نجيب محفوظ ..الروائى الأشهر فى القص العربى ،منحنى فرصة ثمينة جداً ،منذ كنت أستجمع الثقافة من روافدها المتنوعة ،أن أهتم به اهتماماً فائقاً ،فلم أترك عملاً من أعماله الروائية الطويلة والقصة القصيرة إلا وتضمها مكتبتى .
وفى سنوات التكوين ،وبعد انتهاء العام الدراسى أضع لنفسى خطة لقراءة أعمال نجيب محفوظ أوالعقاد والمازنى ويوسف إدريس وطه حسين وفؤاد التكرلى ومنيف وحنا مينا ونازك الملائكة والسياب وأمل دنقل وشوقى والأدب العالمى المترجم إلى العربية .....................إلخ
كانت أشهر الصيف مثمرة فى قراءاتى للشعر والأدب والسياسة وكل مايقع بين يدى من مجلات أو كتب ،واستكمالاً لقراءاتى فى خلال العام الدراسى ..واستمر بى الحال ، هكذا، وأنا أقترب من الستين ربيعاً!!
ولم أكف بعد عن السعى وراء القراءة وأحدث الإصدارات فى شتى مجالات الفكر والثقافة والمسرح والفلسفة ...إلخ
سأحاول تجميع كتاباتى وتعليقاتى المتناثرة فى صفحات كراساتى العديدة عن هذه القراءات ....لعلها تنال أهتماماً أو تقديراً أو سخطاً ..
المهم أن يطلع عليها القراء ،فربما وجدوا فيها ما يثلج الصدر أو يثير الغيظ..
فى التقديم الذى كتبه بودلير إلى أرسين هوساى (رئيس تحرير صحيفة لاباريس ،التى نشرت القصائد العشرين الأولى من ديوان le spleen de parisأو ضجر باريس كما أزعم ..وليس كما هو مترجم سأم باريس،فمن وجهة نظرى ..هناك فرق شاسع بين الضجر والسأم .
يقول "وعندى اعتراف بسيط أقدمه لك وهو أنه عند تصفحى للمرة العشرين على الأقل لديوان، جاسبار الليل، الشهير لألوزيوس بير تيران (وهو كتاب معروف لك ولى ،ولبعض أصدقائنا ،أليس له كل الحق فى أن يسمى شهيراً"؟) جاءتنى فكرة أن أقوم بتجربة مماثلة ،وأن أطبق على وصف الحياة الحديثة ،أو بالأحرى حياة أكثر تجريداً،النهج الذى طبقه فى تصويره للحياة القديمة المليئة بالصور على نحو غير مألوف."
رغم أسبقية ديوان جاسبار الليل ،فى قصيدة النثر ،إلا أن سارة برنارد،أهملته واعتبرت أن قصيدة النثر.. بدأت ببودلير !!! أليس هذا الإهمال هو إعتداء على أسبقية ألوزيوس؟
ولى تعقيب بسيط ،أن التأسيس لقصيدة النثر فى العربية ،كانت محاكاة تقليدية.. لما كتبه بودلير ومن أتى بعده،دون الغوص فى الحياة العربية ،فكانت جميعها إلا قليلا منها ،مسوخاً مشوهةً،لحياة تخلتف عن حياتنا ، اختلافاً عميقاًوجذرياً.
عندما سقطت بغداد أثناء الحرب العالمية الأولى ،وقف شاعرها الكبير /الرصافى ،يقول: هى عينى ودمعها نضاح***كل حزن لمائها يمتاحُ كيف لا أذرف الدمع وعزّى***بيد الذل هالك مجتاحُ
ستظلُ المقاومة ،هى سفينة النجاة ،لعراقى الجميل . ستظل المقاومة ،هى الزاد والوقود لتحرير العراق من دنس الأعداء .
سأردد دائماً ..ماقاله الشاعر العربى الكبير على الجارم: بغداد يابلد الرشيدِ***ومنارة المجد التليدِ يابسمة لمَا تزل***زهراء فى ثغر الخلودِ ياموطن الحب المقيم ومضرب المثل الشرودِ ياسطر مجد للعروبة خُطَ فى لوح الوجود
الكرنك ..وما أدراك ما الكرنك!! مصر الفراعين.. الذين أقاموا حضارة.. يفنى الزمان ولاتفنى .
