البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الفلسفة و علم النفس

 موضوع النقاش : سؤال الكينونة ولعبة الحياة والموت    قيّم
التقييم :
( من قبل 9 أعضاء )

رأي الوراق :

 ضياء  
17 - فبراير - 2010
 
تنطلق فكرة هذا البحث من رغبة قديمة تدفعني ، بدون كلل ، إلى البحث والتساؤل ومعاينة التجربة الوجودية للإنسان ، في ماضيه وحاضره ، كما تتجلى في تاريخه وفي معاناته اليومية ، وكما تفصح عنها أدوات الثقافة من شعر وأدب وفلسفة وفنون وعلوم ، رغبة مني في الإدراك ، والإمساك بتلك المشاعر الخفية التي أعيشها في داخلي والتي تشكل المخيال والمخزون العاطفي الذي يرفد حياتي بالطاقة اللازمة للاستمرار لكنه ، في الوقت عينه ، يحدد وجهة مصيري وتفكيري .
والصورة التي أبحث عنها هي صورة البنت التي تعيش في داخلي ولا يراها الناس والتي بقدر ما هي عاطفية وخجولة ومتوحدة في عالمها الخاص ، بقدر ما هي عدوانية ومتسلطة وشديدة العناد .
هذه البنت القابعة في تلافيف نفسي لا عمر لها ولا تظهر إلا في حالات نادرة هي حالات التجلي العاطفي لغريزة الأمومة أو حالات الغضب المستطير ، فهي تعيش في عزلة وانطواء داخل قلعتها الحصينة التي بنتها من حولها كما تبني دودة الحرير شرنقتها بمزيج من الحكايات والأساطير الخاصة بها وبتاريخها الذي جاءت منه وتشعر حياله بالمحبة والولاء وهو يرفدها بمجموعة من المعارف والمثل البديهية التي لم ترها في مكان أو تتعلمها من أحد ويمنحها الشعور بأن ما تعرفه هو أزلي سرمدي لا يغير منه حال ولا يبدله زمن .
هذه الذات القابعة في تلافيف نفسي هي ذات حائرة ، وحيرتها ليست معرفية بقدر ما هي خوف وحذر غايته الحفاظ على هذه الواحة من الأمان الداخلي وهذا لأنها تشتاق ، تشتاق للخروج من عزلتها وتشعر بالوجد والانخطاف في كل مرة تجد نفسها فيها أمام تجليات الحب والجمال الباهر .
وبالرغم من محبتي لها وحرصي عليها لأنها حصني الأخير ، إلا أنني أعلم بأن لها دوراً سلبياً ومعيقاً في حياتي وكم من مرة حالت بيني وبين أشياء كثيرة كنت أحبها وأتمناها بقوة بدافع من كبريائها أو حذرها أو تعنتها أو مثاليتها الشديدة .
هي ليست إذن ذاتي المفكرة ، بل هي ذاتي الغريزية والعاطفية التي تتميز بردود فعل فطرية وعنيفة ومتعنتة وغير متوقعة في غالب الأحيان سواء في حبها أو كرهها او سخطها أو حذرها الشديد وبحيث تبدو قراراتها المجحفة والقاسية أحياناً اعتباطية وغبية وغير ملائمة للواقع ، مع هذا ، ورغم إدراكي لدورها ، فهي تنتصر علي في كل مرة لتفرض قوانينها وأحكامها التي تعيشها بالحدس والبديهة وترفض النقاش بها أو المساومة عليها بلغة العقل والمنطق .
وبدافع من رغبتي في فهم هذه البنت الفلاحة ، العنيدة والبدائية ، التي تعيش في نفسي ورغبتي في أن تكف عن التدخل في حياتي وقراراتي بهذا الشكل السلبي والمعيق لقدرتي على التطور والتكيف مع العالم المحيط بي قررت كتابة هذا البحث الذي قمت بتقصي معلوماته من قراءات متعددة ومتشعبة استخلصت منها ما نويت تقديمه لكم اليوم .
 1  2  3 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
عن المقاومات الشرسة المانعة من تقدير السؤال والنقد إلا....    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
