البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : الزندقة والإلحاد    قيّم
التقييم :
( من قبل 23 أعضاء )

رأي الوراق :

 د يحيى 
22 - مايو - 2010
قال ابن الجوزي:
"زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي، وأبو حيان التوحيدي، وأبو العلاء المعري."
ويرى بعض المفكرين الإسلاميين أن مذهب ابن الراوندي هو مذهب المرجئة الذين يجعلون الإيمان مجرد التصديق، لأن الإيمان في اللغة هو التصديق، وما ليس بتصديق ليس بإيمان، ويزعُمون أن التصديق بالقلب واللسان جميعاً، ويخرجون العمل عن مسمى الإيمان، ويرون أن طريقة ابن الراوندي الإرجائية هي طريقة بشر المريسي......".
 
أسئلة تخطر بالبال : هل هؤلاء زنادقة ؟ وهل من فرق بين الزندقة والإلحاد؟ وما أخبار محمد بن هارون المكنى بأبي عيسى الوراق ؟
إنني أدعو سراة الوراق أن يدلوا بدلوهم ، وفي مقدمتهم : المفكرة المثقففة أختي الست ضياء خانم أم آريان ، والبحاثة الشاعر الأديب الذواقة أستاذي زهير، وأخي الطيب الأصيل عمرخلوف ، وأخي النبه الأريب أحمد عزو، وزهرة المجالس،وضوء المباحث أخي ياسين الشيخ سليمان، وأخي الحنون صاحب الرقية بالألوان المحفوظ عبد الحفيظ ، وأخي الذوق الحاج زين الدين ، ولن أنساك يا أخي محمد هشام ( فما لكَ نسِيتَ الحلبية وحلب الشهباء؟)..... مع احترامي للأخوات السيدات والزملاء السادة الذين راحوا والمؤمّل أن يعودوا.......
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا تعريف واضح يُطَمئِن القلب.    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
* الزندقة لفظ أعجمي معرب، يطلق على الدهرية أو من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، والفقهاء يطلقونه على المنافق، ويطلقه بعض السلف على الجهمية. وقد انتشرت الزندقة في أول العصر العباسي، وقد تجلت في وضع الأحاديث المختلفة لإفساد الدين ورفع شأن العقل وتقديمه على النقل.. ومن عقائدهم : القول بالحلول، وتأليه البشر، وإنكار النبوة، والقول بالتناسخ، وإنكار البعث والجنة والنار.
 * الزندقة أو هرطقة عبارة عن مصطلح عام يطلق على حالات عديدة، يعتقد أنها أطلقت تأريخياً لأول مرة من قبل المسلمين لوصف أتباع الديانات المانوية أو الوثنية و الدجالين ومدعي النبوة والذين يعتقدون بوجود قوتين أزليتين في العالم وهما النور
 والظلام، ولكن المصطلح بدأ يطلق تدريجياً على الملحدين و أصحاب البدع، ويطلق بعضهم على كل من يحيا ما اعتبره المسلمون حياة المجون من الشعراء والكتاب واستعمل بعضهم تسمية زنديق لكل من خالف مبادىء الإسلام الأساسية.
 *يعد ظهور حركة الزندقة في الإسلام من المواضيع الغامضة التي لم يسلط عليها اهتمام يذكر من قبل المؤرخين على الرغم من قدم الحركة التي ترجع إلى زمن العباسيين... هناك كتب تأريخية تتحدث بصورة سطحية عن أشهر الزنادقة والمحاربة الشديدة التي تعرضوا لها في زمن خلافة أبي عبد الله محمد المهدي، ومن هذه الكتب كتاب الفهرست وكتاب الأغاني وكتاب مروج الذهب.
 * الزنادقة هم منافقو الفرس الذين ادعوا الإسلام ظاهراً وحاربوه بالباطن بوسائل شتى ،وقد أطلق هذا اللفظ عليهم لتمييزهم من منافقي العرب. من الزنادقة المشهورين: بشار بن برد الشاعر، وأبو نُواس،وصالح بن عبد القدوس....
 
 
*د يحيى
23 - مايو - 2010
الزندقة والإلحاد    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
تحياتي لشيخي أبي بشار، الذي يشجعنا على الدرس والبحث،
وهل من فرق بين الزندقة والإلحاد؟
معنى الزندقة استقر استعماله بعد الإسلام دلالة على الإلحاد  والملحدين عموما ، مع أن معناه في القديم لم يطلق على كل كافر أو ملحد ، فهو اسم لديانة فارسية قديمة اسمها المانوية وقد انبثقت من الثنوية* . وقد ذكر أبو حيان التوحيدي في البصائر والذخائر أديان العرب قبل الإسلام وعد منها الزندقة دينا لقريش. وفي القرءان الكريم من سورة الجاثية : " وقالوا إنما هي حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر". في تفسير القرطبي :" هذا إنكار منهم للآخرة وتكذيب للبعث وإبطال الجزاء". والإلحاد بمعنى الإنكار والتكذيب لا يتضمن دائما إنكار وجود الله جل وعلا كما هي حال ملحدي العصور الحديثة. فقد كانت قريش تتقرب إلى الله بعبادة الأصنام ، وكان إلحادها في صفات الله وأسمائه المقدسة . قال تعالى في سورة الأعراف: " ولله الأسماء الحسنى وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون بما كانوا يعملون" .
