| تعليقات | الكاتب | تاريخ النشر | | محاكمة الموت كن أول من يقيّم
الفصل الثانى فلاح بوهيميا /محاكمة الموت 9- أكرمان
لقد فقدت أغلى الكنوز الى الأبد_ أفلا يصح أن أحزن وأغتم, خصوصا وأننى سأقضى بقية عمرى محروما من كل المباهج؟ أسأل الله اللطيف القدير أن ينتقم لقلبى الكسير من كل الملذات والنعم, وسرقت منى أحلى ايام, وحرمتنى كبير الشرف والمقام. كنت أزهو عندما كانت الطيبة العفيفة الطاهرة تلعب كالملاك مع أطفالنا المولودين فى عشنا الطاهر. ماتت الدجاجة التى دأبت على تربية هؤلاء الكتاكيت..... ياالهى, ياقوى, كم كنت منشرحا مسرورا كلما رأيتها تخطو فى حياء واحتشام, لدرجة جعلت الناس يتابعونها بأنظارهم فى حب واعجاب ويقولون لتلك الرقيقة الشكر والثناء والشرف, بارك الله فيها وفى فلذات كبدها, وأنعم عليها وعلى طيورها بالخير والبركة). _ لو كنت أعرف كيف أقدم لله خالص الشكر على ذلك لما ترددت أبدا. هل هناك من رجل فقير من الله عليه بمثل ماوهبنى؟ _ وقد تختلف الآراء والمفاهيم, لكنى أعتقد أن من يهبه الله زوجة طاهرة فاضلة جميلة, فقد أنعم عليه بنعمة تعلو على كل نعم الدنيا. يا الهى ياقوى ياقهار....... ماأسعد من وهبته زوجة طاهرة لم يمسسها بشر...... فلتفرح يامن شرفك الله بزوجة طاهرة. ومتعكما الله سويا بالسعادة.... ماذا يعلم أى أحمق عن ذلك, طالما وأنه لم ينهل من ماء البئر الطاهر؟ _ورغم ما أصابنى من ظلم وفجيعة, فأننى أشكر الله من الأعماق على أن جعل الكاملة الطاهرة من نصيبى. فليمقتك الله الى الأبد , أيها الموت الخبيث, ياعدو البشرية! 10- الموت
يبدو من حديثك أنك لم تشرب من ينبوع الحكمة, ولم تمعن الفكر فى أمور الطبيعة وأثارها, ولم تتبصر أمور الدنيا وتدرك التغيير الدائر بها. انك جرو ساذج وأهوج..... أفلا تلاحظ كيف أن الورود الجميلة, والزنابق الشذية الفياحة بالحديقة, وأعشاب العقاقير الفعالة, والزهور التى تشرح الصدر فى البساتين, وكيف أن الأحجار الراسخة والأشجار الباسقة فى الغابات, وكيف أن الدببة القوية والأسود الجبارة فى البرارى الموحشة, وكيف أن الأبطال المغاوير, وذوى المهارات والموهوبين, والأحبار العالمين, وذوى الكفاءات الحرفية المختلفة, وكيف أن مخلوقات الدنيا جميعا_ مهما كانوا أذكياء, ظرفاء, أقوياء, ومهما عاشوا وعمروا , ومهما طالت ممارستهم لأعمالهم_ فأنهم مقضى عليهم بالفناء ومصيرهم الى الزوال؟ _ فاذا كانت جميع أجناس البشر, السابقون منهم واللاحقون, يسيرون إلى زوال, وينتقلون من الحياة الى العدم, فكيف يصح لمنشودتك التى تبكيها أن تتمتع, وألايصيبها مايصيب الأخرين,أو كيف يمكن ألا يحدث للآخرين ماحدث لها ؟ _ أنت بنفسك لن تفلت منا , مهما قل توقعك الآن لهذا الأمر. لابد وأن يقول كل منكم اننا جميعا على هذا الباب واردون, شكواك اذن لامعنى لها ولاطائل وراءها, فهى لن تساعدك فى شىء, لأنها تصدر عن بلادة ذهن ( وقلة احساس).
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | صفات الحبيبة كن أول من يقيّم 11- أكرمان
أعهد بأمرى إلى قاهرى وقاهرك, إلى القوى فوق عباده, فهو سوف يحمينى وينتقم لى منك أشد الانتقام لقاء ما ارتكبت فى حقى . ان ماتتحدث به الآن أمامى, لهو ضرب من ضروب المغالطة والشعوذة, اذ تخلط فيه دائما بين الزيف والحقيقة, وتريد أن تقضى على الألم البالغ المعتمل فى نفسي وعقلى ووجدانى , تريد أن تصرف عنه عينى وحواسى وأعماق نفسى. عبثا تحاول, فلن يكون لك ماتريد, ذلك لأن خسارتى الفادحة_ والتى لن أستطيع أبدا تعويضها _ تؤلمنى وتحز فى نفسى, فقد كانت ( الفقيدة) دائما بلسمى الشافى من كل ألم وضيق, كانت العبدة المطيعة لربها, المستجيبة لزوجها, الحارسة على بدنى, الساهرة ليلا ونهارا على شرفى وشرفها. كانت تنفذ كل ماتؤمر به, وتؤديه على خير الوجوه, كاملا غير منقوص بل وتزيد عليه غالبا . لقد أقام فى منزلها كل من الاعتدال والحرص والعناية والتعقل والحكمة دائما. كما رفعت الحشمة مرأة الشرف دائما أمام عينيها. كان الله خير حماتها, كما كان كريما رحيما معى من أجل خاطرها. حباها الله بكل ماتستحق, ونالت منه كل ماتبتغى: الحياء والعفاف وهما شرف البيت الطاهر, اللهم فأجزها خير الجزاء, ياخير من يجزل العطاء, يامثيب الأوفياء, ويا أغنى الأغنياء..... كن رحيما بها بأكثر مما أتمنى لها! آه آه ثم آه, أيها الموت, أيها السفاح الذى لايعرف الحياء, فيك تستتر الرذيلة فى أخبث رداء.... فليحكم عليك الشديد العقاب, ويكتب عليك العذاب وكلما ترجوه غفرانا يزيدك من العذاب ألوانا !!!!!