الأستاذة ضياء، أشكرك على التوضيح وها قد أمكننا السير على نفس الايقاع موضوعا على الأقل. الواقع أن مشكلتنا مع الكينونة ،كما تفضلت، مشكلة منهجية ومفاهيمية بالدرجة الأولى: فالتحليل لا يستقيم علميًا كما تعرفين إلا تحت شروط منهجية ومفاهيمية تمنع الخلط والتذبذب في التناول والتحليل، وتلك لعمري هي الوقاية الأكيدة من التداخل الكلاسيكي بين الذاتي والموضوعي من جهة، وبين العلمي والأسطوري أو الدييني بالمعنى العام للكلمة أي: العلمي والعقائدي عامة....
يحفل التراث الفلسفي، العالمي منه والعربي الإسلامي، على كنوز شاسعة الغنى من الأجتهادات الفكرية الرصينة والمتنوعة كفاية لانتشال أكثر الشعوب إغراقا في معاداة العقل والعقلانية، من غياهب التفكير المتجاوَز تاريخيا، والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفضي ببراغماتية وإجرائية إلى بناء مجتمع ودولة حديثين بالمرة اليوم، اليوم حيث العلم والتقنية كعقلية وكسلوك أولا، ثم كنظام في التدبير والتسيير العام والخاص ثانيا، ثم كأساس للعلاقات العملية بين المواطنين وبينهم وبين المسييرين عموما هما ، العلم والتقنية أعني، السائدان.
ليست كشطلتنا سيدتي الفاضلة في الأفكار بل في الإرادة لتحويلها إلى خطط عملية لبناء صرح شامخ للعقل العربي يسير على طريق النقد والتجديد والسؤال والتساؤل والتفكيك والفحص الدقيق لكل مسارنا وقراراتنا وتدبيراتنا في كل الميادين، تاركين كل أشكال المنع بألوانه من المنع المادي إلة المنع بالتقديس أو بالتحنيط أو بالتخويف أو بالرشوة والإغراء، حمايةً للمُتكلِس المُتجاوَز من أساليب الحياة والتنظيم. فالأخذ بالسؤال وبالنقد كأساس في الحياة، وبناء على اعتدال لكن صارم في إحترام قواعد المنهج العلمي العقلاني من جهة، والتمثل الدائم للمصالح العليا للدولة وللمجتمع من جهة ثانية، على قاعدة الصيانة الاستراتيجة لكرامة ولحريات المواطن بالدرجة الأولى كما ألح على ذلك المؤسسون الأنواريون، من ج ج روسو إلى إ. كانط مرورا بفولتير وهوبز ....حتى هيجل ثم المعاصرون كالعروي وجعيط وغليون من العرب....هذا الاحتفال العملي بالعقل المعتدل والعلمي المبني في تفتحه على ما يكمله ويتشكل قصوراته أي على عوالم الخيال المبدع والوجدان الخلاق هو ما تحتاجه عمليا على الأقل في مواكبة ما نقوم به والذي غالبا مالا يساير الأهداف المبتغاة حقا لأجيالنا الآتية.
سيدتي الفاضلة، لا فرق عندي بين الطروحات الفكرية حول الأنسان عامة أو المجتمع بالتخصيص الثقافي والحضاري، بل وبينهما وبين الذات المفكرة التي تنشغل بالكينونة ولعبتها، فاللعبة الكبرى هي الحياة، لكن لعبة توزيع وتنظيم كل من العنف والخيرات لعبة تشكل في الواقع لا إسلاما ولا فلسفة براجماتية صلب اللعبة الأواى: ومن هنى معقولية هذه اللعبة ووجوب ، مرة أخرى دبنيا وفلسفيا، المشاركة فيها وللعلماء الحظ الأوفر من المسرولية ولو بأبداء الرأي لكن......الرأي النزيه والمبني على العقل والعقلانية كيفما كان لونه وجنسه وتخصصه...................أليس كذلك سيدتي المحترمة ؟؟؟
لهذه الإعتبارات تجدنا اليوم في حاجة لكل أشكال أدوات الجراحة من التحليل النفسي إلى اللسانيات مرورا بعلم الإجتماع والإقتصاد والعلوم السياسية والفلسفة......علنا نفهم مقاوماتنا التي تمنعنا من فهم كينونتنا وتحييزها في عالم كان ولازال عالم تنافسية وسباق للسيطرة والتحطم في العنف والخيرات.     مع مودتي.
 
