صفحة البداية  تواصل معنا  زوروا صفحتنا على فيسبوك .
المكتبة التراثية
المكتبة المحققة
مجالس الوراق
مكتبة القرآن
أدلة الإستخدام
رحلات سندباد
البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : ساعة الفجر الحزينة    قيّم
التقييم :
( من قبل 12 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
6 - يوليو - 2010
وليهنأ الجبناء ..هكذا قالت لى نفسى ،لما آتانى الخبر الذى هزنى .
مات الدكتور نصر .
 
لم أستوعب الخبر ،وعاودت التساؤل ،من مات؟؟
فقال لى محدثى :مات الدكتور نصر حامد أبو زيد،.اليوم الإثنين 5/7/2010م وسيدفن بقحافة بطنطا.
 
أحسست برعدة تشملنى ودموع حارقة تسيل على وجهى ،وقلت لمحدثى :إنا لله وإنا إليه راجعون ..رحم الله الدكتور نصر وجزاه خيراً لما عاناه من ألم الغربة والحسرة من غلاظ القلب ،أنصاف المثقفين وسدنة الفكر المتحجر ،لا أكثر الله منهم، وقصّر أعمارهم .
 
عانى الكثير والكثير ،وشاركته آلامه وأحزانه وخيبة أمله  من عقول خربة ونفوس مريضة وألسن حداد وأقوال سقيمة .
إنها السيدة الفاضلة الدكتورة إبتهال يونس  ،زوجة الدكتور نصر ، جزاها الله بكل خير .
 
 
 
 2  3  4  5  6 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
ابن تيمية    كن أول من يقيّم
 
عقيدة ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هي عقيدة أهل السنة والجماعة وهي إثبات ما أثبته الله لنفسه من صفات من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تعطيل و لا تكييف ولا تأويل ولا تحريف قال تعالى:( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ).
وليس كلاما نظنه فكتب الشيخ تشهد بذلك فسبحان الله كيف يتقول عليه متقول.
ومن الافتراء المكشوف قصة ابن بطوطة الذي لم ير الشيخ قط إذ كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس التاسع عشر من شهر رمضان المبارك عام ستة وعشرين وسبعمائة هجرية وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق أوائل شهر شعبان من ذلك العام ولبث فيه إلى أن توفاه الله تعالى فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع؟!
أما النصيحة الذهبية فهي منحولة على الإمام الذهبي ولم تعرف في زمانه فضلا عن مخالفتها لما في كتب الذهبي ثابتة النسبة له رحمه الله.*
ـــــــــــــــــــــــ
*كتب حذر منها العلماء ، مشهور حسن آل سلمان ج2 ص 308.
*تركي
20 - يوليو - 2010
رجل يقول: ربى الله    كن أول من يقيّم
 
استدراك على ماسبق ،فطبعة كتاب  "نقض مطاعن نصر أبوزيد  فى القرآن والسنة والصحابة وأئمة المسلمين "  الطبعة الأولى سنة 1993م والمقدمة لهذه الطبعة مكتوبة  فى 25إبريل سنة 1993م  ،أما الطبعة الثانية  مزيدة بتقارير العلماء المقدمة فى قضية نصر أبوزيد   وكانت سنة 1994 م  والمقدمة لهذه الطبعة مكتوبة 19ديسمبر 1993م .
 
 
 
 
عودة إلى الدكتور المكفراتى ولسانه الذى ينقط شهداً وعسلاً  ورغم مقدمته للطبعة الأولى لكتيبه فى 25إبريل 1993م ،فقد أفاق من سباته العميق  وتنبه أن هناك "مفهوم النص  ونقد الخطاب الدينى " وجاهد جهاد الأبطال والمناضلين والصالحين وحصل عليهما ،وامتشق سيفه الباتر  وكتب تقريرأ عن بعض الأقوال التى فى كتب الدكتور نصر حامد أبوزيد المكتوبة فى 2/12/1993م
 
الدهشة تتملكنى  والحيرة تهد كيانى ،ووجدتنى كاتباً تعليقاً على هذا التقرير  الملحق بالطبعة الثانية  سنة 1994م  أقول فيه: كيف كتب الدكتور إسماعيل سالم  كتيبه دون الإطلاع على الكتابين ؟؟
 ثم وبعد خراب مالطة وبعد تهييج الدنيا ورفع الدعاوى  يكتب تقريره !!!
 
حقاً وصدقاً.. هذا أحد العلماء الذين يسيرون فى الركب دون تبيان إلى أين يؤدى الطريق، إنه أحد أصحاب الغرض وسوء الطوية .
 
يبدو أن كل من كتب عن مفهوم النص ونقد الخطاب الدينى  ودراسات الدكتور نصر  ،حاول وبكل الوسائل القيام بعملية قص ولزق لكتاباته والتضليل فى النقل  ولقد حاولت تتبع الأقوال المنسوبة للدكتور نصر فى كتابات السادة العلماء الأفاضل  فما وجدت إلا التدليس والتزوير  لأقواله والإضافة عليها وتحويرها بما يلائم الغرض والنية .
 
وخير مثال  .. المقالة  المذكورة فى المداخلة التى عرضها السيد الأستاذ تركى السفر  .. فلقد إختلط الأمر على كاتبها بين كتاب مفهوم النص ونقد الخطاب الدينى  ،فما كتبه فى الفقرة الأولى خلطة بين أقوال الكاتب وتفسيراته السقيمة وبين كتاب مفهوم النص  ونقد الفكر الدينى ، بل الصفحات التى ذكرها ليست صحيحة  (أمامى الطبعة الأولى من كتاب مفهوم النص سنة 1990م وأيضا الطبعة الأولى والثانية لكتاب نقد الخطاب الدينى ). وأيضاً الفقرة الثانية ومانقله عن كتاب نقد الخطاب الدينى .
ويبدو أن السادة العلماء الذين شواهم الدكتور نصر وجلدهم فى مقالاته ودراساته وكتبه ومواقفهم المتذبذبة  المزرية ،قد جمعتهم  وجعلتهم  كيدِ واحدة ولغةِ واحدة ولسانِ واحدِ للرد المغرض والفاسد على كتابات الدكتور نصر،  بل وتكفيره  وكما قال الدكتور إسماعيل سالم ""أن ماجاء بكتبه يحط به إلى درجة الزندقة ولايجعله فى درجة المرتد فقط
. فقد صرح مراراً فى الصحف أنه مسلم ينطق بالشهادتين  مع مافى كتبه من أمور قاطعة بأنه من أعدى أعداء الإسلام المنكرين لما جاء فى القرآن والسنة مما علم بالضرورة " نقض مطاعن ...ص92
 
رجل يصرح بإسلامه وإيمانه  - فى الصحف السيارة - ورغم النطق بالشهادتين  إلا أن السادة العلماء أجمعوا جمعهم  وخططوا لقتله معنوياً وأدبياً وفكرياً ،بل وتصفيته جدسدياً إن أمكن!!!
 
 
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
20 - يوليو - 2010
القرءان الكريم والواقع    كن أول من يقيّم
 
لا بد لي من الثناء على جميع السادة المشاركين، والاعتراف بما حصلته من مشاركاتهم من فوائد، بحيث لم يعد الكثير مما سأكتبه خارجا عن نطاق ما قالوه . واشكرهم على ما استمعت بما تضمنتها مشاركاتهم من أروع القصائد، وأعلن عن سروري بمقدم الأستاذ الكاتب الأديب الشاعر محمد جميل، وانضمامه إلى قافلة السراة الكرام.  وإلى حضراتكم تعليقي على بعض فقرات وردت  في بعض المشاركات في هذا الملف المفيد؛ بادئا من حيث انتهيت من مطالعتي إياها، فأذكر شيئا مما ورد في مشاركة الأستاذ الفاضل تركي، الذي أورد لنا مقالا للدكتور سعيد العفاني جاء فيه:
((يقول بنص عباراته التي لا تحتاج إلى تعليق:
"من الواقع تكون النص (القرآن)، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص... الواقع أولاً والواقع ثانياً والواقع أخيراً.))
 