12- الموت
لو كنت تستطيع أن تحسن القياس والتقدير, أو الحساب والتفكير, لما تفتق رأسك الأجوف عن مثل هذا الحديث المعجرف. انك تصب اللعنات وتطالب بالانتقام دون فهم أو مدعاة . فماذا يعود عليك من هذة الحماقة؟ سبق أن قلنا بعاليه: أن كل كائن مهما كان غنيا بالأفكار والحيل نبيلا, فاضلا, جريئا, نشيطا, وكل ماهو حى لابد وأن ينتهى على يدنا. ومع ذلك فأنت تنبح وتولول قائلا بأن كل سعادتك كانت مجسمة فى زوجتك الطاهرة الماهرة, فاذا كان من رأيك أن السعادة لاتتوفر إلا فى النساء , فأننا نريد أن نخلص إليك النصيحة بأن تداوم على السعادة, ولكن حذار أن تنقلب السعادة إلى تعاسة. أخبرنا: هل وجدت زوجتك ماهرة شاطرة عند زواجك منها, أم أنك علمتها المهارة والنشاط؟ اذا كنت وجدتها كذلك, فعليك البحث ( عن غيرها) بشىء من التعقل والروية.... انك تجد فى الدنيا كثيرا غيرها من النساء الطاهرات, ممن ترضى بك احداهن زوجا ... أما اذا كنت علمتها الهمة والنشاط, فأبشر.. فمازلت أنت المعلم على ظهر الحياة وتستطيع أن تتخذ زوجة تربيها وتعلمها. ولكن دعنى أقول لك شيئا أخر: كلما زاد حبك, زاد بعد ذلك ألمك. فلو كنت تحفظت فى الحب , لما كنت تشعر الآن بفداحة الكرب. فكلما زادت فرحة المرء بحبه, كلما زاد أساه عند الحرمان من الحب. فالنساء والبنون, والكنوز وكل عقار دنيوى_ هى جميعا تجلب بعض السرور فى البداية, وتأتى بمزيد من الغم فى النهاية. ولابد أن ينقلب كل حب دنيوى إلى كرب قوى. فالكرب هو نهاية الحب, كما أن الحزن نهاية الفرح, والتعا سة تعقب السعادة, ونهاية المزاج هى تعكير المزاج, وهذه هى نهاية الشوط الذى تسعى اليه كل الكائنات الحية . افهم وتعلم, يامن تدعى النباهة والذكاء.
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | الحرمان من الحب كن أول من يقيّم
13- أكرمان
بعد الخسارة تأتى الشماتة_ هذا مايشعر به المحزونون. وهذا مايحدث منك لى وأنا المصاب المحزون. لقد حرمتنى من الحب, وأنزلت بى الأسى, وعلى أن أتحمل ذلك الى ماشاء الله. ولكن مهما كنت متبلد الحس, ومهماكان تحصيلى من الحكمة على أيدى أربابها الأحبار تحصيلا قليلا,فأننى أعلم علم اليقين أنك أنت اللص الذى سلبنى مبعث شرفى,أنت سارق أفراحى, وخاطف أجمل أيام حياتى, ومبيد ملذاتى, ومدمر كل شىء من شأنه تدبير وضمان حياة هانئة لى. فعلام أفرح وأستبشر؟ أين أبحث عن السلوى والعزاء؟ أين أجد الملجأ والملاذ؟ أين أعثر على دار للشفاء؟ بل أنى لىبنصيحة تقوم على صدق ووفاء؟_ ماضاع ضاع, وقضى الأمر. لقد هجرنى السرور قبل الأوان, وأصبحت أفراحى فى خبر كان, وبسرعة البرق انتزعت منى المخلصة الوفية , وجعلتنى أرملا وأطفالى يتامى بلا رحمة ولاشفقة. وها أنذا أقف وحيدا تعيسا, مشحونا بالألام لاأستطيع منك القصاص , وأنت لاتريد مواساتى أو تعويض خسارتى, نعم لم تعوضنى عن أفراحى أو تضمد جراحى, رغم جريمتك الكبرى فى حقى. فما هو الوضع أيها الموت, يامفرق الأزواج؟ لايستطيع أحد أن يحصد من ورائك خيرا, فأنت لاتريد تعويض أحد عن ضرر ألحقته به,ولاتريد أن تمسح دموع من تبكيهم. اننى أعلن هنا أن الرحمة ليس لها فى قلبك سبيل, وأنك لم تتعود إلا على اللعنة, فأنت عديم الرأفة حيث أتيت. أبتهل الى من بيده مقاليد الأمور, من موت وحياة, أن يرسل عليك مثل ماتؤديه للبشرية من خدمات, ومثل ماتمنحهم من بركات, أو تعطيهم من جزاءات, وأن ينزل عليك نفس النهاية التى تفرق بها الجماعات. يارب الملائكة الأبرار, عوضنى عما لحق بى من خسارة وأضرار.عوضنى عن ألمى البالغ أما هذا التحدى الصارخ. ثم انتقم لى من المجرم الغادر_ وهو الموت_ يا الهى يامنتقم ياقادر!
