السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: صدر عن المركز القومى للترجمة التابع لوزارة الثقافة المصرية كتاب " عبر وادى النيل" للكاتب الإسبانى إدواردو تودا ترجمة السيد محمد واصل، وهو كتاب هام يرصد أدق تفاصيل الحياة المصرية فى نهاية القرن التاسع عشر وهى فترة فى غاية الأهمية بالنسبة للتاريخ المصرى الحديث. يبدأ الكاتب - وهو الإسبانى إدواردو تودا والذى أتى من بلاد الأندلس المفقود ليعمل كملحق دبلوماسى (قنصل) فى مصر وذلك عام 1884م - بسرد مختصر للتاريخ المصرى القديم على قدر المعلومات التى كانت متوافرة فى هذا المجال وقتها، ثم يصف لنا رحلته إلى مصر منذ وصوله إلى الثغر ( مدينة الإسكندرية) ماراً بكل ما رأت عينه من مدن وبلدان بالدلتا وحتى وصوله إلى القاهرة، ثم رحلته إلى الصعيد المصرى، وفى أثناء وصفه لتلك الرحلة التى دامت لأكثر من عامين يرصد لنا كل ما تقع عليه عينه من آثار ومن أحداث، فنراه يرصد لنا الإحتفالات التى عرفها المصريون بالموالد وهو رصد بمثابة لوحة فنية نادرة من نوعها حيث أن هذا النشاط كان ومازال مادة غنية بالتفاصيل ولطالما لفتت أنظار الكثيرين محاولين نقلها لمن لم يروها، وهى لوحة جد نادرة حيث أنها ترصد هذا النشاط فى زمن يفصل بيننا وبينه أكثر من مائة عام الآن فهى مدهشة حتى لمن عاصر هذه الموالد فى شكلها الحالى، كما أن الكاتب قد رصد كل المعابد المصرية التى مر عليها واصفاً المناظر الهامة المحفورة على جدرانها، كما يصف الحياة البدوية من خلال رحلة قام بها عبر صحراء مصر ويصف الريف من خلال رحلة أخرى لبعض قرى الريف، كما أنه يصف شوارع القاهرة العامرة وأسواقها وأهلها وبيوتها، والكتاب مزخرف بعدد هائل من الصور رسمها الرسام الإسبانى ريو دافتس والتى تضاهى لوحات الحملة الفرنسية روعة وجمالاً وفوق ذلك أهمية. ولكون الكاتب دبلوماسياً فلقد كان قريباً جداً من صناع القرار كما كان قريباً من طبقة الأغنياء، وهو يصف لنا بيوت الأغنياء ممن عرفوا فى هذا الوقت بالطبقة الراقية ويرصد لنا بعض التفاصيل عن حياة هؤلاء، كما يتحدث عن بعض من عرفهم من أبناء الأسرة الحاكمة أسرة محمد على، وهو يضع أمامنا صورة المرأة داخل المجتمع من وجه نظره الخاصة. ويلجأ الكاتب أحياناً إلى نبرة المدح عند الحديث عن بعض الشخصيات ونبرة الذم عند الحديث عن البعض الآخر، كما يلجأ إلى نبرة التعظيم والإجلال عند وصف بعض الأماكن أو الأحداث ولكن طابع النقد هو الغالب على كتابته. ونأتى إلى أهم جزء من الكتاب وهو الذى يتحدث عن أحوال مصر السياسية وكيف نصب الشرك لمصر من قبل الجانب الأوروبى للإستيلاء على مصر ونهب خيراتها ووضعها تحت الإحتلال أو ما أسموه وقتها بالحماية والتى كانت أبعد ما يكون عن الحماية، كما أنه رصد بداية الحركة الصهيونية داخل المنطقة العربية وذلك قبل إعلان قيام الدولة الصيونية بما يزيد عن خمسة عقود من الزمن، كما يرصد أكبر المؤامرات التى تم تدبيرها للإسيلاء على منابع النيل فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ وطننا العربى. فالكتاب يعد مرجعاً هاماً لكل من يهتم بوصف الحياة الإجتماعية لمصر وجغرافية مصر فى هذه الفترة كما يعد مرجعاً غاية فى الأهمية لمن يهتم بالأحوال السياسية فى مصر والوطن العربى فى تلك الحقبة من الزمن. وهو يضع بين يدينا صورة للمنطقة رسمت كما رأتها العين الأوروبية فى تلك الفترة وهى عين محايدة كون الكاتب لاينتمى لبلد المستعمر. كما يضيف إلى رصيد تلك النوعية من الكتب التى كتبها من قبله ومن بعده المستشرقون. وأهم ما فى الأمر أن داخل طيات الكتاب سنجد الحقيقة واضحة دون أى شك أو رياء أو تجميل، الحقيقة التى كتبت على لسان الغرب. والكتاب يضيف إلى رصيد المترجم كونه مكتوباً بلغة قديمة كما أنه يصف بعض الأماكن التى ربما لم يعد لها وجود الآن، وأرى أن أكثر ما ساعد المترجم على القيام بترجمة هذا العمل الرائع كونه مرشدأ سيحاياً ومدرساً بالمعهد المصرى العالى للسياحة مما يجعل أكثر ما ذكر داخل الكتاب من صميم دراسته وعمله، كما ساهمت دراسته للأدب الإسبانى بقسم اللغة الإسبانية بكلية الألسن العريقة بجامعة عين شمس بالقاهرة على تذليل عقبة الحاجز الزمنى اللغوى الذى يضع الكتاب ضمن الكتب المكتوبة بأسلوب قديم فتكون ترجمته ليست بالعمل السهل. |