 من جهتي أرى أن العبارة السابقة تحتاج إلى تعليق ؛ بغية التوضيح والتوضيح المضاد:
لا شك عندي أن القرءان الكريم هو كلام الله، ثم صار قولا لجبريل عليه السلام ، وليس من إنشائه ( إنه لقول رسول كريم)، ثم صار قولا لمحمد صلوات الله عليه حين نطق به وبينه للناس وهو ليس من إنشائه أيضا، وأمر بحفظه والعمل بما ورد فيه وتدوينه. فالمصحف الذي بين أيدينا من هذه الناحية ترجمة لكلام الله إن جازت العبارة ( إنا جعلناه قرءانا عربيا). أما أن يكون النص أو الخطاب القرءاني مطابقا للواقع، ومن لغته( لسانه) وثقافته ، فهذا أمر طبيعي. ذلك أنه لو لم يكن الناس يعرفون الخمر والميسر والأنصاب والأزلام مثلا، لما نزل على الرسول:" إنما الخمر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان...الآية . ولو لم يكن من العرب وغير العرب ناس أجلاف لا ذوق لديهم، لما نزلت: " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون" . ولو لم يكن النبي صلوات الله عليه في برهة من حياته يخشى الناس في بعض الأمور، لما نزلت : " ...وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه.." ، ولو لو لم يكن الناس يستبيحون نكاح زوجة الأب لما ذكره الله ونهاهم عنه.. والأمثلة من مثل ما ذكرنا كثيرة كثيرة. فواقع الناس إذن ، وهو واقع يعلمه الله تعالى الذي خلقهم، هو ما يجعل كلام الله يأتي مطابقا لذلك الواقع ، وإلا كان القرءان لا علاقة له بحياة الناس على الإطلاق، وهذا محال. ولقد ذكرت الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق رأيه مع شيء مما أنزل بعد ذلك من القرءان، ولا يدل هذا على صدق بصيرة عمر وحدها ، وانه كان يعمل فكره إعمالا ممتازا وحسب؛ وإنما لأن واقع مجتمع عمر المعاش هو ما نطق به القرءان.
إن ما ذكرته لتوي هو فهم فهمته من العبارة:" فالواقع هو الذي أنتج النص..." ولم أفهم عكسه، ذلك لأن نصر حامد أبا زيد لم يكن ساذجا ولا من البلهاء، ولا عضوا في نادي الملحدين، ليغرينا باعتقاد أن نصوص القرءان من تأليف محمد وصحبه ، وهو يعلم تماما أن لا أحد من المؤمنين بالإسلام يذهب إلى هذا الاتجاه . ولو كان أبو زيد ملحدا، لصرح بإلحاده علانية في بلاد تهب لساكنها حرية القول في الدين بما يحب القائل وبما يشتهي.
ربما كان أسلوب الخطاب يجعله يُفسر على غير قصد صاحبه:
لو كنت مكان المرحوم أبي زيد لخاطبت عامة الناس باللغة التي يفهمونها وبالواقع الذي نشئوا فيه مبينا لهم ما أراه من أخطائهم، وليس بلغة ذوي الاطلاع الأكاديمي من ذوي الفكر التنويري، كما يطلق عليهم أحيانا، وحدهم . بل إن من الأكاديميين ممن كانوا ضد فكر أبي زيد  من كان لديهم اطلاع واسع أيضا، و لكنهم لديهم قناعات نشئوا عليها ظنها معظمهم من المسلمات . ولو خوطبوا بأسلوب أكثر ملاءمة وتدرجا مع الواقع كما فعل القرءان، لكان من الممكن أن يتفهموا( بعضهم على الأقل) وفي حال خلوص النوايا من الشرور، وخلوصها من الخشية من الاتهامات، ما قصد إليه أبو زيد. أما الاتهامات المتبادلة بين الأطراف فإنها تزيد الأمر سوءا، وتروح بموضوع النقاش الفكري إلى النقاش العاطفي لا غير. فأساليب عرض الأفكار، وحسبان ثقافة المُخاطب ونوعها، من الأمور التي تقرب بين فكر صاحب الخطاب وفكر المتلقي . وعلى هذا افهم ما جاء في الخبر: " أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم" . وهذا يفسر أيضا لماذا اختلف الصاحبان: الشيخ يوسف البدري والشيخ عبد الصبور شاهين حول كتاب الأخير" أبي آدم" الذي ذكره الأستاذ النويهي في إحدى مشاركاته.. فعبد الصبور شاهين أتى في كتابه بما رآه صاحبه الشيخ يوسف من المضحكات بل من إنكار لثوابت الدين،  وفقا لفهمه، حين ذكر شاهين أن آدم عليه السلام ليس أول بشر على الأرض ، وكانت النتيجة أن قام الشيخ يوسف بالتوجه إلى القضاء... لقد كان خطاب نصر حامد أبي زيد بالنسبة لعبد الصبور شاهين كخطاب هذا الأخير بالنسبة للشيخ البدري . إن مخاطبة الناس على قدر عقولهم ليس معناه أنهم أغبياء؛ وإنما هي الثقافة والنشأة، وإنما هي أيضا صعوبة التخلص من سيطرة الموروث ولو كان باطلا.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتأويل النصوص:
لم يكن عمر بحاجة إلى من يفهمه أن سهم المؤلفة قلوبهم لم تعد الحاجة إليه في زمنه بعد أن أعز الله الإسلام ، فألغى هذا السهم. وكذلك لم يقطع يد سارق سرق في عام الرمادة . ففهم عمر لأسباب قطع يد السارق دون أن يذكرها القرءان صراحة ناتج عن فكر وبصيرة. وهنا يمكن أن يخطر ببالنا هذا التساؤل: هل تلاعب عمر بن الخطاب بنصوص القرءان كيفما أراد؟ الجواب : لو كان غير عمر فعل مثلما فعل عمر، وفي واقع غير الواقع الذي عاشه عمر، لوجدنا العديد منا يتهمه بتعطيل نصوص القرءان، وبالتالي نحكم عليه بالردة، وبأنه لا يعذر بجهله ما هو معلوم من الدين بالضرورة على حد قولهم. فواقعنا من جهة تأويل النصوص ورثناه من عصور سبقت لم يكن غالب أهلها ممن تعاملوا مع نصوص القرءان بالطريقة التي تعامل بها عمر بن الخطاب.
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
21 - يوليو - 2010
هذا ما وجدنا عليه آباءنا    كن أول من يقيّم
 
 
 
كيف لا يكون هناك تشابه بين القرآن الكريم والثقافة العامة، والقرآن هو الاصل. الاصل لهذه الثقافة. فقه اللغة والنحو والبلاغة، وعلوم القرآن من الفقه وأصوله، والتفسير وعلم الحديث وعلم الرجال والتاريخ الاسلامي وغيرها ذلك من العلوم التي ماكانت لتكون لولا كتاب الله. اليست هذه كلها من ثقافة المسلمين العامة.
 
أما سعة الخيال فهي صفة محمودة في عامة البشر، وفي الانبياء خاصة لماذا اختار تعالى محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام، ولم يختر رجلا من من سادة قريش مثل أبي سفيان او أبي جهل مثلا. يقول الشهرستاني في الملل والنحل: ان النبي كان نورا في صلب ابراهيم، وببركة ذلك النور دفع الله شرّ أبرهة وارسل عليهم طيرا أبابيل،وببركة ذلك النور ألهم عبد المطلب الذي نذر في ذبح العاشر من أولاده... وببركة ذلك النور كان قد سلم إليه النظر في حكومات العرب والحكم بين المتخاصمين.... وببركة ذلك النور قال لابرهة:إنّ لهذا لبيت ربا يحفظه ويذب عنه...)
نور في الاصلاب الشامخة، والارحام المطهّرة. أستعداد فطري جامع لكل كمال، وبلاغة في القول قبل نزول القرآن وارتقاء في البلاغة بعد نزوله.
لا يُرقم على الماء، ولا تصح الكتابة على الرمل. الله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده الافذاذ لحمل الرسالة، يمدهم بالوان من اللطف الرباني، مع ماذكرنا من الصفات العظيمة. لم تكن طفولة النبي كطفولة غيره من الصبية والاولاد، كان يُعدّ إعدادا بمدد من وحي السماء. وفي كتب التاريخ شواهد وقصص على ذلك.
 
إختلاف منهج البحث يؤدي بالضروة الى اختلاف النتائج. من يرى أن القرآن نص مكتمل قائم في علم الله منذ الازل، بالطبع لا يستطيع ان يتصور ان لنص القرآن علاقة حيوية ورابطة عضوية بالواقعة على الارض، أو بطبيعة الحدث. فهو خطاب فوقيّ وظاهر مستقلّة. بمعني انه ليس استجابة لضرورة ظرفيّة، اجتماعية أو نفسيّة أو اقتصاديّة وما الى ذلك. لان القرآن بهذا المعنى لا يكون كلام الله. بل يكون منتجا بشريّا، أي كلام محمد كما قال الكفار في الجاهليّة، وأعداء الاسلام من المستشرقين, ومن لفّ لفّهم ممن يريدون هدم صرح هذا الدين بمثل هذه الاقوال.اذن كل من يقول أن القرآن منتج بشري، فهو يردّد ما قال هؤلاء، ويدين بدينهم.
 
والى الغد ان شاء الله..
*صادق السعدي
21 - يوليو - 2010
الأستاذ الفاضل ياسين الشيخ ياسين    كن أول من يقيّم
 
."إن تركيز الخطاب الدينى على حاكمية النصوص فى مجالات الواقع والفكر كافة ،و مايعلنه من قصر الاجتهاد على الفروع دون الأصول،ومع تحديد مجال الاجتهاد على النصوص الفرعية -الأحاديث - دون النص الأساسى -القرآن - يؤدى إلى تحديد كل من النص والواقع معاً،فإذا أضفنا إلى ذلك مايطرحه الخطاب الدينى أحياناً من اجتهادات لا تخرج عن مجال الترجيح بين آراء الفقهاء واجتهاداتهم واختيار بعضها،أدركنا أن هذا الخطاب فى الواقع يريد أن يرتد بالمجتمع إلى الخلف لا أن يحقق تقدمه كما يزعم ،والماضى الذى يريدنا أن نرتد إليه ليس الماضى الذى كان مزدهراً بالحيوية الفكرية والعقلية ،التى تؤمن بالتعدد وتحتمل الخلاف ،بل الماضى الذى ارتضى التقليد بديلاً عن الاجتهاد ،واكتفى بالتكرار بديلاً عن الإبداع . ولايظهر الماضى الجميل حين يظهر إلا فى معرض لتفاخر والزهو على العقل الأوروبى  وحضارته المادية  التى أقامها على مااستفاده من العقل الإسلامى ،كما مر بنا من تحليلاتنا . وأخيراً ينتهى الخطاب الدينى إلى الانغلاق فى دائرة النصوص بعد أن جمدها وقضى على حيويتها ،ويصدق قول القائل "احتمينا بالنصوص فدخل اللصوص" وذلك حين يقضى على أهم وأخطر ما أقره الفقهاء من مبادئ عقلية : المصالح المرسلة والمقاصد الكلية ،،فيعيدها إلى النصوص مرة أخرى ،وبالمفهوم الذى يطرحه لها ،مع أنها مبادئ لتأويل النصوص.
الواقع إذن هو الأصل ولاسبيل لإهداره ،من الواقع ،تكون النص ،ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه ،ومن خلال حركته بفعالية البشر تتجدد دلالته ،فالواقع أولاً والواقع ثانياً ،والواقع اخيراً.
 
