رسالة مفتوحة للدكتور جبر خضير مسلسل يوسف الصديق كارثة عقائدية وفنية فراس حج محمد/فلسطين/نابلس كعادتي وأنا أتصفح الجديد المنشور في موقع رابطة أدباء الشام، صادفت يوم السبت الموافق 20/3/2010 مقالا للدكتور جبر خضير يشيد فيه بمسلسل يوسف الصديق، ويعده أنه "عمل مبدع"، رابطا حديثه عن المقال بأفكار أخرى تحيل إلى نهضة الأمة والدفاع عن الإسلام وبأن الإسلام لا يعادي الفنون والموسيقى والغناء، فيقول الدكتور في مقاله ذاك: " وهناك من الأمة من يُريد جرّها إلى الضلالة والغواية ظنّناً منهم أن الإسلام نقيض الفنون والغناء والموسيقى. وهؤلاء متخلفون عن ركب كينونة الأمة وكيانها الصحيح، وآخرون وهم الخوارج الجدد الذين ينفرون المسلمين وغيرهم بحجّة أن الفنون والموسيقى بدع وكفر، وهؤلاء يريدون تقزيم الأمة بتحريم كل ما أحله الله، وهم بهذا التشدد ينفرون من الإسلام الكامل، وهم يرون أنفسهم أوصياء على الدين". ومع احترامي الشديد لشخص الدكتور جبر وحبي له، فإنني وجدت في مقاله ذاك انسياقا غير محمود العواقب وراء تلك الأفكار التي تريد الإسلام كغيره، بل ينافس غيره في مجالات ليست له، مستعملا مجموعة من المصطلحات الدخيلة على الإسلام، ومن أخطرها مفهوم التشدد الذي يعيبه الدكتور، وكأنه يطلب مذهبا وسطيا، تلك المفاهيم التي شوهت الإسلام والتي لم ترد الاقتناع أن الإسلام مائز ومتميز، وعليه فإنني وجدت لزاما عليّ وأنا أقرأ مقالته تلك أن أتوقف عند بعض من أفكارها، مبينا وجهة نظري، وفاتحا الموضوع لنقاش موسع في قادم الأيام إن استجاب الدكتور لما أطرح، أو كل من يقرأ هذه المقالة. وأبدأ الحديث بالقول تأسيسا للموضوع: إن حضارة الأمة الإسلامية الأصلية النقية حضارة متميزة وربانية وغير قابلة للتطور، لأنها ثابتة المفاهيم ووجهة النظر، فهي مختلفة كل الاختلاف عن الحضارات الوثنية التي تعاقبت على البشرية، ولذا فإن كل ما فيها خاضع لمنظومة مفاهيم دقيقة متسقة معا تشكل كلا متصلا من الأفكار التي تجعل العالم –إن سادت فيه- عالما خاليا من الشرور والمهالك، وأنا هنا أتحدث بالضبط عن مفهوم الحضارة التي هي "مجموع المفاهيم عن الحياة"، ولست أتحدث بطبيعة الحال عن المدنيّة التي تخضع للتطور والتقدم الصناعي والتكنولوجي. وعليه، فإن مظاهر الثقافة الإسلامية وتجلياتها هي خاضعة بالضرورة للحضارة الإسلامية وليست تابعة للمدنيّة بأي شكل من الأشكال، ولكنّ المدنيّة وأشكالها المتطورة قد تساعد في نشر بعض منتوجات تلك الثقافة، فقد يتوسل المسلم لنشر ما أنتج من فكره بالتسجيلات الصوتية أو آلات التصوير، أو اليوتيوب أو ما شاكله، وعلى الرغم من ذلك يجب أن يكون المحتوى الثقافي متسقا مع مفاهيم الحضارة التي ينتمي إليها الكاتب، إن كان مخلصا لتلك الحضارة ومقتنعا بتلك المفاهيم، فيعيش الإنسان مع تلك المنظومة الفكرية عيشا طبيعيا هادئا ومستقرا بعيدا عما يقوله الآخرون، فالإسلام ليس متهما بأي حال من الأحوال لندافع عنه، ويجب أن لا يدفعنا ضعفنا السياسي والعسكري بقبول فكرة فلسفة الإسلام بمنطق الحضارات الوثنية المنحطة. كانت هذه مقدمة للدخول إلى هذا التساؤل المشروع: فمتى كان التمثيل والفن والغناء علامة لنهضة أمة أو أنها تسير نحو الصواب؟