغيب عنه أمر... وإلا لما كانت الشورى بين المؤمنين .. فكيف يُلجأ إلى الشورى إن كان كل ما يراه الأمير مبتوتًا في صحته، ولا يغيب عنه شيء... وهذا ما جعل عمر مطمئنًا في ولايته.. فهب أنه قد غاب عنه أمر أو أمور.. فلا ضير ما دام إلى جواره أعوانه ووزراؤه يذكرونه وينبهونه ويسألهم إن اقتضى الأمر سؤالهم.. وكثيرة تلك الحالات التي كان يسأل فيها إخوانه ولا سيّما حبيبه وأخاه وأبا زوجته أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومع الاعتراف والإشادة بصفاته الفردية فإن عدله وزهده وفتوحاته وكل حسن جميل لديه يوم خلافته كان بهم... وهذا المعنى يتضح بدقة من رد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمن سأله في عهد خلافته عن كون الأمور في عهده ليست كما كانت في عهد أبي بكر وعمر فقال: كانوا أمراء على مثلي وأنا أمير على أمثالكم!!.
من جهة أخرى ليس من الضروري التذكير بأن قولة عمر : "كل الناس أفقه من عمر" هي عبارة تُحْسب له لا عليه.. فهي تدل على تواضعه واعترافه بفضل الآخرين.. وتشجيع الناس على تحري أقواله ومراجعته فيما يرون أنها غير صحيحة أو مخالفة للأولى... وهو من هو في موقعه ذاك. ويترتب على خير من ولي أمور الناس بعد عصر الخلافة الراشدة أن يبذل ويجهد كثيرًا حتى يبلغ أقل من مدّه أو نصف مده..وما هو ببالغ..
وأمر آخر، فقد ورد أن عمر كرر العبارة نفسها حين التقى فتًى في الطريق يحمل ماءً فاستسقاه عمر؛ فأضاف الفتى إلى الماء عسلاً، وقدمه لعمر، فقال عمر: لا أشربه وحين سأله الفتى عن السبب قال له: أنسيت قول الله تعالى " أَذهبتم طيباتكم في حياتكم الدّنيا". فقال لفتى: هذه لست لك ولا لأحد من المسلمين يا أمير المؤمنين.. هي في حق الكفار.. فقال عمر " كل الناس أفقه من عمر.
ومع أن روايات عديدة تروي احتجاج عمر بالآية الكريمة، إلا أنه لا توجد أي واحدة منها تحدّث أو يُفهم منها أن عمر كان يجهل مدلول الآية؛ وإنما كان يُفهم منها حرص عمر على التقشف وعدم التلذذ بالطيبات.. فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلّقاً في يدي فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: اشتهيت لحمًا فاشتريتُه. فقال عمر: أَوَ كلما اشتهيت اشتريت  يا جابر؟ ما تخاف الآية: ( أَذهبتم طيباتكم في حياتكم الدّنيا) ؟. [ الرياض النّضرة2/47]. تُرى لو فهم جابر أن عمر لا يعرف مدلول الآية ولا يعلم أنها تعني الكفار.. أما كان يرد عليه، ويجلي له الحق الغائب.. والقصتان التاليتان تبينان بوضوح صحة ما ذكرناه ..