وإهدار الواقع لحساب نص جامد ثابت المعنى والدلالة يحول كليهما إلى أسطورة ،يتحول النص إلى أسطورة عن طريق إهدار بعده الإنسانى والتركيز على بعده الغيبى ،الأمر الذى يفسح المجال لتساؤلات عقمى عن طبيعة النص هناك،وعن شكله ونمط الخط المكتوببه،وهل تنطقه الملائكة بالعربية أو بغيرها ،إلى لآخر ذلك من أسئلة عقيمة يمتلئ بها الخطاب الدينى الإعلامى بشكل خاص ،ويتحول الواقع إلى أسطورة نتيجة لتثبيت المعانى والدلالات ولإضفاء طابع نهائى عليها تأسيساً على مصدرها الغيبى ،ثم فرض المعنى الثابت الأزلى المفترض على الواقع الاجتماعى الإنسانى ،والنتيجة الحتمية لذلك إهدار النص والواقع معاً واستبدال الأسطورة بهما ،وهكذا يحكم علينا الخطاب الدينى أن ندور حول انفسنا فى دائة مفرغة ،ويقضى من ثم بكيفية حادة على إمكانات استقطار الدلالات الممكنة والملائمة لوضعنا التاريخى والاجتماعى ."
نقد الخطاب الدينى ..الطبعة الثانية ..سيناللنشر ص131،130
*عبدالرؤوف النويهى
21 - يوليو - 2010
ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا    كن أول من يقيّم
 
 كان لهذا الموضوع الفضل اننا كما ذكر استاذنا الكريم ياسين، قد تعرّفنا على وجهات نظر متباينة ومختلفة في الرؤية والتصور وتقييم تراث الراحل المغفور له ان شاء الله، نصر حامد أبو زيد.لم يكن الرجل واحدا من مثقفي عصره، وإنما هو صاحب مشروع ثقافي، قائم على منهج خاص، وموقف مختلف ومغاير. يطرح الاسئلة ويثير الاشكالات، ولا يزعم انه قادر لوحده على الاجابة عنها. هذه هي طبيعة المشاريع الكبيرة، لا تنهض بها إلا الهيئات والمؤسسسات الثقافية، ورجال العلم والفكر. كما كان لهذا الموضوع فضل آخر، فبين يدي مجوعة من الافكار التي دونتها تصلح ان تكون مواضيع ذات صلة بموضوع هذا الباب، تجمع بين الطرافة، والادب والشعر، وخواطر فلسفية لعلّي أقوم بنشرها في احد أبواب المجالس كلما وجدت الفرصة والوقت المناسب لذلك بتوفيق الله وتسديده.
 
وغنيمة أخرى لابدّ من ذكرها في هذا المقام، اننا ربحنا قلما كبيرا انضمّ الى قافلة السراة، بارك في مسيرتها المولى تعالى وأنعم علينا بالمزيد- أعني أستاذنا ومعلّمنا الفاضل محمد جميل. و من تداعي الخواطر والشيء بالشيء يذكر، انني وقبل أكثر من عقدين من الزمان العتيد، قبل ان تعرفني المنافي، وقبل ان اتقلب في أتون أحضانها بفعل القهر والغصب، ولا عقد بيني وبينها ولا مبارك عيشي معها، وهي والله شاهد على ما أقول حسناء لعوب، تعطيك من أطايبها ماتحب، مكشوفة حدّ العري على طالبيها. ولكنني نبت لا يركب على جسدها، ولا ينتج ثمرا. أقول كنّا وقتها قد صلب عودنا بعض الشيء، نجلس في المقهى، نسمر ونتحدث في شؤون الثقافة والادب والفن بعيدا طبعا عن الكلام في السياسة، تطرقنا في احد حواراتنا عن الشعر الجاهلي، فاعترض احد الاساتذة على ما طرحته من رأي، فصرتُ أصول وأجول كأنني فارس مغوار وجعبتي لا تخلو من نوادر القصص والشعر والشواهد والنصوص، وكان الرجل يكبرني سنّا قد تجاوز الخمسين، فغضب غضبا شديدا، وقد تربّينا على احترام من هو اكبر منّا سنّا ولو لم يكن على صواب. أستاذ.. خلاف الرأي لا يفسد للود قضيّة، فأجاب متململا: بل يُفسد!! وهذه دروس. لكنّ الطبع غـلاب. ولو كان السكوت محمودا في كل حال، لما كان الحال ما نحن عليه الآن. والدنيا مزرعة، تجمع بين ثمارها ألوانا وطعوما لا تكون بالضرورة مستساغة للجميع، وأشواكا لا يسلم من وغزها أحد من الخلق. ولا تقف الدنيا عند ظلم إنسان أو عذابه وسجنه الكبير، ولا تلتفتُ لموت أحد. نحن نجتهد، نخطيء كثيرا ونصيب قليلا، وصوابنا القليل هذا هو زادنا الحقير في هذه الدنيا. أشكرك لانك أخرجتني من بعض صمتي.
 
ولابدّ من الاشارة أيضا، الى أنني لم أتعرض الى أحد بما لا يليق من أدب الحوار، وأصول المناظرة. ولم أقصد إغضاب الاستاذ تركي، أو التطاول على مقام أحد من العلماء، اختلفنا أم اتفقنا. هذا ماقاله بعض العلماء، وليس قولي. لم أحاكمه أانا. من أنا وما هي أهليّة لاكون طرفا في ذلك. سياسة عصره، وعلماء السياسة حكموا عليه بما حكموا، وزجّوا به في السجن. محقون أم مبطلون يخوض فيه من يحب ان يخوض، ومن يرى أنه أهل لذلك. وناقل الكفر ليس بكافر. من قرأ ولو بعض كتب ابن تيّمية، يعرف منزلة هذا الرجل في تاريخ الفكر الاسلامي وفضله وغزارة علمه وسعة اطلاعه، واسلوبه الذي تربّى عليه كبار العلماء والمشايخ، حتى وقعوا صرعى قلمه وبيانه. فإذا وقع مني ما جرح مشاعر أحد من الاخوة والسادة سراة المجالس ومرتاديه، فأنا أعتذر حقّا ولو كان ذلك من غير قصد أو تصميم مسبق.
 
متى نصل الى هذه البقيّة التي نذكرها في ختام كل مداخلة، لا أعلم والله.
وشعورنا ان الوصول محال!
*صادق السعدي
21 - يوليو - 2010
وقال له صاحبه وهو يحاوره    كن أول من يقيّم
 
وقال له صاحبه وهو يحاوره : قرأت لك ماكتبته عن الدكتور نصر  وأغبطك على هذ الحب والتقدير الذى تكنه للدكتور نصر  ومحاولتك  الجادة فى توضيح ماغمض فى مشروعه الفكرى  وما تجتهد فيه من الردعلى نظرية القص واللزق والتى سار على دربها منتقدو نصر ومكفروه  ،لكننى وجدتك تقف  كثيراً أمام ماكتبه الدكتور إسماعيل سالم،وكأنك تبرئ الآخرين من قضية تكفيره وردته .
قلت لصاحبى  : لقد ظلم الدكتور نصر، ظلماً عظيماً  وكما قال أستاذنا السعدى "موت فى الغربة وقتل مجانى  داخل الوطن "  وما أعظم ما قاله ،ووالله لقدبكيت حين قرأت قصيدته ،فما أصدق هذه المشاعر  الفياضة من شاعر كبير  زهير ظاظا.
 
 
عـلـى قـبر نصرٍ كل مصرٍ iiحديقةٌ وكـلُّ  شـريـف صـادق iiالعبرات
 
وما أهمنى وأثّر فىّ ما كتبه الدكتور إسماعيل سالم ،واتهامه الدكتور نصر بالكفر والزندقة والردة . فلقد أنكر الدكتور عبد الصبور شاهين .. أنه لم يُكفر الدكتور نصر.!!!
 
يقول المكفراتى،ص101  "فإذا كانت النصوص تعنى بعبارة نصر أبو زيد نفسه القرآن والسنة فاسمعه يقول متمرداً على الله ورسوله ،داعياً لعصيان الإله ،منادياً بالتحرر الكامل من سلطة القرآن والسنة ،وهذا نص كلامه فى آخر صفحة من كتاب الإمام الشافعى : قد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر من سلطة النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان فى عالمنا،علينا أن نقوم بهذا الآن قبل أن يجرفنا الطوفان"
 
وأعود إلى ماكتبه الدكتور فى كتابه "الإمام الشافعى وتأسيس الأديولوجية الوسطية " طبعة أولى  1992م  سينا للنشر  ،ص 110
" ....فإذا أضفنا إلى ذلك  مواقف الشافعى الاجتهادية  تدور فى أغلبها فى دائرة المحافظة على الثابت والمستقر ،تسعى إلى تكريس الماضى بإضفاء طابع دينى أزلى - كما رأينا فى اجتهاداته فى ميراث العبد،وفى ميراث الأخت الوحيدة ،وفى مسألة الغراس- أدركنا السياق الأيديولوجى  الذى يدور فيه خطابه كله.إنه السياق الذى صاغه الأشعرى من بعدفى نسق متكامل ،ثم جاء الغزالى بعد ذلك فأضفى عليه أبعاداً فلسفية أخلاقية  كتب لها الاستمرر والشيوع والهيمنة على مجمل الخطاب الدينى حتى عصرنا هذا. وهكذا ظل العقل العربى الاسلامى يعتمد سلطة النصوص ، بعد أن تمت صياغة الذاكرة فى عصر التدوين -عصر الشافعى - طبقاً لآليات الاسترجاع والترديد .وتحولت الاتجاهات الأخرى فى بنية الثقافة -والتى أرادت صياغة الذكرة طبقاً لآليلت الاستنتاج الحر من الطبيعة والواقع الحى- كالاعتزال والفلسفة العقلية إلى اتجاهات هامشية . وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة الانسان فى عالمنا .علينا أن نقوم بهذا الآن وفوراً قبل أن يجرفنا الطوفان ."
 