لكن "الكرنك "رواية صغيرة الحجم ،ربما من أصغر روايات نجيب محفوظ ..فور صدورها ،قمت بشرائها ب25قرش صاغ مصرى أو ربع جنيه ..كانت فى أوائل سبعينيات القرن الماضى . قرأتها مرارا وتكراراً ،إذ كنت فى شهور الصيف من كل عام ،أضع مؤلفات نجيب محفوظ وأقرأها دفعةً واحدة ،ثم أعمال يوسف إدريس وغيره من الكتاب . وبعد نشر القصة .. وبدء مهرجان النقد واللطم والنواح وقتلناك يا آخر الأنبياء إلى الدكتاتورسفاك الدماء .. كانت الجرائد والمجلات المؤيدة للزعيم الخالد ..والأخرى اللاعنة سنسفيله وسنسفيل عصره. موضة ..إعتدتُ عليها ،كنت أنتظرها بفارغ الصبر ..فهذا المهرجان من الفلكلور الشعبى ..المؤيدون والرافضون ،وجهاً لوجه ،وليذهب الوطن إلى الجحيم. كانت سوقاً رائجة للمجلات والمطابع والجرائد.
المهم ..صارت التيارات والأطياف السياسية والدينية تُلاعب الرئيس المؤمن /محمد أنور السادات ،وبدأت موضة التكفير والتخوين، لكل مصرى تقدمى ، بل أذكر فى تلك الفترة وبجامعة القاهرة سنة 1975م ،الجماعات الإسلامية وهم يرتدون الثياب البيضاء ويدخلون علينا فى مدرج العميد بدر، وهو أكبر مدرج بكلية حقوق القاهرة.. وبيدهم بُلط أو بلطات جمع بلطة ويهاجمون التقدميين والتيارات السياسية المناوئة لهم ..كادت أن تكون مجزرة لولا لطف الله ،بنا ..فلاحوار ولانقاش ،ألسنا كفرة !!!والقتل ،فينا ،حلال !!!
لكن السؤال بداخلى لم ينته ..أين الأمن؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وفى كتاب "تجربتى "للمهندس عثمان أحمد عثمان ..ربما إن لم تخنى الذاكرة الخؤون ،قال إن السادات وقد أراد أن ينتقم من التيارات التقدمية والرافضة لسياساته، فقد حاول تأجيج الصراع.. بينهم وبين التيارات الدينية ،وتم إدخال البلطات إلى الجامعة تحت بصر ومساعدة رجال الأمن وتمكين التيارات الدينية من الهجوم الضارى على التيارات الأخرى. الأهم..العبدلله ..كان من الأخسرين أعمالاً !!! وتعرض لسقطة من درجات المدرج ،كادت أن تودى به . وتم مغازلة المرحلة الساداتية.. وفؤجئنا بالتزمير والتطبيل والمدح "من الأحسنين أعمالاً " تعلو وتعلو وتعلو ..وتملأ سماء جامعة القاهرة ،بل سماء الوطن كله"مصر المحروسة "ثم نهايته الدراماتيكية على أيديهم الطاهرة !!! ثم كان فيلم السندريلا "الكرنك"وبطلته الرائعة وخفيفة الظل سعادحسنى ، وعرضه فى سنيمات مصر المحروسة ، أشهرا وأشهراً. وهاج التقدميون وأرغوا وأزبدوا ورد عليهم الدينيون والرأسماليون وأصحاب الثأر من عبدالناصر وثورته ..وهكذا أتذكر الماضى ، عندما أسمع كلمة" الكرنك ".فأتذكر السندريلا والكرنك..
جزاك الله.. يايوسف ياابنى ..بكل خير ..فلو لم تقل لى أنك مسافر الأقصر عشان تشوف معابد الكرنك ،ماكانت هذة الثرثرةالثقيلة على قلوب الأتقياء!.
عبر سنوات بعيدة الغور ،حلمت بحورية البحر تحملنى إلى شواطىء اللؤلو والمرجان. فقصص ألف ليلة وليلة ،هذا السحر المتدفق فى حكايات لاتنتهى ،حملتنى فوق بساطها السحرى، أجوب البلاد وأرى العباد وأشتبك مع أحلامى الخضراء .
حورية البحر تأتينى فى المنام تُسكرنى وتهمس فى فؤادى بأعذب الألحان.
طال الإنتظار ..متى أرى حورية البحر؟؟ كبرتُ وكبرت معى أحلامى ،وظنى أن حورية البحر تنتظرنى وترجو ظهورى.