 ولما قال ابن الجوزي : إن زنادقة الإسلام ثلاثة ، فإن قوله يمكن ان ينطبق على ابن الراوندي، أما التوحيدي والمعري فانطباقه بعيد ..  في معجم العين :  زندقة الزنديق أن لا يؤمن بالآخرة ، وبالربوبية .وفي لسان العرب: الزنديق القائل ببقاء الدهر. فارسي معرب." زند كراي".
إن ما يهمني هنا هو المعنى الذي استقرت عليه الزندقة بعد الإسلام ، وهل أن كل من اتهم بالزندقة كان بالفعل زنديقا؟
 في العصر الأموي كان انتشار الزندقة ضئيلا جدا، فلم يتهم بها سوى نفر قليل، أما في عصور بني العباس، فقد انتشرت الزندقة انتشارا ملموسا، لدرجة أن الخليفة المهدي قتل العديد من الناس بتهمة الزندقة. ولم يكن معنى الزندقة عند الناس واحدا. فمعناها عند الخاصة ( كأصحاب الفرق الإسلامية)غيره عند العامة . فالعامة كانت تتهم الخليع الماجن بالزندقة وهو منها براء . وكان الذي يتعاطى الفلسفة ربما يتهم في دينه، وكذلك بعض المتصوفة اتهموا ،  واتهم أيضا بعض من اشتغلوا بشيء من العلوم الطبيعية . في الوافي بالوفيات ذكر الشيخ صلاح الدين الصفدي قصة مؤداها أن آلة الاصطرلاب كانت تسمى عند بعض الناس بآلة الزندقة. وفي" التذكرة الحمدونية: " :
" قدم محمد بن الحسن الفقيه العراق، فاجتمع الناس عليه يسألونه ويسمعون كلامه فرفع خبره إلى الرشيد وقيل له: إن معه كتاب الزندقة. فبعث بمن كبسه وحمله وحمل معه كتبه، فأمر بتفتيشها. قال محمد: فخشيت على نفسي من كتاب الحيل، فقال لي الكاتب: ما ترجمة هذا الكتاب؟ فقلت: كتاب الخيل، فرمى به.".
ومما  لا شك فيه أن الزناديق الملحدين وجدوا في أكثر الأزمنة . قال المعري في رسالة الغفران: " ولكن الزندقة داء قديم... ولا ملة إلا ولها قوم ملحدون..." .
في عهد بني العباس ؛ كثر  اتهام  الناس بالزندقة كما بينا، وكثيرا ما كان الاتهام باطلا وزورا، خاصة اتهام شعراء وأدباء عرفوا بالمجون وكان لهم أعداء أو حساد وشوا بهم . فقد ذكر ابن المعتز في طبقات الشعراء ، وذكر غيره، أن المهدي لما قتل بشاراً ندم على قتله وأحبّ أن يجد شيئاً يتعلق به، فبعث إلى كتبه، فأحضرها وأمر بتفتيشها طمعاً في أن يجد فيها شيئاً مما حزبه عليه، فلم يجد من ذلك شيئاً، ومرّ بطومار مختوم، فظن أن فيه شيئاً، فأمر بنشره، فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، إني أردت أن أهجو آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله، فمنعني ذلك من هجوهم، ووهبت جرمهم لله عز وجل، وقد قلت بيتين لم أذكر فيهما عرضاً ولم أقدح في دين، وهما:
دينار آل سليمان ودرهمهم         كالبابليين شدّاً بالعفاريت
لا يوجدان ولا يرجى لقاؤهما         كما سمعت بهاروت وماروت
فقال( يعني المهدي): الآن والله صح الندم. أ.هـ
 
الزندقة في عصر المعري كانت علنية:
قال المعري في" رسالة الغفران" بعد أن سرد مقتل بشار بن برد : "ولا أحكم عليه بأنه من أهل النار، وإنما ذكرت ما ذكرت فيما تقدم لأني عقدته بمشيئة الله، وإن الله لحليم وهاب." . وأضاف المعري: " وذكر صاحب كتاب الورقة جماعة من الشعراء في طبقة أبي نواس ومن قبله، ووصفهم بالزندقة، وسرائر الناس مغيبة، وإنما يعلم، بها علام الغيوب. وكانت تلك الحال تكتم في ذلك الزمان خوفاً من السيف، فالآن ظهر نجيث القوم،وانغاصت التريكة عن أخبث رأل." في " الصحاح" : بدا نجبث القوم: إذا ظهر سرهم الذي كانوا يخفونه . وفي المحكم والمحيط الأعظم: " التريكة: البيضة بعدما يخرج منها الفرخ . وفي اللسان: " الرأل ولد النعام".
وإلى لقاء آخر بإذن الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر "فجر الإسلام" للمرحوم الأستاذ أحمد أمين ، فقد أفاض في أصل الزندقة وما استقر عليه معناها. أما في الجزء الأول من كتابه"ضحى الإسلام" فقد عقد فصلا(السادس) سماه : " حياة الزندقة وحياة الإيمان" ، وهو يتحدث عن عصر بني العباس .
 
*ياسين الشيخ سليمان
24 - مايو - 2010
" ....ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ".    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
إيه يا أبا أحمد ... زادك الله بسطة في العقل والجسم ، وأعيذك من شر حاسد إذا حسد ، وأدعو الله القريب المجيب أن يبارك فيك وفي أختنا أم أحمد ، وفي أفلاذ أكبادكم.......