*إدريس
17 - مارس - 2010
اعتذار    كن أول من يقيّم
 
الأستاذ الفاضل إدريس القري :
أعتذر عن تأخري بالإجابة على تعليقكم وأوافقكم على أكثر ما جاء فيه إلا أن الموضوع لا يزال يحتاج بنظري إلى توضيح كما أستنتجت من كلامك . لا أجد متسعاً من الوقت حالياً للتفرغ لكتابة ما أنوي كتابته وسأفعل في أقرب فرصة ولكم مني كل التحية .
*ضياء
21 - مارس - 2010
عظم بعض الفلاسفة من...    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
إذا كان عظم بعض الفلاسفة من دعوتهم إلى إعمال الفكر وإعادة النظر في المقدمات، واعتماد منهج رياضي واضح يبني عليه أفكاره، فقد كان هذا أساسا في مواجهة تفلسف سائد لا في مواجهة دين أو علم، أي فلسفة في مواجهة فلسفة، (فمثلا نادى ديكارت فلاسفة عصره إلى الانصراف عن الفلسفات اللنظرية التجريدية والتماس فلسفة عاملة، وهدفت حلقة فيينا إلى حصر الفلسفة في تفسير مصطلحات العلوم...) فهل عند حلقة فيينا غير تفسير مصطلحات العلوم معرفة ناقصة مزعزعة؟ وديكارت تساءل عن جدوى الدراسات والبحوث الفلسفية التي لا نكتسب منها إلا معرفة ظنية، واكد أن العلم لن يكون علما إلا إذا كان يقينيا وإذا اعتمدنا ما دعى إليه ديكارت المعرفة الرياضية المنطقية التي تعصم أذهاننا من الخطء، فإن كل فرضية داخل نظرية ما ترتبط بنقيضها من داخل نفس النظرية (لا من خارجها) فإذا كانت إحداهما صحيحة فإن الأخرى خاطئة. والفلسفة والدين والعلم أنظمة وبناءات مختلفة والتداخل بينها حتما كائن.
وإذا كان عظم بعض الفلاسفة لأنهم يدعون إلى إعمال العقل والتفكير في استنباط أفكارهم ، فإن الاسلام يدعو أيضا إلى التفكير في آيات كثيرة ويدعو إلى تدبر كل الآيات، والآيات العلامات _والعلامات عند الفيلسوف المثالي هي كائنات العالم المعقول_ وتفسيرها ليس سبب نزولها وحسب بل هي صالحة لكل زمان ومكان ألا يتشاركان في دعوة إلى التفكير نفسها.
 
جميل أن يدعو مفكر ما إلى إعمال الفكر وتبني منهج، لكن من أرضية الشك الذي تحدث عنها ديكارت ما أدراني أن هذا المفكر قد أصاب حين فكر، وما أدراني أن مقدماته التي توصل إليها صحيحة.
لا من قولة تيوفيل الذي يتلمس الضوء في ظلام دامس حين قال:
الحكم السابق على الآخرين خاصة غير الممتازين منهم يمكن أن يجعلنا نخطئ حينما ننفي فكرة شخص آخر لا نكون قد تعمقناها بالقدر الذي تحتاجه
بل من حكمة مالك بن أنس الذي قال في وضح النهار: "كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر"
فالرد على صاحب القبر رد للأوليات والمقدمات ورفضها يفضي إلى رفض النظام، أما الآخر فيؤخذ عنه ويرد كان كائنا من كان ممتازا أو غير ممتاز.
 
 
 
*عبد الحي
26 - مارس - 2010
عودة سريعة     كن أول من يقيّم
 
 
صباح الخير وكل التحية والسلام لجميع السراة ومرتادي هذا الموقع وللأساتذين الكريمين إدريس وعبد الحي :
 
سأحاول توضيح فكرة هذا البحث باختصار وبطريقة مباشرة لعلني أستطيع .
كنت قد أكدت مراراً على قناعتي بأن الفيلسوف لا يستطيع أن يفسر لنا العالم ، وأن كل ما يستطيعه هو أن يبذل قصارى جهده في تفسير أفكاره الخاصة . قيمة هذه الأفكار تكمن في كونها خلاصة تجربته العلمية والنفسية . لا زالت الفلسفة ومنذ نشأتها تحاول إدخال النظام في عالم الفوضى وتحاول ، في كل مرة ، إقامة بنيان جديد تنتظم فيه كل المعلومات ( الحقائق المؤقتة ) التي نعرفها عن وجودنا وطبيعة الأشياء المحيطة بنا . ولا زالت هذه البناءات والتصورات تتنافس وتتلاقح فيما بينها منذ القدم ، لكن تنافسها لم يكن أبداً عقيماً بل كان منتجاً ومؤسساً لكل العلوم التي نعرفها النظرية منها والعملية .
 