وبحثت وأمضنى البحث وتعبت وملّنى تعبى وتمرد القلب فقد طال الإنتظار.
كان الوطن جمراً ،فقد أفقتُ من صباى على وطن يضيع وأمة مهزومة وقيادة ركبها الوهم فأخذت الوطن إلى مستنقعٍ آسن. سكتت مدافعنا وأنهزم جيشنا وضاعت أرضنا وانتهك شرفنا . تضليل مابعده تضليل ،هزيمة مدوية ،هزيمة مروعة ، لكنها لاتقصم الظهر ولاتشل العقل.
كانت نكسة !!!كما سعى الضلال إلى التقليل من فداحتها وخرابها . سكتت مدافعنا وتكلمت بديلاً عنها الأناشيدُ.
وعيتُ والهزائم تترى واحدةً إثر أخرى.. تنال من الأرض والعرض . حزيران الحزين ،فى ذاكرتى ،شهر كئيب ..وكلما طالعنى ،شاباً وشيخاً ،تمنيت الخلاص منه بسهولة.
صحوت من نشوة الخمر المسكرة التى ضببت العقل وأفقدته التفكير. صحوت من ليل طويل غشى العيون وأسدل عليها سدوله .
نسيتُ حورية البحر وأدركنى المشيب ،وتولى العمر سراعاً ..يخشى من مجهول يترصده. طالت غُربتى بين البلاد مشتتاً معذباً بثورتى وتمردى ،وأدخلتنى السياسة إلى عوالمها الخفية وسراديبهاالمعتمة ..فى أقصى اليسار كنتُ، لم أفقد الأمل فى غد جميل سيؤوب.
وهاهى حورية البحر ،فى آخر مطاف العمر ،تشد من أزرى وتعود بى لأيام عزيزة على قلبى وروحى.
وهاهى حورية البحر تثور ..وأراها شامخة تقاتل المخانيث أشباه الرجال، تُناضل من بين الثلوج ،فيشيع الدفء فى كل القلوب. مرحى لغربتى.. فقد عاوها الحنين إلى النضال والتمرد واستيلاد النور من رحم الظلام.
إيهٍ....حورية البحر.. فقد عاودنى الحنين ..حنينى إلى ثرى وطنى الحزين.
أذكر ماقاله الشاعر الإنسانى الكبير / أبو العلاء المعرى كذب الظن لا إمام سوى العقل***مشيراً إليه فى صبحه والمساء
و يبقى العقل حكماً لامناص منه..وأذكر أن الفارابى الفيلسوف العربى يؤكد "يجب الثقة فى قدرة العقل البشرى لاعلى حل معضلات الحكم والسياسة والأخلاق فحسب ،بل وحل مشكلات فهم الدين ذاته".
وياليتنا جميعاً ندرك أهمية الإختلاف ..وأن الإختلاف ،من طبيعة العقول .
إنما هناك ..من يقاوم قدرة العقل على فهم الدين،وهو يؤكد.. أن ما يزعمه هو العقل ذاته،متعصباً لرأيه ،نافياً عن الآخرين ،صفة العقل. وتشتعل المعارك .
ويحضرنى فى هذا المقام، حكاية طريفة " كان الشيطان يتجول فى أحد أسواق المدينة،فقابله رجلٌ صالحٌ ،فقال له:ياشيطان ..ابتعد عن هذا المكان ،فالناس هنا فى قمة التقوى والصلاح و الخير والحب بينهم ،سائد ولن يزول، ،ولاأمل لك فى أن تخدعهم بألاعيبك الشيطانية وتجرهم إلى إرتكاب المعاصى واقتراف الذنوب وإحداث الجرائم. قال الشيطان:والله ..ياسيدى الصالح ..أنا لا أدفع أحداً إلى الإثم والمعصية ،إنما أبدأ بشىء صغير جداً،وهم ،ياسيدى،معتادون على التعصب والتهور وإراقة الدماء . ثم قام بمد يده إلى وعاء عسل ،موجود أمام محل حلوانى يقلى زلابية ،ومسحها على مدخل المحل. وقال : صبراً قليلاً ،ياسيدى ، وسترى العجب العجاب. بعد لحظات.. تجمع النمل ،ثم أتت أسراب الذباب على قطرة العسل. كانت هناك قطة قفزت على تجمع النمل والذباب ،فرأها كلب جار الحلوانى ، فجرى ورائها،خافت القطة وقفزت على وعاء قلى الزلابية ،الذى وقع أرضاً ومن فوقه الموقد. زمجر الحلوانى من كلب جاره ،فضربه بعصا غليظة ،فعوى الكلب عواءً شديداً،أتى على إثره صاحب الكلب،فقامت مشاجرة بين الرجلين وتماسكا وأعتدى بعضهما على بعض .بالقول والفعل. تدخل أهل السوق ..وانقسموا فريقين ،فريق مع الحلوانى وفريق مع صاحب الكلب.واحتدم الصراع وسالت الدماء ،وكثر الجرحى والمصابين . و نار الموقد.. تسرى فى محل الحلوانى ،ثم امتدت إلى المحل المجاور، وتطاير الشرر وتوهجت النيران، وصار السوق بأكمله مشتعلاً ..بالنيران والمشاجرات وتزايد الخسائر فى الأرواح والأموال.
