البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العالمي

 موضوع النقاش : ت.س.إليوت والإنقسام الثقافى    قيّم
التقييم :
( من قبل 2 أعضاء )

رأي الوراق :

 عبدالرؤوف النويهى 
19 - يناير - 2010
لم أكن بالذى يبخس قيمة الأدب العربى فى شتى عصوره المختلفة .
ولم أكن بالذى يسعى وراء الآداب العالمية، فراراً من الكتابات العربية .
بل كنت وسأظل أسعى سعياً حثيثاً ،متى كان القلب يسار الصدر ،للإطلاع على الآداب العالمية ،ولن يكل مسعاى ولن يتوقف.
 
الأدب الإنجليزى من الآداب التى أغترف منها منذ سنوات التكوين وتتجدد عبر مسيرة حياتى الفكرية ،فقراءة الأدب الإنجليزى متعة وأى متعة .
فشكسبير وملتون ووايلد ووردزورث وكبلنج وراسل وجون ستيوارت ميل وشو وإليوت ...والكثير والكثيرات ..لم أتوان يوماً عن القراءة والتحصيل لمؤلفاتهم فتوماس مور ويوتوبياها  لم تفارق مكتبتى ..فالبحث عن المدينة الفاضلة حلم يراودنى  ،شاباً وشيخاً عجوزاً،إنه حلم زاهِ مضيىء لم يخفت نوره أو يبهت فى قلبى رغم كرور السنين .
 
كان إليوت من طليعة الذين عرفتهم وقرأت لهم مترجمات عربية لأساتذة كبار .
اليوم أحاول الكتابة وأخربش بسطورى  فى ذاكرة عليلة ،علّها تعاضدنى فيما أسعى إليه ولايعتريها النسيان أو تنال منها عوامل التعرية العقلية .
 
فسأكتب عن إليوت ..ومدى تأثيره على الأدب العربى ..
أرجو العوم وأخشى الغرق.
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
الرجال الجوف    كن أول من يقيّم
 
ت.س.إليوت

اسمٌ كبير لناقد ومبدع ملأ الدنيا وشغل الناس فى القرن العشرين ..فتأثيره على الشعراء العرب أكبر من أن أحصره بكلمة .

عرفته، فى سنوات التكوين ، من خلال الترجمة الرائدة لقصيدته الشهيرة الأرض اليباب أو الخراب وقصيدته رماد الأربعاء وكتاباته عن الثقافة ومسرحياته المترجمة إلى العربية .

كان الدكتور لويس عوض من المترجمين لأعمال إليوت الشعرية ،ثم صلاح عبد الصبور لأعماله المسرحية ،وقام الدكتور ماهر شفيق فريد.. بالترجمة لأعماله النقدية .

كنت معجباً بقصيدته الأرض الخراب ..وحديثه عن الرجال الجوف والأرض الخراب وديوانه الشعرى الفارق "ديوان القطط".

ومن متابعتى لأعمال هذا الرائد العالمى ،سواء إتفقنا مع أعماله أو إختلفنا معها ، أحببت كتاباته وقرأت كل ماتيسر من ترجمات لأعماله .

ولحرصى الشديد على متابعة الدوريات العربية ،كانت مجلة نزوى العمانية من المجلات الرصينة التى أقرؤها .وفى أحد أعدادها .. وجدت هذه المقالة الجيدة ..
أقدمها عن هذا الرائد الكبير ...عساها تكون دافعاً للإطلال على الآداب العالمية.
*عبدالرؤوف النويهى
19 - يناير - 2010
العلاقة بين الحداثة والثقافة الجماهيرية    كن أول من يقيّم
 
ت.س. إليو ت
و
الانقسام الثقافي

النص:ديفيد تشينز
الترجمة:غازي مسعود(كاتب من الأردن)


أثناء سيرورة إعادة قراءة نقدية طويلة بدأت في مطالع الثمانينات، غدت العلاقة بين الحداثة والثقافة الجماهيرية مفهومة أكثر، فقد واجهت الاعتقاد السائد بأن الحداثة تعادي باطراد الثقافة الجماهيرية سلسلة من التحديات، منها- على سبيل المثال - ذلك التمييز الذي عينه اندرياس هويسن بين "الثقافة الرفيعة " و"الطليعة التاريخية "، ومن ثم ما ابرزه برنارد جند رون قائلا ان ذلك الانقسام: "فشل في رسم الخريطة الكاملة لفضاء الممارسة الحداثية ". فبالأضافة الى حداثة رفيعة معادية للثقافة الجماهيرية وطليعة متقبلة لها- وهذا امر واقع - يوجد افراد عديدون وجماعات عديدة لا يمكن تقليص موقفهم الى احد هذين التطرفين. ولكن، بالنسبة لجندرون كما بالنسبة لهويسن، تستمر الحداثة الرفيعة في تمثيل موقف: "يلتزم كليا بمثال لفن مستقل "(...) "لا ينخرط في السياسة " ومكرس " لاهداف جمالية ". ومثل هذا الترصيف لا يخرج على الاجماع النقدي.