الأولى:قدم أبو موسى في وفد البصرة على عمر قال: فقالوا: كنّا ندخل كلَّ يوم وله خُبَزٌ ثلاث، فربما وافقناها مأدومة بزيت، وربما وافقناها بسمن، وربّما وافقناها بالّلبن، وربما وافقناها بالقدائد (أي اللحموم المجففة) اليابسة قد دُقت ثم أُغْلي بها، وربما وافقنا اللحم الغريض (الطري) وهو قليل. فقال لنا يومًا: أيها القوم، إني والله لقد أرى تعذيركم وكراهيتكم طعامي، وإني والله لوشئت لكنت أطيبكم طعامًا، وأرفغكم (أرفهكم) عيشًا، أما والله لو شئت لدعوت بصلاء (شواء) وصِناب (خردل) وصلائق (خبز رقاق)، وكراكر وأسنمة وأفلاذ  (الْكِرْكِرة: زَور البعير، والسنام : أعلاه، أفلاذ: قطع من الكبد، وكل ذلك من أطايب ما يؤكل من الإبل)، ولكني سمعتُ اللهَ جلّ ثناؤه عيّر قومًا بأمر فعلوه فقال: ( أذهبْتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واسْتمتعتم بها). [ ابن سعد 1/200، وسراج الملوك 109 و الفائق 2/18]
الثانية:كان حفص بن أبي العاص يحضر طعام عمر فكان لا يأكل. فقال له عمر: ما يمنعك من طعامنا؟ قال: إنّ طعامك جَشبٌ غليظ، وإني راجع إلى طعامٍ ليّن قد صُنع لي فأصيب منه. قال: أتراني أعجز أن آمر بصغار المِعزى‘ فيُلقى عنها شعرها، وآمر بلُباب البُر، ثم آمر به فيُخبز خُبزًا رقاقًا، وآمر بصاع من زبيب فيُقْذَف في سُعْن ( قُربة تُقطع من نصفها) حتى إذا صار مثل عين الحجل صبّ عليه الماء، فيصبح كأنّه دم غزال، فآكل هذا وأشرب هذا؟ فقال: إني لأراك عالمًا بطيب العيش. فقال: والّذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم، لكنني أسْتبقي طيّباتي لأني سمعتُ اللهَ تعالى يقول عن أقوام: (أذهبْتم طيّباتكم في حياتكم الدّنيا واسْتمتعتم بها) [ ابن سعد 1/201].
فمن الواضح أنه غير مطلوب من المرء إلا أن يقرأ ما سبق ليعلم أن عمر كان يعلم أن الآية لا تشمل المؤمنين، وإنما هي للكفار، انظر –مثلاً- إلى عبارته" والّذي نفسي بيده لولا أن تنتقص حسناتي لشاركتكم في لين عيشكم" فالمسألة هي خشية انتقاص الحسنات لا الخوف من أنه مشمول بالآية فيحرم بتاتًا من طيبات الآخرة..وأن ما كان منه لا يعدو كونه ضربًا من ضروب الزهد والتقشف والاقتداء بحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم. ويتضح ذلك جليًا حين نجد أن عمر كان يُحدث من يخاطبهم بتلك الآية بما رأى بأم عينه وشاهد بنفسه حين دخل على حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم..يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قال : فجلست ، فإذا عليه إزاره ، وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ، وقرظ في ناحية في الغرفة ، وإذا إهاب معلق ، فابتدرت عيناي ، فقال : ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟ فقال : يا نبي الله وما لي لا أبكي ! وهذا الحصير قد أثر في جنبك وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار ، وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك . قال : يا ابن الخطاب أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟. [صحيح الترغيب والترهيب].
*محمد جميل
24 - يوليو - 2010
الحُبُك ؟     ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 

الحُبُك: صور كونية تسبح الله
تاريخ المقال : 15/6/2010 | عدد مرات المشاهدت : 4266

إعداد المهندس عبد الدائم الكحيل
كاتب وداعية إسلامي ـ سورية
طرح العلماء سؤالاً عن شكل الكون: ما شكل كوننا الذي نعيش فيه؟ فبعدما اكتشفوا أن مجرتنا ليست هي الوحيدة في الكون، وجدوا أن الكون مليء بالمجرات، وأن هذه المجرات تصطف على ما يشبه خيوط النسيج!
المجرة هي: تجمع من النجوم يحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم، ومجرتنا هي مجرة درب التبانة وتحوي هذا العدد الهائل من النجوم، ولو نظرنا إلى السماء في ليلة صافية لوجدنا معظم النجوم التي نراها تنتمي إلى هذه المجرة ولكن هذه المجرة ليست هي الوحيدة في الكون إنما هنالك أكثر من أربع مئة ألف مليون مجرة!
هذه المجرات تتوضّع كما كان يعتقد العلماء عشوائياً يعني ظل الاعتقاد السائد أنها تتوضع عشوائية وليس هناك أي نظام يربط بينها، ولكن في العام الماضي قام علماء من الولايات المتحدة الأمريكية ومن كندا ومن ألمانيا بأضخم عملية حاسوبية على الإطلاق كان الهدف من هذه العملية معرفة شكل الكون ولكن هذه المهمة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق هو السوبر كمبيوتر.
السوبر كمبيوتر هو جهاز كمبيوتر عملاق يزن أكثر من مئة ألف كيلو غرام وهذا الجهاز يحتاج إلى مبنى ضخم وتكاليف باهظة والعجيب أن سرعة هذا الجهاز في معالجة المعلومات أو البيانات أنه ينجز في ثانية واحدة ما تنجزه الحاسبات الرقمية العادية في عشرة مليون سنة، فتأملوا معي ضخامة هذا الجهاز الذي سماه العلماء بـ (سوبر كمبيوتر).
