البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : نبأ الخلق في تاريخ العالم من الميلاد حتى الفناء    قيّم
التقييم :
( من قبل 1 أعضاء )
 عبود 
16 - أبريل - 2010
مقدمة المؤلف
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
 ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي )
صدق الله العظيم
بسم الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وأتوب إليه، إله الأولين والآخرين، أرسل الرسل وأنزل الكتب وأقام الحجة على الخلق أجمعين، الحمد لله رب العالمين الأول قبل كل شيئ والآخر بعد كل شيئ والدائم بلا زوال، له الكبرياء والعظمة والبهاء والعزة والسلطان والقدرة، يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير، أحمده وأشكره وأستهديه لما يقربني منه ويرضيه مخلص له التوحيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا بن عبد الله عبده النجيب ورسوله الأمين، اصطفاه لرسالته وابتعثه بوحيه داعيا خلقه إلى عبادته، فصدع بأمره وجاهد في سبيله ونصح لأمته، فقد قال الله تعالى في كتابه ( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا وقد قص الله على نبيه (ص) خبر ما مضى من خلق المخلوقات وذكر الأمم الماضين وكيف فعل بأوليائه وماذا أحل بأعدائه وبين ذلك رسول الله (ص) لأمته بيانا شافيا.
لقد كان العلماء السابقين قد استغنوا بعلمهم عن دنيا غيرهم فكانوا لا يلتفتون إلى أهل الدنيا ولا إلى ما في أيديهم، وكان أهل الدنيا يبذلون إليهم دنياهم رغبة في علمهم فأصبح أهل العلم فينا اليوم يبذلون لأهل الدنيا علمهم رغبة في الدنيا، وأصبح أهل الدنيا قد زهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم، وإني لأستحي من الله عز وجل أن أعبده رجاء ثواب الجنة فقط فأكون كالأجير السوء إن أعطى عمل وإن لم يعط لم يعمل، وإني لأستحي من الله أن أعبده مخافة النار فقط فأكون كالعبد السوء إن رهب عمل وإن ترك لم يعمل، وإني ليستخرج مني حب الله ما لا يستخرج مني غيره.
قال سليمان وهو صاحب الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده: والله لتسبيحة واحدة يقبلها الله عز وجل منك أو من مؤمن خير مما أوتى آل داود من الملك، لأن ما أوتى آل داود من ملك الدنيا يفنى والتسبيحة تبقى وما يبقى خير مما يفنى.
فما عيش من قد عاش بعدي بنافعي      ولا موت من قد مات يوما بمخلدي
إن أخاً لك كلما لقيك ذكرك بنصيبك من الله وأخبرك بعيب فيك، أحب أليك وخير لك من اخ كلما لقيك مدحك أو وضع في كفك دينارا وكما قال الشاعر أبو جعفر الكاتب أحمد بن يوسف بن صبيح:
قد يرزق المرء من غير حيلة صدرت     ويصرف الرزق عن ذي الحيلة الداهي
ما مسـني من غنى يوما ولا عــدم    إلا وقـولي عليه الحمــــــد لله
 
عبدالرحمن ملا عثمان
20/11/1999م
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( عَلَّـمَ الْإِنْسَـانَ مَا لَمْ يَعْلَـمْ )
صدق الله العظيم
 