*د يحيى
24 - مايو - 2010
ابن الراوندي بقلم أبي العلاء    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
التحيات الطيبات لراعي هذا الملف أستاذنا د. يحيى مصري الحلبي، وكل الشكر لأستاذنا ياسين الشيخ سليمان على هذه المداخلة التي سبقني فيها إلى ما كنت أنوي نشره وهو التعقيب على حشر المعري في زمرة واحدة مع ابن الراوندي  حسب كلمة ابن الجوزي التي تعتبر محور هذا الملف (زنادقة الإسلام ثلاثة....) وأترك المعري يدافع عن نفسه في نص مطول تعرض فيه لابن الراوندي متهكما بأشهر مؤلفاته، وهي حسب ترتيبها في (رسالة الغفران): (التاج) (الدامغ للقرآن) (القضيب) (الفريد) (المرجان) وأنوه هنا إلى أخطاء جمة وردت في مشاركة الدكتور يحيى، الأخيرة، منها تسمية كتاب (الفريد) بالفرند، وكتاب (الدامغ) ب(الدامق) في أماكن متفرقة من نقولاته منها: (و(كتاب الفرند)، و(كتاب اللؤلؤ) و(كتاب الدامق)، وقد أودعه كلاماً عن الخالق يسوء ذكره، فاعتبر ما في الدنيا من ظلم وشر وسوء من صنع الخالق) ...... وكتاب (الدامق) الذي عارض فيه القرآن الكريم، وكتاب (الفرند) الذي انتقد فيه بعث الرسل ورسالة الأنبياء .... 16ـ كتاب الدامق: ذكره ابن البلخي وابن المرتضى، وذكر ابن البلخي بأن الخياط رد على هذا الكتاب، وقال أبو علي الجبائي إن ابن الراوندي كتب هذا الكتاب بطلب من اليهود، وأثار غضب السلطان، وقد أمر بإحضاره لكنه هرب والتجأ إلى يهودي مات عنده.
إلا أن أبا العلاء استطرد في حديثه إلى ذكر فوائد لغوية وأدبية رأيت من الأنسب حذفها كيلا تشوش على سياق النص،  قال:
وأمّا ابن الرّواندي فلم يكن إلى المصلحة بمهدي.
وأمّا تاجه فلا يصلح أن يكون نعلاً، ولم يجد من عذابٍ وعلاً
ويجوز أن ينظم تاجه عقارب، فما كان المحسن ولا المقارب، فكيف له إذا توج شبواتٍ، أليس يمينه عن تلك الصبوات؟ وهل تاجه إلاّ كما قالت الكاهنة: أفّ وتف، وجورب وخف!؟ قيل: وما جورب وخف؟ قالت واديان في جهنم.
ما تاجه بتاج ملك، ولكن دعي بالمهلك، ولا اتخّذ من الذّهب، وسوف يصوَّر من اللهّب، ولا نظم من درّ، بل وقع من عناء بقرّ
ما توَّج من الفضة،ولا يقنع له بالقضَّة، ما هو كتاج كسرى، لكن طرق بسوء المسرى، ولا تاج الملك انوشروان، ولكل أثقل وجرّ الهوان، ذلك تاج فرس عنقاً، فظن على من توِّج به محنقاً. ليس هو كتاج المنذر، ولكن مندية غويّ حذّر، ولا هو كخرزات النعّمان، بل شين يدخر في الأزمان. وما يفقر مثبه إلى أن ينقض منه وبه تقوضّ.
وأمّا الدامغ فما إخاله دمغ إلاّ من ألفه، وبسوء الخلافة خلفه. .... وهذا الرّجل كذاوي الخيطان. وإنمّا المنكر، أنَّه في الآونة يذكر. دلّ ممن وضعه على ضعف دماغ، فهل يؤذن لصوت ماغٍ؟ (من قولهم: مغت الهرة إذا صاحت).
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي = بريئاً ومن جول الطوَّي رماني
رجع عليه حجره، وطال في الآخرة بجره.
بئس ما نسب إلى راوند، فهل قدح في دباوند؟
إنمّا هتك قميصه، وأبان للنظر خميصه.
وأجمع ملحد ومهتد، وناكب عن المحجَّة ومقتدِ، أنّ هذا الكتاب الذي جاء بن محمد صلى الله عليه وسلم كتاب بهر بالإعجاز، ولقي عدّوه بالإرجاز. ما حذي على مثال، ولا أشبه غريب الأمثال. ما هو من القصيد الموزون، ولا الرَّجز من سهلّ وحزون. ولا شاكل خطابة العرب، ولا سجع الكهنة ذوي الأرب. وجاء كالشمس اللائحة، نوراً للمسرَّة والبائحة؛ لو فهمه الهضب الرّاكد لتصدع، أو الوعول المعصمة لراق الفادرة والصدّع: "وتلك الأمثال نضربها للنّاس لعلهم يتفكرون" وإنّ الآية منه أو بعض الآية، لتعترض في أفصح كلم يقدر عليهم المخلوقون، فتكون فيه كالشَّهاب المتلألئ في جنح غسق، والزّهرة البادية في جدوبٍ ذات نسق؛ فتبارك الله أحسن الخالقين.
وأمّا القضيب فمن عمله أخسر صفقة من قضيب. وخير له من إنشائه، لو ركب قضيباً عند عشائه، فقذفت به على قتاد، ونزعت المفاصل كنزع الأوتاد:
كيف للنّاطق به أن يكون اقتضب وهو يافع، إذ ماله في العاقبة شافع. وودّ لو أنّه قضبه، أو تلتئم عليه الهضبة.