لقد أدخل العلماء عدداَ ضخماً من البيانات حول هذا الكون فأدخلوا بياناتٍ حول أكثر من عشرة آلاف ملايين المجرة وبيانات حول الدخان الكوني وبيانات حول المادة المظلمة في الكون وبقي هذا الكمبيوتر العملاق ، وعلى الرغم من سرعته الفائقة بقي شهراً كاملاً في معالجة هذه البيانات وكانت الصورة التي رسمها للكون تشبه تماماً نسيج العنكبوت.
إن الذي يتأمل هذه الصورة وما فيها من نسيج محكم يلاحظ على الفور أن المجرات لا تتوضع عشوائياً إنما تصطف على خيوط طويلة ودقيقة ويبلغ طول الخيط الواحد مئات الملايين من السنوات الضوئية، عندما رأى العلماء هذه الصورة أدركوا على الفور وجود نسيج محكم في السماء فأطلقوا مصطلح (النسيج الكوني). بدأ العلماء بعد ذلك بدراسة تفاصيل هذا النسيج وبدؤوا يصدرون أبحاثاً ومقالاتٍ حول هذا النسيج ومن أهمها مقالة بعنوان(كيف حُبِكَت الخيوط في النسيج الكوني) والذي استرعى انتباهي في هذا البحث أن هؤلاء العلماء يستخدمون الكلمة القرآنية ذاتها، يستخدمون كلمة Weave باللغة الإنكليزية وهي تماماً تعني حبك، وأدركت مباشرة أن هذه الآية تصوّر لنا تماماً هذا النسيج في قوله تعالى (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).
يقول الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ): إذا أجاد الحائك الحياكة قالوا ما أحسن حبكه!).
إذن، فالإمام الزمخشري تحدث عن نسيج تم حبكه بإحكام. والإمام القرطبي تناول هذه الآية أيضاً وقال فيها: " ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه يقال منه حبَك الثوب يَحبِكُه حَبكاً أي: أجاد نسجه"، ولكن الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى له تفسير جميل وعجيب ويطابق مئة بالمئة ما يقوله اليوم علماء الغرب! فالإمام ابن كثير يقول: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ أي: حُبكت بالنجوم، ولو تأملنا المقالات الصادرة حديثاً عن هذا النسيج لاحظنا أن العلماء يقولون: إن الكون حُبك بالمجرات.
تحدث العلماء عن هذا النسيج طويلاً، ووجدوا بأن هذا النسيج هو نسيج مُحكم لأننا إذا تأملنا في صورة النسيج الكوني نلاحظ أن لدينا كل خيط تتوضع عليه آلاف المجرات ولا ننسَى أن كل مجرة فيها مئة ألف مليون نجم وهي تبدو في هذه الصورة كنقطة صغيرة لا تكاد ترى فالنقاط الصغيرة في هذه الصورة النقاط المضيئة هي مجرات، ونلاحظ أن هذه المجرات تصطف على خيوطٍ دقيقة جداً وكل خيط يبلغ طوله ملايين بل مئات الملايين من السنوات الضوئية !!
إن هذا النسيج يتحدث عنه علماء الغرب بقولهم إن خيوطه قد شُدّت بإحكام مذهل أي أنه نسيج وأنه محكم وهو أيضاً متعدد، يعني هذا النسيج الكوني لا يتألف من طبقة واحدة، إنما هنالك طبقات بعضها فوق بعض. ولو تأملنا الصور التي رسمها السوبر كمبيوتر لهذا النسيج وما فيه من تعقيد وإحكام مُبهر لاحظنا أن الله تبارك وتعالى قد أحكم صناعة هذا النسيج بشكل يدلّ على أنه عز وجل قد أتقن كل شيء، كيف لا وهو القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].
السنة الضوئية: هي ما يقطعه الضوء في سنة كاملة، فالضوء يسير بسرعة تبلغ ثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، ففي سنة كاملة يقطع مسافة تساوي: سنة ضوئية واحدة. إن مجرتنا التي تحوي أكثر من مئة ألف مليون نجم يبلغ قطرها أو طولها مئة ألف سنة ضوئية؛ أي أن الضوء يحتاج حتى يقطع مجرتنا من حافتها إلى حافتها مئة ألف سنة كاملة، فتأملوا كم يحتاج الضوء ليقطع الكون من حافته إلى حافته. والعلماء يقدرون حجم هذا الكون بحدود ثلاثين ألف مليون سنة ضوئية، طبعاً هذا الكون المرئي وما بعد هذا الكون لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى.