أكتب هذه المقدمة بعد أن قطعت تسع سنين من يوم أن قررت الكتابة في هذا المجال، وبعد أن قرأت واطلعت على عدد لا بأس به من الكتب والدراسات التي قام بها الكثير من السابقين، ولا أزال في هذه المغامرة التي لا أدري متى ستنتهي، وسأمضي في الكتابة على قدر استطاعتي وعلى قدر الامتداد الزمني الذي يسير بي إلى الوقت المكتوب لي به من حياتي وكما قال الشاعر أبو جعفر الكاتب أحمد بن يوسف بن صبيح:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه        فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا، تسـتريح بها         لئلا يقول الناس إنك كــاذب
إنه ضرب من الجنون في عزمي لكتابة قصة الخلق والإلمام بجميع النواحي الثقافية والاقتصادية من الزراعة والصناعة والتجارة والمالية والسياسية والقانونية والحربية والأخلاقية والاجتماعية وآداب السلوك والدينية والتربوية والعلمية والطبية والفلسفية والأدبية والفنية والحكم والموسيقى... كاملاً منذ البدء، إنه لمن الحمق أن تتحدث في كل ضروب المعرفة ولكنها محاولة جريئة لا تخلو من الغرور، فأنا أمشى إلى الخلف بينما الناس في تقدم، فنجد التخصص في العلوم التطبيقية كالهندسة والطب مثلاً تتعدد سنة بعد سنة حتى أصبح طبيب اليوم مثلاً لا يفقه من الطب العام إلا جزءاً يسيرا، وكذلك الهندسات والإقتصاد... والعلوم الأخرى، بينما أنا فأريد للإنسان أن يكون كما كان سابقا ملمّاً بعلوم متعددة في وقت واحد، كالطب والهندسة والفلسفة والتاريخ والفلك والدين... فعلى القارئ أن يعرف المبادئ والقواعد الأساسية على الأقل للطب والهندسة والقانون والاقتصاد والأدب والفن...، وهو موجه لكل عالم ديني من أئمة المسلمين وأحبار اليهود وقساوسة المسيحية ورؤساء المعابد البوذية...، كما أنه لكل الناس من فلاح وعامل ومهندس وطبيب وعالم فلك أو رياضيات أو تاجر أو عتّال أو عسكري أو مدني...، وعلى الجميع أن يفهم الجميع من أبسط البسطاء إلى أعقد المعقدين أو الفلاسفة، ولقد قررت أن أمضي قدماً في إعادة كتابة التاريخ بعد اطلاعي على الكثير من الكتب التي سردت في هذا المجال معلومات قيّمة ولكنها لا ترتقي إلى الكمال، وأنا أعلم أنه لن تسعفني السنين للوصول إلى الكمال الذي أصبو إليه وإنْ الكمال إلا لله وحده فقد أبي الله أن يصح إلا كتابه، ولكن هذا جهد المقل وبذل الاستطاعة وما يكلف الإنسان إلا ما تصل قدرته إليه وفوق كل ذي علم عليم، والله يستر عيوبنا بكرمه ولا يكدر علينا ما منحنا من مشرع عظاته المنير الصافي إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه.
لقد وجدت أن معظم الكتب التاريخية غير العربية تبدأ من اليونان والكثير من الكتب العربية تبدأ من المنطقة العربية تاركين الشرق الأقصى وأمريكا وأفريقيا دون ذكر، ولكي نكون منصفين في هذه الإعادة لكتابة التاريخ الكامل سوف نستقصي ما أمكننا شرقا وغربا وشمالاً وجنوباً.
ما تطعمت لذة العيش حتى        صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس عندي شيء ألذ من الــــعلم فما أبتغي سـواه أنيسا
ومن حق الفيلسوف في مقابل هذا أن يترك حراً يسعى وراء الحقيقة، ولكن عليه مع ذلك أن يحصر مناقشاته في دائرة المتعلمين ومداركهم وألا يعمد إلى الدعوة لآرائه بين العامة.
 