14- الموت
حديث لاجدوى منه, والصمت أبلغ منه, لأن الرجل المرتبك لايجنى من حديثه الأحمق سوى الخلاف, والخلاف يولد العداء, وبعد العداء الاعتداء , وبعد الاعتداء التجريح , وبعد التجريح الألم وأخيرا الندم. إنك تعلن الخلاف علينا, وتشكو بأننا فجعناك فى زوجتك العزيزة جدا عليك. إنه لم يحدث لها سوى الخير والبركة: فقد ضممناها تحت لوائنا, دون المساس بشرفها وهى فى ريعان الشباب, وجميل القوام, وأبهج الأيام, وأفضل احترام واجب, وأحسن وقت مناسب . ذلك هو ماامتدحه وابتغاه كل الحكماء حيث قالوا ماأحلى الموت عندما تحلو الحياة)... فلم يمت خير موتة ذلك الذى يشتهى الموت ويتمناه, ولابد أن من يدعونا لقبض روحه, قد زهق طول حياته. ياحسرة على كل من بلغ بة العمر أرذله, فهو فعلا مسكين فقير, مهما كان لديه من المال الوفير.فى ذلك العام,وبعد عيد الصعود, وعند عملية ولادتها, تركنا الأم الشهيدة تودع الدار الفانية ببؤسها وخداعها البراق. وكان هدفنا أن تلحق بالرفيق الأعلى فى سعادة أبدية وحياة متصلة باقية, وأن تخلد لراحة لانهائية هى أهل لها. ورغم كرهك الشديد لنا فأننا نتمنى لك أن تصمد روحك وتلتقى بروحها هناك فى أعلى عليين, وأن يبقى جسدك بجوار جثمانها فى مقابر الدار الدنيا. أردنا أن نكون شفعاء لك, نضمن لك التمتع بحسن صنيعها. صه اذن وكف عن الحديث..... انك لو استطعت أن تنتزع من الشمس ضوءها, ومن القمر برودته, ومن النار جذوتها, ومن الماء سيولته, فأنك لن تستطيع أن تجردنا من سلطتنا. | *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | طاغور وأنشودة الموت كن أول من يقيّم
الموت توأم الحياة
كان كتاب الشاعر الهندى "طاغور" (قربان الأغانى ) السفينة التى مخرت به عباب المحيط العاتى ليحصد فى آخر المطاف جائزة نوبل للآداب سنة 1913م. كنت معجباً به وباسمه (ربندرانات طاغور) إسم كان لحروفه عند سماعه رنين السحر و نغم الموسيقى الحالمة . كم طال وقوفى عند نظرته الإيجابية المتفائلة للموت ، ورؤيته الراسخة بأن الموت ليس سوى الوجه الآخر للحياه ......
(كل أبياتى المعبرة عن البهجة تمتزج بآخر أغنياتى تلك البهجة التى تجعل التوءمين الحياة والموت يرقصان عبر العالم )
لقد كان يرحب بالموت بذات الحرارة التي نرحب بها ولادة الحياة فلا نرى رجفة التردد في كلماته و لا تهيب الخائف في سرده . و تأتي أشعاره لتؤكد لنا بيقين لايخالجه شك أنه كما كُلِّف بالحياة فهو أيضاً كلف بالموت ...
(عندما يحين الموت فإن المجهول سينحسر أمامى كأننى أعرفه منذ الأزل ولأننى مكلف بالحياة فسأكلف بالموت أيضا)
كلما وقعت عينى على الكلمات التسع التالية أشعر برعدة تتنشلنى من ظنون الخلود وتهتف بى أن الرحيل قريب.
( قد انطفأ المصباح وقد بلغنى النداء وإنى مستعد للرحيل)
وأقف مندهشاً لهذا الثبات والشجاعة التى تشى بها السطور اللاحقة من الرضاء والخشوع والاستسلام لما هو مقدر ومكتوب . الموت في نظره هو إنجاز آخر لا يختلف عن إنجازات النجاح بل هو آخر إنجازات الإنسان ، و لابد أن يلقاه بسعة صدر وبقلب مطمئن وابتسامة مضيئة وروح تذوب شوقاً ولهفة إلى لقاء الموت.......
(أيها الموت ياموتى آخر انجازات حياتى تعال وتحدث إلى همساً لقد انتظرتك يوماً بعد يوم وتحملت من أجلك أفراح الحياة وأتراحها نظرة أخيرة من عينيك ستجعل حياتى كلها لك)
و يستفيض "طاغور" ليكتب أنشودة تفيض رقةً وعذوبةً وشجناً مؤثراً فى العقل والوجدان عن ألم الفراق وحضور الموت فجأةً لاستلاب أرواح الأحبة .....
(هو ألم الفراق ينبسط فى كل أرجاء الكون ويولد فى السماء الرحيبة أشكالاً عديدة إن حزن الفراق يحدق فى صمت طوال الليل وينتقل ببصره من نجمة إلى أخرى ثم يصبح أغنية بين حفيف الأوراق هذا الشقاء الذى يعزو كل شىء ينصهر فى مشاعر حب ورغبات وأفراح وأتراح فى مسكن البشر )
منسجماً مع نفسه و مع إيمانه بتوأمية الموت و الحياة ، يتواصل طاغور مع حقائق الوجود ويضحك ويهمس فى صدق وجلال وصراحة بالغة ويقين مؤكد ......