لو تأملنا كلمة (الحُبُك) لاحظنا أنها تتضمن عدة معانٍ: الشد، والإحكام، والنسيج، وأيضاً تتضمن معاني الجمع لأن كلمة الحبك جاءت بالجمع وليست بالمفرد، يعني: الله تبارك وتعالى لم يقل (والسماء ذات الحبيكة الواحدة) بل قال (الحُبُك) وكلمة الحبك هي جمع لكلمة (حبيكة) ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قد جمع في كلمة واحدة عدة معانٍ لهذا النسيج، فالنسيج قد يكون محكماً أو هزيلاً وقد يكون قوياً وقد يكون ضعيفاً وقد يكون مفككاً أو مترابطاً، ولكن كلمة (الحبك) تعني النسيج المحكم، و(حَبك) تعني أنه أتقن وأحكم صناعة هذا النسيج وهذا ما يقوله العلماء اليوم يؤكدون أن النسيج الكوني ليس نسيجاً عادياً، إنما هو نسيج محكم وقد شُدّت خيوطه بإحكام.
ومن هنا نستطيع أن نستنج أن الله تبارك وتعالى قد أودع في كل كلمة من كلمات كتابه معجزة مبهرة، ففي كلمة واحدة هي كلمة (الحُبُك) تتجلى أمامنا معجزة عظيمة، هذه المعجزة العظيمة تتضح أمامنا من خلال أن الله تبارك وتعالى عبّر بكلمة واحدة عن حقيقة هذا النسيج، بينما العلماء يستخدمون كلماتٍ متعددة حتى يصلوا إلى النتيجة ذاتها.
من الأشياء الغريبة التي لاحظتها أننا لو جئنا بمقطع من دماغ إنسان مثلاً وقمنا بتكبير خلايا الدماغ العصبية نلاحظ أن الصورة الناتجة صورة نسيج الدماغ تشبه تماماً صورة النسيج وهذا يدل على أن الخالق واحد: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [الزمر: 62].
لماذا ذكر الله تبارك وتعالى هذه الحقيقة في كتابه المجيد؟!
نعلم أن علماء اليوم يندفعون باتجاه اكتشاف أسرار الكون ودافعهم في ذلك حب الفضول وحب المعرفة، ولكن القرآن لا نجد  فيه آية واحدة إلا ووراءها هدف عظيم. فلو تأملنا سلسلة الآيات في قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [ الذاريات: 7-9] والإفك هو الكذب، أي أن هؤلاء الذين يفترون على الله كذباً ويقولون إن هذا القرآن ليس من عند الله إنما كلامهم مضطرب ولا يستقيم أبداً، ولو تأملنا سلسلة الآيات لاحظنا أن الله تبارك وتعالى يقول بعد ذلك: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ* فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) [الذاريات: 20-23].
وهنا نصل إلى الهدف من هذه الحقيقة الكونية: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)، أي: أيها الملحدون المشككون بكتاب الله تبارك وتعالى كما أنكم لا تشكون أبداً في رؤيتكم لهذا النسيج المحكم، وكما أنكم لا تشكُّون في أنكم تنطِقون، كذلك ينبغي أن تدركوا وتتأكدوا أن هذا الكلام هو كلام الله تبارك وتعالى، لأنه لا يمكن لبشر أن يتنبأ بالبنية النسيجية للكون قبل أربعةَ عشرَ قرناً.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
 
المراجع :
[1] E Papantonopoulos, The Physics of the Early Universe, Springer,2005.
[2] Volker Springel, Professor Carlos Frenk, Professor Simon White, Millennium Simulation – the largest ever model of the Universe, University of Durham, 2005.
[3] Matts Roos, Introduction to Cosmology, John Wiley and Sons, 2003.
[4] Robert Sanders, "Dark matter" forms dense clumps in ghost universe, University of California, 05 November 2003.
[5] Michael Rowan-Robinson, Cosmology, Oxford University Press, 1996.
[6] Malcolm S. Longair, The Cosmic Century, Cambridge University Press, 2006.