عبدالرحمن ملا عثمان
1 / 6 / 2002م
 
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )
صدق الله العظيم
 
أيها الناس أما بعد فان أصدق الحديث كتاب الله وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة ابراهيم وخير السنن سنة محمد (ص) واشرف الحديث ذكر الله وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الامور عوازمها وشر الامور محدثاتها وأحسن الهدي هدي الانبياء واشرف الموت موت الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى وخير الاعمال ما نفع وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب، وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل والخمر جماع الاثم والنساء حبائل الشيطان، والسعيد من وعظ بغيره والشقي من شقي في بطن أمه وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة اذرع والأمر الى الآخرة، وملاك العمل خواتمه وشر الروايا روايا الكذب وأكل لحم المؤمن من معصية الله وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يصبر يضعف الله له ومن يعص الله يعذبه الله.
إن الفهم الصحيح للحياة يقتضي الوقوف على الحياد في كل الأمور والتحرر من العبودية بشكل كامل كالمشاهد لفلم سينمائي ليس له أن يغيّر في أحداثه من شيء، فنجد أن حضارات شتى سادت ثم بادت في أمكنة كثيرة من العالم، كانت في حقبة من الزمان مسيطرة على العالم ونجدها الآن من العالم الثالث أو الخامس بالنسبة لبلدان أصبحت الأولى في العالم، فنجد على سبيل المثال طريق الحرير الذي يمتد من الهند الى أوروبا ماراً بالمنطقة العربية كانت المدن مزدهرة على امتداده فأصبحت اليوم في ذاكرة النسيان، وعواصم لإمبراطوريات كانت تسيطر على العالم شرقا وغربا وازدهرت يوماً بالسلطان والعمران آلت الى الإنحطاط أو حتى إلى الزوال، ونجد اليوم أن مدنا ودولاً لم تكن معروفة في جزء كبير من المعمورة ازدهرت وأصبحت مسيطرة على العالم في حين أن امبراطوريات ومدن لها تاريخ طويل من الإزدهار لم تعد موجودة، وقد تكون قبائل البدو على درجة نادرة من الفتوة والذكاء وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات التجارة بحيث لا يبقى لها منه شيء للمدنية، وفي دائرة الزراعة الضيقة من الطمأنينة ترى الإنسان يبني لنفسه الدُّور والمعابد والمدارس ويخترع الآلات التي تعينه على الإنتاج ويستأنس الكلب والحمار، ثم يسيطر على نفسه آخر الأمر فيتعلم كيف يعمل في نظام ويحتفظ بحياته أمداً أطول ويزداد قدرة على نقل تراث الإنسانية من علم وأخلاق نقلاً أميناً.
إن الثقافة تجمع في المدينة ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابـغ العقول، وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار فتتلاقح العقول وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن فتبدأ المدنية في كوخ الفلاح ولكنها لا تزدهر إلا في المدن، وليس هو الجنس العظيم الذي يصنع المدنية بل المدنية العظيمة هي التي تخلق الشعب، لأن الظروف الجغرافية والاقتصادية تخلق ثقافته والثقافة تخلق النمط الذي يصاغ عليه، ولا بد من قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الدين أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ويعترف بها حتى الخارجون عليها، ولا بد من تربية لكي تنتقل الثقافة على مر الأجيال فنورث الناشئة تراث القبيلة وروحها، نورثهم نفعها ومعارفها وأخلاقها وتقاليدها وعلومها وفنونها سواء كان ذلك التوريث عن طريق التقليد أو التعليم أو التلقين، وسواء في ذلك أن يكون المربي هو الأب أو الأم أو الإمام أو المعلم أو القسيس، لأن هذا التراث إن هو إلا الأداة الأساسية التي تحول هؤلاء من مرحلة الحيوان إلى طور الإنسان، ولو انعدمت هذه العوامل بل ربما لو انعدم واحد منها لجاز للمدنية أن يتقوض أساسها، كزوال الخصوبة من الأرض أو فساد الزراعة بسبب طغيان الحواضر على الريف، بحيث ينتهي الأمر إلى اعتماد الناس في أقواتهم على ما يرد إليهم متقطعاً من بلاد أخرى، أو استنفاد الموارد الطبيعية في الوقود أو المواد الخام أو تغيُّر في طرق التجارة تغيراً يُبعد أمة من الأمم عن الطريق الرئيسية لتجارة العالم، إذ المدنية ليست شيئاً مجبولاً في فطرة الإنسان ولا هي شيء يستعصي على الفناء، إنما هي شيء لا بد أن يكتسبه كل جيل من الأجيال اكتساباً جديداً، فإذا ما حدث اضطراب خطير في عواملها الاقتصادية أو في طرائق انتقالها من جيل إلى جيل فقد يكون عاملاً على فنائها، وإن الإنسان ليختلف عن الحيوان في شيء واحد وهو التربية وهي الوسيلة التي تنتقل بها المدنية من جيل إلى جيل، والمدنيات المختلفة هي بمثابة الأجيال للنفس الإنسانية، فكما ترتبط الأجيال المتعاقبة بعضها ببعض بفضل قيام الأسرة بتربية أبنائها ثم بفضل الكتابة التي تنقل تراث الآباء للأبناء، فكذلك الطباعة والتجارة والصناعة والزراعة وغيرهما من ألوف الوسائل التي تربط الصلات بين الناس، قد تعمل على ربط الأواصر بين المدنيات وبذلك تصون للثقافات المقبلة كل ما له قيمة من عناصر مدنيتنا، فلنجمع تراثنا قبل أن يلحق بنا الموت ولنُسلمه إلى أبنائنا.
 
عبدالرحمن ملا عثمان
01/01/2007
 1  2 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
تابع14    كن أول من يقيّم
 
فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض العيون على عجلتها ومعها ثلاثمائة وستون ملكا، ناشري أجنحتهم يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار، ليلا كان أو نهارا، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم وهو المنتهى من كسوفها، فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء ويبقى سائر ذلك على العجلة فهو كسوف دون كسوف وبلاء للشمس أو للقمر وتخويف للعباد واستعتاب من الرب عز وجل، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين، فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل، ليلا كان أو نهارا في الصيف كان ذلك أو في الشتاء او ما بين ذلك في الخريف والربيع لكيلا يزيد في طولهما شيء، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك وجعل لهم تلك القوة، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة يحمدون الله على ما قواهم لذلك، ويتعلقون بعرا العجلة ويجرونها في الفلك بالتسببيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين فتسقط من أفق السماء في العين، ثم قال النبي وعجب من خلق الله: وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك، وذلك قول جبرئيل عليه السلام لسارة (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ... يتبع 
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع15    كن أول من يقيّم
 
وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين أحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح، اسم التي بالمشرق بالسريانية مرقيسيا وبالعربية جابلّق، واسم التي بالمغرب بالسريانية برجيسيا وبالعربية جابرس، ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ما بين كل بابين فرسخ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراس، عليهم السلاح لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور، فوالذي نفس محمد بيده، لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هدة وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب، ومن ورائهم ثلاث أمم: منسك وتافيل وتاريس ومن دونهم يأجوج ومأجوج، وإن جبرئيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته فأجابوا، فأصبحوا إخواننا، من أحسن منهم فهو مع محسنكم ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم، ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه فكفروا بالله عز وجل وكذبوا رسله، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار، فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة وتسجد معها الملائكة الموكلون بها فيحدر بها من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر، وإذا انحدرت من بعض تلك العيون فذاك حين يضيء الصبح، وإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار، وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ثم يستقبل المغرب، فلا يزال يرسل من الظلمة من خلال أصابعه قليلا قليلا وهو يراعي الشفق، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق فضم جناحيه ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق، فيضعها عند المغرب على البحر السابع، فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور وانقضت الدنيا، فضوء النهار من قبل المشرق وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما إلى السماء السابعة العليا إلى محبسهما تحت العرش حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف فلا يأمر به أحد ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد، فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش، ... يتبع 
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع16    كن أول من يقيّم
 
فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع لم يحر إليها جواب حتى يوافيها القمر ويسجد معها ويستأذن من أين يطلع فلا يحار إليه جواب، حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس وليلتين للقمر فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض، وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين في هوان من الناس وذلة من أنفسهم، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاة فيصلي ورده كما كان يصلي قبل ذلك، ثم يخرج فلا يرى الصبح فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر، ثم يقول فلعلي خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت قبل حيني، ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده الليلة الثانية، ثم يخرج فلا يرى الصبح فيزيده ذلك إنكارا ويخالطه الخوف ويظن في ذلك الظنون من الشر، ثم يقول فلعلي خففت قراءتي أو قصرت صلاتي أو قمت من أول الليل، ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة فيصلي أيضا مثل ورده الليلة الثالثة، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل، فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة، فيستلحمه الخوف ويستخفه البكاء ثم ينادي بعضهم بعضا وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة والغافلون في غفلتهم، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين أتاهما جبرائيل فيقول: إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور، فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت وخوف يوم القيامة، فبينما الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر مثلهما في كسوفهما قبل ذلك، فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها والأحبة عن ثمرة قلوبها فتشتغل كل نفس بما أتاها، فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك لهم عبادة، وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ويكتب ذلك عليهم خسارة، فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا، حتى إذا بلغا سرة السماء وهو منصفها أتاهما جبرائيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ولكن يغربهما في باب التوبة،
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع17    كن أول من يقيّم
 
قال بن عباس فقال عمر بن الخطاب (ر): أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله، فما باب التوبة؟، قال: يا عمر، خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب مصراعين من ذهب مكللا بالدر والجوهر، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع، فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب، ثم ترفع إلى الله عز وجل، فقال معاذ بن جبل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وما التوبة النصوح؟، قال: أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع، فيرد جبرائيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعملها في الإسلام، إلا من كان قبل ذلك محسنا فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك، فذلك قوله عز وجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)، فقال أبي بن كعب: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك، وكيف بالناس والدنيا؟، فقال: يا أبي إن الشمس والقمر بعد ذلك يكسيان النور والضوء ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار ويغرسوا فيها الشجر ويبنوا فيها البنيان، وأما الدنيا فإنه لو اشترى رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور، فقال حذيفة بن اليمان: أنا واهلي فداؤك يا رسول الله، فكيف هم عند النفخ في الصور؟، فقال: يا حذيفة، والذي نفس محمد بيده، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ولا يتبايعانه، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله (وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَفإذا نفخ في الصور وقامت الساعة وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودؤوبنا في عبادتك وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا فإنا لم ندع إلى عبادتنا ولم نذهل عن عبادتك، فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدىء وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه، فيقولان: إلهنا ومم خلقتنا، فيقول عز وجل: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه، فيلتمع من كل واحدة منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا فتختلط بنور العرش، فذلك قوله عز وجل (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ)، ... يتبع
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع18    كن أول من يقيّم
 