والسؤال المطروح في هذه المقالة: هل يمكن تطبيق وجهة النظر هذه على ت.س.إليوت ام لا؟ من المؤكد وجود ميل ضئيل للتفاؤل في الاجابة عن هذا السؤال، فها هو هويسن يكتب: "اكد حداثيون من امثال ت.س. اليوت واورتيجا جاسيت، مرة بعد اخري، ان مهمتهم تنحصر في انقاذ طهارة الفن الرفيع من طغيان الثقافة الجماهيرية الحديثة عليها". وقامت إلن بيري بوصف اليوت وعزرا باوند بأنهما: «اكثر المعبرين عن الحداثة الامريكية ". وذلك « بفضل جهودهما للحفاظ على استقلا لية الفن المؤسساتي وكرا مته "، و« تحصين الحدود القائمة بين الفن الاصيل والثقافة الجماهيرية غير الاصيلة ". ولطالما تمت الاشارة - كما فعل جورج ستيد الى: «دوحمائية اليوت الحداثية المتصلة بالفن الناسك ". ومما يعتبر مركزيا في تاريخ القرن العشرين الادبي- او في الاقل كما هو ممثل الآن تصوير إليوت على انه بطل النضال الخاسر لحماية الفن الرفيع النقي المقدس من تلوث المستويات الثقافية الهابطة ".

يلخص هدفي من مقالتي هذه في اثبات لا امكانية وصف إليوت وصفا دقيقا باستخدام مثل ذاك المجاز التبسيطي. وانا معني هنا، أساسا، باليوت العشرينات وما ابكر منها، اما إليوت الاكبر سنا، فقد كان - الى حد ما- اكثر استعدادا للعب الدور الذي ذاع ذكره على اساسه: نصب انساني - دفن مطلق... فن رفيع، حينما كان الفن اكثر جدية ونخبوية " كما تقول سنثيا اوزك.

واليوت هو ذاك الشاعر الذي كللت صورته غلاف مجلة "اتلانتك منثلي " (شباط 1951)- وتظهر الصورة رجلا وسيما، انيق الهندام، جاد المظهر، يداه متشابكتان قدامه، وسماء منذرة تلوح خلفه، وتحوم صورته فوق او ديون كلاسيكي يبدو وكأنه مزار شخصي له. ولكن، حتى إليوت المتأخر هذا لم يكن ذاك المحافظ الثقافي الذي اعتبر ملائما للجو الاكاديمي الذي ساد الاربعينات والخمسينات - تلك الفترة التي دجنت فيها الحداثة الرفيعة ومعيرة - حسبما يقول كيفن دتمار- فاليوت الذي اصور. انا اكثر تعقيدا، وهو من وجهة نظر ما بعد حداثية طليعية، اكثر اثارة للاهتمام، انه شخص، رغم ازدواجيته، طور موقفا نظريا تقدميا عن العلاقة بين الثقافة الرفيعة والثقافة الجماهيرية، وحاول مرارا وتكرارا تحويل هذه النظرية الى فن.
*عبدالرؤوف النويهى
19 - يناير - 2010
الغوغاء المحترمة    كن أول من يقيّم
 
بفضل كتاب سيرة حياته، فاننا نعرف الآن أشياء اكثر عن إليوت الذي بدا غير منسجم في صورته المجملة التي حامت فوق الاوديون. وبعيدا عن المعلومات المتصلة بحياته الخاصة، نجد عديد الاء لة على انجذابه، طوال حياته، الى اشكال متنوعة من الثقافة "الهابطة ": المسلسلات الهزلية (كريزي كات، مت أند جف)، ولغة الشارع العامية، والميلودراما، والفودفيل، وقصص الصحف المثيرة (بخاصة منها قصص الجرائم) وموسيقي شارع برودوي وزقاق تن بان، والكوميديات الفاجرة لإرني لو تنجا. وتهزأ اهتمامات اليوت هذه بالمفهومات المسبقة التي تتول انه ازدرى الثقافة الشعبية المعاصرة. وهبها، يسب على اصحاب تلك المفهومات تسبقة ان اليوت كتب قصائد غير محتشمة تحمل عناوين من مثل:،«اغنية الى لويز المنتفخة » و" خراء» وانه كان يشرب كثيرا، ويشارك في مسابقات لحل الكلمات المتقاطعة، وشاهد أفلام "الاخوة ماركس" كلها، وارسل رسائل اعجاب الى جروشو. اذن، ولو افزنا بالاعتبار هذه النشاطات التي استهوت إليوت، فسيكون مفاجئا ان تلعب الثقافة الشعبية دورا سلبيا فيحياته.

وابدي إليوت حماسة دائبة لقصص التحري، فاهتم بآرثر كونان دويل وجورج سمنون وريموند شاندلر. وفي مقالة تحمل عنوان «ولكي كولتر ودكتر" كتبها منة 1927 يربط إليوت هذا الضرب من القصص- الذي كان كولتر احد من مؤسسيه المعترف بهم - بالميلودراما. واثناء هذا الربط يرسم خطوطا ما يرده مشكلة عصية تواجه الفن المعاصر، ويقترح ان يتطلع الكتاب «الجادون " الى الثقافة الشعبية ليستمدوا منها حلا. وحين يلحظ انصرام «عهد الميلودراما الذهبي" يصف الانفصال بين «الرفيع " و"الشعبي" بانه نوع من الستار الحديدي الذي رفع مؤخرا فقط ليفصل الفنون بعضها عن بعض، ويكتب: «يدرن اولئك الذين عاشوا قبل اختراع تعابير من مثل «القصص الهابط " و«قصص الاثارة " و"قصص التحري" ان الميلودراما معمرة، وان التماسها معمر لابد من ارضائه ". ولأن فجوة حفرت الآن، تطور القصص «الهابط" الذي نمدا باستمرار مستقلا عن اي نبض شعبي، الى أدب لا آثارة فيه، يكتب إليوت:

«لم يوجد في العصر الذهبي للقصص الميلودرامي مثل ذاك التمييز. كانت افضل الروايات مثيرة، اما التمييز بين هذا الضرب او ذاك من روايات اليوم «السايكولوجية " او بين هذا الضرب او ذاك من روايات اليوم «البوليسية"، فهو اكثر من التمييز آنذاك بين الضرب الذي تمثله رواية «مرتفعات وذرنج" او حتى رواية "طاحون على نهر فلوس »، وبين الضرب الذي تمثله رواية «لين الشرقية ".