[7] Klapdor-Kleingrothaus, Dark Matter in Astro- And Particle Physics, Springer, 2003.
[8] Neil J C Spooner, Vitaly Kudryavtsev, The Identification of Dark Matter, World Scientific, 2001.
[9] The Age of the Universe, Dark Matter, and Structure Formation, Colloquium on the Age of the Universe St, National Academies Press, 1998.
[10] N Katherine Hayles, Cosmic Web, Cornell University Press, 1984.
[11] Robert A. Simcoe, The Cosmic Web, Americanscientist, Volume: 92 Number: 1 Page: 30, 1.30. 2004.
[12] Maggie McKee, Washington DC, Mini-galaxies may reveal dark matter stream, New Scientist, 12 January 2006.
[13] David Wands, A brief history of cosmology, www-history.mcs.st-andrews.ac.uk, March 1997.
[14] Our own Galaxy - the Milky Way, University of Cambridge, www.cam.ac.uk.
[15] BBC News Onlin, Supercomputer to simulate bomb tests, news.bbc.co.uk, 30 June, 2000.
[16] Palle Møller, Johan Fynbo, Bjarne Thomsen, A Glimpse of the Very Early Universal Web, European Southern Observatory, 18 May 2001.
[17] Tim Radford, A duplicate universe, trapped in a computer, www.guardian.co.uk, June 2, 2005.
[18] Biggest ever cosmos simulation, news.bbc.co.uk, 1 June, 2005.
[19] Heather Hasan, How Mathematical Models, Computer Simulations and Exploration Can Be Used To Study The Universe, p134, The Rosen Publishing Group, 2005.
[20] Manolis Plionis, Spiros Cotsakis, Modern Theoretical and Observational Cosmology, Springer, 2002.
[21] J. Richard Bond, Lev Kofman & Dmitry Pogosyan, How filaments of galaxies are woven into the cosmic web, Nature 380, 603 - 606 ,18 April 1996.
[22] Gemini, Subaru & Keck, Discover large-scale funneling of matter onto a massive distant galaxy cluster, www.gemini.edu, 30 June 2004
*د يحيى
24 - يوليو - 2010
الفرق بين الإنزال والتنزيل    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
القرآن بين الإنزال والتنزيل
قال الله عز وجل :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة: 185] ، فأخبر سبحانه في هذه الآية أن ( القرآن ) أنزل في شهر رمضان هدى للناس ( كل الناس ) ، ولم يبين : هل أنزل في الليل منه ، أو في النهار ؟ ولكنه بين في غير هذا الموضع أنه أنزل في ليلة القدر من رمضان ؛ وذلك في قوله تعالى :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر ﴾ [القدر: 1] ، وهي التي وصفها الله تعالى بقوله :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3] .
وقد ثبت عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه سُئِل عن قول الله عز وجل في الآيات الثلاثة السابقة ، وقد نزل في سائر الشهور ، وقال عز وجل :﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ، فقال : « أُنْزِلَ القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان إلى بيت العزَّة في السماء الدنيا ، ثم نزل به جبريل- عليه السلام- على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجومًا في ثلاث وعشرين سنة » .
وهذا القول أصح من قول محمد بن إسحق ( صاحب السيرة ) الذي ذكر فيه أن المراد من إنزال القرآن في ليلة القدر من شهر رمضان : « أن ابتداء نزوله كان ليلة القدر من شهر رمضان » . وقد أخذ بهذا القول بعض المفسرين منهم ابن عاشور .
ومما يبين صحة القول الأول أن لفظ ( الإنزال ) مختصٌّ بما يكون النزول فيه جملة واحدة . وأن ( التنزيل ) مختصٌّ بما يكون النزول فيه على سبيل التدريج ، فحيث ذكر القرآن أو غيره بلفظ ( الإنزال ) كان المراد منه : النزول به جملة واحدة ؛ كما في قوله تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21] ، وقوله تعالى :﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ (الشورى: 17) ، وقوله تعالى :﴿ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد: 25] . وحيث ذكر بلفظ ( التنزيل ) كان المراد منه : النزول مفرقًا بالتدريج ؛ كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً ﴾ [الإنسان: 23] ، وقوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [البقرة: 176] .