وقال بن عباس: هذا ما سمعت من رسول الله (ص)، فقال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حدثوا به حتى أتينا كعبا فأخبرناه بما كان من حديث ابن عباس عن رسول الله، فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، أستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول، قال عكرمة: فأعاد عليه ابن عباس الحديث وأنا أستقريه في قلبي باباً باباً، فما زاد شيئا ولا نقص ولا قدم شيئا ولا أخر، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة وللحديث حفظا.
ومما روي عن السلف في ذلك عن ابن الكواء قال لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين، ما هذه اللطخة التي في القمر، فقال: ويحيك، أما تقرأ القرآن (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةًفهذه محوه، والصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله تعالى ذكره خلق شمس النهار وقمر الليل آيتين، فجعل آية النهار التي هي الشمس مبصرة يبصر بها ومحا آية الليل التي هي القمر بالسواد الذي فيه، وجائز أن يكون الله تعالى خلقهما شمسين من نور عرشه ثم محا نور القمر بالليل فكان ذلك سبب اختلاف حالتيهما، وجائز أن يكون إضاءة الشمس للكسوة التي تكساها من ضوء العرش ونور القمر من الكسوة التي يكساها من نور الكرسي، ولو صح سند أحد الخبرين اللذين ذكرتهما لقلنا به ولكن في أسانيدهما نظرا فلم نستجز قطع القول بتصحيح ما فيهما من الخبر عن سبب اختلاف حال الشمس والقمر، غير أنا بيقين نعلم أن الله عز وجل خالف بين صفتيهما في الإضاءة لما كان أعلم به من صلاح خلقه باختلاف أمريهما، فخالف بينهما فجعل أحدهما مضيئا مبصرا به والآخر ممحو الضوء، وعن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله (ص) يقول: خلق الله ألف أمة، منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البر وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلك تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه فقال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع19    كن أول من يقيّم
 
قال الله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، وقال تعالى (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)، وقال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، وقال تعالى (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)، وقال تعالى (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، وقال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وقال تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا، الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا)، وقال تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)، وقال تعالى (أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، والآيات في ذكر الملائكة كثيرة جدا يصفهم تعالى بالقوة في العبادة، وفي الخلق وحسن المنظر وعظمة الأشكال وقوة الشكل في الصور المتعددة كما قال تعالى (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ)، فالملائكة تبدو لهم في صورة شباب حسان امتحانا واختبارا، حتى أنه عندما قامت على قوم لوط الحجة أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وكذلك كان جبريل يأتي إلى النبي (ص) في صفات متعددة فتارة يأتي في صورة دحية بن خليفة الكلبي، وتارة في صورة أعرابي وتارة في صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب، كما رآه على هذه الصفة مرتين مرة منهبطا من السماء إلى الأرض ومرة عند سدرة المنتهى عند الجنة وهو قوله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، أي جبريل، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى)، أي إلى عبدالله محمد (ص) ثم قال (وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)، وأن رسول الله (ص) قال: ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبتها كالقلال وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا يخرج من أصلها نهران باطنان ونهران ظاهران فأما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون، وذكر أنه وجد إبراهيم الخليل عليه السلام مستندا ظهره إلى البيت المعمور، وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط فإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة، يعني في الأرض، وإن بيت المقدس مقدس في السموات السبع مقداره من الأرض.
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع20    كن أول من يقيّم
 