حقيقة الأمر أن مافعله أستاذ الفقه المقارن ،هى القراءة الخاطئة والمدلسة والتى لوت عنق كلمات الدكتور نصر  وجعلتها مسخاً مشوهاً لايمت لأصل كلمات الدكتور نصر بثمة صلة ،فالنصوص التى قصدها  الدكتور نصر واضحة كل الوضوح ولا تعنى بأى حال من الأحوال ،القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وإنما تعنى النصوص التى كتبها الشافعى  والأشعرى والغزالى  والتى حازت قوة وهيمنة وشيوعاً وسيطرة  على العقل العربى الاسلامى  ليس فقط فى عصرها وإنما ظلت مسيطرة حتى العصر الحديث،ويأمل الدكتور نصر  التحرر ليس فقط من هذه النصوص وحدها بل من كل سلطة تعوق مسيرة العقل العربى الإسلامى   فى عالمنا  المعاصر ،وعدم الاعتماد على ماسلف من نصوص كتبها السابقون  ولأى سلطة معاصرة  ترفع راية إلغاء العقل  ورجعية الفكر وترديد أقوال السابقين ،فلكل عصر مفكروه وفقهاؤه  وهمومه ومشاكله والحلول التى توافق مقتضيات العصر  ،  ولن يتجمد الفكر والاجتهاد  وإلا توقفنا وتخلفنا عن الركب وجرفنا طوفان التخلف والجمود.
 
هذا ياصاحبى  ما يريده الدكتور نصر ،أما ما كتبه الدكتور المكفراتى  من قراءة سطحية  متعجلة ومغرضة لاتلتمس الحق بل سيل من  القاذورات التى لاتركن إلى الموضوعية والنقد العلمى  بل وتتنافى مع  سماحة الدين الإسلامى والسنة النبوية الشريفة  ،وهذه بعض كلماته " فهل يقول مثل هذا القول إلا مرتد كافر ؟!!بل زنديق؟!! "  ..فانظر شدة حماسه ،وعاطفته الجياشة للتمرد على الله وعصيان أمره ،وقد غفل هذا المسكين الكفور ...."ص102،101
 
 
*عبدالرؤوف النويهى
23 - يوليو - 2010
مقاصد الشريعة    كن أول من يقيّم
 
 تحياتي لأساتذتنا الفاضل،
كنت في سني التسعينات أطالع المقالات الفكرية التي كانت تنشرها مجلة العربي، ومنها مقالات للراحل نصر أبي زيد، وها انا أعيد قراءتها وأنشرها في " ساعة الفجر الحزينة " ؛ آملا ان يجد فيها القراء الكرام ما يقربهم أكثر من فكر الراحل في تلك البرهة الزمنية .
حدد علماء أصول الفقه مقاصد كلية للشريعة وجعلوها خمسة مقاصد، وهي الحفاظ على:
الدين، والنفس، والعقل، والعِرض(النسل)، والمال.
في المقالة التالية أعاد المفكر نصر حامد أبو زيد قراءة المقاصد المذكورة بطريقة جديدة ؛ اقترح فيها أن تكون المقاصد الكلية للشريعة ثلاثة : العقل، والحرية، والعدل، باعتبارها تتضمن المقاصد الخمسة وتزيد عليها . وقد ناقشه المفكر محمد عمارة في المقالة التي تليها . والمقالتان منقولتان عن مجلة العربي ، وقد قمت فقط بتصحيح بعض أخطاء الطباعة. ومن الجدير بالذكر أن محمد عمارة يعد من العقلانيين الإسلاميين، أو ممن يسمون أحيانا بالمعتزلة الجدد، والذين يسعون لنقد التراث الإسلامي نقدا يجعلهم في نظر التيار السلفي من دعاة البدعة*. ويتبين لقاريء المقالتين الفرق الدقيق بين تفكير المفكرين المذكورين، وله أن يحكم بنفسه أيهما أكثر إقناعا له.
 
المقاصد الكلية للشريعة.. قراءة جديدة
  
 
من أهم إنجازات العلماء المسلمين في مجال قراءة النصوص الدينية ما أنجزه علماء أصول الفقه من تحديد للمقاصد الكلية للشريعة، وهي المقاصد التي صاغها الإمام الشاطبي في خمسة مبادئ كلية عامة، هي: الحفاظ على النفس والعرض والدين والعقل والمال.
     لقد  تم التوصل إلى هذه المقاصد الكلية من خلال القراءة التفصيلية المتأنية والعميقة للنصوص الدينية ذات الطابع التشريعي من خلال علاقاتها التركيبية ببعضها البعض من جهة، ومن خلال علاقاتها بنصوص العقيدة والأخلاق من جهة أخرى، والمقصود بالعلاقات التركيبية للنصوص التشريعية:
علاقات الإجمال والبيان، والعموم والخصوص، والنسخ.. وغير ذلك. وهي علاقات إنتاج الدلالة الشرعية، فما أجمل من نص من النصوص يكون مبينا ومفصلا في نصوص أخرى، وكذلك ما كانت دلالته عامة قد يكون هناك نص آخر يحوله من العموم إلى الخصوص، ثم هناك أخيرا ظاهرة نسخ بعض التشريعات واستبدال تشريعات أخرى بها للتخفيف أو التدرج مراعاة لتبدل الأحوال وتغير الظروف.
    هذه القراءة المتأنية العميقة للنصوص ينتج عنها فهم الأحكام التفصيلية الشرعية، ومن هذه الأحكام التفصيلية أمكن لعلماء المسلمين استنباط المقاصد الكلية التي توجه تلك الأحكام، ولا تنتهي القراءة عند استنباط الكليات من الجزئيات بالمعنى الذي شرحناه، أي بالمنهج الصاعد من الجزئي إلى الكلي، وإنما يتم في قراءة أخرى تستخدم المنهج الهابط تنزيل الكليات على الجزئيات في محاولة لإعادة فهم الجزئيات - وربما تعديلها - في ضوء الكليات المستنبطة منها، كأن علماء الأصول خاصة وعلماء الإسلام بصفة عامة يدركون أن العلاقة بين الكلي والجزئي علاقة تفاعلية وأكثر تعقيدا من أن تكون مجرد علاقة تراكم أو "جمع" بالمعنى الرياضي.
 
منهج علماء الأصول
 
       هذا الإنجاز المهم جدا والخطير يؤصل منهجا في قراءة النصوص ناجزا، ولا أعني أنه ناجز في مجال قراءة النصوص الدينية فقط، لأن ذلك أمر تحقق بالفعل، لكنه منهج ناجز كذلك في قراءة كل أنماط النصوص القانونية والفلسفية والأدبية.. وككل منهج ناجز يظل منهج علماء الأصول في استنباط الكليات من الجزئيات، ثم إعادة تنزيل الكليات لفهم الجزئيات - فهما مجددا - منهجا مفتوحا قابلا للإضافة مع تجدد الوعي وتطور أساليب المعرفة وأدوات البحث، خاصة في مجال "قراءة النصوص" ولعل هذا هو الدافع الذي يدفعنا اليوم لاقتراح مشروع قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة.
       هذه القراءة الجديدة تسترشد بمنهج علماء الأصول، ولكن في إطار هموم العصر الذي نعيش فيه، ولمواجهة المشكلات التي تمثل عقبة أمام تحقيق وعي إسلامي جديد.
       وككل قراءة جديدة من حق المشروع المقترح لقراءتنا أن يضيف إلى منهجيات القراءة السابقة ما أحدثته المنهجيات الحديثة من انشغال بمستويات الدلالة التي تتجاوز حدود الدلالة اللغوية، لقد شغلت القراءة السابقة بفحص الدلالة اللغوية أساسا، ولذلك تركز اهتمامها في الكشف عن آليات هذه الدلالة في حدود علوم اللغة والبلاغة التقليديين، وكان انشغالها منصبا أساسا على الكليات المستنبطة من الجزئيات، دون أن تقف على الدلالات الكلية الناشئة عن طبيعة الحركة المعرفية لنصوص الإسلام في كليتها، والمقصود بهذه الدلالات الكلية علاقة النص الإسلامي - معرفيا - بالنصوص التي كانت قائمة ومؤثرة وفاعلة في سياق اللحظة التاريخية للوحي، هذه الدلالات تمثل محور الحركة التي سببت الصراع  والمقاومة التي واجهت النص الإسلامي خلال السنوات العشرين التي تمثل مرحلة الوحي، بل والتي استمرت بعد ذلك فيما عرف بحروب الردة، وما سبقها واقترن بها من ظاهرة "النبوات الكاذبة" التي استشرت في محاولة لمنازعة "النص الإسلامي" مشروعيته السماوية.
 
كلية النص الإسلامي
 
       من الطبيعي إذن أن تحاول القراءة الجديدة تجاوز ثنائية الجزئي والكلي دون إغفالها تماما، وذلك للبحث عن الدلالة أو الدلالات الكلية التي لا تفصل بين التشريعي والعقيدي من ناحية، وبين الدلالات المستنبطة من القصص القرآني ووصف الجنة والنار من جهة أخرى، بالإضافة إلى ذلك تدخل هذه القراءة في بؤرة اهتمامها الدلالة الكلية للنص الإسلامي في سياق تفاعله الجزئي والكلي مع الواقع الاجتماعي والتاريخي، وبعبارة أخرى تحاول القراءة الجديدة بمنهجياتها المعاصرة أن تتناول النص الإسلامي في كليته، ذلك النص الذي جزأته العلوم الدينية في التراث الإسلامي فانشغل "علم الأصول" بالأحكام والتشريعات، وانشغل "علم الكلام" بالعقيدة وانشغل "التصوف" بالأخلاق، وانشغلت باقي العلوم كل بجانب من الجوانب.
 