فالمراد بـ( أنزلنا ) في الآيات السابقة : النزول دفعة واحدة ، والمراد بـ( نزلنا ) : النزول بالتدريج ، حسب ما يقتضيه المقام ، ويوضح ذلك قوله تعالى :
﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الإسراء: 82]
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ ﴾[المائدة: 101] .
فعبر تعالى عن ذلك في الآيتين بلفظ ( التنزيل ) ، دون لفظ ( الإنزال ) ، وقد بين الله عز وجل الحكمة من تنزيل القرآن مفرَّقًا في قوله :﴿ وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106] . أي : فصلنا بين بعضه ، وبعض في النزول ؛ ومثله قوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: 50] .
ولما اعترض الكفار على تنزيل القرآن مفرقًا كما حكي عنهم :﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾[الفرقان: 32] . أي : جملة واحدة كما أنزلت التوراة جملة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود ، أجاب تعالى عن ذلك بقوله :﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾[الفرقان: 32] .
وإذا ثبت هذا ، فنقول : لما كان المراد من قوله تعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ [البقرة: 185] إنزاله من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ، ذكر بلفظ ( الإنزال ) دون ( التَّنزيل ) ، لأن الأول يدل على الجمع ، والثاني يدل على التفريق .
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
 
*د يحيى
24 - يوليو - 2010
هيا إلى القرآن...    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
1- بارك الله في الدكتور يحيى الذي يُتقن السباحة والغوص في بحار العلم ومحيطاته، ولولم يكن هو نفسه عالمًا... لما اختار وانتقى من تلك البحار لآلئها ودررها... وشكرًا له على الموقع الذي أشار للقراء عليه.. الخاص ببيان القرآن وبلاغته.. فهو موقع جدير بأن يُتابع ما فيه..
2- جزى الله خيرًا الدكتور عبد الدايم الكحيل على اهتمامه الكبير بإعجاز القرآن... وإن المتابع لأبحاثه في هذا المجال ليقدر مدى الجهد المنظم والهادف الذي يبذله ليصل إلى ما ينفع به قارئيه.
3- في كل سنة بل في كل شهر بل في كل يوم وربما في كل ساعة يستخرج الناس، على شتى أصنافهم، كنوزًا مكنونة في ثنايا آيات القرآن الكريم... ولهذا كان هو الكتاب دائم الإعجاز، ودائم التحدي على الإتيان بمثله أو بمثل بعضه.. فإذا كان قد قدّر الله للإعجاز اللغوي أن يبرز للعرب حين تنزل القرآن.. ولم يكن لهم أي عذر في عدم الإيمان به... فإنه أيضًا قد اشتمل على صور كثيرة وكثيرة من الإعجاز.. حتى لا يدّعي أحد أيا كانت لغته وأنى كان موقعه على هذه الأرض من غير العرب بالقول.. أنا لا أفهم البيان اللغوي ولا أتذوق سحره.. ولا أرى الإعجاز الذي رآه العربي الأول حين تنزل القرآن.. فيُقال له: رويدك يا أخانا... المطلوب منك ألا تبتعد عن القرآن.. هيا إليه.. واقترب منه..وهو يُريك ما يُناسبك من دلائل وإعجازات..فإن كنت فلكيّا فلديه ذلك.. وإن كنت بيولوجيّا فلديه ذلك وإن كنت رياضيّا فستجد ما تنشد.. وإن كنت ... وإن كنت... فستجد لديه ما يَدعوك إلى الإذعان بأن هذا القرآن لا يمكن أن يأتي به بشر..بل ولو اجتمعت الإنس والجن على ذلك فسيرتدون خائبين.. ولا يملك المقبل على القرآن بجد وإخلاص إلا أن ينشرح صدره، ويطمئن قلبه لآيات الله المسطورة في المصحف الشريف والتي تدل تاليها ومتدبرها إلى الآيات المنظورة والتي يزخر فيها هذا الكون الواسع الفسيح... "يا أيُّها الناس قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم فآمنوا خيرًا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليمًا حكيما" "يا أيُّها الناس قد جاءكم برهان من ربّكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينا".
*محمد جميل
24 - يوليو - 2010
النحو القرآني    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم
 
[ لولا ] التحضيضية
1-       إذا وقع بعد (لولا) الفعلُ الماضي كان معناها التوبيخ واللوم على ترك الفعل.