ولا شك عندي ، وهذه قناعتي الشخصية ، بأن مستويات التفكير في العقل تكون على طبقات ، وبأنه من الصعب فصل هذه المستويات بديهياً ، وأن المستوى الأول في التفكير هو العقل العاطفي الانفعالي الذي يسعى لتحقيق الرغبة ، وأن المنهج العلمي الرياضي الصارم الذي حاول تطبيقه الكثير من الفلاسفة منذ اليونان ( منطق أرسطو أكبر شاهد ) ومروراً بفلاسفة الإسلام وآخرهم ابن رشد وبالعودة إلى فلاسفة عصر الأنوار كديكارت وكانت وسبينوزا  كانوا يـَعُون هذه المسألة ، بل كانت شغلهم الشاغل ، وهي كيفية الوصول إلى نظام فكري منزَّه لا تخالطه رغبات النفس الإنسانية . هذه مسيرة الفلسفة في طريق بحثها عن المعرفة ، وهي طريق عسيرة ومتعرجة ، وما كل هؤلاء الفلاسفة إلا علامات على هذه الطريق .
 
البحث والكتابة شيء ، والدافع إليها شيء آخر ، ولن يتمكن الفكر من التخلص من تأثيرات الرغبة والعاطفة بالمنهج وحده وإنما أيضاً بامتلاك الوعي بالدوافع ، وهو الوعي بالكينونة ، وبآلية تكيـُّف هذه الكينونة ، التي هي العصب الأول السابق على التفكير ، ومعركتها من أجل الحياة والاستمرار . وما هذا الملف سوى محاولة بدائية للدخول إلى هذا الموضوع من خلال  تقديم الشواهد العلمية والأدبية لتوصيف ما يتفاعل داخل رأسي ويدفعها إلى التفكير ويؤثر في تكوينها ، وهو لا يرقى أبداً إلى مستوى التنظير بل هي مجرد تأملات فلسفية ووجدانية ومعرفية هدفها المشاركة وإلقاء الضوء على بعض المستجدات التي ليست بمتناول الجميع .
 
 
 
*ضياء
27 - مارس - 2010
شكر واعتذار    كن أول من يقيّم
 
أشكرك أستاذة ضياء على صبرك وعلى قدرتك الرائعة على التواصل، أعتقد أن اللبس قد ارتفع ولم تعد المشكلة المنهجية مطروحة، فالأنساق الفلسفية لا تهمنا في ذاتها بقدر يشكل استرجاعها منارا لتفكيرنا كي لا يكرر ذاته من جهة، وحتى لا يستنسخ انتقائيا ما يساير مانعا للتفكير الحر والأصيل. فالفلسفة، وذلك ما أكدت عليه يا أستاذة ضياء، قواعد للتفكير لكنها في النهاية في خدمة ذات، فردية أو جماعية، ما الفرق في النهاية، فهيغل بشموخه لم ينسلخ أبدا عن بروسيا وعظمة بسمارك الذي كان رمزا لذلك الشموخ؟ 
أرجو أن يساعدني العلي القدير في الأيام القليلة الآتية بالوقت لطرح تجربتي مع الكينونة كما عشتها من الداخل ومن خلال مسافة تكونت مع السنين وتعدد وتنوع التجارب الفكرية والحياتية بأذواقها المختلفة.....وشكرا للوراق الذي يجمعنا.
*إدريس
13 - أبريل - 2010
في الطريق إلى إيثاكا    كن أول من يقيّم
 
الأستاذ الكريم إدريس القري :
 
لقد أفرحتني عودتك إلى هذا الملف كما أفرحتني كلماتك الصادقة ، وسيطيب لي أكثر أن أعود هذه المرة كقارئة لتجربتك الشخصية التي نويت أن تحدثنا عنها والتي ساهمت ، كما فهمت ، في تكوين رؤيتك وإدراكك وذائقتك الخاصة .
 