وقد صد أن يكون مثل القائل:
وروحة دنيا بين حييّن رحتها         أسير عروضاً، أو قضيباً أروضها
وقضيب وادٍ كانت فيه وقعة في الجاهلية بين كندة وبين بني الحارث ابن كعب فكيف لهذا المائق أن يكون قتل في قضيب، وسقط في إهابه الخضيب. فهو عليه شرّ من قضيب الشجرّة على السّاعية، ومن له ان يظفر بمنطق الناّعية؟ وكيف له أن يجدَّع بقضيب هندي ويلبس ممّا لفظ به ثوب المفديّ؟ لقد أنزل الله به من النكّال، ما لا يدفع بحمل الأنكال؛ فهو كما قال الأوّل:
فلم أر مغلوبين يفري فرينا         ولا وقع ذاك السَّيف وقع قضيب
وأما الفريد فأفرده من كلّ خليل، وألبسه في الأبد برد الذّليل.
ومن انفرد بعزَّةٍ لوقارته، فإن فريد ذلك الجاحد ينفرد لحقارته، كأنّه الأجرب إذا طلي بالعنية، فرّ من دنوه من يرغب عن الدنيّة. وإذا جذلت الغانية بفريد النظّام، فهو قلادة مآثم عظام. وذكر أبو عبيدة أنَّ في ظهر الفرس فقارة يقال لها الفريدة، وهي أعظم الفقار. فلو حمل فريد ذلك المتمرَّد على جواد لحطم فريدته، أو زينّ به المحبُّ الغانية لأهلك خريدته.
وأما المرجان فإذا قيل إنّه صغار اللؤلؤ، فمعاذ الله أن يكون مرجانه صغار حصى، بل أخس من أن يذكر فينتصى. وإذا قيل إنّه هذا الشيء الأحمر الذي يجيء به من المغرب، فإن ذلك له قيمة وخسارة كتابه مقيمة، وإنمّا هو مرجان، من مرجت الخيل بعضها مع بعض، وتركتها كالمهملة في الأرض أو لعلّه مرجّان من جنى الشجّرة أو مرجانّ من الشياطين الفجرة، أو جان من الحيات المقتولة بأيسر الأمر، والمبغضة إلى المنفرد والعمر أي الجماعة من النّاس.
*زهير
24 - مايو - 2010
مزاح مع أستاذي زهير ظاظا ،أ طال الله عمره ،في مرضاة الله.    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
ساله : هل صحيح أنكم تبدلون الغين قافاً ، والقاف غيناً ؟ فأجاب : أستقفر الله مَن يغول هذا ؟
      * ومنه كتاب ( الدامغ) : يا أستاذ زهير ، فلعل المرء من ذاك البلد !
سأله : سمعت أنكم تنطِقون الضاد ظاء ؟ قال : هذه شائعة من حسود ! ولما طلب إليه أن يقرأ الفاتحة ، قرأ : .... ولا الظالين.
وأنا ( شخصياً) أسأل ابني : هل صليت الضُّهر !
    * أما كتاب ( الفريد) ، فلعل الكاتب كان مشغولاً بحكم زواج الفرند .....
جزى الله خيراً أستاذنا زهيراً على مشاركته في هذا الملف وفي غيره، فأنت واسطة العقد يا شيخ السراة .
 
   
*د يحيى
24 - مايو - 2010
شكر وتوارد افكار    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
أشكر شيخي العزيز أبا بشار على هذا الدعاء الطيب، فبارك الله فيه وفي أهله الطيبين المحترمين، وفي أولاده النجباء. كما وأشكر أستاذنا العزيز زهير على مشاركته الثمينة، التي تبين لي منها أن هناك تواردا في الأفكار بيني وبينه، وأنا سعيد بهذا التوارد كل السعادة. هذا، وكان في نيتي أن أكتب تعليقا يقرب فحواه من تعليقه دون أن يكون قيما مثله ، فسبقني، وخيرا فعل، وله الفضل. وأنا الآن بصدد تحضير مشاركة عن أبي العلاء رحمه الله . وأرجو أن أتمكن من نشرها في هذا الملف.
 وتأييدا لما ذكره أستاذنا زهير من تصحيف جرى لأسماء كتب ابن الراوندي أقول:
قرأت في( إعجاز القرءان والبلاغة النبوية) للمرحوم مصطفى صادق الرافعي أن كتاب ابن الراوندي (الفريد) ورد في تاريخ أبي الفداء باسم الفرند.قال : وهذا تصحيف .
 
وإلى لقاء آخر بعون الله
*ياسين الشيخ سليمان
25 - مايو - 2010
أبو العلاء اعاد لي الذكرى    ( من قبل 6 أعضاء )    قيّم
 
 
" ليس من شعراء العرب من مس القلب كثيرا، والعقل أكثر،  مثل أبي العلاء المعري..
الشاعر الذي حرم نعمة البصر، ومع ذلك كشف من حقائق العيش وفلسفة الحياة ما لم يكشفه البصراء" - الدكتور زكي المحاسني.( سوري من مواليد دمشق1972-1909)
من مقال للمرحوم الدكتور زكي المحاسني، نشرته مجلة العربي في عددها الأول . والمقال بعنوان : وقفة في معرة النعمان على قبر أبي العلاء . وكان المحاسني قد قام بزيارة قبر أبي العلاء من قبل سنوات من كتابته المقال ..
والدكتور المحاسني ممن ألفوا في آراء المعري وفلسفته . وله كتاب مطبوع بعنوان: أبو العلاء المعري ناقد المجتمع. أما الرسم المعبر المرفق، فهو بريشة رسام مجلة العربي في ذلك الحين، الفنان المصري أحمد الوردجي رحمه الله. وتبدو في الرسم مظاهر الزهد والتقشف الذي أُثر عن المعري. هذا ، وكنت قد اطلعت على العدد الأول من مجلة العربي عام 1963 وبقي رسم ابي العلاء عالقا بذهني . فكلما تذكرت أبا العلاء، تذكرت هذا الرسم . ولما كان هذا الملف قد تضمن شيئا عن ابي العلاء رحمه الله، فقد وددت ان يطلع  محبو ابو العلاء على هذا الرسم المعبر .