ويتمثل الخطر الاساس من هذا الوضع في اتساع الفجوة التي يجلبها معه الادب الواعي بذاته حين يغدو منعزلا اقل اثارة، ويتنبأ إليوت «ان لم تحصل على الرضا مما يقدمه الناشرون أدبا، فسوف تقرأ ما نسميه «روايات مثيرة"، بأقل وأقل من التطاهر بالكتمان. واذا كان على هذا الانقسام الكبير ان ينقضي، فسيكون ضروريا: «اعادة تجميع العناصر التي تفككت في الرواية الحديثة ". ولدى اليوت، لا يمثل النزاع بين الثقافة الشعبية والثقافة الرفيعة اكثر من تفكك عميق للحساسية، او للترابط العام بين الفكر والشعور. وفي ظل هذه الظروف، أضحت الروايات الشعبية المثيرة اكثر اتقانا. بيد ان اليوت يتحدث الى الكتاب «الادباء" الذين يلومهم لأنهم غدوا الآن «اكثر وعيا بفنهم " فيقول: " نحن لا نستطيع نسيان المطلب الاول - غير الصعب - لأي شعر او نثر في ان يكون مثيرا«. فالأدب "في هذه الايام - اكثر من اية ايام أخرى" بليد، واذا أمسى بليدا فمصيره الفشل."

وتوضع مقالة «ولكي كولنز ودكنز" موقفا نقديا مهما اتخذه إليوت وأصر عليه - في الاقل طوال العشرينات. فقد حذر، وهو يبدي تشاؤما من الطبقة المثقفة، من ان المرء لا يستطيع ضمان بقاء الشعر والفنون الجميلة في مجتمع يجد ترفيهه في مكان آخر. اما رده على هذا الواقع فتمثل بالسعي الى اعادة تجميع عناصر الأدب التي تفوقت، وتحديدا بالدعوة الى شكل او ضرب جديد يكون فيه مثل ذاك الصلح ممكنا.

ففي قراءة له لشعر ماريان مور، كتبها سنة 1923، يجادل إليوت بأن الثقافة الشعبية والفنون الجميلة مشروع واحد في الجوهر، رغم ان التعابير التي يناقشانها تخلق انقسامات مزعجة. وفي هذه القراءة يخطى، إليوت مقدمة جلنوي وسكوت لكتاب مور «الزواج " لانها تقيم تمييزا مفتعلا غير مهم بين الفن «البروليتاري" والفن «الارستقراطي". ويحذر من ان هذا التمييز يؤدي الى «نتأئج خطيرة ". ويقول ان هذا التمييز يفقر الاول ويقتل الثاني، ومن ثم يهاجم ما اوحي به وسكوت من ان الثقافة الشعبية تحط من قدر الفن الرفيع، ويقول: على العكس من ذلك، يجب ان تجد الفنون كلها جذورها فيما هو شعبي كي تغدو ممالحة. ويجادل: «الفن الرفيع مصفاة للفن الشعبي وليس نقيضه". وبأشكال متنوعة، يعتبر مبدأ «التصفية " هذا مبدأ مركزيا في مفهوم الجمال عنده، فنداءاته لاعادة استكشاف أمس الفن البدائي نراها دائما مقترنة باصرار على وجوب ان يفعل الفنان الحديث اكثر من مجرد اعادة ابداع الاسلوب البدائي. وبالمثل يجب على أي دراما شعرية جديدة ان تنمو من الاشكال الشعبية والكوميديات الموسيقية، لا ان تظل مجرد تكرار لها. وينطبق هذا المفهوم على اللغة الشعرية: فعل الشاعر «تصفية بدائية القبيلة " بالاعتماد على التعابير الشعبية. ويمدح اليوت مور، لا لأنها تتملص من خليط المجتمع الامريكي اللغوي العامي، بل انها تخلق منه بيانا شعريا. فدارج مور «تصفية لهزل... ذاك الكلام الذي يميز اللغة الامريكية، ذاك الهزل غير السهل، الواعي بذاته، والمقدس الذي يلهم ليس رطانة المختبرات اللغوية فحسب، بل وعامية الاشرطة السينمائية الكوميدية، ويجادل اليوت بأن الفن المعاصر لا يستطيع رؤية نفسه وقد غدا مناقضا للثقافة الشعبية، فحري بالفنون الجميلة ان تتواصل الفنون الشعبية، وهكذا يؤكد على زيف التجزيء الذي تنفصل على اساسه الضر وب الادبية عن فروعها. وعلى سبيل المثال، يكتب إليوت: «ان الحدود بين الدراما والميلودراما غير واضحة ". و"ان التمييز بين الصحافة والادب مصيره الفشل، ومهمة الفنان ان ينتح ليس فنا نخبويا، او فنا غير موبوء، بل حري به ان يغير الاشكال الشعبية فنيا".