ونظر الشيطان إلى الرجل الصالح ..نظرة حسرةٍ وتشفٍ . ومات بينهما الكلام ..فلم ينطقا بحرفٍ واحدٍ.
كلما صار مركب العمر فى خضم الحياة ،إذدادت الخبرات والتجارب. ما كان لهواً فى الماضى ،لايستقيم إعماله فى أخريات العمر. والنضوج الفكرى ينأى عن التهاتر والهذر . كان لى صديق ،دائم الحوار معى لا يتركنى فى حالى بل يُثقل علىّ بالأسئلة.
قال لى ذات مرة: هل التباسط بين شاب وشيخ فى تبادل الأحاديث ،مستحب؟
وبحكمة الستين وعقل الشيوخ ،قلتُ: من الصعب تلاقى الأفكار بين أجيال متباعدة ،فالشاب يظن أن الحكمة ملء يديه والأفكار تنساب كشلال فياض من بين شفتيه ،ويرى أنه حكيم زمانه وفليسوف عصره وأوانه، وعلى الجميع السمع والطاعة . ويحاول إذابة المسافات بين جيلين متباعدين فى الإدراك والخبرات وعرك الحياة،وينسى الحدود ويتخطى القدر والمقدار . أما الشيخ ،فهو آمن فى سربه ،رأى وشاهد وعانى وتعامل عبر سنوات عمره مع الصغير والكبير والمتعلم والأمى ،مع النساء شابات وزوجات،،وتمكنت الخبرات وطرحت قيوداً والتزامات .ومن ثم كان الرشد مطلوباً فى الرجال والنساء على حد سواء.
باغتنى صديقى اللجوج وقال :أفهم من ذلك أن أفكار الجيلين متباعدة وصعب الحوار بينهما.!
قلتُ: هناك خبرات وهناك ثقافات وهناك أفكار تختلف اختلافاً بيّناً بين الشيوخ والشباب. فلا ينبغى الإطاحة بفارق العمر والخبرات ،بزعم واهٍ يستمد سلطانه من العشم وأن الثقافة تذيب الفوراق بينهما.
فقال لى صديقى بإلحاحٍ متعمدٍ: يعنى لو سألتك عن المرأة وحسنها الطاغى وفتنتها الصاعقة فماذاتقول؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
قلتُ: نظرتى للمرأة وحسنها وفتنتها وجمالها الصاعق، كما يراها الشاب المراهق ،لايتفق مع وجهة نظرى التى شبعت وشربت من الفتنة كؤوساً دهاقا، ورأيى ينأى عن التدله والإنغماس فى العواطف المشبوبة الساذجة ويهيم بالعقل والنضج والرزانة والوقار.
فقال صديقى وهو أكثر دهشاً: معنى ذلك لابد من التعقل والرزانة والتقدير فى التعامل مع الشيوخ أمثالك ،فقد يكون هذا الشاب أصغر من أصغر أبنائك ..وأخيراً وقع فى يدى كتاباً قيماً، عن أدب الحوار ،وأظن أنه للشيخ الطنطاوى شيخ الأزهر .سيكون لى عنده وقفات.
لم أعد منزعجاً لما يحدث من البشر ،فالبشر خطاؤون ،ومن الصعب سبر أغوار البشر بل نقف دائماً على تخوم النفس البشرية،حيرى .