(إن الزمن لقصير فلتأت إذا ياليالىّ الممطرة بخطوات سريعة صغيرة ولتضحك ياخريفى الذهبى ولتأت يانيسان الخالى البال يا أحبائى إنكم تعلمون أننا فانون) | *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | مع هوجو كن أول من يقيّم
وأعيش مع العظيم فيكتور هوجو (1802_1885م)فى ديوانه الأخير( التأملات) وفى قصيدته الإيمانية ( ما الموت؟ أو(هذا هو الموت) أُقدم بعضاً منها:
(لاتقولوا نموت ،قولوا نولد ترى ما أراه .......وماترونه نحن الرجل الخاطىء ..هو أنت ،وهو أنتم ننغمس فى الملذات فى الزوابع فى الاحتفالات نحاول أن نتناسى الباطن،النهاية والصخور بالمساواة المظلمة للشر والتابوت التى تساوى الأصغر بالأغنى .
إنهم نفس الدمعة وسيصبحون نفس العين نحيا مضيعين أيامنا فى الإمتلاء غرورا نسير ،نهرع ،نحلم،نعانى ،نتمنى فنسقط نصعد فما هذا الفجر ؟؟إنه القبر أين أنا وسط الموت ،آه! ريح مجهولة تلقى بنا عند عتبة السماوات نرتجف ،نرى أنفسنا عراة ملوثين مستبعدين معقدين بألف عقدة حزينة من أخطائنا من عارنا المظلم. فجأة نسمع هاتفا يأتى من الأبدية ونجد أنفسنا مباركين بالحب دون أن نرى اليد التى تسقطه على أرواحنا المدنسة نعود بشرا.... ونحيا ومن النشوة من الأفق نمتلىء ) هذا الإيمان الذى تمتلىء به نفس الشاعر، وتحليقه فى سماوات العلا ،مؤمناً شديد الإيمان بأخطائه، معترفاً بها ،ذاكراً إياها ،لكنه آملُ فى الخلاص وأن الموت تتبعه حياة أكثر جمالا ،وأفضل سعادة ،وأرق ريحاً، وأعذب نشوة وأرقى إنتشاءً. إنها الفردوس والغد المأمول.وأن رحمة الله فوق كل شىء،هذه اليد الحانية التى تنشر فى قلوبنا الحب وتبارك أرواحنا باليقين والنشوة والحياة.
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | الأقدار كن أول من يقيّم
الشعر الفرنسى .... أحب قراءته بلغته أو مترجماً ،توقفت كثيراً عند الفريد دو فينى(1797_1863م)،هذا الشاعر/ المفكر والذى يعد وبلا منازع من أعظم شعراء الفرنسية وقصيدته ((( الأقدار))). أقدم سطوراً منها:
تقول بنات الأقدار:نحن _ يارب _الأقدار الباردة نحكم بين أصابعنا الأيام والسنين أن نسوق هذه القطعان الضعيفة المستسلمة من البشر ! الذين يعيشون لحظتهم والمحكوم عليهم بالموت_ إلى نهايتهم التى نحددها نحن لهم. وعم صمت كأن الأرض قد توقفت ثم ملأ الأعماق صوت منبعث من الأعالى: عودوا باسمى _أنا القدر_ أيتها الملكات فالانسان سيظل دائما سباحا تائها فى أمواج الزمان الذى يقاس ويمضى. ستلمسن جبهته يابنات الأقدار بينما ذراعه تتخبط فى المياه . باحثا عن مكانه مخمنا لنهايته ستزداد مقاومته معتقدا أنه سيدحر فى صراعه معكن _ذلك النزال الخاسر_ الذى أحفظ توازنه أنا فى الأعالى ومتى ينبع زفيره وقوته وإلى الأبد أحدد مصيره وفقا لقانون أبدى . أن يفعل ما أريد ليصل إلى حيث أعرف. هذه الأقدار المهيمنة والمسيطرة والتى يقف حيالها البشر مسلوبى الإرادة،لاحول لهم ولاقوة ،فهى القوة الساحقة والماحقة ،ورغماً عن ذلك فالاستسلام للقدر هو ما تؤكده أشعار دو فينى ،هذه اللمحة الإيمانية الصادقة أن بعد الموت حياة ،وأن الإله الخالد سيكلأنا برعايته ويشملنا بعطفه. فهو الذى يرسم لنا الخطى ويحدد لنا المصير.(أن يفعل ما أريد ليصل إلى حيث أعرف). | *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | الخوف من الموت كن أول من يقيّم