ومن محاسن الاتفاق أن العدد الأول من مجلة العربي فيه قصيدة للمرحوم الشاعر الصادق القدير أحمد الصافي النجفي عنوانها: الحقيقة المرة . وهذه جملة أبيات منها:
بعض الأنام يرى الحقيقة مرة= فيفر منها مطبقا عنها الفما
كيلا تلاحقه فتدخل فاه أو= يبقى يشاهد وجهها المتجهما
وأنا أراها مرة فألوكها= كي أغتذي منها وإن تك علقما
ألام روحي غير آلام الورى = ولكم فرحت بما رأوه مؤلما
عيني ترى ما لا يرون وعينهم = ما لا أراه ترى ففي أي عمى؟
إن يبصروا فتقا بثوبي يأسفوا= فأجيل فيهم ناظري متهكما
ما شأن جسمي والرداء فإنني = مهما بي اتصلا غريب عنهما
أبكي على الحيوان أكثر من بني الإنسان مهما يقتلا أو يظلما
إذ لا أرى الحيوان مالك حيلة= عنه يرد بها البلاء المبرما
ولقد أرى الحيوان حينا ظالما= لكن أرى الإنسان منه أظلما
كل يقلد غيره بجهالة= وأشدهم جهلا يسمى أعلما
ذا جاهل غر يقلد جاهلا= ولعلني في الجهل أعظم منهما
روحي تفر من الدميم وإن غدا =مضنىً فقيرا عدت فيه متيما
حتى أمرضه وأسعفه فإن= أثرى وعوفي وازدهى واستعظما
أبغضته وفررت منه لأنني= أهوى الشقي وأبغض المتنعما
لنواقص الدنيا أُساء فهل ترى= عن كل نقص سوف أُسأل مرغما
عندي نواقص جمة وكأنني = لنواقص الدنيا أتيت متمما
ترى لو عاش النجفي في زمن المعري ألم يكن ليُتهَم في معتقده مثله؟!
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
28 - مايو - 2010
ابن العديم أنصف المعري    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
ما أنصف ،على حد علمي، صاحب كتاب من كتب التراث الأدبي والتاريخي أبا العلاء المعري كابن العديم . ففي (بغية الطلب في تاريخ حلب) بدا ابن العديم ناقدا عالما، وعاقلا منصفا وواعيا. فهو لم يسلك مسلك النقلة دون أن يمحص ما ينقل أو يروى . وهاهو يحدثنا عما قرأه في كتاب غرس النعمة بخصوص المعري، يقول:
وقرأت في تاريخ غرس النعمة ابن الصابىء: أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري الشاعر، الأديب الضرير، وكان له شعر كثير، وفيه أدب. غزير، ويرمى بالالحاد، وأشعاره دالة على ما يزن به من ذاك، ولم يك يأكل لحوم الحيوان ولا البيض، ولا اللبن، ويقتصر على ما تنبته الأرض، ويحرم ايلام الحيوان ويظهر الصوم زمانه جميعه، ونحن نذكر طرفا مما بلغنا من شعره ليعلم صحة ما يحكى عنه من الحاده، وله كتاب سماه الفصول والغايات عارض به السور والآيات، لم يقع إلينا منه شيء فنورده.*
وذكر أشعارا: نسبها إليه، فمنها ما هو من شعره في لزوم ما لا يلزم وفي استغفر وأستغفري قد أجاب عنها في كتابه المعروف بزجر النابح والكتاب بنجر الزجر، وإذا تأملها المنصف حق التأمل لم يجد فيها ما يوجب القدح في دينه، ومنها ما وضع على لسانه وتعمل تلامذته المنحرفون وغيرهم من الحسدة نظمها على لسانه وضمنوها أقاويل الزنادقة، وفيها من ركاكة اللفظ والعدول عن الفصاحة التي هي ظاهرة في شعره ما يوجب نفيها عنه وبعدها منه، فمما أورده وهو موضوع عليه:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل         وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على إمرىء         رأى منك ما لا يشتهى فتزندقا
وهذا شعر في غاية السقوط والنزول والهبوط، يقضي على ناظمة بالجهل والعمه والكفر والسفه
ومما أورد من الأشعار الموضوعة على لسانه البعيدة عن فصاحته وبيانه.
صرف الزمان مفرق الإلفين         فاحكم إلهي بين ذاك وبيني
أنهيت عن قتل النفوس تعمداً         وبعثت أنت بقبضها ملكين
وزعمت أن لها معاداً ثانياً         ما كان أغناها عن الحالين
ولم يعز غرس النعمة شيئا من هذه الأشعار المكذوبة إلى كتاب يعتمد عليه، ولا: نسب روايتها إلى ناقل أسندها إليه، بل اقتصر في ذكرها كما ذكر على البلاغ ولم يتأمل أن مثلها مما يختلق عليه زورا ويصاغ.