هذه التجارب الذاتية هي أبلغ ما يمكن لنا قوله في كتاباتنا لأننا  نكشف من خلالها عن جوهر الإنسان المطمور في دواخلنا ، الذي لطالما تحدثت عنه في أكثر من مناسبة ، والذي هو دائماً وجهتنا وملاذنا . فلكل منا رحلة عوليس الخاصة به التي يصارع فيها من أجل البقاء والحفاظ على حياته إنما دون أن ينسى وطنه ( الداخلي ) أبداً : إيثاكا .
 
 لا يمكننا تلخيص حياة الإنسان على الأرض في كونها تقتصر على الصراع من أجل البقاء واستمرار النوع لأن جميع المجتمعات الحيوانية الأخرى ، وكل ما هو موجود على الأرض ، يصارع كذلك من أجل الحياة ، وجميعها تمتلك أنظمة وأدوات إتصال وتخاطب فيما بينها تصل أحياناً إلى حدود راقية لم تصل إليها بعد مجتمعاتنا الإنسانية ، كالنمل والنحل والدلافين مثلاً وحتى الذئاب . لكن النحلة العاملة تشبه أختها العاملة تماماً ، وتشبه كذلك أمها وجدتها ، وهي لم تغير سلوكها أبداً منذ آلاف السنين . ولو وضعنا نحلة ، أي نحلة ، بالقرب من وعاء للسكر لتوجهت إليه بالغريزة والفطرة . ولو وضعنا دجاجة أمام أي ذئب كان لانقضَّ عليها للتو دون أن يتردد لحظة واحدة . لا فرق بين ذئب وآخر ، وبين ذئب اليوم وذئب الأمس . وحده الإنسان يختلف ، وحده الإنسان يتردد ، وحده الإنسان يفكر ، وحده الإنسان يختار ، وحده الإنسان يتغير ويطور شروط حياته مهما كان هامش خياراته محدوداً ، ومهما كان دافعه الغريزي قوياً ، ومهما كان ضيق التفكير ، ومهما كان ضعيف الإرادة فإنه سيجد نفسه في كل حين ، حتى في سلوكه اليومي الاعتيادي أمام هذه المسؤولية الرهيبة : ممارسة حريته ، في التفكير ، في القرار والاختيار ، في الفعل أو عدمه . هذه الطبيعة المضافة إلى وجوده هي أساسية في تكوينه مقارنة بباقي المخلوقات ، وهي بدون شك ، السبب الأساسي الذي ساهم في تطور العقل البشري على المستوى الفردي ، والمجتمعات الإنسانية وطرق تنظيمها .
 
بالرغم من أننا مسكونون جميعاً كبشر بهاجس الموت والحياة ، إلا أن لكل منا رحلته ومساره ، انطلاقاً من خصوصيته وتكوينه الأول ، ولا أعني هنا الشروط البيئية وحدها وإنما أعني الموقف الشخصي الذي يعبر عن باطن وجوده وخلفية الموقف المعرفي المؤسس لحياته . فإذا كانت متابعة وملاحقة التفكير الفلسفي ورصد تطوراته ونقده مهمة لا بد منها لمعاينة التجارب الفكرية والأدبية والعلمية الغنية الخاصة بموضوعنا ، إنما يبقى الهدف الذي أتينا من أجله ، كما أوضحته في مقدمة الموضوع ، ماثلاً أمام أعيننا ، يضاف إليه متعة المشاركة التي هي زاد معرفي وعاطفي إنساني نحتاجه جميعاً لأنه يسعدنا ويبدد الوحشة من حولنا .
 
لكل هذه الأسباب جميعها ، وبكل المودة والشغف ، نحن بانتظارك .
 