ويوفر اهتمام إليوت بالبدائي بعدا اضافيا لهذه الحاجة، ان فرضت عليه قراءاته في الانثروبولوجيا الاقتناع بأن الفن لم ينشأ لاسباب جمالية غرضها المتعة، فبالأصل لم تكن الفنون مستقلة وطيفيا او منفصلة بعضها عن بعض، ولم يكن بالامكان فصل الشعر والسرد عن الموسيقى والرقص، عن الطقوس والدين، عن الجسدي والجنسي، فلم يكن الفن خاصا بل عاما، وكان نشاطا جماعيا شاركت فيه القبيلة كلها، والادب، كما ورثته الحضارة، اثر من آثار هذه الثقافة التابعة المدمجة. وهكذا تتعاشق دروس الانثروبولوجيا معا.

عند أية نقطة اصبحت محاولة تصميم موضوع من اجل الجمال وابداعه محاولة واعية ؟ وعند أية نقطة في الحضارة ظهر التمييز الواعي بضرورة التفريق بين ما هو غرض عملي او سحري، وما هو غرض جمالي ؟ من المؤكد ان مثل هذه النقلة لابد لها وان تكون دلالة على تغير في العقل البشري له اهمية جوهرية. وهنا يبرز سؤال لابد وان نسأله:. أيمكن للفنان، هذا المبدع لموضوعات جمالية ادبية، ان يستمر الى ما لا نهاية دون اغراضه البدائية، او بعبارة أخرى: أيمكن للموضوع الجمالي ان يكون موضوعا لافتا مباشرة ؟

والمعنى هنا، كما رأيناه في «ولكي كولنز ودكنز"، هو: من المستبعد ان يدوم الفن في اشكاله الواهنة وفي وظائفه المنوطة به الآن، وافضل مثال على ذلك هو الموضوع الذي رفع الى مقام الايقونة الجمالية.

وترتبط علاقة إليوت بالثقافة الشعبية ارتباطا وثيقا بالسياسة الطبقية، وبخاصة بالتناقض الحداثي مع الطبقة الوسطى، وتتذمر مقالته التي كتبها سنة 1922 المعنونة «رسالة لندن " من ان «الغوغاء المحترمة "، غوغاء الطبقة الوسطى المهذبة، قد استولت على الثقافة الرفيعة وحولتها الى قطعة متحفية تنفر «من المغامرة والتجريب ". وفي حرب اليوت على هذا الاستيلاء السافر يعتبر فنون الطبقة الدنيا خير حليف. وفي نهاية المقالة يجد إليوت منقذا في الشعر الانجليزي والشعر الامريكي الذي يسمعه في قاعات الموسيقى. وتظهر الاستراتيجية نفسها في مقالة «مريام مور"، اذ يصف إليوت «الفن البروليتاري والفن الارستقراطي" بأنهما حليفان، و«فن الطبقة الوسطى" بانه ظاهرة منفصلة تسود بوساطة "افكار خادعة وعواطف مزيفة، وحتى بوساطة شاعر مخادع ". ولا تتلخص المشكلة من وجهة نظر إليوت في كيفية تعزيز الفن، بل في كيفية سحب الفن بعيدا عن «الغوغاء المحترمة " لتوحيده مرة أخرى مع «الشعب ".

وخلال العشرينات كانت قاعة الموسيقى موقع إليوت الرئسيي الذي وجد فيه صلته بالثقافة الشعبية، ففي هارفور حضر باستمرار حفلات الفودفيل. وكان يصحبه اليها دائما كونراد اكتر، وفي لندن واظب مع وندام لويس على مظاهرة قاعات الموسيقى. وتمتع إليوت بالاغاني الشعبية التي كان يسمعها في قاعات الموسيقى، وظل يملك ذاكرة رحبة لما سمعه منها، وأعاد تمثيل بعض الادوار الكوميدية التي شاهدها في تلك القاعات امام اصدقائه، وتشير مقالته الى العروض المفضلة لديه، وهي عروض: تيلور والاس، جورج جريفز، لوينو لين، روبرت هيل، لتل تك، ايرني لوتنجا، وجورج روبي- وهذه قائمة تشمل تنوعا واسعا من الاساليب. ويعتبر تكريم إليوت للكوميدية الراحلة ماري لويد الذي كتبه سنة 1922 من اكثر عتالاته اثارة للمشاعر وكشفا للشخصي في ذاته، اذ وصف لويد بأنها «أعظم فناني قاعات الموسيقى في عصرها في بريطانيا"، وينسب اليها شرف تمثيل "ذاك الجزء من الامة البريطانية الذي تمتع بأكثر ما يمكن من الحيوية والاثارة ". ويقول ان فوادتها كامنة في «قدرتها على التعبير عن روح الشعب » و«اضفاء السعادة عليه"، أما «تعاطفها» مع الجماهير فيمنحها منه كل التناء، وفي هذا التكريم، كما في مقالة كتبها سنة 1921، عنوانها «الانسان البريطاني وروح الكوميديا ووظيفة النقد" يبدي إليوت تعاطفا مع جمهور الطبقة العاملة "المثالي ". ويبدو واضحا فيها ان انجذابه الى قاعات الموسيقى نابع من خبرته بأهمية الشعور المشترك الذي يشعر به المشاهدون طوال مدة العرض، فقاعة الموسيقى موقع فريد تقوم فيه المشاعر الجماعية بتهدئة اغترابه الحداثي.