النفس البشرية محيط لجى لاشاطىء له ولاحدود وعميق بالقدر الذى يصعب االوصول إليه . ما تحدثنا عنه فى سالف الأيام ،وقد طال الحديث بيننا، ما حدث بين شاهيناز ومحمود وما انتهت إليه علاقتهما.
كلنا_ سيدتى _إكتوينا بصهد الحب وفوران العواطف الجياشة الحارقة لأعصابنا.
كان دليلى فى بداية سنى الأولى ابن حزم الأندلسى وكتابه العمدة ""طوق الحمامة فى الألفة والألاف"""كان طوق الحمامةأروع كتاب درس الحب فى العصر الوسيط ،فى الشرق والغرب ،فى العالمين الإسلامى والمسيحى ،تتبع أطواره ،وحلل عناصره ،وجمع بين الفكرة المفلسفة والواقع التاريخى ،وواجه أدق قضاياه فى وضوح وصراحة ،وكان إبن حزم الدارس الواقعى فى كل خطاه ،أفكاره محلقة ،وقدماه على الأرض ،ويصدر فى نظرته عن تجربة عميقة ،ذات أبعاد إنسانية واسعة ،وعن إدراك ذكى لطبائع البشر وسير الحياة ،فجاءت نتائجه صادقة ، لما ًتفقد بريقها ولا توهجها ، وإنها لتقف الآن فى مستوى أرقى الدرا سات عن الجنس والحب""
هذا التقديم المشوق والحاسم ، لرائعة الإمام الفقيه إبن حزم الأندلسى "طوق الحمامة فى الإلفة والألاُف "للدكتور الطاهر أحمد مكى ، جعلنى مبهورا بهذا الكتاب وكثيرا ما أطالعه وأحرص على ذلك ،وأردد بعض أبياته ونثره السلس فى شبابى الغض ، ولاأنسى تعريفه للحب""الحب -أعزك الله-أوله هزل وآخره جد.دقَت معانيه لجلالتها عن أن توصف ،فلاتدرك حقيقتها إلا بالمعاناة ,وليس بمنكر فى الديانة ، ولابمحظور فى الشريعة،إذ القلوب بيدالله عز وجل "" ويقول ابن حزم..""ولقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن مالا يكاد يعلمه غيرى ، لأنى ربيت فى حجورهن ، ونشأت بين أيديهن،ولم أعرف غيرهن ،ولا جالست الرجال إلاَوأنا فى حد الشباب،وحين تفيَل وجهى، وهن علمننى القرآن ،ورويننى كثيرا من الأشعار ،ودربننى فى الخط،ولم يكن وكدى، وإعمال ذهنى مذ أول فهمى ، وأنا فى سن الطفولة جدا ،إلاَتعرف أسبابهن،والبحث عن أخبارهن ،وتحصيل ذلك، وانا لا أنسى شيئا مما أراه منهن،و أصل ذلك غيرة شديدة طبعت عليها، وسؤ ظن فى جهتهن فطرت به ."وبصراحة لا مواربة فيها ،أعتقد أن هذا الكتاب قد أمسك بتلابيب عقلى سنوات طوال ومازال.. إذ أننى وكلما طالعته أجد فيه جديدا .
سيدتى ..موضوع شاهيناز ومحمود ،هذا العلاقة التى لاحل لها سوى أن كل منهما يسلك طريقه ويترك الآخر حراً من أى قيد،حتى يلتمس كل منهم حقيقة مشاعره تجاه الآخر.
شاهيناز مقسومة نصفين بل أقول ممزقة بين إثنين كل منهما له حسناته وسيئاته.
شاهيناز مرتبطة عاطفياً بمحمود ومتعلقة به ومشغولة عليه وهو البعيد النائى.
قلت لها مرارا وتكرارا وقوع القضا ولا إنتظاره، لكنها ممزقة بين قلب وعقل.
فابن حزم الأندلسى وتعريفه للحب قد قطع شوطاً كبيراً فى تعريفه.
سيدتى_ لن أطيل عليكِ وسأكتفى بهذه السطور وعلى موعد بمناقشة الحب من وجهة نظر نفسية وفلسفية . أمامى الآن كتاب كلام فى الحب لأفلاطون ،وفن الحب لأوفيد ورواية حديثة لمرجريت دورا ودراسات أخرى نتُناقش موضوع الحب . لى وقفات عندها
وإلى لقاء قريب.ورسالة أخرى .وسلام الحار للقبيلة من القبيلة.