فمن الملائكة جبريل عليه السلام: عن عبدالله بن عباس قد ورد في صفة جبريل عليه السلام أمر عظيم قال الله تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)، قالوا كان من شدة قوته أنه رفع مدائن قوم لوط وكنّ سبعا بمن فيها من الأمم وكانوا قريبا من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوانات، وما لتلك المدن من الأراضي والمعتملات والعمارات وغير ذلك، رفع ذلك كله على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح الكلاب وصياح ديكتهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى، وقوله (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) أي خلق حسن وبهاء وسناء، كما قال في الآية الأخرى (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، أي جبريل رسول من الله كريم أي حسن المنظر، ذِي قُوَّةٍ، أي له قوة وبأس شديد، عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ، أي له مكانه ومنزلة عاليه رفيعة عند الله ذي العرش المجيد، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ، أي مطاع في الملأ الأعلى ذي أمانة عظيمة)، ولهذا كان هو السفير بين الله وبين أنبيائه عليهم السلام الذي ينزل عليهم بالوحي فيه الأخبار الصادقة والشرائع العادلة، وقد كان يأتي إلى رسول الله (ص) وينزل عليه في صفات متعددة (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، أي أن محمدا (ص) رأى جبريل، وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، قال رسول الله (ص): رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتشر من ريشه التهاويل والدر والياقوت.
وأما إسرافيل عليه السلام: وهو أحد حملة العرش وهو الذي ينفخ في الصور بأمر ربه نفخات ثلاثة، أولاهن نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة البعث، فعن عائشة أن رسول الله (ص) كان إذا قام من الليل يصلي يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
وأما ميكائيل: فموكل بالقطر والنبات وهو ذو مكانة من ربه عز وجل ومن أشراف الملائكة المقربين وقد قال تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).
فجبريل عليه السلام يحصل بما ينزل به الهدى وميكائيل يحصل بما هو موكل به الرزق وإسرافيل يحصل بما هو موكل به النصر والجزاء.
وأما ملك الموت فليس بمصرح باسمه في القرآن ولا في الأحاديث الصحاح وقد جاء تسميته في بعض الآثار بعزرائيل وقد قال الله تعالى (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)، وله أعوان يستخرجون روح العبد من جثته حتى تبلغ الحلقوم فيتناولها ملك الموت بيده، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها منه فيلقوها في أكفان تليق بها كما قد بسط عند قوله (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، ثم يصعدون بها فإن كانت صالحة فتحت لها أبواب السماء وإلا غلقت دونها وألقى بها إلى الأرض فقد قال الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ).
ومن الملائكة المنصوص على أسمائهم في القرآن هاروت وماروت، وأنه تمثلت لهما إمرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب، وأنهما لما راوداها عن نفسها فأبت إلا أن يعلماها الاسم الأعظم، فعلماها فقالته فارتفعت إلى السماء فصارت كوكبا.
ومن الملائكة المسمين في الحديث منكر ونكير عليهما السلام ذكرهما في سؤال القبر في قوله تعالى (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، وهما موكلان بسؤال الميت في قبره عن ربه ودينه ونبيه ويمتحنان البر والفاجر، وهما أزرقان أفرقان لهما أنياب وأشكال مزعجة وأصوات مفزعة.
والملائكة عليهم السلام بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام، فمنهم حملة العرش ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم أشرف الملائكة مع حملة العرش، وهم الملائكة المقربون كما قال تعالى (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا)، ومنهم جبريل وميكائيل عليهما السلام وقد ذكر الله عنهم أنه يستغفرون للمؤمنين بظهر الغيب كما قال تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع21    كن أول من يقيّم
 
ومنهم خازن الجنة ملك يقال له رضوان جاء مصرحا به في بعض الأحاديث، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، وهم المذكورون في قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ، قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)، وقال تعالى (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ، لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، وقال تعالى (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وقال تعالى (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ، وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، وقال تعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ).
وعن عبدالله بن مسعود قال قال رسول الله (ص): ما منكم من أحد الا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي ولكن الله أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير، وعن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، فإن لله ملائكة سياحين في الأرض فضلا عن كتاب الناس، فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله نادوا هلموا إلى بغيتكم فيجيئون بهم إلى السماء الدنيا فيقول الله (على أي شيء تركتم عبادي يصنعون)، فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك فيقول (وهل رأوني)، فيقولون لا فيقول (كيف لو رأوني)، فيقولون لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وتمجيدا وذكرا فيقول (فأي شيء يطلبون)، فيقولون يطلبون الجنة فيقول (وهل رأوها)، فيقولون لا فيقول (وكيف لو رأوها)، فيقولون لو رأوها لكانوا أشد عليها حرصا وأشد لها طلبا فيقول (من أي شيء يتعوذون)، فيقولون من النار فيقول (وهل رأوها)، فيقولون لا فيقول (فكيف لو رأوها)، فيقولون لو رأوها كانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا فيقول (أشهدكم أني قد غفرت لهم)، فيقولون إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم إنما جاء لحاجة فيقول (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)، وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): مَنْ نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه، وعن عائشة قالت قال رسول الله (ص): خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم.
عبود
19 - أبريل - 2010
تابع22    كن أول من يقيّم
 