       والاقتراح الأولي لمشروع القراءة الجديدة يعتمد على إدراك ثلاثة مبادئ نرى أنها جوهرية وأساسية بحيث يمكن القول إنها تمثل "الكليات" التي تستوعب الجزئيات، إلى جانب أنها تستوعب "المقاصد الكلية" الخمسة التي استنبطها أسلافنا في قراءتهم العميقة المستوعبة بحسب الإطار المعرفي المتاح لهم، يتعلق المبدأ الكلي الأول بمفهوم "العقلانية" بوصفها صفة تضاد "الجاهلية" التي طرح المشروع الإسلامي نفسه بوصفه نقيضا لها في كثير من نصوصه المعروفة جدا. وعلى عكس ما أصبح شائعا أخيرا في بعض الكتابات من أن "الحاكمية"، هي نقيض "الجاهلية"، فإن نقيض الجاهلية يتحدد من خلال ملاحظة التداول الضدي بين لفظي "العقل" و"الجهل" في اللغة أولا وفي القرآن ثانيا، ونقول في اللغة أولا لأن اللغة العربية هي الإطار المرجعي لتحديد الدلالات المعجمية لألفاظ القرآن، وذلك قبل أن نرى ما أحدثه القرآن من تطوير أو تغيير في هذه الدلالات.
 
       والسياق اللغوي لتداول لفظ "الجهل" ومشتقاته يجعلـه نقيضا لـ "الحلم" بمعنى العقل، ولفظ "الجهل" ومشتقاته يعني "العصبية" التي يرتبط بها نمط من السلوك الهجومي العدائي غير المتعقل، يقول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في معلقته الشهيرة:
 
ألا لا يجهلن أحد علينا
 فنجهل فوق جهل الجاهلينا
       ولا يمكن أن يكون الشاعر مفتخرا بجهله "نقيض العلم والمعرفة"، وإنما يفتخر بعصبيته وقوة  قبيلته وقدرتها على مقابلة العدوان بالعدوان، هذه "الجاهلية" هي التي أتي الإسلام نقيضا لها على جميع المستويات والأصعدة ليؤسس العقلانية في السلوك والفهم والعلاقات الإنسانية، من هنا تركيز القرآن على "العقل" و"اللب" و"الفكر" و"الفؤاد"، ومخاطبته دائما للذين يعقلون ويتفكرون. ولأن "الجاهلية" نابعة من  عصبية العرق والدم والانتماء القبلي جاء غضب الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله للمتفاخرين: "دعوها فإنها منتنة"، أو في قوله "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".
      ومن الخطل استنتاج بعض الصبية من الجهال من أمثال هذه النصوص معارضة الإسلام لمفهوم "الوطن" أو مفهوم "القومية"، وإنما يعارض الإسلام "التعصب" و"الطائفية" و"العرقية" ليؤكد مفهوم الدعوة الإنساني، والذي يقوم علي المساواة والكفاءة والندية رغم كل الاختلافات الإثنية والعرقية، بل والدينية. إن ما يساوي بين البشر هو "العقل" الذي هو كما قال المعتزلة "أعدل الأشياء قسمة بين البشر". هكذا يمكن القول إن الإسلام يعتمد على مبدأ كلي أساسي هو "العقل" نقيضا للجهل، وبهذا يدين كل ممارسات "الجاهلية" في الفكر والسلوك داعيا إلى "الحلم" وتحكيم "العقل" والاحتكام إلى "اللب" و "الفؤاد".
 
 الحرية نقيض العبودية
 
       المبدأ الكلي الثاني هو مبدأ "الحرية" نقيضا للعبودية، وهو مبدأ شديد الالتصاق من حيث دلالته بمبدأ "العقل"، ذلك أن الإنسان الحر هو الإنسان العاقل أساسا من حيث إن "العقل" هو مركز فعالية النشاط الإنساني. إن الإنسان المتعصب تحركه مبادئ خارجية في فكره وسلوكه، مبادئ تتحكم في عقله فتمنعه من ممارسة فعاليته الحرة، وهذا منشأ العبودية الحقيقي، لأن العبودية الاجتماعية منشؤها نسق اجتماعي إذا تغير انتفت تلك العبودية، أما عبودية "العقل" فهي أشد خطرا لسيطرتها على "جوهر" إنسانية الإنسان. إنها ترد الإنسان إلى مستوى البهيمة في حين تظل العبودية الاجتماعية عبودية خارجية. ليس هذا دفاعا عن النظام العبودي لكنه محاولة لكشف خطر عبودية "العقل" لتأكيد التواشج والاتصال الدلالي بين مفهوم "العقل" ومفهوم "الحرية".
      إن النصوص التي يمكن الاستشهاد بها لإثبات أن "الحرية" مبدأ كلي في المشروع الإسلامي لا تتسع لها ولا لتحليلها هذه المقالة. ويكفي هنا أن نشير إلى أن الإسلام قائم أساسا على مبدأ "حرية الاختيار" المطلقة، واختيار المسلم للإسلام دينا لا يمكن أن يكون نافيا لمفهوم الحرية الأصلي، ذلك أن الفرع لا يلغي الأصل أبدا كما يحاول البعض أن يوهموا الناس. إن دخول الإنسان الإسلام حرا طائعا مختارا راضيا لا يحوله إلى "عبد" مجرد من حريته واختياره الأصليين، واللذين هما مناط إنسانيته. إن الذين يوهمون الناس بذلك يخلطون بين مفهوم "العبودية" السابق على الإسلام، والمرتبط بالنسق الاجتماعي العبودي، وبين مفهوم "العبادية" الذي صاغه القرآن الكريم لعلاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى، ويتجاهل هؤلاء أن جمع كلمة "عبد" هو "عبيد"، وهو لم يستخدم في القرآن إلا في سياق محدد هو سياق نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى "آل عمران/ 182، الأنفال/ 51، الحج/ 10، فصلت/ 46، ق/ 29 ". والاستخدام القرآني المتواتر هو الصيغة "عباد" لا "عبيد"، وهو أمر يؤكد تغاير الدلالة رغم اتفاق صيغة "المفرد" للكلمتين، وهذا ينفي مفهوم علاقة "العبودية" بكل دلالاتها السلبية، تلك العلاقة التي يحاول البعض حصر العلاقة الأعمق بين الله سبحانه وتعالى والإنسان داخل أسوارها الضيقة الخانقة، ويتم ذلك كله في ظل تجاهل شبه تام للنصوص التي تتحدث عن بعد "الحب" المتبادل بين الله العظيم وبين عباده.
     ولا يمكن الاعتراض على كلية مبدأ "الحرية" في النص الإسلامي بالإعراض السقيم الذين فحواه أن الإسلام لم يلغ العبودية من حيز النظام الاجتماعي،، ومع ذلك فإن مناقشة هذا الاعتراض تكشف عن بعد احترام الإسلام لقوانين الواقع والتاريخ، وذلك بتجنبه عدم المجازفة بالوثب فوقها وتجاهلها. إن الدين الذي حرم الخمر على ثلاث مراحل تدرجا في التشريع، والذي نسخ بعض الأحكام واستبدل بها أحكاما أخرى في فترة الوحي لهو دين واقعي إنساني يؤكد أن الفعل الإلهي إذا تحقق في التاريخ يجري على سنن التاريخ، وهي السنن التي تمثل القوانين الكلية التي عبر عنها القرآن الكريم بـ "سنة الله" التي لن تجد لها تبديلا، ولعل هذا الشرح يرفع عن كلمة "التاريخ " الدلالات السقيمة التي يلصقها بها البعض حين ترد في مثل هذا التحليل مصاحبة لكلمة "الوحي".
      لكن احترام قوانين التاريخ والواقع لا يعني أن الإسلام وقف حيالها عاجزا، فمنهج الإسلام هو التغيير الجزئي الذي يؤدي في النهاية إلى "خلخلة" دعائم البنى الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية القائمة والمسيطرة، وكان هذا موقفه من النظام العبودي الاجتماعي حيث انبثت دعوة الإسلام إلى تحرير العبيد في كثير من النصوص بدءا من "المساواة" بين العبد والحر في الأحكام وفي معايير الثواب الأخروي، والتخفيف عن العبيد في أحكام العقاب الدنيوي - في مجال الحدود بصفة خاصة - مراعاة للضغوط الاجتماعية التي يتعرضون لها فتجعلهم أقرب إلى الوقوع في الخطأ. علاوة على ذلك فتح الإسلام في كثير من أحكامه باب التحرر بأن جعل "عتق الرقبة" وتحريرها واحدة من أهم الكفارات في حالات كثيرة وأحكام عديدة، والأهم من ذلك أنه جعل الزواج من العبد المسلم أفضل من الزواج من الحر المشرك، وكذلك جعل الزواج من الأمة المسلمة خيراً من الزواج من الحرة المشركة، ومعنى ذلك أن الإسلام جعل معيار "القيمة" معيارا مخالفا للسائد الاجتماعي.
 