وصلتنى رسالتك الأكثر من رائعة والأعمق من مياه المحيط والأشمل للكثير من الإجابات.
فعلاً شاهيناز ومحمود أبناء عصر مجنون وكل لحظة يزداد جنونا ًوانحرافاً وقسوةً وانحدارا وانحطاطاً. الصدق تقولين والحق أيضاً.
لقد حفرتِ فى قلبى ينابيع الذكريات هذا اليبنوع الثرى وماؤه الزلال وطعمه السكر. أعود بذاكرتى إلى زمنى الأول ،زمن الإخضرار والتورد والتودد. أعود بذاكرتى إلى أول حبٍ صادف قلبى الأخضر ،لكن ماقساه من فوران وشبوب عواصف ،كان له من الآثار الجسام ما تحكم فى مستقلبى فيما بعد. ما قرره قلمك الحكيم من أمور"هذه المشاعر التي تتشبث بتلابيب وجودنا و كياننا و كل تفاصيلنا ، تصعد بنا إلى قمم الأعالي في لحظات النشوى فنغيب عن انفسنا و تقودنا إلى أسفل المهاوي في لحظات اليأس فنفقد أنفسنا لأننا أسلمناها أمرنا طوعاً و اختياراً ....""
أحكى لكِ ،سيدتى الكريمة ، ما شب فى قلبى من حريق الحب فى إبان صباى.
كنت فى بداية نضجى وفى سنى المراهقة ولم أكمل بعد العشرين وتعلقت ببنت الجيران تعلقا ملك على حواسى وتحدثت معها وصارت المشاعر بيننا بحرا عذبا ووهجا متألقا ، والأشعار الرومانسية لإبراهيم ناجى ومدرسة أبولو الوجدانية ومدرسة المهجر وجبران خليل جبران وحفظت أشعارا كثيرة عن الحب وقرأت مئات بل آلاف قصص الحب والروايات العالمية لكل أدباء العالم وأتذكر كم عانيت من قسوة المشاعر والأحاسيس الغضة الخضراء .
نظرا لظروف المجتمع الريفى والتربية الدينية والأخلاق الحميدة لم أستطع تعميق هذه العلاقة، وظلت علاقة ود وتبادل عواطف فى إطار المشروع من التصرفات والمتعارف عليهاوالمعاملة بين الأهل والجيران سيما وأنها تمت بقرابة لأمى.
أعتقد أن هذه المشاعر ترسبت فى حياتى آنذاك وأخذت بيدى إلى أن المتاح من العلاقات لايكفى لظهورها حيز النور ولابد من وأدها فى مهدها وإلا الثورة والإنقلابات والتقاتل بين الأسر والعائلات .
حافظت من جهتى على سرية العلاقة ولم أغامر بظهورها وكذلك هى ،فكلانا يعرف جيدا النهاية المؤسفة لو حدث وتسرب خبر العلاقة ،بصراحة كتمت المشاعر وخنقتها خنقا ،وقلت لايمكن البوح بها إلا على الورق والكتابة والإنغماس أكثر وأكثر فى القراءة والتثقيف والتعليم .
وحصلت على الثانوية العامة وبدون تفكير إخترت كلية الحقوق جامعة القاهرة وتحملى مشقة السفر ، رغم أن كل زملائى إختاروا كليات بجامعة طنطا . وفوجئت فى يوم من الأيام بأخيها يخبرنى بخطبة أخته على فلان قريب لى وله ،وأنهم قرأوا الفاتحة من أسبوع أو أكثر ..الحق أقول : غامت عيناى بالدموع وتلجلج لسانى وشعرت بتهاوى قلبى ولم أنبس ببنت شفة .. ومرت سنة أو أكثر، وعقد القران وتحددت ليلة الزفاف وحضرت الفرح وأنا غاضب من قلبى الذى أوردنى هذا المورد الصعب والإيذاء النفسى الجسيم .
وكانت الغربة من المجتمع والناس وقلبى الذى أخرسته وألجمته وأغلقت عليه بابا صعب الإقتراب منه أو المرور أمامه . ولم أحاول مستقبلا خوض غمار معارك الحب.
سيدتى العزيزة ..........آسفى يسبقنى على التأخير فى الرد ويُبدى اعتذاراته.
أتمنى زيارتكم ،ولعل الأيام تسمح والزمن يجود . سلامى العاطر ومن القبيلة للقبيلة أرق التحيات. وعلى وعدٍ باللقاء.