، ولعل د. جبر يعرف أكثر مني أنه وعندما أتى الإسلام ودخل الأعاجم فيه، وقد كان بعضهم يعرف بوجود التمثيل، لم يحاول أحد منهم أن ينقله إلى المسلمين أو يقترح بإعداد فرق مسرحية أو فنية، وأنا أعلم ما يقوله بعض الكتبة عن ذلك، وهو محض افتراءات وأوهام ليس لها سند من دليل أو واقع. إن في ذاكم المسلسل (يوسف الصديق) فتنة عظيمة وكبرى من وجهة نظري، وأولها هو تجسيد شخصية الأنبياء تلك الشخصيات التي برأها الله من كل دنس وعيب، فلا يوجد في أشخاصهم وسيرتهم ما يقدح في عدالتهم، فهم المبرؤون من كل عيب، وصدق حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه، حيث قال في حق رسولنا، عليه الصلاة والسلام، ويصدق في حق كل نبي من أنبياء الله: خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء. فمن هؤلاء التافهون حتى يكونوا برتبة تابعي، وليس برتبة نبي لنقول: إن من حقهم تجسيد شخصية النبي يوسف أو غيره، فظهور شخصيات الأنبياء والصّحابة ليس أمرا مشروعا، لأنه لا يوجد من هو محض تقوى وصلاح من البشر بموازاة هؤلاء، فكيف ستتوافق شخصية الممثّل الحياتية مع أدائه التّمثيلي، وهو من هو، ويتعامل بمنطق الفن مع تلك الشخصيات التي يمثلها، ولعل هذا الممثل الذي ارتضى أن يجسد شخصية نبي أن يجسد في مرة قادمة شخصية الشيطان، فهل سنحاسبه؟ وكيف لنا أن نحاسبه، وقواعد الفن تقتضي عدم المحاسبة؟، ومن المعروف في عالم التمثيل أنه لا ارتباط ما بين الشخصية المجسدة وشخصية البطل، فالقول بأن الممثل حسن السيرة والسلوك يصح له تجسيد شخصية النبي، ما هو إلا محض وهم، لا يجوز أن يدخل إلى الأفهام أو يعطى رخصة في مساحات التفكير السليم. والأمر الثاني يتعلق بالسيناريو والحوار أو كتابة النص بشكل عام: فالكل يعرف أن القصة القرآنية جاءت عارضة محطات غير متصلة من حياة النبي، فلا تتعدى القصة الموقف الذي تبينه لعبرة ما، ليس هذا هو محل مناقشتها، ومن ذلك قصة الصدّيق يوسف عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، فقد بينت سورة يوسف، وهي المصدر الوحيد لقصة سيدنا يوسف عليه السلام في الإسلام، محطات من حياة هذا النبي الكريم ابن الكريم، فكانت محطة الطفولة وإلقائه في الجب، ثم محطة استرقاقه وعيشه في بيت العزيز خادما له ولامرأته حتى اكتماله رجلا، ثم محطة محنته والتي انتهت بسجنه بضع سنين، ثم الخروج من السجن وتوليته مهمة توزيع القمح على الناس في سبع سنوات متتالية، وأخيرا مجيء أهله إلى مصر واعترافهم بالخطأ. وما بين كل محطة وأخرى فاصل زمني طويل سكت عنه النص القرآني، ولا يوجد أحاديث صحيحة تملأ الفراغ الزمني كله بحيث يخرج المشهد متصلا وكاملا بكل جزيئاته التي يبحث عنها فن التمثيل، وذلك لأن الهدف من القصة في القرآن الكريم هو غير الهدف من القصة الدرامية، التي تؤلف لتمثل، فإذا كانت الرواية المكتوبة كفن سردي غير تمثيلي تعدل وتغير ويزاد عليها وينقص منها عند تحويلها لفن التمثيل، وهي القريبة على هذا الفن باتصال أحداثها ومحطاتها ومع ذلك لم تسلم، فما بالك بالقصة القرآنية التي تؤدي أهدافا غير ما يراد لها. وعلى ذلك فإن كل مرحلة من مراحل قصة يوسف عليه السلام لا تمثل مشهدا تمثيليا كما يريد الفن، فهناك أشياء لا تظهر وتظل غائبة لطبيعة القصة، فبأي حق يأتي كاتب القصة أو السيناريو ويدخل مع النص القرآني ما يكمل تلك التفاصيل الغائبة، فهذا مدخل خطير ورجم من الغيب، لأنه يمس