إطلاق مبدأ الاختيار
 
      كل هذه التغييرات على مستوى الأحكام ارتبطت بتأكيد نسق للقيمة يفتح الباب للحرية والتحرر من العبودية كما من عصبية الدم والعرق تماما، لكن الأهم من ذلك والأخطر إطلاق الإسلام لمبدأ حرية العقائد وممارستها من جهة، وإطلاق مبدأ حرية الاختيار للإنسان الفرد من جهة أخرى، وفوق ذلك كله فقد دشن الإسلام مفهوما للإنسانية الحرة الطليقة بأن أعلن رسالته خاتمة الرسالات والكلمة الأخيرة من السماء إلى الأرض، وهذا معناه الإقرار بأن الإنسانية قد تعدت مرحلة ما قبل النضوج التي تتطلب الوصاية الدائمة إلى مرحلة "الرشد" الكاملة.
       هذه الحرية التي يحاول بعض المتعصبين أن ينال من اتساعها وعمقها تجد جذرها في الخطاب الإسلامي من حقيقة صفة "العدل" الإلهية وهي الصفة التي لا تقف دلالتها عند حدود نفي الظلم فقط، بل تمتد دلالتها إلى إقرار مبدأ "العدل" مبدأ كليا للوجود الإنساني. إن حرص المعتزلة على تأكيد صفة العدل الإلهي هو الذي أفضى بهم إلى تأصيل صفة "التوحيد" فكريا وفلسفيا. إن الله سبحانه وتعالى عادل لأنه ليس صاحب مصلحة ولا تلحقه الحاجة ولا المنفعة التي تدفع البشر إلى الظلم دفعا لضرر أو استجلابا لنفع، ولن يزيد ملكه طاعة الطائعين ولن ينقص ملكه سبحانه وتعالى عصيان العصاة ولا كفر الكافرين. هذا "الاستغناء" المطلق هو جوهر مفهوم "الوحدانية" التي تميز الوجود الإلهي عن الوجود الإنساني، وهو ذاته جوهر مفهوم "العدل" الإلهي، هل بالغ الفقهاء الذين قالوا: حيث يوجد "العدل" توجد شريعة الله؟! وهل بالغوا كذلك حين قالوا: الحاكم العادل خير وأفضل من الحاكم الظالم ولو كان الأول غير مسلم والثاني مسلما؟! لا أظن ذلك، فقد تعمقوا مفهوم "العدل" الإلهي الذي انسرب مبدأ كليا بالضرورة في المشروع الإسلامي.
 
مقاصد الشريعة
     إن هذه المبادئ الكلية المقترحة الثلاث - العقل والحرية والعدل - تمثل منظومة من المفاهيم المتماسكة المترابطة من جهة، وهي تستوعب المقاصد الكلية الخمس التي استنبطها علماء أصول الفقه من جهة أخرى. إن الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال تبدو مبادئ جزئية بالنسبة للمبادئ الثلاث الكلية المقترحة، ويمكن بالتالي أن تندرج فيها، هذا إلى جانب أن تلك المبادئ الثلاث المقترحة تستوعب جميع القواعد الاجتهادية التي أنجزها الأصوليون مثل قاعدة "الاستحسان" و"المصالح المرسلة" و"استصحاب الأصل" و"إباحة الضرورات للمحظورات".. وغير ذلك.. وسيتم قبول هذه القواعد على أسس كلية ترفع الاختلاف المعروف بين المدارس الفقهية حول مشروعية بعض هذه المبادئ. قد تصيح هذه الخلافات موضوع تحليل ودراسة لاكتشاف الأسباب والعلل لفهم تاريخ المذاهب والأفكار، لكننا لن نكون ملزمين - في ضوء المبادئ الكلية المشار إليها - بالاختيار بين هذا أو ذاك.
    ومن المؤكد أن الانطلاق من هدي تلك المبادئ سيجعلنا نتوقف عند قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وقفة نقدية فاحصة متأملة للسياق التاريخي الذي صيغت فيه وهو سياق حالة الضعف والتمزق والتشتت الذي أصاب بنية المجتمعات العربية الإسلامية، ونحن الآن بصدد محاولة تجاوز هذه الحالة المشار إليها، واللحاق بركب التقدم والمدنية، يصعب علينا تقبل مثل تلك القاعدة، هذا بالإضافة إلى أنها تتعارض مع مبادئ العقل والحرية والعدل، التي هي بمثابة المقاصد الكلية للشريعة. ولا شك أن كل تقدم اجتماعي وعمراني وتقني إنما يرتبط بتطور الوعي الإنساني وبتنامي قدرته على اكتشاف القوانين الطبيعية والاجتماعية، وبعبارة أخرى ليس التقدم إلا تقدما في نشاط "العقل" الذي يمثل مركز المشروع الإسلامي في تناقضه مع الجاهلية. لكن كل تقدم له بعض توابعه السلبية التي تترتب عليها بعض الأضرار، وهي بمثابة ضريبة تدفعها البشرية في سبيل التقدم، فلو أخذنا بقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" لناهضنا التقدم ووقفنا حجر عثرة في سبيله، أي لناهضنا تطور العقل وتقدمه، وبذلك ننتهك مبدأ كليا من مبادئ الإسلام.
     إن دراسة النصوص الدينية وفهمها وتأويلها من خلال تلك المبادئ الكلية الثلاث يمكن أن يكون هاديا لصقل مزيد من آليات الاجتهاد تضاف إلى آليات الاجتهاد التي وصلت إلينا من تراثنا الفكري، ومن الممكن بالطبع أن تتفرع عن تلك المبادئ الكلية فروع تنمو وتتزايد مع عملية القراءة المقترحة والتي تحتاج إلى جهود وجهود، جهود تتجاوز حدود إمكانات الفرد وتحتاج إلى إمكانات مؤسسات بحثية جديدة، تحتاج إلى مؤسسات بحثية علمية على صلة بمنهجيات العلوم الإنسانية المتطورة بصفة عامة، وما يتعلق من تلك المنهجيات بدراسة النصوص وفهمها وتأويلها بصفة خاصة. ولا خوف على عقائدنا وديننا من تلك المنهجيات وإجراءات تحليلها، وإنما الخوف من "الجمود" و"التقليد" اللذين يمثلان حصون الدفاع في المؤسسات التقليدية. لقد أرسل الله سبحانه وتعالى رسله للناس يحملون كلامه عز وجل لكي يفهمه الناس، وليست عملية الفهم حكرا على عصر من العصور مهما بلغ إخلاص أهله، بل هي عملية تتشارك فيها كل العصور سعيا لإتمام نور الله سبحانه وتعالى بإبراز الدلالات الكامنة في كلامه.
 
  نصر حامد أبوزيد  (مجلة العربي العدد 426 – 1/5/1994)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ينظر كتاب: " محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة " لسليمان بن صالح الخراشي، وهو موجود على الشبكة.
*ياسين الشيخ سليمان
23 - يوليو - 2010
تعليق محمد عمارة على المقالة السابقة    كن أول من يقيّم
 
 القسم الأول
 
  ألف باء الحوار: تحرير مضامين المصطلحات
 
هل هي مشكلة مفاهيم أم منهج؟ أم أنها تفسير لمعنى المضامين؟.
يثير الكاتب الكثير من التساؤلات حول دقة دعوة الدكتور نصر حامد
أبوزيد لتحديد المبادئ الثلاثة لتكون مقاصد للشريعة، ويفند بعض
الأطروحات ويفتح الباب للنقاش.
 
         عن "المقاصد الكلية للشريعة: قراءة جديدة" نشرت العربي - عدد مايو الماضي - مقالا للدكتور نصر حامد أبو زيد، جديرا بأن يدور حوله حوار موضوعي وهادئ وجاد.
         وفي المقال: "اقتراح مشروع قراءة جديدة للمقاصد الكلية للشريعة"، ذلك أن قراءات القدماء من علماء أصول الفقه قد حددت للشريعة الإسلامية مقاصد خمسة، هي: الحفاظ على النفس، والدين، والعقل، والعرض، والمال.. وما يقترحه الدكتور نصر - بعد قراءته الجديدة للنصوص الدينية- ليس إضافة مقاصد ومبادئ كلية جديدة إلى هذه المقاصد الخمسة - من مثل ما صنعه الشيخ الطاهر بن عاشور، عندما أضاف إليها "مقصد: الحرية" - وإنما هو يقترح إحلال مبادئ كلية ثلاثة - هي: العقل، والحرية، والعدل - باعتبارها   " تمثل منظومة من المفاهيم المتماسكة المترابطة من جهة، وهي تستوعب المقاصد الخمسة التي استنبطها علماء أصول الفقه من جهة أخرى"..لأن هذه المقاصد الخمسة التي حددها الأصوليون- بنظر الدكتور نصر- ليست "مبادئ كلية"، بل هي جزئية، وبعبارته: "فإن الحفاظ على النفس والعقل والدين والعرض والمال تبدو مبادئ جزئية بالنسبة للمبادئ الثلاثة الكلية المقترحة، ويمكن بالتالي أن تندرج فيها".تلك هي مقاصد المقال، بنص كلمات الدكتور نصر.
 
        وإذا كانت أهمية القضية ومحورية موضوع المقال بين موضوعات الفكر الإسلامي، تستدعي إدارة حوار عقلاني مستنير حول قضاياه، فإنني أفضل - لمنهجة الحوار - صياغة أفكاري حوله في عدد من الملاحظات: الأولى: تتعلق بما يثيره هذا المقال - وكتابات كثيرة في حياتنا الفكرية المعاصرة - من حقيقة أننا نعاني من "فوضى في مضامين المصطلحات"، أحدثتها حقبة الاحتكاك بالحضارة الغربية.. في المصطلح - الوعاء - الواحد - وأثناء الحوار بين أهل "الموروث" وأهل "الوافد" - نجد أنفسنا أمام مفاهيم مختلفة، وأحيانا متناقضة، تساق وتقدم في المصطلح - الوعاء - الواحد، الأمر الذي يجعل كثيرا من حواراتنا "حوارات طرشان!".
 