ويتمثل العصر الاساسي لبنية قاعة الموسيقى عند اليوت بمشاركة الجمهور- وهذا تعارض صارخ مع سلبية الطبقة الوسطى تجاه "الفن "، في فـ"رجل الطبقة العاملة الذي يذهب الى قاعة الموسيقى ويشارك الكورس، يكون هو نفسه مؤديا لجزء من المشهد". ويوضح اليوت الامر فيقول: «كان ذاك الرجل متعاونا مع الفنان، وذاك امر ضروري لكل فن، وبخاصة للفن الدرامي". ويقبع خلف مثل هذه الاقوال التي يطلقها اليوت نموذجه عن المجتمع البدائي الذي كان فيه الفن نشاطا عاما مشتركا، وهكذا، تصبح قاعة الموسيقى «مكانا لطقس انجليزي قبلي ".

ويعتقد اليوت ان المشاركة في مثل ذاك الطقس تولد تضامنا جماعيا في المجتمع القبلي،. وحسبما يقول دور كهايم: يسمح الطقس عند اليوت "لاعضاء القبيلة بمشاطرة بيئة طبيعية واحدة يستثنى منها الآخرون ". ويظهر هذا الاستثناء جانبا أخر مهما محيرا في تفكير اليوت. اذ اوضح ديفيد سيسبير- على سبيل المثال. ان انموذج «التكافل القبلي البدائي الرفيع " هذا، يتضمن لا سامية تم التعبير عنها في اعمال من مثل: «في اثر الآلهة الغرباء"، وبالمثل يتضمن عناصر عنصرية جنسوية تقوي الطقس القبلي، وتسمر للانا بنفي الآخر. ويمثل هذا النفي للآخر الجانب المظلم من مثال اليوت. وهو مثال يتحدث عن جماعة عضوية يتحقق وجودها بالممارسة الطقسية الجماعية.

ومما يوضح اضفاء إليوت قيمة كبيرة للمشاركة الجماعية، ارتيابه من وسائل الاعلام الجديدة، مثل الحاكي والسينما التي يتم تلقيها سلبيا بشكل فردي لا جماعي. ومن وجهة نظره، تمثل السينما بخاصة، خطرا على التحالف الثقافي الذي يسعى الى تشكيله، فهو يعلن: «ان موت لويد حدث مهم في التاريخ الانجليزي" يمثل بداية رمزية لنهاية ثقافة الطبقة الدنيا المستقلة التي يريد توحيدها بالفن الرفيع. يقول إليوت:

«ما زالت الطبقة الدنيا باقية، لكنها قد لا تظل موجودة لفترة طويلة، فمع انحطاط قاعات الموسيقى، ومع تعدي السينما عليها، تميل الطبقات الدنيا الى السقوط الى نفس الحالة البروتوبلازمية التي سقطت اليها البورجوازية ".

ولانهم مشاهدون سلبيون «سيقوم المتلقون بعملية الاستقبال دون ان يمنحوا الفن شيئا، وبلامبالاة هي لا مبالاة الطبقتين الوسطى والعليا اللتين لا تعتبران الترفيه من الفن ". وهكذا يكون قصد اليوت من اعادة جمع العناصر الثقافية المتفرقة، ليس انقاذ الثقافة الرفيعة التي تتعرض للخطر فحسب، بل وانقاذ اشكال محددة من الثقافة الشعبية.

وظلت قاعة الموسيقى مهمة لإليوت في اوائل الثلاثينات حينما اعرب عن رغبته في ان «يكون كل شاعر... قادرا على التفكير بان له فائدة اجتماعية ما". ويقول: ان الشاعر يصبو الى «الرضا" عن نفسه، "حينما يرى له دورا مهما في المجتمع يوازي اهمية الممثل في قاعة الموسيقى «:فهو يود ان يكون مرفها بشكل ما". ومنذ بداية عمله، حلم اليوت بلعب هذا الدور الذي تتآلف فيه موهبته بالواقع الاجتماعي في «يستحق التقدير"، وفي هذا الاطار آمل بدراما شعرية. وفي مقالات من مثل: «البلاغة والدراما الشعرية " و«امكانية وجود دراما شعرية "، راعى هذا الضرب قبل اعوام من تطوير هذه الافكار، وعاد الى القيمة نفسها في فترات متقطعة من حياته (راجع مقالاته الآتية:"حوار حول الدراما الشعرية " و«الشعر والدراما" و«وضرورة الدراما الشعرية "). وتنبأ إليوت باستمرار، بأن عبقريته الشعرية ستتجاوز ما صرفت نفسها فيه، وتوقع ان يحول انتباها كليا الى الدراما، وأعد نفسه لذلك التحول مرارا وتكرارا، وحينما لقت «حفل الكوكتيل " نجاحا شعبيا سنة 1949 وسنة 1950 اعتبر نجاحها نصر حياته.