الفصـل الثالـث فلاح بوهيميا و محاكمة الموت هل هو الخوف من الموت يسيرنا أم هو فراق الأحبة نتركهم وراءنا أو يسبقون رحلينا ، ما يرعبنا حقاً ؟؟؟ لنتابع "أكرمان" في محاكمته للموت الذي سلبه رفيقة العمر و أنيسة الدرب. 15- أكرمان لاينمق حديثه سوى المذنب. وهكذا أنت فاعل. إنك تعودت أن تثبت لمن تنوى خدعتهم بأنك تجمع فى شخصك بين الحلاوة والمرارة, بين اللين والجمود, بين الطيبة والقسوة, وقد وضح ذلك فى حالتى. فمهما دبجت حديثك ونمقته, فأنا واثق تماما أن قسوتك الصارمة كتبت على الأسى وفقدان الشريفة الفاتنة كما أعلم علم اليقين أنه لم يؤت أحد من العالمين مثل مالله ولك من بطش وجبروت. ولكن الله لم يعذبنى مثل هذا العذاب: لأننى لو كنت خالفت الله_ الأمر الذى يحدث للأسف كثيرا_ لكان قد انتقم منى, أو لكانت الطاهرة قد ردتنى الى صوابى وهدتنى. اذن فأنت الآثم الجانى: لذلك أود أن أعرف من أنت, وماهى وظيفتك, وأين أنت, ومن أين تأتى (ماهو أصلك وفصلك). وماذا تفعل حتى استجمعت كل هذه السلطة الواسعة التى جعلتك تتحدانى وتؤذينى دون سابق انذار, وتتسبب فى خراب روضتى وهدم قوتى وتقويض دعائم قلعتى؟ أواه ياربى, ياعزاء كل القلوب الحزينة! هبنى العزاء والصبر وعوضنى ( فى مصيبتى), فأنا عبد بائس حزين, وحيد مسكين. اللهم أنزل بالموت الفظيع عذابك وانتقامك,واضرب اللهم عليه بالقيود, وامحه من الوجود , فهو لك ولنا جميعا العدو اللدود.... يارب ليس فى خلقك أفظع ولاأشنع, ولاأفضح وأبشع , ولاأظلم وأقذع من الموت. انه يعكر صفو عرشك فى الدنيا ويخربه,فهو يتوفى الصالح قبل الطالح, ولايترك غالبا فى الدنيا إلا كل مضر ومسن وسقيم ومالافائدة فيه. أما الصالحون والنافعون فهو يحصد أرواحهم. فاقض يا أعدل القضاة على هذا القاضى الذى لايقضى بالعدل.
16- الموت إن أحمق الناس هو من يسمى الشر خيرا, والخير شرا , وهذا هو شأنك. تتهمنا بالظلم وبذلك تجور علينا. وسوف نثبت لك ذلك...أنت تسأل عمن نكون, ونقول لك : نحن آلة الله , نحن صاحب السيادة الموت , أى المحشة ( الحاصدة) الفعالة, التى تمضى فى طريقها, فتحصد الأبيض والأسود, الأحمر والبنى, الأخضروالأزرق, الرمادى والأصفر, وكل الأنواع من زهور زينة وحشائش, بصرف النظر عن جمالها أو قوتها أو فضائلها ومميزاتها, فلا يشفع لزهرة البنفسج لونها الجميل ولاعبيرها الفواح ولارحيقها ذو المذاق الطيب. تنبه, هذه هى العدالة... لقد اعترف لنا بهذا الحق كل من الرومان والشعراء, لأنهم عرفونا أحسن من معرفتك لنا. أنت تسأل عن كنهنا وجوهرنا. والاجابة أننا لسنا بشىء ولكننا مع ذلك بشىء: لسنا بشىء لانه ليست لنا حياة, وليس لنا كيان أو هيكل, ولسنا روحا كما لانرى أو نلمس. ولكننا شىء, لأننا نهاية الحياة, نهاية الكينونة, بداية العدم والفناء, نحن أمر وسط بينهما. نحن حدث تخضع له رقاب الناس جميعا. كل مارد جبار أمامنا ينهار. نحن نقضى على كل كائن تدب فيه الحياة. نحن متهمون بذنب عظيم.
أنت تسأل عن مكان وجودنا, ونحن لايمكن تحديدنا (بزمان أو مكان), ورغم ذلك فقد عثر على صورة لنا مرسومة على حائط أحد المعابد فى روما, ونبدو فيها كرجل امتطى ظهر ثور معصوب العينين, أما الرجل فهو يقبض بيده اليمنى على مغرفة, ويمسك باليسرى جاروفا, وبهما يبارز من فوق الثور, بينما أخذ حشد كبير من مختلف طبقات الشعب يواجهه ويخانقه ويضربه, ومنهم من يحارب بآلته اليدويه, وتظهر بين الجموع راهبة تحمل كتاب الترانيم, كانوا جميعا يقذفون بأسلحتهم ومعداتهم فى وجه ذلك الرجل الذى يمثلنا وهو فوق الثور. ولكن الموت غالبهم وغلبهم وواراهم جميعا التراب. أما فيثاغورث فهو يقارننا بهيكل رجل له عينان بارزتان قاتلتان, تحملقان فى كل أركان الدنيا وتكيل الموت لكل كائن حى. أنت تسأل : من أين نأتى . نحن من جنة الله فى أرضه, خلقنا الله ونادانا بإسمنا الحقيقى حيث قال فى اليوم الذى تأكلون فيه من هذه الفاكهة فسوف يدهمكم الموت وتهلكون). لذلك فنحن نلقب أنفسنا دائما بالآتى نحن الموت, السيد المهيمن على الأرض والجو والبحر). أنت تسأل عن معنى وظيفتنا, وقد سمعت بعاليه أننا ننفع الدنيا بأكثر مما نضرها, وتشكرنا لما أصابك من خير على يدنا. | *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | أيها السيد الموت كن أول من يقيّم 17-أكرمان يحكى المسن قصصا جديدة, والمتعلم قصصا فريدة, أما من جاب بقاع الأرض, فلا يستطيع أحد أن يقارعه أو يعارضة. وربما قيل أنها قصص مكذوبة, لاعقاب على حاكيها, وذلك لجهل سامعها بها. فأذا كنت مسنا, فلا حرج عليك من التأليف والتحريف. ورغم أنك تدعى بأنك خلقت فى الجنة لتقبض أرواح الناس, بالعدل والقسطاس, فإن محشتك غير عادلة فى حصدها, فهى تطيح بالورود فى قسوة وجحود,بينما تترك الأشواك فى الوجود, محشتك تترك الضار من الأعشاب, أما النافع منها فتلحق به الدمار والخراب. أنت تدعى أنها تقضى بالعدل, فكيف يتأتى أنها تبقى على أشواك أكثر من الورود, وعلى أعشاب ضارة أكثر من النافعة, وعلى أشرار أكثر من الأخيار؟ أرنى أين المجتهدون المحترمون الأن, ممن كانوا فى غابر الأزمان؟ أعتقد أنك حصدتهم حصدا مثل محبوبتى, ولم يبق منهم جميعا سوى ذرات من رماد.أين ذهب أولئك الذين عاشوا على الأرض, وناجوا الرب, وطلبوا منه اللطف والشفقة والرحمة؟ أين أولئك الذين أتخذوا من الأرض مستقر لهم, وتعاملوا مع النجوم, وحددوا مسار الكواكب والأفلاك؟ أين ذهب الحكماء والخبراء والعادلون والصناديد الذين تحكى كتب التاريخ الكثير عنهم؟ _ لقد اغتلتهم جميعا وبينهم محبوبتى الرقيقة, بينما مازال التافهون الحقراء على قيد الحياة. من الجانى اذن؟ فلو واتتك الشجاعة لتقول الحقيقة_ أيها السيد الموت_ فسوف تعترف بأنك أنت وحدك الجانى. أنك تؤكد فى ادعائك, بأنك عادل فى قضائك, فلا تعفى أحدا, بل أن ضربات محشتك تسقط العباد واحدا تلو الأخر. ولقد رأيت بعينى كيف أن جحافل جيشين عظيمين , يربو عدد كل منهما على ثلاثة ألاف رجل, التحمت مع بعضها, واتخذت من المروج الخضراء ميدانا للقتال, ورأيت كيف خاضوا حتى الركب فى الدماء. وفى تلك الأثناء كنت تصول وتجول فى كل الأرجاء. فقتلت بعض رجال الجيش بينما أبقيت على البعض الآخر. لقد لاحظت أن أغلب القتلى من السادة وليس من العبيد. لقد انتقيتهم واحدا واحدا من بين الجموع, كما ينتقى المرء مانضج من حبات الكمثرى. فهل حصدت بالعدل؟ وهل هذا حكم فصل؟ وهل تعدل المحشة فى القتل؟. تعالوا يا أعزائى الأطفال .... تعالوا .... لنأتى جميعا راكبين من كل فج مهللين مادحين وللموت مكرمين معظمين, فهو يدعى أنه أعدل العادلين وكأن حكمه يمتاز عن حكم الله فى العدل والمساواة .
18- الموت
من لايفهم الأمور فهو يجهلها ولايستطيع التحدث عنها. وهذا ماحدث لنا. فلم نكن نعرف أنك رجل بارع الى هذا الحد. لقد عرفناك مدة طويلة ولكننا نسيناك. كنا حاضرين ساعة وهبتك الآلهة( سبيلا) أسباب الحكمة, وعندما سلمك سليمان مقاليد حكمته وهو على فراش الموت, وعندما منحك الله ماكان لموسى من سلطان على أرض الكنانة, وعندما أمسكت أسدا من رجليه ونفضته فى الحائط, لقد رأيناك تعد النجوم وتحصى رمال البحر وأسماكه وتقيس قطرات المطر. رأينا بكل شغف ذلك السباق الذى شاركت فيه مع الأرنب. ورأيناك فى بابل أمام الملك سلطان تقدم له الطعام والشراب بكل تفخيم وتعظيم. ورأيناك وفرحنا لك وغبطناك الشرف عندما كنت تحمل الراية وتتقدم موكب الملك الاسكندر, تلك الراية التى أخضع بها الدنيا تحت لوائه . وغمرتنا السعادة عندما رأيناك فى أكاديمية (أفلاطون) وفى أثينا مع فطاحل العلم وجهابذته, الذين أبدعوا الحديث عن الرب وأظهروا معلوماتهم الغزيرة, وأخذت أنت تناقشهم وتتفوق عليهم بحديثك الحكيم. وأنصتنا إليك معجبين, عندما كنت تعلم القيصر نيرون كيف يفعل الخير ويتحلى بالصبر. وقد عجبنا عندما نقلت القيصر يوليوس فى قارب من القش عبر البحر الهائج ورغم كل الزوابع. ورأيناك فى ورشتك تصنع زيا وجيها من قوس قزح, ازدان برسوم الملائكة والطيور والحيوانات وجميع أنواع الأسماك, ثم نسجت فيه صورة البومة والقرد. وقد ضحكنا كثيرا وامتدحناك, عندما تربعت فوق عجلة الحظ فى باريس , ورقصت فوق ظهر الثور, ومارست السحر وحبست الشياطين فى زجاجة عجيبة. وتحققنا تماما من حكمتك البالغة عندما دعاك الإله للمشورة بشأن خطيئة حواء. فلو كنا عرفناك من قبل حق المعرفة لاتبعناك, ولتركنا زوجتك وكل الناس يعيشون إلى الأبد. نعم, لو عرفناك سابقا لفعلنا كل ذلك من أجلك, لأنك حقا حمار ذكر حكيم.