        وعلى سبيل المثال:
 
        1 - يقترح الدكتور نصر مبدأ "العقلانية" ليكون واحدا من المبادئ الكلية الثلاثة لمقاصد الشريعة.. وليس هناك عاقل يعي إسلامه يختلف على ضرورة العقل والعقلانية. والقدماء - الذين ينتقدهم الدكتور نصر- قد جعلوا "الحفاظ على العقل " من الضرورات والمبادئ والمقاصد الكلية للشريعة، قبل أكثر من ألف عام.
 
        لكن.. أي عقل؟.. وأي عقلانية؟.. تلك هي القضية التي تحتاج- كي نتبين مواقعنا وانتماءاتنا - إلى تحرير مضامين ومفاهيم المصطلحات.
 
        هل هو العقل: العضو المادي، الذي تفرز حركته "الفكر"- كما رأى ويرى الماديون، وبعض الوضعيين؟ - هل هو "الجوهر المجرد"، كما قال كثير من الفلاسفة القدماء؟، أم هو الغريزة والملكة واللطيفة الربانية، المتعلقة بالقلب والجوهر واللب الإنساني؟.
 
         فعلى تحديد المراد من "العقل" يتحدد المراد من "العقلانية".. إذ هناك عقلانية التنوير الغربي وشعارها: "لا سلطان على العقل إلا للعقل"، وهي بذلك تنفي وتنكر - بل وتستنكر - سلطان "الوعي" على عقلانية الإنسان، وترى في "العقل" و"التجربة" سبيلي المعرفة المؤتمنين على تحصيل المعارف التي تستحق الاحترام!.
 
        بينما هناك "العقلانية المؤمنة"، التي تبلورت في علم التوحيد - الكلام - الإسلامي، لتقرير الدين، وليس لنقضه، وهي التي تقرأ "النقل" بـ "العقل"، وتحكم "العقل" بـ "النقل"، إيمانا منها بأن العقل هو ملكة إنسان محدود الإدراك.
 
        وهذه "العقلانية المؤمنة" - بعد إضافتها "الوحي" إلى "الكون" في مصادر المعرفة، تجعل سبل المعرفة أربع هدايات، هي: العقل، والنقل، والتجربة الحسية، والوجدان. فلا تقف بسبل المعرفة، فقط، عند العقل، والتجربة- كما صنعت عقلانية التنوير الغربي- الوضعية والمادية.
 
        فعن أي عقل، وعن أية عقلانية يجري الحديث؟ عقلانية استبعاد "الشرع"، و: "لا سلطان على العقل إلا للعقل"؟ أم عقلانية المؤاخاة بين الشريعة والحكمة- بتعبير ابن رشد- تلك التي بلغ الغزالي القمة عندما ميزها وحددها، فقال: "إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول، وعرفوا أن من ظن وجوب الجمود على التقليد، واتباع الظواهر، ما أتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر، وأن من تغلغل في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع، ما أتوا به إلا من خبث الضمائر، فميل أولئك إلى التفريط وميل هؤلاء إلى الإفراط، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط.
 
        فعن أي عقل.. وعن أية عقلانية نتحدث؟.. إن المطلوب أولا هو تحرير مضمون المصطلح حتى نعلم أن هذه العقلانية هي من مقاصد الفلسفات التي قامت على أنقاض الشرائع؟.. أم هي من المقاصد والمبادئ الكلية للشريعة الإسلامية؟!.
 
        2 - ومثل ذلك حديث الدكتور نصر عن "الحرية" - باعتبارها المبدأ الكلي الثاني في مقاصد الشريعة - فليس هناك خلاف على "المبدأ" - بل كما سبقت الإشارة، فلقد أضاف الشيخ الطاهر بن عاشور إلى المقاصد الخمسة "مقصد الحرية" -.. لكن تظل الحاجة قائمة وماسة لتحرير مرادنا بمضمون ومفهوم "الحرية".
 
        وإذا كانت الحرية هي نقيض "العبودية"، فلا بد من تحديد: حرية من؟.. وفي مواجهة العبودية لمن؟.. فالمؤمن يرى في ذل العبودية لله قمة الحرية، وهذه الحرية هي عكس ما يراه الماديون والوضعيون؟! والإنسانية المؤمنة لا ترى في حقوق الله في "العفة" قيودا تنتقص من حريتها، بينما غير المؤمنة ترى في "العفة" استعبادا، فترفع شعار الحرية الجنسية، قائلة - كما في بعض المجتمعات المعاصرة: "هذا جسدي.. أنا حرة فيه!".
 
        وبينما يرى المؤمن في الشهوات والغرائز المحرمة قيودا على الحرية واستعبادا لعقله وروحه، يرى فيها غير المؤمن تحقيقا لألوان من الحريات الإنسانية، يقيم في سبيل الحصول عليها الأحزاب، ويفجر من أجلها الثورات؟!.
 
        فالقضية ليست الاتفاق على تبني مصطلح "الحرية" ورفض مصطلح "العبودية"، وإنما هي- كما رأينا- قضية تحرير وتحديد مضامين المصطلحات، وذلك حتى لا نعيش في وهم "الأمة الواحدة" ذات "الثقافة الواحدة"، بينما نحن- في الحقيقة- "أمتان" و"ثقافتان"!.
 
        والملاحظة الثانية: هي على قول الدكتور نصر: إن "العقل هو مركز المشروع الإسلامي"، والحق أن "العقل" - في المشروع الإسلامي- هو واحد من الهدايات الأربع، التي تمثل سبل المعرفة في الإسلام: العقل، والنقل،  والتجربة، والوجدان، وهذا هو الذي يجعله عقلا مؤمنا، لأنه غير منفرد بتحصيل المعرفة، وإنما هو جزء من كل تتكون منه سبل المعرفة، في نظرية المعرفة الإسلامية.
 
        أما مركز المشروع الإسلامي، فهو:
 
        1 - التوحيد للذات الإلهية.. في الذات، والصفات، والخلق، والأفعال، والتدبير، والرعاية والعناية.
 
        2 - والاستخلاف الإلهي للإنسان في استعمار الأرض.
 
         فهذا هو التصور الإسلامي الجامع لفلسفة "المشروع الإسلامي" في العلاقة بين الله والعالم والإنسان، إله واحد، وعالم مخلوق لله، تحكمه وتسيره أسباب، هي الأخرى مخلوقة لمسبب الأسباب، وإنسان خليفة لله، قد سخرت له ظواهر العالم والطبيعة لتعينه على أداء أمانة الاستخلاف في عمران الأرض، وفق بنود عقد وعهد الاستخلاف، الأمر الذي يعطي كل مفاهيم المصطلحات- ومنها العقلانية، والحرية، والعدالة- خصوصيات إسلامية تميزها عن نظائرها في الفلسفات والأنساق الفكرية الأخرى.
 
القسم الثاني يتبع
*ياسين الشيخ سليمان
23 - يوليو - 2010
القسم الثاني    كن أول من يقيّم
 
        هذا "مركز المشروع الإسلامي"، وجماع التصور الإسلامي، والعقل فيه واحد من الهدايات، وليس هو مركز المشروع!.
 
        أقول هذا، وأنا من أكثر الذين خدموا فكر العقلانية الإسلامية - التراثي منه والمعاصر -.. حتى لقد صرت "متهما" من "النصوصيين - المقلدين" ومن "الظاهرية الجديدة" بآني "رائد التيار العقلاني" - وهو شرف لا أدعيه، و"اتهام" لا أنفيه -؟! لكن الحق أحق بأن يقال، وأجدر بالاتباع!.
 
        والملاحظة الثالثة: هي على قول الدكتور نصر: "إن سنن التاريخ، هي السنن التي تمثل القوانين الكلية التي عبر عنها القرآن الكريم بـ "سنة الله" التي لن تجد لها تبديلا".
 
        وأنا أتساءل: عندما يسمي القرآن الكريم السنن والقوانين بـ "سنن الله"، فلماذا نقول عنها: إنها "سنن التاريخ"؟!.
 
        إنها، في القرآن، مضافة إلى "فاعلها"-  سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا  ،  سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون  ،  فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا  - فلماذا نضيفها إلى "التاريخ"؟، وهل فاعلها هو "التاريخ"، وليس "الله"؟!.
 
        إن التاريخ هو "ظرفها ومحلها وسياقها"، وليس هو الفاعل لهذه السنن والقوانين.
 
        وتلك مشكلة في "التعبير" - الذي قد لا يكون مقصودا - تثير قضية تسرب المفاهيم المادية والوضعية إلى "ثقافتنا المؤمنة"، وذلك من مثل مقولات: "المادة لا تفنى، ولا تستحدث"!.. و"المصريون القدماء أبدعوا التوحيد قبل الديانات"!- مع أن الإيمان يعلمنا أن الإنسانية قد بدأت بالنبوة والتوحيد.
 
        إن الإنسان، في الرؤية الإسلامية، يصنع التاريخ، وفق سنن الله، ولو كانت السنن، التي لا تبديل لها، هي سنن التاريخ، لما كان بمقدور الإنسان صنع هذا التاريخ، لأنه سيكون عبدا لسنن التاريخ، التي لا يستطيع لها تبديلا ولا تحويلا.
 
        والملاحظة الرابعة: هي على قول الدكتور نصر: "إنه لا خوف على عقائدنا وديننا من منهجيات العلوم الإنسانية المتطورة، وإنما الخوف من الجمود والتقليد اللذين يمثلان حصون الدفاع في المؤسسات التقليدية".
 
        والرأي عندي - وأنا الذي قدمت عشرات الكتب في نقد الجمود والتقليد، والدعوة إلى الإحياء والتجديد - أن الخوف يجب أن يكون من شقي التقليد ولونيه ومصدريه:
 
        أ - التقليد لتجارب سلفنا ومناهج قدمائنا، والجمود عليها، والوقوف عندها وحدها.
 