وفي ضوء الموقف الجمالي الذي اقتبسته من مقالات إليوت يغدو مصدر سهولة تعابيره الشعرية واضحا. فلكي يحقق المرء مصالحة مع الثقافة الشعبية في المجتمع الغربي المعاصر، عليه جعل تعابير» عامة وفنه شعبيا. اما قاعة الموسيقى التي تصبح شاعرية (او «مصفاة ") فهي افق اكثر احتمالا، بخاصة ان استطاع المستمعون فيها الانسجام معها:

«اؤمن بأن من الطبيعي ان يفضل الشاعر الكتابة الى جمهور اوسع متنوع بقدر ما يستطيع، كما اؤمن بأن من يعترض طريقا الى هذا الهدف هو نصف المثقف او سييء الثقافة، وليس غير المثقف: فأنا شخصيا افضل مستمعا لا يستطيع القراءة او الكتابة ".

ورغم ذاك، لن يلقى هذا الضرب الذي ارتآه اليوت قبولا من مستمعي الطبقة العاملة الاصليين فحسب، بل ومن كل «شرائح الذوق العام، وهي شرائح تعبر، ربما، عن تفكك المجتمع ". ان الدراما الشعرية المتجذرة في قاعة الموسيقى يمكنها- في الاقل - البدء بلأم الجرح الذي اصاب الحساسية المعاصرة المفككة.
*عبدالرؤوف النويهى
19 - يناير - 2010
الأرض اليباب    كن أول من يقيّم
 
قد تبدو علاقة اليوت النظرية بالثقافة الشعبية مناقضة لممارسته الفنية. ويبدو ان دفاع الغموض الحداثي عن «الشعراء الميتافيزيقيين " اخذ بالاعتبار المرأيا الاخاذة لشعرية اليوت نفسه، اكثر مما اخذ بالحجة القائلة بوجوب اعادة دمج الثقافة الرفيعة بالفنون الشعبية.

ورغم ذاك، فانني لا اؤمن ان بالامكان تفسير عمل اليوت من خلال المبدأ الاول دون الثاني، اذ يكشف تفحص شعره الحضور الدائم للثقافة الشعبية في سيرورة ابداعه. لكنه تحول، بعد العشرينات، ليكتب الدراما طريقا لجسر الهوة في الانقسام الثقافي. وعند هذه النقطة، كاد اليوت ان يتخل عن كتابة الشعر للسبب نفسه الذي ورد في مقالة «فائدة الشعر وفائدة النقد".. فالشعر وسيط غير كاف للاتصال العام و«لا يمكن لاي شاعر امين ان يطمئن الى القيمة الدائمة لما يكتب ". ولاحظ اليوت: «قد يكون ذاك الشاعر اضاع حياته وخربطها لا لشي ء".

وبعد سنة 1927، غدا هدف اليوت من اعادة التكامل الثقافي غير منفصل عن هدفه من اعادة التكامل بين الكنيسة والحياة البريطانية، وعلى سبيل المثال، يمزج اليوت في «الصخرة " عناصر قاعة الموسيقى بتعظيمه للتاريخ الديني. وتمتاز «الصخرة " بأن ثلاثا من شخصياتها الرئيسية هم من عمال الطوب في "كوفني" افتر احياء لندن. وفورمان هؤلاء الثلاثة رجل يدعى بيرل، وهو ذكي علم نفسه بنفسه، اما الآخران، الفرد وادوين، فيجيدان الاستماع، ومستعدان للتعلم، ويشير عنصر هذه المسرحية الكوميدي الى قاعة الموسيقى مباشرة: فعلى سبيل المثال، يوضح الفرد كيف ان مهرج المحكمة «رجل على بركته، يقوم بدور المضحك ". يجيب ادوين: تماما، مثل جورج روبي". ويهجو اليوت ذوي القمصان السوداء الفاشيين لانهم: «ادخلوا مجموعة منهم في التشكيلات العسكرية " ولانهم يطنون وهم يتسكعون (بشعر يعتمد تفعيلة الدكتيل):

"أتينا هبة وبركة

رغم اننا نفضل الظهورفي البرت.

جئنا بطرق جديدة الى بلاد الاحرار هذه،

فنحن نجعل الاصم يسمع والاعمى يبصر،

ونحن من يحافظ على القانون

ويشرع قانونه الخاص،

نرحب بالدين يريدون الالتحاق بالقضية

وبمن يجمعون الصفائح",

وعندما تقترب المسرحية من نهايتها، يغني بيرت اغنية ثنائية مع زوجه. وتعتبر «الصخرة " عينة من الفن الجماهيري الذي امل اليوت بانتاجه، ورغم ذاك، وبعد ان كتب «الصخرة " في مطلع سنة4 193، و«جريمة في الكاتدرائية " خلال الاثني عشر شهرا اللاحقة، كان مشروعه الاساسي (القصيدة التي كتبها خلال خمسة اعو ام) هو قصيدة «بيروت نورتون " التي بالكاد يمكن القول انها موجهة الى «متلقين مخلفين كثيرين ". ومن ثم تعاملت المسرحيات مع الفن الجماعي او الطقسي: فالقصائد المتأخرة " صعبة «بقدر ما يتطلب العصر الذي تتحدث عنه ذلك.