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | تحمل السخرية كن أول من يقيّم 19- أكرمان
كتب على الناس أن يتحملوا السخرية وسوء المعاملة, إن أرادوا التوصل للحقيقة. وهذا هو مايدور معى الآن: فأنت تمتدحنى وتنسب الى المستحيل من الأمور, وأنت الذى تأتى بأعمال الفجور, وليس لك سوى القوة والعنفوان من دستور. لقد أسأت معاملتى وأهنتنى وجرحتنى. فإذا ماحدثتك عن ذلك, فإنك تسلط على لسانك , وتصب على غضبك وامتهانك. إن من يزرع الشر ويتكبر ويتعالى. ولايريد الخضوع والامتثال للجزاء, بل ويفعل كل شىء فى زهو وخيلاء فإن عليه أن يتنبه ويحترس حتى لايحصد العداوة ويجنى البغضاء. ولتعتبر بحالتى... فمهما طال امتهانك لى أو قصر, ومهما أسأت معاملتى وظلمتنى, فستجدنى صابرا, أتحمل ولاأنتقم, رغم أن لى حق الانتقام. أننى أريد اليوم أيضا أن أكون أفضل منك: فأذا كنت قد أرتكبت فى حقك إثما أو رميتك بما لايليق,فنبهنى إليه ودلنى عليه, فأنا على استعداد للتكفير عنه, أما اذا لم يكن ذلك كذلك. فعوضنى إذن عن خسارتى, أو دلنى على كيفية التخلص من حزنى وحسرتى..... حقا أن أحدا لم يصبه مثل ماأصابنى, ورغم ذلك كله فعليك أن تضع تأدبى وأعتدالى موضع الاعتبار: فأما أن تعوضنى عما ارتكبته فى حق حاميتى من الأحزان وفى حقى وحق أطفالى, وأما أن تذهب وتحتكم الى الله, فهو أعدل القضاة وخير حاكم عليك وعلى الناس أجمعين. كان باستطاعتك أن تستسمحنى, اننى أردت أن أترك لك أمر ذلك, فقد كنت واثقا من أنك ستهتدى بنفسك الى العدالة وتعوضنى عما فجعتنى فيه. فلتعد الى رشدك, وتحكم بالعقل, وإلا فلتصطدم المطرقة بالسندان, فالشر بالشر, والقسوة بالقسوة, وليكن مايكون. 20- الموت
تأسر الكلمات الطيبة نفوس الناس وتهدىء من روعهم, كما يؤدى بهم الفهم والادراك الى الاعتدال واللطف, ويصل بهم الصبر والتأنى الى مراتب المجد والشرف, والنفس الثأئرة لاتستطيع أن تدرك الحقيقة. فلو حدثتنا فى بادىء الأمر حديثا وديا, لكنا علمناك عن طيب خاطر, انه لايصح أن تشكو موت زوجتك أو تبكيها. ألم تسمع عن ذلك الحكيم الذى أراد أن يموت فى الحمام؟ ألم تقرأ مؤلفاته التى قال فيها انه لاينبغى لأحد أن يشكو موت أحد من الآنام؟ ان لم تكن تعرف ذلك, فقد حان الوقت لتعرفه: ان الانسان بمجرد أن يولد , فقد تجرع كأس الموت ( وكأنه ولد ليموت) فالنهاية شقيقة البداية, ومن خرج لابد وأن يعود , ولاينبغى لآحد أن يعترض على الأمر المحتوم والقضاء المكتوب. كما لايصح أن يعارض الفرد فيما كتب على الجماعة وقدر, ولابد أن يرد الانسان مااستعار. ان البشر جميعا ضيوف أغراب فى هذه الدنيا. وهم جميعا سائرون من الوجود الى العدم. فحياة البشر تجرى بخطى سريعة واسعة نحو النهاية. ومن يعش الأن, قد يمت مابين غمضة عين وانتباهتها. وبأختصار وايجاز: الموت مكتوب على جبين كل إنسان. فهو وراثة الخلف من السلف. فاذا كنت تبكى شباب زوجتك, فلست على حق, لأنه بمجرد أن يعيش الانسان (مدة), فقد أصبح عرضه للموت. ربما تظن أن الكبر(الشيخوخة) حرز أمين أو حصن حصين(ضد الموت). كلا, انه سقيم,ملىء بالمتاعب قبيح, قاس , تزدريه نفوس الناس جميعا. انه لافائدة فيه ولاطائل من ورائة. فالتفاح الناضج يتساقط وحده فى الأوحال, كما تسقط الكمثرى البالغة النضج فى الماء الآسن. واذا كنت تبكى جمالها , فهذا تصرف صبيانى: فالجمال سريع الزوال, تحطمه الشيخوخة ويفنية الموت. عندئذ تفقد الشفة الوردية لونها وتذبل, والخدود الحمراء تصبح شاحبة ممتقعة, وكل العيون المشرقة الساطعة لابد وأن تفقد نورها وتظلم. ألم تقرأ من تعاليم هيرميس الحكيم عن رجل أراد أن يحمى نفسه من خطر النساء الفاتنات, فأخذ يقول: من الصعب الاحتفاظ بما هو جميل , فالناس جميعا تشتهيه. لكن من السهل المحافظة على القبيح, فهو ينفر الناس. دعك من شكواك.... لاتبك على خسارة أو ضياع, فأنت لاتستطيع له أى إعادة أو إرجاع.