وقد نسج أبو يعلى بن الهبارية** على منوال غرس النعمة من غير فكر ولا روية، فقال في كتابه الموسوم بفلك المعاني المشحون بقول الزور فيما ينقله ويعاني: وقد قال أبو العلاء أحمد بن سليمان مع تحذلقه ودعواه الطويلة العريضة وشهرته نفسه بالحكمة ومظاهرته:
ونهيت عن قتل النفوس تعمداً         وبعثت تقبضها مع الملكين
وزعمت أنّك في المعاد تعيدها         ما كان أغناها عن الحالين
قال ابن الهبارية**: وهذا كلام مجنون معتوه يعتقد أن القتل كالموت، والموت، كالقتل، فليت هذا الجاهل الذي حرم الشرع وبرده، والحق وحلاوته، والهدى ونوره، واليقين وراحته، لم يذع ما هو
برىء منه بعيد عنه ولم يقل:
غدوت مريض العقل والرأي فأتني         لتخبر أنباء الأمور الصحائح
حتى سلط الله عليه أبا نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر، فقال: أنا ذلك المريض رأياً وعقلاً، وقد أتيتك مستشفياً فاشفني، وجرت بينهما مكاتبات كثيرة، وأمر باحضاره حلب، ووعده على الإسلام خيراً من بيت المال، فلما علم أبو العلاء أنه يحمل للقتل أو الإسلام سم نفسه فمات. ويعلق ابن النديم فيقول:
وابن الهبارية لا يعتمد على ما ينقله، وأبو نصر بن أبي عمران هو هبة الله ابن موسى، المؤيد في الدين، وكان اجتمع بأبي العلاء بمعرة النعمان، وذكرنا فيما نقله ابن الزبير باسناده أنه كانت بينه
وبين أبي العلاء صداقة ومراسلة، وذكر حكايته معه. وأما الرسائل التي جرت بينه وبين أبي العلاء فإنني وقفت عليها، وملكتها نسخه، والمؤيد في الدين ابتداه وقال: بلغني عن سيدنا الشيخ بيتاً، وذكر البيت المذكور، وقال: أنا ذلك المريض عقلاً ورأياً وقد أتيتك مستشفياً، لم امتنعت عن أكل اللحم؟ فأجابه أبو العلاء أن ذلك لرقة تأخذه على الحيوان، وأن الذي يحصل له من ملكه لا يقوم بسعة النفقه. فأجابه بجواب حسن وقال: إنه قد تقدم إلى الوالي بحلب أن يحمل إليه ما يقوم بكفايته، لا كما ذكرابن الهبارية بأن يحمل إلى حلب، وأنه وعد عن الاسلام خيراً من بيت المال، فامتنع أبو العلاء عن قبول ما بذله له وأجابه عن كتابه بجواب حسن، فورد جواب المؤيد في الدين يتضمن الاعتذار إليه عن تكليفه المكاتبة في المعنى المذكور، وشغل خاطره، لا كما ذكر ابن الهبارية.
وكذلك قول ابن الهبارية أن أبا العلاء سم نفسه فمات، خطأ فاحش من القول فإن أبا العلاء مات حتف أنفه بمرض أصابه، وسنذكر ذلك إن شاء الله في ذكر وفاته.
يتبع إن شاء الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما لم يقع لابن الصابيء ذكرته كتب عديدة وهو نص من كتاب للمعري اسمه: الفصول والغايات في تمجيد الله والعظات . والفقرة التي ذكرتها الكتب هي:
أقسم بخالق الخيل والريح الهابة بليل بين الشرط ومطالع سهيل إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الذيل، اتق مدارج السيل، وطالع التوبة من قبيل تنج وما أخالك بناج. قال ابن العديم في بغية الطلب:
وقرأت بخط الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي في كتاب له تتبع الكلام فيه على الصرفة ... وقد حمل جماعةً من الأدباء قول أرباب الفصاحة أنه لا يتمكن أحد من المعارضة بعد زمان التحدي على أن نظموا على اسلوب القرآن وأظهر ذلك قوم وأخفاه آخرون...
وعلق ابن العديم قائلا: وهذا الكلام الذي أورده ابن سنان هو في كتاب الفصول والغايات في تمجيد الله تعالى والعظات وهو كتاب إذا تأمله العاقل المنصف علم أنه بعيد عن المعارضة وهو بمعزل عن التشبه بنظم القرآن العزيز والمناقضة، فإنه كتاب وضعه على حروف المعجم، ففي كل حرف فصول وغايات، فالغاية مثل قوله: بناج، والفصل ما يقدم الغاية، فيذكر فصلاً يتضمن التمجيد أو الموعظة ويختمه بالغاية على الحرف من حروف المعجم، مثل تاج، وراج، وحاج، كالمخمسات والموشحات في الشعر.
** ابن الهبارية : ذكره العماد في خريدة القصر (وذكره غيره) قال: الشريف أبو يعلى محمد بن محمد بن صالح من بغداد من شعراء نظام الملك. غلب على شعره الهجاءُ والهزل والسّخف، وسبك في قالب ابن الحجّاج، وسلك أسلوبه، وفاقه في الخلاعة والمجون. والنّظيف من شعره في نهاية الحسن.
وقد ذكر العاملي في الكشكول قصة أعف عن ذكرها من كثر ما هي مخزية، وقد عزا روايتها للشريف ابن الهبارية هذا . وأرجو أن لا تكون صحيحة بحال. وليت شعري هل كان ابو العلاء المعري إلا رجلا نظيفا عفيفا طاهر الذيل!