العصر الحجري القديم
لقد تخلفت عن الحضارة الأشولية آثار كثيرة في أوربا وجرينلندة والولايات المتحدة والمكسيك وإفريقية والشرق الأدنى والهند والصين، ويقع تاريخها حوالي عام 75000 ق.م، وهذه المرحلة لم تُصلح من المدية الحجرية إصلاحاً يجعلها أكثر تناسقاً وأحَدَّ طرفا فحسب بل أنتجت إلى جانب ذلك أنواعاً كثيرة من الآلات الخاصة كالمطارق والسندانات والكاشطات والصفائح ورءوس السهام وسنان الرماح والمدي، وفي هذه المرحلة تستطيع أن ترى صورة تدل على مرحلة نشيطة للصناعة البشرية، وإن أقدم عظام وجدت في نياندرتال وتاريخها فيما يظهر هو عام 40000 قبل الميلاد، وهي تشبه البقايا البشرية التي كُشف عنها في بلجيكا وفرنسا وأسبانيا بل وعلى شواطئ بحر جاليلي، حتى لقد صَوَّر العلماء عصراً بأسره من مخلوق النياندرتال ساد أوربا منذ حوالي أربعين ألف عام قبل عصرنا هذا وكان هؤلاء الخلق قصاراً.
ثم الموستيرية وتوجد آثارها في القارات كلها مرتبطة ارتباطاً يسترعي النظر ببقايا مخلوق النياندرتال، وذلك في تاريخ يقع على نحو التقريب قبل الميلاد بأربعين ألفا من السنين، والمدية الحجرية نادرة نسبيا بين هذه الآثار كأنما أصبحت عندئذ شيئا عفا عليه الزمان وحلّ محله شيء جديد، أما هذه الآلات الجديدة فقوام الواحدة منها رقيقة واحدة من الصخر، أخف من المدية السابقة وزناً وأرهف حَداً وأحسن شكلا صنعتها أيد طال بها العهد بقواعد الصناعة، فإذا صعدت طبقة من الأرض في طبقات العهد البليستوسيني في جنوب فرنسا وجدت بقايا الثقافة الأورجناسية وتقع حول عام 25000 ق.م، وهي أول المراحل الصناعية بعد عصر الجليد وأولى الثقافات المعروفة لمخلوق كرومانيون، ويظهر أنه قد حل جنس جديد اسمه كرومانيون حول عام 20000 ق.م محل هؤلاء السكان الأقدمين لأوربا، كما تدل الآثار التي كُشف عنها في مغارة بهذا الاسم في منطقة دوردوني في فرنسا الجنوبية، ولقد استخرجت بقايا كثيرة من هذا النمط ترجع إلى العصر نفسه من مواضع مختلفة في فرنسا وسويسرا وألمانيا وويلز، وكلها تدل على قوم ذوي قوة عظيمة وقوام فارع.
وتعرف فصيلة كرومانيون كما تعرف فصيلة نياندرتال باسم سكان الكهوف ذلك لأن آثارهم وجدت في الكهوف، وهذه الفصيلة العظيمة إنما جاءت من آسيا الوسطى مارة بإفريقية حتى بلغت أوربا، وأنها شقت طريقها فوق جسور من اليابس يقال أنها كانت عندئذ تربط إفريقيا بإيطاليا وأسبانيا، وأنهم لبثوا عشرات من السنين بل ربما لبثوا قروناً طوالا يقاتلون فصيلة نياندرتال قتالا عنيفاً، ومهما يكن من أمر فقد زال مخلوق نياندرتال عن ظهر الأرض حيث عمرها مخلوق كرومانيون.
وهاهنا في هذه المرحلة أضيفت إلى آلات الحجر آلات من العظم مشابك وسندانات وصاقلات الخ، وظهر الفن في نقوش غليظة منحوتة على الصخر أو في رسوم بارزة أغلبها رسوم لنساء عاريات، ثم جاءت في مرحلة متقدمة من مراحل تطور مخلوق كرومانيون ثقافة أخرى هي السُّولَترْيه حول عام 20000 ق.م في فرنسا وأسبانيا وتشيكوسلوفاكيا وبولندة، وهنا أضيفت إلى أسلحة العهد الأورجناسي وأدواته مُدي وصفائح ومثاقب ومناشير ورماح وحراب وصُنِعَتْ كذلك إبَرٌ دقيقة حادة من العظم، وقُدَّت آلات كثيرة من قرن الوعل وقرون الوعل منقوشة أحيانا برسوم أجسام حيوانية أرقى بكثير من الفن في العصر الأورجناسي، وأخيرا عندما بلغ مخلوق كرومانيون ذروة تطوره ظهرت المجدلية التي ظهرت في أرجاء أوربا كلها حول عام 16000 ق.م، وهي تتميز في الصناعة بمجموعة كبيرة منوعة من رقيق الآنية المصنوعة من العاج والعظم والقرن، وهي تبلغ حدها الأقصى في مشابك وإبر متواضعة لكنها تصل حد الكمال في الإتقان، وهذه المرحلة هي التي تميزت في الفن برسوم أَلتَاميرا وهي أدق وأرق ما صنعه مخلوق كرومانيون.