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 | | التغلب على الحزن كن أول من يقيّم
21- أكرمان
اسمع عن الحكماء قولهم: ( عاقل هو من يقبل الجزاء الوفاق دون عراك أو شقاق , ومن يقبل الخسارة العادلة دون مجاملة باطلة), وما أصابتنى به يمكن تحمله وقبوله, ولكن إذا كان لزاما على المجازى العادل أن يكون معلما ومرشدا, فأنصحنى وعلمنى كيف أتغلب على حزنى البالغ, وغمى الشديد, وحسرتى الزائدة عن الحدود, علمنى كيف أستأصلهم من القلب, وأطردهم من المزاج, وأمسح آثارهم من الحواس. فوالله لقد أصابنى الغم والأسى, عندما انتزعت كرامة بيتى ورمز الطهر والاخلاص فيه, انتزعت فى لمح البصر, ماتت, وأصبحت أرملا وأولادى يتامى بلا أم. أه أيها الموت, الدنيا كلها تشكو منك , وأنا أيضا, وقد يخف بلاؤك وشرك, اذا كان فيك جانب طيب وهو النصح والمساعدة والارشاد , فساعدنى ودلنى كيف أتخلص من ألمى وكمدى وأطردهما من القلب, علمنى كيف يستعيض أطفالى عن مثل أمهم الطاهرة, والا فسأبقى دائما كسيرا وهم حزانى. وعندئذ لايصح أن تؤاخذنى لاننى ألاحظ أن الحيوانات التى لاتعقل تحزن بالفطرة على فقد رفيقها. أنك مدين لى بالمساعدة والنصيحة والتعويض, لأنك تسببت فى ضررى وخسارتى. فلو لم يحدث ذلك,لكان تعجيزا وتحديا لانتقام القوى القاهر. لآبد على أى حال من القصاص والانتقام, حتى لو أدى الأمر الى استعمال البلطة والمجراف مرة أخرى ( وليكن بعد ذلك الطوفان)
22- الموت
تقوقىء الأوزة كما يحلو لها, مهما وعظها الانسان وهذا هو حالك.... لقد سبق أن شرحنا لك بأن الموت لايصح الطعن فيه. لنفرض أننا أحد محصلى الضرائب يدفع له الناس ضرائب عن حياتهم, فلماذا تعترض أنت وتعارض؟ الواقع هو أن من يريد خداعنا فأنما يخدع نفسه. تعقل الأمر, وتذكر جيدا: أن الحياة خلقت من أجل الممات, ولو لم توجد الحياة, لما كنا نحن (الموت) وماكانت لنا وظيفة وعندئذ تخلو الدنيا من النظام. فأما أنك فعلا شربت كأس الحزن حتى الثمالة, أو أن الجنون صفة من صفاتك, فإذا كنت مجنونا,. فأطلب من الله ينعم عليك بنعمة العقل. أما اذا كنت مليئا بالأحزان , ففض حزنك, وفرج من كربك, واعلم أن حياة البشر فى هذه الدنيا ماهى الا نسمة ريح فقط. أنت تطلب نصيحة تخلصك من آلامك وتبعد عنك أحزانك, وقد سبق أن علمك أرسطو بأن الفرح والحزن والخوف والأمل_ هذه العوامل الأربعة _ تجلب الهموم للدنيا بأسرها, وبالذات لآولئك الذين لايحترسون منها. الفرح والخوف لايدومان طويلا,بينما تطول فترة الألم والأمل. فمن لايطرد الأربعة من وجدانه, فهو يعيش طول حياته غارقا فى أحزانه. أن سنة الحياة الدنيا هى أن الأفراح تعقبها الأحزان, والحب يخلفه الألم والحرمان. فالفرح والألم حليفان متعاقبان. ونهاية أحدهما هى بداية الأخر. وليس مثل الألم والفرح الا كمثل إنسان رسم شيئا فى نفسه ولايريد أن يتنازل عنه, تماما كما هو الحال مع القناعة والطمع: فالقانع لايشعر بالفقر, والطماع لايشعر بالغنى, ذلك لأن الاكتفاء والعوز, أى القناعة والطمع, لاتتوقفان على مقدار الملكية ولاعلى غيرها من الأمور,ولكنهما شعور فى أعماق الصدور. فمن لايريد أن يمحو أثار الحب من أعماق فؤاده فعليه أن يتحمل مابه من ألام. عليك اذن أن تطرد من قلبك ومن فكرك ومن مزاجك كل مايذكرك بالحب, وعندئذ سوف تنمحى الأحزان, وتزول الألام. وبمجرد أن تفقد شيئا لاتستطيع استرجاعه, فعليك أن تتصرف كما لو لم تمتلكه أبدا. أنذاك تتركك الهموم وتذهب عنك الأحزان. فأن لم تفعل ذلك, فالهم الكثير فى انتظارك: ذلك لآنة عن وفاة أى طفل, يصيب الحزن قلبك. وعند وفاتك, يصاب أولادك بالفجيعة. أى أن الحزن يصيبكم بمقدار كبير, عندما يودع أحدكما الأخر الوداع الأخير. أنت تريد أن تعوضهم عن أمهم , أنك لو أستطعت أن تسترد ماسلف من أعوام, وتحكى ماوقع من حديث وكلام, وتستعيد للاناث بكارتهن, فأنك قد تعيد لأطفالك أمهم ثانية. وقد نصحتك الآن بما فيه الكفاية, فهل يمكنك فهم ذلك_ يابطىء الفهم وقليل الدراية؟.
| *عبدالرؤوف النويهى | 20 - يناير - 2010 |
|