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
29 - مايو - 2010
نصان متعارضان    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
نصان متعارضان أرجو كل من يشك في عقيدة المعري أن يتعاون معنا ويعقد بينهما مقارنة ليتبين له الحق من الباطل في المعري. ونحن هنا لا نقصد إلى تبرئة المعري مما اتهم به بشكل شخصي. فالرجل أوى إلى دار الحق من زمان. ولاينفعه منا دعاء ولا رجاء، ولا يزيد في ذنبه ، إن كان مذنبا، اتهام أو إبراء ؛ ولكننا نرمي من وراء ذلك إلى العبرة والاعتبار، وإلى التحقق من سبل من سلف من كتابنا وأدبائنا وعلمائنا في كيف كانوا يحكمون على عقائد الناس بالصلاح أو بالفساد، وهل كانت تلك السبل كلها صحيحة ، أو كان منها غير الصحيح؟
النص الأول ورد في:( الروضة الفيحاء في تاريخ النساء ـ ياسين الخطيب):
" وممّن أظهر الزندقة فغضب الله عليه، ومحقه أحمد بن عبد الله الضرير أبو العلاء المعرّي الشاعر المشهور، فإنه كان يُظهر الزندقة، وعارض القرآن العظيم بكلام ذميم، وممّا ظهر من كلامه السخيف قوله: أقسم بخالق الخيل، والريح الهابّة بالليل، بين الشّرط ومطالع سُهيل، إن الكافر لطويل الويل، وإن العمر لمكفوف الزّيل، اتّق مدراج السيل، وطالع التوبة من قبيل تنجُ، وما إخالك بناج ومِنْ شعره وجرأته قوله:
إذا ما ذكرنا آدمَ وفعالهِ         وتزويجهُ بنتيهِ ابنيه ِبالخنا
علمنا بأنَّ الخلقَ منْ نسلِ فاجر         وأنَّ جميعَ الناسِ منْ عنصرِ الزّنا
قبّحه الله ما أجرأه على الفكر، وقد ردّ أهل ملّة الإسلام، وأثبتوا أنّه هو مقرٌّ بالزنا، فإقراره عليه هكذا ذكره السّيوطي، وقال في "تاريخ ابن الوردي": كان علاّمة عصره في النحو واللغة، وله تصانيف، وله من النظم "لزوم ما لا يلزم" في خمس مجلدات و"سقط الزّند" ولا يبعد أنّه تاب وأناب." أ.هـ
أقول أنا ياسين الشيخ سليمان:
لو كنت مكان ياسين الخطيب، لفكرت مليا قبل أن أنقل عمن سبقوني من الكتاب في حق أبي العلاء المعري، وأتبين صدق ما أنقله من كذبه، هذه واحدة، أما الأخرى، فقد نقل ياسين الخطيب أن المعري لا يبعد أنه تاب وأناب. وما دام هناك احتمال أنه تاب وأناب، فلماذا التشنيع عليه إلى هذا الحد بعد مئات السنين من موته!؟ وأما البيتان اللذان قام الخطيب بنقلهما والمنسوبان إلى المعري الذي كان علامة عصره في النحو واللغة كما نقل الخطيب نفسه، فهل قرأهما في كتاب من كتب المعري؟!
والحق أن هذين البيتان يتمثل معناهما الكثيرون ممن يدعون الإلحاد من أشباه المتعلمين من جهلة العوام في كل عصر، الذين يظنون في أنفسهم المهارة في القول والنباهة في العقل، ومنهم من لم يسمع بالمعري طوال حياته . وأعرف من هؤلاء واحدا إذا جلس إلي أظهر لي كل تدين ورجاحة عقل؛ خشية أن أتهمه بفساد العقيدة . فهو يعلم أني من ذوي العقائد السليمة في نظره، والله أعلم بي في كل حال. مر هذا يوما على ثلة من معارفه وهم يجلسون في مقهى، فقال : السلام عليكم يا أولاد الحرام! فاندهش السامعون أول الأمر وانبغتوا؛ لظنهم أنه يتهم أمهاتهم أو آباءهم بالزنى؛ ولكنهم لما سمعوا منه قصده بأنهم أبناء لأبناء آدم وبناته، ضجوا بالضحك، وقالوا: يا ابن الحرام، من أين أتيت بهذه الفكرة؟! وسر هو سرورا عظيما؛ لأنهم امتدحوا فطنته وذكاءه كما ظنوا وظن هو. سألته مرة: هل سمعت بابي العلاء المعري؟ أجاب أذكر انه شاعر قرأنا له في المدرسة بعض الأبيات. قلت: هل تحفظ شيئا منها؟قال: رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد. وسألته: هل تعلم أن المعري اتهم بفساد الدين؟ قال مستغربا: معقول؟!
وما سردت القصة المذكورة إلا أدلل بها على استحالة أن ينحدر عالم علامة إلى هذا الدرك من السفالة الفكرية مما ينحدر فيه الجهلة من الناس، الذين يدعون الفطنة والذكاء، وهم عن الفطنة والذكاء أبعد من السها عن كوكب الأرض. وهم ، أي هؤلاء الجهلة، لو كانوا من ذوي النوايا الطيبة، وصرحوا بما يرد على خواطرهم من تساؤلات في الدين والعقيدة ؛ راجين ، وبصدق، أن يهديهم الله تعالى إليه، لما خيب الله رجاءهم. فالتساؤلات ترد على خواطر الناس جميعا، خاصة من هم في هم دائم وسعي دائب إلى الاستقرار النفسي والاطمئنان على المصائر.