وربما كانت الآثار في تونس والجزائر مما يشبه آثار العصر الأورجناسي ويؤيد النظرية القائلة بأن إفريقية هي الأصل في تلك الثقافة أو هي الحد الذي وقف عنده مخلوق كرومانيون، ولقد احتُفِرَت آلات من العصر الحجري القديم في سوريا والهند والصين وسيبيريا وغيرها من أصقاع آسيا ومنغوليا، وكذلك احتُفِرَت هياكل لمخلوق النياندرتال وأحجار صَوَّانية كثيرة من العهدين الموستيري والأورجناسيّ في فلسطين.
وكان بين آثار مخلوق النياندرتال قِطَعاً من الفحم وقطعاً من العظم المحترق، فالنار التي صنعها تذهب في القِدَم إلى أربعين ألف عام مضت، وقد أعد مخلوق كرومانيون لنفسه آنية خاصة تمسك الشحم الذي كان يشعله ليستضيء بضوئه، وإذن فالمصباح كذلك له من العمر هذا الزمن الطويل، والراجح أن تكون النار هي التي مكنت الإنسان من اتقاء البرد الناشئ عن الجليد الزاحف، وهي التي أتاحت له النوم في الليل آمنا من الحيوان الذي ارتعد لهذه الأعجوبة ارتعاداً يَعدِل عبادة الإنسان البدائي إياها، وهي التي قهرت الظلام فكانت أول عامل من العوامل التي حَدَّت من الخوف، والتقليل من خوف الإنسان أحد الخيوط الذهبية في نسيج التاريخ الذي ليست كل خيوطه ذهبا، وهي التي أدت أخيرا إلى صهر المعادن والتحام بعضها في بعض، وهي الخطوة الوحيدة الحقيقية التي قَدّمها الإنسان في فنون الصناعة من عهد مخلوق كرومانيون إلى عصر الانقلاب الصناعي.
وأوضح آثار خلفها مخلوق العصر الحجري القديم هي قِطَع من فنه، فقد حدث منذ مائة عام تقريباً أن وقع السنيور مارسلينو دي سوتولا على كهف واسع في مزرعته في أَلتَاميرا في شمال أسبانيا، وكان هذا الكهف قد لبث آلاف الأعوام مقفل الباب كأنه صومعة راهب، أقفلته صخور سقطت عليه وأمدتها الطبيعة بملاط من لدنها حين ربطت بعضها ببعض بأعمدة من رواسب، ثم جاء الإنسان فضرب في هذا الموضع بضرباته لينشئ لنفسه كهفاً جديدا فإذا به يكشف بضرباته عن مدخل الكهف بطريق المصادفة، ثم جاء سوتولا ليستطلع الكهف فلحظ على جدرانه علامات غريبة وتخطيطا غامضاً لبَيزُونٍ ضخم وهو ثور بريُّ ناصع الألوان، فلما فُحص السقف وفُحصت الجدران فحصاُ دقيقاً وجدت صور أخرى كثيرة، وجاء الجيولوجيون إلى ألتاميرا وأقروا بإجماع أن الرواسب التي كانت تغطي بعض الرسوم إنما ترجع إلى العصر الحجري الأول من عهد ما قبل التاريخ وترجع إلى الثقافة المجدلية، أي إلى عهد يقع نحو عام 16000 ق.م، وكذلك وجدت رسوماً أحدث تاريخا من هذه بقليل لكنها ما زالت من بقايا العصر الحجري القديم في كهوف كثيرة في فرنسا، وتمثل الرسوم في معظم الحالات صنوفا من الحيوان أوعالاً وماموث وجياداً وخنازير ودببة وغيرها، وربما كانت هذه الصنوف عن مخلوق ذلك العصر طعاما شهيا ولذلك كانت موضع عنايته في صيده، وأحيانا نرى صورة حيوان مطعونا بالسهام قُصد بها أن تكون رسوما سحرية تأتي بالحيوان في قبضة الفنان أو الصائد وبالتالي تأتي به إلى معدته.
إن الصيد ضرب من اللهو نستمد فيه اللذة، ومن بعض الذكريات الغامضة الراسخة في دمائنا والتي تعيد لنا تلك الأيام القديمة حيث كان الصيد عند الصائد والمصيد كليهما أمراً تتعلق به الحياة أو الموت، ذلك لأن الصيد لم يكن سبيلاً إلى طلب القوت بل كان كذلك حرباً يراد بها الطمأنينة والسيادة، حرباً لو قَرَنْتَ إليها كل ما عرفه التاريخ المدوَّن من حروب ألفيت هذه الحروب بالقياس إليها بمثابة اللغَط اليسير، وما يزال الإنسان في الغابة يقاتل في سبيل الحياة، لأنه على الرغم من أن الحيوان هناك لا يكاد يهاجمه مختاراً إلا إذا اضطره إلى ذلك الجوع الشديد أو الخوف من الوقوع فريسة لا يجد لنفسه مهرباً يلوذ به، فليس في الغابة قوت يكفي الجميع وأحياناً لا يظفر بطعامه إلا المقاتل أو الذي يستخدم لنفسه حيواناً مقاتلاً.
عبود
19 - أبريل - 2010
 1  2