اضافة الى ذلك، ففيما يعتبره اليوت اول حركة رئيس لشعره- الفترة التي تنتهي بقصيدة «الخاوون " وتحوله الى الانجيلية - كانت الثقافة الشعبية مهمة باعتبارها موضوعا ولانها مؤثرة. وعكس البديهي السائد، وجدت في نقد اليوت لهذه المرحلة ان شعره المبكر يعكس ازدواجية عميقة. ففي صراع دائب مع اليوت الذي انجذب الى اشكال شعبية عديدة نجد التقليدي شديد الحماسة لتقليديته الذي ألفه القراء، وليس هذا التقليدي الا إليوت الذي توقع انتصار الساكسفون وتنبأ بمستقبل بربري وغنى اغنية شعبية فاجرة امام احد اصدقائه، لينكر لاحقا انه سمع بها. ولكن إليوت النخبوي هذا هو وحده الذي كان باستطاعته كتابة شعر اليوت الذي ما كان ليصدر الا نتيجة صراع يعتمل في داخله.

ففي «صورة سيدة "- على سبيل المثال - يعبر هذا الصراع عن نفسه في اغتراب المتحدث عن أنواع الثقافة كلها. ويختفي خلف المواجهة بين الراوي والسيدة صراع بين ثقافة رفيعة متهاوية وبديل حديث غير مقنع. وفي هذا الاطار، تشكل الموسيقى ارضية المعركة التي تجري فوقها المناوشة. وفي بداية المعركة نجد السيدة الجيمسية والسيد المتأنق جدا وقد عادا لتوهما من تدريب على موسيقى شوبان الذي تعلق عليه السيدة بكليشيه سائدة ويعلق عليه السيد ساخرا (فليس عازف البيانو الا "آخر بولندي" في سلسلة طويلة من العازفين السلاف حاسري الرؤوس) وبالمثل تتجسد رومانسية السيدة البالية بعبارات موسيقية:

"وهكذا ينساب الحديث

بين رق ورق

فيعبر بدقة عن أسف

يتخلل ألحان الكمان

ويمتزج بصوت بوق بعيد

ويبدأ..."

وليست هذه الموسيقى "الواهنة " الا تعتبرا عن ثقافة بائدة في عالم تلك السيدة.

ويسأل الراوي اذا كان شوبان عالمها، فما عالمه؟واذا كانت الثقافة الرفيعة القديمة غير كافية،فهل في الثقافة الحديثة كفاية؟ لا تجد القصيدة جوابا واحدا عن هذين السؤالين،لكنها تقترح اجوبة جزئية عديدة لهما:

" بين تموجات الكمان

وانغام البوق المحطمة

تبدأ في دماغي دقات بلهاء

تشبح عبثا مقدمتها

بمجرد نزوة لحن مفرد رتيب

او - في الاقل - بملاحظة خاطئة أكيدة".

إذن،فالحديث يشمل،من بين أشياء أخرى البدائي - دقات قادرة على ازعاج عالم السيدة المنظم بكل تفاصيله الى حد الهوس.لكن البدائي يلعب عنا دورا مدمرا فقط.وبيدو أن هذه البدائي المزعج غير النفيد لا يمنح أسس العقب الحديث لثقافة السيدة المتفسخة،رغم ذاك،تتحدث عبارة في مقطع القصيدة الثاني عن هذه

المشكلة:

"ألحظ بخاصة

ان كونتيسة انجليزية خشبة المسرح،.

وان يونانيا يقتل اثناء رقصة بولندية

وأن مدينا لبنك قد اعترف".

ويتمتع الفن الحديث بثقافة جماهيرية تسنده، بما في ذاك تلك الثقافة التي يحبذها إليوت لتجزئة وقته، منة الاشرطة الكوميدية والدراما والملاكمة (في

«صفحة الرياضة " في الصحيفة) وقصص الجريمة المثيرة. ولكن، تظهر في الثقافة الجماهيرية الفجاجة والمادية والغرباء المزعجون. ويجد الراوي ان الصحافة المثيرة تلهي المرء إلى درجة أنه يقرؤها يوميا،. لكنه لا يشعر بالراحة في عالمها:

"أحتفظ برزانتي دئما

وأظل متماسكا

ألا اذا سمعت عازف البيانو

يردد في الشارع

تعبا ويشكل ميكانيكي

قرب الحديقة التي تفوح منها

رائحة احجار السفير الكريمة،

اغنية قديمة

لا تذكر الناس إلا بما

رغب الاخرون به ".

إذن يحرك لحن شعبي الراوي، في حين أن شوبان فشل في ذلك، وذكره بأنه

مهما تمتع بالكوميديات لن يكون واحدا من الجماهير. ويظل الراوي محبوسا بين عالمين الى نهاية القصيدة. فبينما تبقى السيدة مؤمنة بمعتقداتها وكليشاتها وحفلات شايها، يبقى الراوي الذي نجا منها في الظلمة. وهنا، نجد ان الثقافة الرفيعة المتدهورة والثقافة الجماهيرية الصاعدة تتنافران حتى الموت، بينما يظل إليوت او راويته، مغتربا عن كليهما.