        ب - والتقليد لتجارب الآخر الحضاري، ومناهج العلوم الإنسانية والتصورات الفلسفية، عند هذا الآخر، والجمود عليها، والوقوف عندها.
 
        ونقطة البدء التي لا بد من الاتفاق عليها، أو جلاء الاختلاف فيها مع الحوار حولها هي:
 
        1 - أننا أبناء حضارة متميزة- مع تحديد نطاق التميز، وسماته ومعالمه- أي نطاق ومعالم "الثوابت الحضارية الإسلامية"، الممثلة "للهوية"، التي تحفظ على الحضارة وحدتها وتواصل إسلاميتها عبر الزمان والمكان.
 
        2 - وأن هذا التمييز الحضاري، هو معيار القبول والرفض من موروثنا الفكري، ومن المواريث الفكرية للحضارات الأخرى.
 
        3 - وأن "التجديد" سنة وقانون أبدي- "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". أن "الاجتهاد" فريضة أبدية، وهما - التجديد والاجتهاد - السبيل لتطوير النسق الفكري الإسلامي المتميز، من داخله، وأن هذا اللون من التجديد- التطور من داخل النسق- مخالف ومختلف عن الجمود على موروثنا والتقليد لسلفنا، ومخالف ومختلف عن "الحداثة"، التي تنكر "الثوابت"، والتي تقيم "قطيعة معرفية" مع الأصول والمنابع والمبادئ والجذور.
 
        أي أن ما نسميه "المعاصرة"، ليس هو "الحداثة الغربية"، والتي إذا استعرناها وأضفناها إلى "أصالتنا"، كنا قد جمعنا الحسنيين، وأمسكنا بطرفي المجد، وبلغنا غاية المراد من رب العباد، وإنما "المعاصرة" هي "تفاعل مع عصرنا نحن"، وإذا كانت لنا "أصالة متميزة" - وهي كذلك - فإن "معاصرتنا" - أي تفاعلنا مع عصرنا- لا بد أن تكون متميزة كذلك.
 
        ويزيد من أهمية هذه الملاحظة، ما حدده الدكتور نصر لأمتنا من مهام، أوجزها في عبارة "اللحاق بركب التقدم والمدنية".. وهو قول يثير تساؤلنا:
 
        - هل مهمتنا - حقا - هي "اللحاق بالركب "؟!..
 
        - أم أنها هي النهوض "لقيادة ركب متميز حضاريا؟".
 
        إن اللحاق بالركب هو أمنية المهزوم نفسيا - اللحاق بركب المنتصر - أما نحن، فإننا نجادل ونماري في أن "الآخر" - المنتصر ماديا - هو "المتقدم"، بالمعنى الحقيقي والمتكامل والمتوازن "للتقدم".
 
        فللتقدم مفاهيم متعددة، وللحضارات فيه مذاهب شتى، ومذهب الإسلام في التقدم، متميز عن "المذهب الباطني"- الذي يسعى إلى "فناء الخلق في الحق"- وعن "المذهب المادي والوضعي"- الذي "يضع الخلق على عرش الحق"- ومن ثم فإن مهمة المشروع الإسلامي ليست "اللحاق بالركب"، وإنما النهوض لقيادة ركب حضاري متميز، يجسد نموذجا حضاريا متميزا- يكون فيه الخلق خلفاء للحق.
 
        وإذا كانت مأساتنا هي الفقر في "الإبداع"، والإفراط في "التقليد"، فإن "الإبداع" سيظل غائبا من حياتنا ما لم نتفق على أننا أصحاب نموذج حضاري متميز، وإلا فما الحاجة للاختراع والإبداع إذا كانت "البضاعة- النموذج" جاهزة، ومعلبة، ومعروضة من قبل الآخرين؟!.
 
        والملاحظة الخامسة: - والأخيرة - هي حول دعوى الدكتور نصر حامد أبوزيد أن المبادئ الثلاثة- التي يقترحها لتكون مقاصد للشريعة - وهي: العقلانية.. والحرية.. والعدالة - هي - برأيه - "المبادئ الكلية".. بينما المبادئ الخمسة - التي حددها القدماء مقاصد للشريعة - والتي بلغت ستة عند الطاهر بن عاشور، وهي: الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال، والحرية - هي - برأي الدكتور نصر - "مبادئ جزئية" - وليست "كلية" - وأنها يمكن أن تندرج تحت مبادئ الدكتور نصر.
 
        والسؤال هو: هل هذا صحيح؟ أم أن العكس هو الصحيح؟!.
 
        إننا إذا تأملنا المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، كما استنبطها وحددها الأصوليون - وإذا أعطاها عقلنا المعاصر أبعادها الحقيقية- وهي أبعاد مفتوحة الأبواب والميادين أمام الاجتهاد الإسلامي - فسنجد أنفسنا أمام منظومة جامعة لأركان ومقومات وضرورات "الاجتماع الإنساني"، تلك التي بدونها لا يستقيم "العمران البشري" على صراط الفطرة الإنسانية السوية.
 
        * فالحفاظ على "النفس"، هو التعبير عن "الإنسان": حامل أمانة إقامة العمران، ومكانته السامية في العمران الإنساني.
 
        * والحفاظ على "العقل"، هو التعبير عن جوهر إنسانية الإنسان، الذي تميز به عن سواه من المخلوقات، عندما انفرد "بالتكليف الاختياري"، الذي تأسست عليه "المسئولية، والحساب، والجزاء".
 
        * والحفاظ على "الحرية" - وهو المقصد الذي أضافه الشيخ طاهر بن عاشور - هو المعبر عن الأمانة التي حملها الإنسان في الاستخلاف، بعدما أبت المخلوقات الأخرى حملها، وفي نطاقها وحدودها تتمثل المذهبية الإسلامية التي حددتها نظرية الخلافة والاستخلاف.
 
        * والحفاظ على "العرض والنسب " هو التعبير عن قوام وأساس بناء "الأسرة" أولى لبنات الاجتماع في كيان الشعب والأمة.
 
        * والحفاظ على "المال" هو التعبير عن قوام الرخاء الإنساني، والعدالة الاجتماعية، وزينة الحياة الدنيا بعمران الواقع المادي لهذه الحياة.
 
        * والحفاظ على "الدين" هو التعبير عن ضبط كل مقومات العمران الإنساني بالضوابط الإلهية، التي تحفظ لهذا العمران - مع التطور والارتقاء - الروح الإلهية والصبغة الدينية التي تضمن "التواصل.. والوحدة" في "الهوية"، رغم "متغيرات الزمان والمكان"، وذلك على النحو الذي يجعل هذا العمران الإنساني: عمران "الإنسان: الخليفة لله"، وليس عمران "الإنسان المتمرد على مولاه"!..
 
        .. تلك هي مكانة مقاصد الشريعة من قضية "العمران البشري".. وهي مكانة: المبادئ الكلية الحاكمة، والمقومات.. والضرورات.
 
        وإذا كان التأمل - ببادي الرأي - ومن الكافة، فضلا عن أهل الاختصاص - يقول إن المبادئ الثلاثة، التي يقترحها الدكتور، نصر، هي موجودة بالفعل في الكليات الست التي حددها الأصوليون، فمن الذي يستوعب من؟! وأين الجديد، الذي أثمرته القراءة الجديدة للنصوص الدينية.
 
        إن "العقلانية" - التي يقترحها الدكتور نصر - هي منهاج في النظر، مكانها الطبيعي في المبدأ الكلي - مقصد: "الحفاظ على العقل" - وكذلك "العدالة" - كمنهاج في حل المشكلة الاجتماعية - مندرجة في المبدأ الكلي - نقصد: "الحفاظ على المال" - و"الحرية": مقصد قائم بذاته - أضافه الشيخ الطاهر بن عاشور -.. فليس هناك - كما رأينا - "جديد" تضيفه القراءة "الجديدة" للدكتور نصر في هذا المجال، اللهم إلا إذا كان الجديد هو الحذف والاستبعاد، وليس الإضافة والاستيعاب!.
 
         وإذا كان من غير المتصور أن يدعو الدكتور نصر إلى الحذف والاستبعاد لمبدأ "الحفاظ على النفس" - أي الإنسان والحياة - فإن النتيجة الوحيدة لهذه القراءة "الجديدة" والمقترحات "الجديدة" ستكون استبعاد مبدأي "الحفاظ على العرض" و"الحفاظ على الدين" من مقاصد الشريعة الإسلامية؟!.. وهي نتيجة أستبعد أن يسعى إلى تقريرها وتحقيقها الدكتور نصر حامد أبو زيد، بل وأعيذه من أن تكون هذه هي المقاصد الكلية لقراءته الجديدة للنصوص الدينية؟!.
 
        ثم.. من الذي يقول إن مبدأ "الحفاظ على الدين" هو "مبدأ جزئي"، وليس من "المبادئ الكلية"؟!.. فأين تكون "الكلية" إذا لم تكن في "الإطلاق.. والخلود.. والشمول" الذي يختص به الدين.. والدين الإسلامي على وجه الخصوص؟!.
 
        إن أغلب حواراتنا هي "ضحايا" بائسة للفوضى الشائعة في مضامين المصطلحات. وعلينا - كي يفهم كل منا الآخر، ولتحديد مناطق الاتفاق، ومناطق الاختلاف، ولتنظيم حوار موضوعي وجاد وبناء- أن بدأ بتحرير وتحديد مضامين ومفاهيم المصطلحات. والله أعلم.
 
  محمد عمارة 
  
*ياسين الشيخ سليمان
23 - يوليو - 2010
 2  3  4  5  6