  يُنظر: [الأمالي الشجرية 2/210 ، ابن يعيش 8/144 ، شرح الكافية للرضي 2/360]
2-       إذا وقع بعدها الفعل المضارع فمعناها الحضّ على الفعل والطلب له، فهي بمعنى الأمر.   [الرضي 2/360]
3-       « قلّما يخلو مصحوبها من توبيخ » [التسهيل 244]، وإذا خلا من التوبيخ كانت (لولا) للعرض. [الرضي 2/360].
4-   قد يكون الماضي مع (لولا) في تأويل المستقبل.[ابن يعيش 8/144] ؛ ومنه قوله تعالى: « وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ » 77:4
أبو حيان جعل (لولا) في الآية بمعنى (هلاّ) للتحضيض. [البحر 3/298]
5-       قد يُفصل بين (لولا) والفعل بالظرف ؛ كقوله تعالى: « وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ »  39:18
في البحر 6/129 : « (ولولا) تحضيضية ، وفصل بين الفعل وبينها بالظرف، وهو معمول لقوله (قلت) ».
 
[ لوما ]
(لوما) بمعنى (هلاّ) للتحضيض [ البيان 2/65 ، العكبري 2/38 ]. فيليها الفعل ظاهراً أو مقدراً. [البحر 5/442].
فائدة : جاءت (لوما) التحضيضية في آية واحدة من القرآن الكريم:
 «  لَّوْمَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ » 7:15
*د يحيى
25 - يوليو - 2010
لا اختلاف فيه ، ولا ظن ، بل يقين وأمان واطمئنان ؛ لأنه كلام المنان _ سبحانه-    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
حكاية رجل أسلم على يد نملة
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : " حتى إذا أتوا على وادِ النملِ قالت نملة يا أيها النملُ ادخُلوا مساكنكم لا يَحطِمَنَّكُم سليمانُ وجنودُه وهم لا يشعرون "(النمل27/18).

هل تعلمون لم استُخدَمت كلمة " يَحطِمَنَّكم " ؟؟
سأحكي لكم قصة حول هذه الكلمة التي تبين إعجاز القرآن الكريم وصدق ما فيها من آيات ..
قبل أعوام قليلة اجتمع مجموعة من العلماءغير المسلمين ؛ للبحث عن خطأ في كتاب الله تعالى حتى تثبت حجتهم بأن الدين الإسلامي دين لا صِحة فيه ، وشرعوا يقلبون المُصحف الشريف ، و يدرسون آياتِه ، حتى وصلوا إلى هذه الكلمة في الآية الكريمة السابقة " يَحطِمَنَّكم" ....
وهنا اعترتهم الغبطة ، فهاهم أولاءِ وجدوا - في نظرهم - ما يسيء للإسلام فقالوا إن كلمة " يَحطِمَنَّكم " من التحطيم والتهشيم و التكسير .. فكيف يكون لنملة أن تتحطم ؟ وهي ليست من مادة قابلة للتحطم !!
إذن، فالكلمة لم تأتِ في موضعها ، هكذا قالوا !!
" كبُرتْ كلمةً تخرُج من أفواههم إنْ يقولون إلا كذِباً "
وبدؤوا ينشرون اكتشافهم الذي عدّوهُ عظيماَ ، و لم يجدوا ولو رداً واحداً على لسان رجل مسلم .. !!
وبعد أعوام مضت من اكتشافهم ، ظهر عالم أسترالي أجرى بحوثاً طويلة على تلك المخلوقة الضعيفة ليجد ما لا يتوقعه إنسان على وجه الأرض فقد وجد أن النملة تحتوي على نسبة كبيرة من مادة الزجاج ، ولذلك ورد اللفظ المناسب في مكانه المناسب وعلى إثر هذا أعلن العالم الأسترالي إسلامه ..
 سبحان الله العزيز الحكيم :" ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
 
فائدة مني(يحيى): [النمل = اسم جنس جمعي ، الفرق بينه وبين مفرده التاء: النملة.... وفي القرآن ( النحل): هذا النوع من الجمع يُذكّر ويؤنث. هنا ذُكّر : " ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم...." وفي النحل: " وأوحى ربك إلى النحل أنِ اتخِذي من الجبال بيوتاً...". أهل الحجاز يؤنثون اسم الجنس الجمعي، وأهل نجد يذكّرونه.
أما ( سليمان) فسبب منعه الصرف( التنوين): العلمية والعُجمة ، وليس زيادة الألف والنون . ومثله : هامان ، وماهان، وعِمران.
*د يحيى
25 - يوليو - 2010
 1  2  3  4