ماهية الخطاب..تتعدد بتعدد المواضيع المطروحة ،وظنى أن ماهية الخطاب الموجه للمتلقى لابد وأن يكون الكاتب مدركاً لها ومتفهماً لماترمى إليه. أما الغموض والإبهام فى القول ،سواء أكان شعراً أم أدباً أم نقداً أم سياسةً..مرهون بثقافات المتلقى . وكون أبو تمام قد حدّد مفاهيمه لإدراك المتلقى لأشعاره ،بأن على المتلقى أن يفهم مايُقال. فهذا القول منه ،لا أتفق معه فيما قاله. وسندى فى ذلك أنك لاتكتب أى الكاتب إلا وأمام عينيك القارىء الذى تكتب له. فهى علاقة وثيقة بين المبدع والمتلقى . وما قيمة إبداع، أياً كان ،إذا لم يكن له من يقرأه ؟
فقيمة الإبداع الحقيقى فيما يقدمه للمتلقى،وليس معنى ذلك ،أن يتدنى بمستوى اللغة أو الفكر إلى أدنى مستوى . وإنما ما أرمى إليه هو وضع الفكرة العظيمة فى أسلوب مفهوم ومقبول .
وكان لى صديق من الذين يتزعمون الكتابة التجريبية ،وكان له عالمه الخاص ومعجمه اللغوى لألفاظ متقعرة غير مستعملة.وكأنى به يأتى بالغرائب، كى يقول للمتلقى ..لن تقرأنى ولن تفهمنى.
وذات يوم ..منذ أكثر من ربع قرن ويزيد،أعطانى قصة من قصصه وهو ممتلأ زهواً ،وقال لى :اقرأ وسترى. وأخذت القصة وحاولت القراءة مرة بعد مرة ،بل مرات عديدة لكنى لم أصل لشىء. فاتهمت نفسى بعدم الفهم وقصورى عن إدراك المعانى . وقلت له:ياصديقى.. أنا لم أفهم ماترمى إليه،ورغم ثقافتى المتواضعة، لم أحظ بشرف معرفة كنه هذا الإبداع. فقال لى على الفور:أنا لا أكتب للحاضر ،أنا أكتب للمستقبل ،وسوف يعرفون آنذاك ..من أنا؟!! وقام بتسليم ،هذه القصة أو القصص.. للراحل الدكتور /عزالدين إسماعيل،وكان رئيس تحرير مجلة "إبداع" القاهرية ،الذى نشرها فى باب" التجارب"،وهو باب فى المجلة ،لنصوص غامضة أو غير مفهومة .
صديقى هذا ..من كبار المثقفين الذين صاحبتهم ،أما ما يصبو إليه فهو ،منى، مرفوض ،لأن الكاتب أياً كان ..عندما يكتب ،لابد وأن يكتب مايُفهم،وبلغة تُمكن المتلقى من إدراك أهدافه.
من المدهش حقاً ،أن تكون رابطة العالم الإسلامى، صاحبة نظرية الأدب الإسلامى ،وتضع لها الشروط والمواصفات القياسية، وما يُكتب وما لا يُكتب.؟!
حقيقةً ..أنا مندهش كل الإندهاش مما قرأته.
الإسلام شريعة وعقيدة . أما الأدب فهو وليد تجارب البشر فى حياتهم ،.
أعلم أن هناك نظرية يدرسها الطلاب فى الجامعات تُسمى نظرية الأدب .
لكن ماهو الأدب،وما الذى يُقصدبه؟؟
هل الأدب منظومة قيم ومبادىء أم هو بحث الإنسان عما يعتوره من هموم ومايشغله من أحداث الحياة ؟
هل الأدب هو منظومة دينية عقائدية أم هو منتج بشرى يبحث فى أغوار النفس ؟
من الملفت للنظر فى هذا الموضوع المطروح ،أن كافة الآراء تٌبدى الإستحسان وفقط.
ولم أجد رأياً واحداً.. يتساءل عن ماهية الأدب؟
هناك فرق بين الإسلام كدين وعقيدة وبين خبايا النفس البشرية اللوامة والمطمئنة والأمارة بالسوء.
