من لؤم الغرائز أن من الناس من يحب الذم كما يحب غيره المدح، ويرتاح للهجاء كما يرتاح غيره للثناء، ومنهم من يغرى بذم قومه، وسب نفسه وآبائه، وشتم عشيرته، منهم عميرة بن جعل التغلبي، وهو القائل: كـا الله حـيي تغلب ابنة وائل | | من اللؤم إصغارا بطيئا نصولها | ومنهم الحرمازي وهو القائل: إن بـني الحرماز قوم iiفيهم | | عـجز وتسليط على iiأخيهم | فابعث عليهم شاعرا يخزيهم | | يـعلم منهم مثل علمي iiفيهم | ومنهم النحيف وهو القائل في أمه: يـالـيـتـمـا أمـنا شالت iiنعمتها | | أيـمـا إلـى جـنـة أيما إلى iiنار | لـيـست بشبعى ولو اسكنتها هجرا | | ولا بـريـا ولـو حـلت بذي iiقار | تـلـهـم الـوسق مشدودا iiأشظته | | كـأنـمـا وجـهها قد طلي iiبالقار | خـرقاء في الخير لا تهدى لوجهته | | وهي صناع الأذى في الاهل والجار | ومنهم الحطيئة هجى أمه وأباه ونفسه وقال في أمه: تـنـحي فاقعدي مني بعيدا | | أراح الله مـنـك iiالعالمينا | ألم أوضح لك البغضاء مني | | ولـكـن لا أخـالك iiتعقلينا | أغربالا إذا استودعتك سرا | | وكـانـونا على iiالمتحدثينا | وقال لأبيه: لحاك الله ثم لحاك iiحقا | | أبا ولحاك من عم وخال | فبئس الشيخ أنت على المخازي | | وبئس الشيخ أنت لدى iiالمعالي | جـمـعت اللؤم لا حياك iiربي | | وأبـواب الـسفاهة iiوالضلال | وقال لنفسه: أبـت شـفـتاي ألا iiتكلما | | بشر فما أدري لمن أنا iiقائله | أرى لي وجها شوه الله خلقه | | فـقبح من وجه وقبح iiحامله | ومن لؤم الغرائز أن الرجل يكون في رخاء بعد بؤس ، وسعة بعد ضيق، فيأم ما هو فيه ، ويرغب عنه إلى ما كان عليه، وقال أعرابي قدم المدينة فحسن حاله: أفول بالمصر لما ساءني شبعي | | ألا سبيل إلى أرض بها iiجوع | ألا سبيل إلى أرض بها غرث | | جوع يصدع منه الرأس يرقوع | وهذا وأشباهه من لئيم الغرائز كثير في الأمم وقال الله عز وجل: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" الإمام ابن قتيبة في كتابه " فضل العرب والتنبيه على علومها" |