 النص الثاني يتبع
*ياسين الشيخ سليمان
29 - مايو - 2010
النص الثاني    ( من قبل 7 أعضاء )    قيّم
 
النص الثاني من مقدمة ( ضوء السقط) وهو شرح من أبي العلاء المعري لكتابه(سقط الزند) . ومن أحسن دليلا على معرفة عقيدة الرجل مم قال هو عن نفسه؟! قال :
قَدْ عَلِمَ اللهُ تعالى جلَّتْ كلمته، أنَّ أحبَّ الكلامِ إليَّ ما ذُكر به عَزَ سلطانه وأثني به عَلِيه. وإذا تَكلَّمتُ بكلمة لِغيرِه، عَددْتُها من غبن وغَبْنٍ، تُريكَ الغُصنَ الشائكَ من الأُبَن. وأنا شيخ مكذوبٌ عَليَّ، يظن بعضُ العامة أني من أهل العلِم، وأنا من الجهالة نظير الخلم. ويخالني قوم دينا، ولم يَزْل تَقْصيري مُتبينًا. ويَحسبُني نَفَرٌ ذا يسارٍ، وإن قَضيتُ الزمن بالاعْتِسَار ِ، وَأَقلُّ مايَلْحَقُنِي من ذلك، أن يلتمسَ مني الضعيفُ فَعال الغنيّ، فإذا ظهرت المَعْجَزَةُ وصفني بلئيم دَنيٍ. وإذا نطقتُ بألفاظٍ ليست لله، فإنما أنا كما قال القائل: مكره أخاك لا بطلْ. هذا كان مذهبي أوان الشبيبةِ، فكيف مَذْهبي إذا أخْلقنِي الدهرُ إخلاقَ سَبِيبَةٍ، وربَّ كلمةٍ تقول دعني، والسَّيْلُ يَضْطركَ إلى المعْطَشَةِ. ولزمتْ مسكني منذُ سنةِ أربعِ مئةٍ معمِلاً ألا أُرسِلَ فيما يتصل بكلام العرب بنتَ شَفَة، وبليتُ بِنْوبٍ ليست بالمنكشفة، ومدَّ العمر، وكأنما سِنوه السمر، تُعدَم عنده الثّمرُ، وإنما يجود بِدَبىً ليس بطائل، لا يسمح بقوت العائل، فطرقني رجل بعد رجل، كلهم يلتمس مني أدبا، ويَحسِبُ أني مُعانٍ نَشَباً. وكان من آخر وارد علي: الشيخُ أبوعبد الله محمدُ بنُ عبدِ الله الأصفهاني، غَرَّه أحاديثُ بعض العامة في، فَلَقِيَ من الأسفار كُلَفا،وأصابني قد راهقْتُ تَلفا. وعَرَّفتُه أن غيري أَولَى بالقَصدِ، والمجُدِبُ يقنع من الناقة بِفَصْدٍ، كما قال القائل:
وقد يَتركُ العُذرَ الفتى وطعامُهُ         إذا هو أمْسَى حَلْبَةً من دَم ِالفَصْدِ
واجتهدت في النصيحة فلم يَقْبل والمثل: لَجَّ صاحبك فَحجَّ. وأبو عبد الله لم يَحْجُجْ أم رَحْمٍ، ولكنهممارسةُ جُرح محْجوج اتصل بدماغٍ مَشْجُوج، قال أبو ذؤيب الهذلي:
وصبَّ عليه المِسك حتى كأنه         أَسِيٌّ على أم الدِّماغِ حَجيجُ
ولم يمُكنِّي الزمنُ أن أعينه على السفر، فلما رضي بكَدِّ المُقْتِر، استغفرت الله عز سلطانه، وأجبته إلى أن قرأ أشياءَ كثيرةً، وسألني أن أشرح له ما يَستعجمُ عليه من الكتاب المعروف بسَقْطِ الزَّنْدِ، فأجبتُه إلى ما سألَ، وقد شهد الله وكفى به أني حَسيرٌ طَليحٌ، أُشفقُ من الأخطاءِ وأُليحُ، وهذا حين نبدأُ بشرح ما يمكنُ منه إن شاء الله.أ.هـ
ولو نظرنا نظرة عجلى فيما أوردناه من مقدمة (ضوء السقط) لعرفنا ما يلي :
1ـ حب أبي العلاء لما يرضي الله تعالى.
2ـ تواضعه الجم على سعة علمه ونفاذ بصيرته.
3ـ يعترف بالتقصير في التدين مما يدل على طموحه بالتدين أكثر، وأنه لا يحبذ التظاهر بالتدين لأن التدين الحقيقى لدى الإنسان لا يعلمه إلا الله.
4ـ يظنه الناس ولكثرة ما يقدم لمن يقصدونه موسرا وهو في الحقيقة إلى الإعسار أقرب . وتظاهره هذا يطمع الناس فيه ؛ ولكنه إن لم يستطع إجابة طلب الطامعين بإحسانه، والقيام بواجب الضيافة لمن يقصدونه، تحمل وصفه باللؤم والدناءة وهو منهما براء. أما قوله : ولم يمكني الزمن أن أعينه على السفر فيدل على أنه كان يعين من يقصدوه طلبا لعلمه عونا ماديا .
5ـ لم يكن ينطق بألفاظ يبتغي بها غير وجه الله، وإن نطق نطق مكرها.
هذه أوصاف خمس اتصف بها أبو العلاء في شبيبته، فكيف حاله في كبره، كما قال : فكيف مذهبي إذا اخلقني الدهر إخلاق سبيبة! فالشاب اطمع في زخرف الحياة وبهرجها أكثر بكثير ممن تقدم به العمر وصار كالثوب الخلق البالي ، ومع هذا ، فلم يكن أبو العلاء في شبابه من قبل هرمه إلا من الزهاد.
 
 
 
 
*ياسين الشيخ سليمان
29 - مايو - 2010
 1  2