حياة الشخصية/ النبي، فيصير التصور الذهني هو الحكم لتتكامل كل جوانب حياة الشخصية وعرضها متصلة، فيعطى العقل البشري مجالا للعبث والزيادة بأحداث لم يكن يحكمها اليقين، وهذا أمر غير جائز البتة، وهذا مختلف كل الاختلاف عن كتابة قصة وهمية من عالم الخيال، فاكتب فيها ما شئت من التفاصيل فمسموح لك ولا غبار عليك فيه، شريطة الانسجام التام مع الأساس وهو الحضارة التي تتبناها، أما أن تكتب مسلسلا كاملا تعنى فيه بالتفاصيل كلها وبرسم الدقائق غير المستندة إلى دليل أو واقع، سواء في ذلك مسلسل سيدنا يوسف أو مريم القديسة، أو قصة أصحاب الجنتين، أوغيرها من القصص القرآني، فهذا لا يصح بأي حال من الأحوال. وفي ظني أن الخطأ في هذه المسألة ليس وليد الوقت الراهن، بل هو من ذلك الوقت الذي تجرأ فيه البعض وأخذ على عاتقه مهمة تجسيد القصص القرآني، فقد سبق مسلسل سيدنا يوسف عليه السلام تمثيل قصة أصحاب الكهف، وقد تبنى أحدهم بوجهة نظره أن العدد سبعة، فمن أين أتى بهذا؟ وبعضهم يتبنى أنهم ثلاثة، وهكذا؟ صحيح أن العدد لا يهم في هذه القصة القرآنية، لأنه لا يتوقف عليه عبرة ما، ولكن التفاصيل مهمة في فن التمثيل، وأنا هنا لا أريد أن أجادل في التفسيرات والتأويلات المحتملة وغير المحتملة، فهي لأهلها والعالمين بها، ولكنني معنيّ بالدرجة الأولى بالفكرة الأساس وهي اختيار العدد وإعداد السيناريو والحوار، ومعظمها يحكمه التصور الذهني الذي يخبط في عشواء الأفكار. إن أخشى ما يخشى أن يأتي يوم على الناس يكتفون بأناشيد المنشدين، والركون إلى أعمال الفن الهابط مهما بلغت من إتقان، وتكون هي المدخل السلس والقوة الناعمة التدميرية لقوة ارتباط الناس بالقرآن ومصادر الثقافة الإسلامية عموما، فلا يكادون يعرفون شيئا خارج دائرة الفنون من مسلسلات وأفلام وأغانٍ، فيستغلق عليهم القرآن ومعانيه، فما دام أن هناك مسلسلا يشرح قصة يوسف ويبنها فلماذا تقرأ الآيات!!، وقد وجدنا شيئا من ذلك في تهافت الناس لسماع صوت القرآن مجودا بصوت المقرئين من ذوي الأصوات الحسنة الندية، وأقولها صادقا، وقد سمعتها من قبلُ: إن البعض يسمع للقرآن طربا وترنما، وليس تقوى وإيمانا، والله أعلم بالجميع. وأخيرا، وقبل الختام، فهل يا ترى هذا الذي كانت تنتظره الجماهير الإسلامية الغفيرة المتعطشة للكرامة والمتلهفة لضخ دماء العزة في عروقها من إيران الثورة؟ هذه الثورة بنظامها التي كانت وبالا حقيقيا على العرب والمسلمين، في المجالات كافة سياسيا وفكريا وثقافيا ويزاد إليها الآن فنيا، تلك الإيران الثورية التي تعيث فسادا كنظام بأرض الرافدين وأرض أفغانستان وحليف قوي لأمريكا ساندتها في حروبها على الأمة، فلولا إيران ما استطاعت أمريكا احتلال العراق أو أفغانستان، ولولا إيران لما صمدت الجيوش الغازية في أرض الخليج الفارسي والتي تصر إيران الثورة على هذه التسمية، فكيف تكون إيران الثورة مساهمة فعالة في نهضة أمة العرب والمسلمين، وهي من أفسد البلاد والعباد، وتحيي كل أعياد المجوس وتاريخ الفرس الغابر، ولا تترك عيدا فارسيا إلا وطبلت وزمرت فيه، فكانت للأمة ضغثا على إبالة، فهل سيكون من ورائهم نهضة أم تخلف وانحطاط؟؟ إنه مجرد تساؤل، فهل للدكتور جبر خضير استعداد أن يجيب عليه بلغة السياسة والواقع وأمانة نقل الأحداث التاريخية؟؟ أنتظر الجواب..... |