 
*ضياء
15 - أبريل - 2010
ضد اليومي..ربما....؟    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
الفاضلة ضياء، مساء الخير مغربية،         
      يسعدني مرة أخرى أن "أتسلل" بين لحظات الزمن "المقاوِمة لكل فراغ"، محاولا تطويعها لقولِ ما لا يدخل ضمن دائرة "القول المُؤدَى عنه" والسالب، على كل حال، لحرية "الكلام"، وإن كان القول التربوي التعليمي نبيلا لكنه مع الزمن ينصاع لحكم المؤسسة وروتينها وبيروقراطيتها، كما ينصاع الإنسان لحكم الطبيعة البيولوجية، مثل كل النمل والنحل ... ، رغم شموخ عقله المعماري على حد تعبير إيمانويل كانط، الذي لم ولن يخلصه من التبعية للطبيعة وإن بلغ حلم الاقتراب من سرعة الصوت التي ستفتح له آفاق قلب قوانين الفيزياء الموهمة بالاطلاقية حتى الآن.
      أود في البداية أن أقول بأن جزء من كينونتي منعكس، بشكل ما، في كتاباتي، وبعض من هذه الكتابات بدأ يرى النور في الفضاءات الافتراضية الرحبة للموقع الذي أبنيه "حجرا حجرا"، بمساعدة صديق من الجيل الرائع الجديد، موقع لا زال في طور البناء، أنوي تضمينه كتابات وأعمال فلسفية ونقدية وتأملية، وفنية وإبداعية... لي ولكل الأصدقاء، ولثلة من الرواد المتعددي المشارب والمناهل، ومرحبا بك أستاذة ضياء وبكل الزملاء من الإمارات العزيزة، لجعله منهلا للباحثين وللمثقفين والطلبة، ولكل طالب علم ومتعة، بها يتجاوز، أو لنقل يستمتع بحلاوة تجاوز كل مايشُدَ إلى اليومي القاتل للابداع بعد الحرية، حرية الاستمتاع بالوقت للتأمل ولممارسة التفكير و"التبادل" كما قال صاحب "فلسفة القوة" فريديريك نيتشه.
      سيدتي الفاضلة،
     أكيد أن الوعي ب"حريرية" الخيوط الفاصلة بين البيولوجي والثقافي في كينونتنا سلاح ذو حدين: فبقدر ما نتمرس على ممارسة لعبة التمييز بين النومين والفينومين، بلغة كانط مرة أخرى، ونكتسب الاحترام والتقدير، بقدر ما تتعمق الحيرة وعمق التساؤل الذي وراءها مع اكتشافنا لحقيقة قول المفكر الكبير "مالرو" لاشئ دائم للإنسان، لاقوته ولاضعفه". فمع السنين نكتسب النضج، لكن هذا النضج يحمل في ثناياه مسحة ما مدهشة التركيبة: فهي مزيج سحري وساحر من الرضى على الذات والاشفاق عليها في نفس الوقت، من الارتياح عند القول، الفكري أو الفني أوالعلمي...، ومن الاحساس بخطر قوة المسح التي يمارسها الزمن على "الأثر" الذي تركناه بذلك القول،  ولا ينفلت ولا يدوم خارج هذا الإحساس بزحف النسيان على اجتهاداتنا، وإن بخط بياني متأرجح بين الصعود والهبوط كدقات القلب وكانتقالنا البيولوجي الطبيعي بين الرغبة وتحقيقها، بين الحاجة والاشباع، لا يدوم إذن إلا ذلك الاصرار على التفكير ومعاودته، ليصبح جرعة ضرورية لا يمكن تجديد الإحساس بإنسانيتنا إلا وتلك الجرعة تأخذنا نحو "رضى" التعب والنوم، تعبا، يراود جفوننا التي "تنسدل" على حروف وكلمات، ومعان ودلالات، وأسماء وخيالات، وأحداث وحكايات، ومفاهيم وتصورات، وروائح واستيهامات، تسموبنا فوق تفاهات وصغائر وترهات اليومي، محلقة بنا بين ثنايا تقاسيم وظلال صور تعيد النَفسَ إلى أنفاسنا، والحياة إلى ما يغتاله هذا اليومي القذر فينا من سؤال واندهاش حاجب للشمس عنا في واضحة النهار.
      الفاضلة ضياء،      هذه بداية....كيفما اتفق ..ربما؟.. وهذا ما جاد به هذا "الهروب" القصير وأرجو الاستمرار فيه قريبا. مع كل الصداقة والود والتقدير.
*إدريس
16 - أبريل - 2010
 1  2  3