الأدب عبر عصوره المختلفة ،تتغير أنواعه وروافده بل وأشكاله. هل الأدب ينحصر فى الوعظ والإرشاد؟ هل الأدب قاسم مشترك مع منظومة القيم السائدة فى المجتمع والدين الذى يعتنقه الناس؟؟ هل أزعم لنفسى أن هناك أدباً يهودياً وأدباً مسيحياً؟
هذا بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة . وبالنسبة لديانات وعقائد الآخرين الذين يعتنقون عقائد أخرى كالسيخ فى الهند والبهائيين وعبادة الشيطان والملاحدة ....إلخ إلخ .هل لهم أدب يبدعونه ؟؟
حتى الشعر وباعتباره أحد فروع الأدب ،هو منتج بشرى، بل أظن أن هناك دراسات جادة ،أعطت الشاعر ..حرية القول وحرية الفكر وحرية الإبداع. الأدب وكما هو معروف الآن ،زادت دائرة مواضيعه ومسمياته إلى الحد الذى لم يعد القارىء النهم ،محيطاً به وبمدارسه المختلفة .
الأدب فى صدر الإسلام، كان أدباً وعظياً من الدرجة الأولى ،ولحين ثبوت قيمه ومبادئه فى المؤمنين به. كان الشعر.. هو فارس الميدان ولاشىء سواه.
وباتساع الفتوحات وانتشار الإسلام فى بلاد وبلدان لها ثقافات وفلسفات تتباين مع منظومة القيم الدينية الإسلامية ،كان الإقتراب منها بحذر شديد ..ولا أنسى عصر الترجمة التى نُقلت فيه مجلدات الفكر والإبداع اليونانى القديم،وترجمات الشعر والخطابة والسياسة والقوانين لأرسطو وأفلاطون وآخرين .
كان الأدب المتواجد على الساحة العربية الإسلامية ،وكما قلت، لايعدو إلا أن يكون شعراً.
وبدخول الإسلام فى البلدان الأخرى كما سبق القول ،اتسعت رويداً رويداً دائرة الأدب فظهرت المقامات ،وكتب الحكمة والنثر والرسائل والخطابة والموسوعات الأدبية الضخمة والموسوعات التاريخية . كانت جميعها أى ماسلف بيانه ،تحاول البحث عن روافد ثقافية أخرى ،فوجدنا الحديث عن الثقافة الفارسية والثقافة اليونانية ،وأمتلأت الكتب بأقوال أرسطو وأفلاطون وكسرى أنو شروان وكليلة ودمنة والأدب الكبير لابن المقفع. والفلسفة الإسلامية ،التى كانت من تأثير الفلسفات الأخرى ،وسماها الفلاسفة المسلمون ،علم الكلام . ثم الحديث عن الموسيقى والألحان والغناء و الرسم والفنون التشكيلية والنحت والتصوير والأرابيسك وفن الخط والمنممات...إلخ ثم تواصلت عصور الأدب ،وكل عصر له همومه ومشاكله وروافد ثقافاته المختلفة . ظهر الأدب القصصى ثم الأدب الروائى ثم الأدب المسرحى ثم الشعر المسرحى ثم الادب الملحمى ،ثم مدارس الشعر المتعددة وعالم الموسيقى والأوبرا والباليه ..............إلخ ثم ظهرت السينما ووانتشرت انتشاراً ملأ الدنيا وشغل الناس ثم الإذاعة ثم التليفزيون ..وكان لكل فن من الفنون ،رواده ومنتقدوه ،عوالم ثقافية مبهرة وتفرض نفسها على أذواق الناس فرضاً.
من منا لم يقرأ لتولستوى وتورجنيف وبوشكين وشكسبير وبودلير ومالارميه والملاحم القديمة وطاغور وإقبال وجوته ؟؟؟ ألوف الكتّاب ، وفى كل فروع الأدب والفكر والفلسفة والتصوير والموسيقى والفنون التشكيلية ، من جميع البدان والأقطار.. يسعون إلى الفضيلة والحرية والعدالة والجمال والرفعة .
أزعم ،وتقديرى واحترامى لكل الآراء، أن الثقافات الرفيعة ،هى منظومة قيم .
وأؤكد أن الأدب الفاحش والبورنوجرافيا ،يرفضها الإنسان الحر فى أى مكان وأى زمان. والأدب الرفيع.. تصبو إليه كل نفس شريفة عفيفة ،تبحث عن إجابات وتهفو لتحقيق السلام والأمن. الأدب الرفيع لايستمد وجوده من شروط مسبقة ولاحدود مرسومة.