وتمثل «الارض اليباب " حالا أكثر تعقيدا- جزئيا لان القصيدة التي كتبها

إليوت تختلف عن تلك التي نشرها الى حد كبير. فقد كان يمكن لـ«الارض اليباب " أن تكون نصا حداثيا للثقافة الشعبية لو أن عزرا باوند لم يحذف منها كل مرجعية للثقافة الشعبية. فعلما أن باوند، مثله مثل إليوت، هاجم بشدة «الفكرة الضارة القائلة بأن أي كتاب جيد لابد وان يكون بالضرورة كتابا مملا" الا انه لم يحمل الثقافة الشعبية المعاصرة على محمل الجد باعتبارها ترياقا محتملا يسعف الأدب من ملالته. وبكل بساطة، جعل تحرير باوند القصيدة باوندية: فقد هدم منها كل مستوى من مستويات دعواها الثقافية، بينما ترك فيها راسخا بعديها الاممي والتاريخي، معيدا سبكها لتكون اول هجوم مضاد رئيسي لموقف الثقافة الرفيعة الاخير. ومن المؤكد أن تعديلات باوند كلها قد حسنت القصيدة، ووافق إليوت على توصيات «الصانع الماهره" جميعها تقريبا، ورغم ذلك، ضاع جزء من نبض إليوت الاصلي في «الأرض اليباب " لأن علاقة باوند بالانقسام الثقافي تخلف عن علاقة إليوت به. ولو ان إليوت حسن من قصيدته في ضوء توصيات باوند بدلا من حذف العبارات التي أدانها لمنح عجلة الحداثة الأدبية دورة مختلفة.

يظهر مخطط «الأرض اليباب " إليوت وهو يؤسسها على اغنية شعبية أكثر مما يؤسسها على اسطورة جريل كما ظهرت في النهاية. ذلك ان المقطع الطويل الذي كان يحب أن تفتح به القصيدة أخذ بالاعتبار عدة ألحان شعبية مستقاة من التمثيليات الموسيقية، يقتطف إليوت من عرض موسيقي لجورج. ام. كوهان العبارة الآتية: "افتخر بكل نقطة دم ايرلندية تجري في عروقي / إذ لا يوجد شخص يستطيع قول أية كلمة ضدي"؟ ويشكل من اغنيتين شعبيتين تراثيتين المقطع الآتي «قابليني تحت ظل البطيحة او الكرمة/ يا إيقا، ايفا، أوفا"؛ ومن كبانولا جلايد يأخذ "ضايق، اهصر أحب، تودد / قل لي يا صبي ما تفعل ". ومن ثم تجر فورة ليلية الشخصيات الى بار اعتاد إليوت ارتياده بعد مشاهدة ميلودراما في مدينة بوسطن. وفي البار نسمع:

"جلسوا في البار بعد الاوبرا،

خلطوا الجن بالماء،

لعبوا لعبة الفلينة،

وغنى السيد في اغنية خادمة الطاحون".

تعقيبا على تقنية التشكيلة المتنوعة من المقتطفات المتعارضة المأخوذة من التراث هذه، يقترح مايكل نورث وجود علاقة مباشرة بينها وبين شكل «الأرض اليباب " نفسه. وقد يضيف المرء وجود علاقة مباشرة بين القصيدة ومزايد قاعة الموسيقى الانجليزية التي تحدثنا عنها سابقا. هذا ما بدا في مسودة «الارض اليباب "، وظلت الاشارات الى الأغاني الشعبية فيها مكسوفة بأوهام «العليم " التي سيطرت على القصيدة. وعلى سبيل المثال، وحسبما يقول جرجوري جي: لأن المقطع الافتتاحي الأصلي من القصيدة حذف، وضعها السطر الأول في اطار تقليد الشعر الانجليزي العظيم. لقد شكلت قصيدة طويلة تسمى «الأرض اليباب » وتبدأ بالسطر الآتي «نيسان أقسى الشهور" مجرى الأدب والنقد الادبي لسنوات لاحقة. ولا يستطيع المرء إلا تخيل أثر قصيدة تسمى "إنه يقلد الشرطة بأصوات مختلفة " وتبدأ بالسطر الآتي «في البداية احتسينا كأسين من المرطبات في بيت توم ".

وكما يحاجج جرجوري جي: يبرز هذا المقطع الافتتاحي ميل إليوت الى «تقليد اصوات الطبقة العاملة... الامر الذي يعني احتراما لحيرات الناس العاديين ومشاعرهم، لكن هذا الاحترام مفسد" بما يشبه القرف من الوجود المادي، من العالم الموضوعي الذي يعني الطبقات الدنيا. ويمكن ابداء الملاحظة نفسها عن «الراية الشكسبيرية " التي يقتبسها إليوت في «لعبة شطرنج". فالتلميح يشير هنا بسخرية الى الدرجة التي انحدرت الثقافة اليها بعد عصر شكسبير، ورغم ذلك، ومن منظور القارىء، يأتي ورود هذا التلميح وسط أكثر مقاطع «الارض اليباب " إيلاما، ليسعف القارىء. وفي «موعظة النار" كعب الاغنية الشعبية الاسترالية التي تفنيها السيدة بورتي دورا مشابها، بأنه حياة في مقطع مظلم عن الانحطاط الثقافي. وفي الاطار نفسه، يبدو عدم التوقير الساخر في الحديث عن «الراية الشكسبيرية " موازنا- في الاقل - لانعدام الثقافة. وطبعا، من المستحيل القول إن كان إليوت قد استمتع بالاغنية او اشمأز منها، لكنها ظلت معه تراوده عشرة أعوام الى ان اختفت من القصيدة.

ومرارا وتكرارا. تطفو الى سطح «الأرض اليباب " المسائل الطبقية التي شغلت بال إليوت وهو يخطط لمعالجة الانقسام الثقافي. وحسب ماري لويد، يشبه الملل المميت الذي سيتبع تحلل ثقافة الطبقة الدنيا الى «بروتوبلازما بورجوازية " حاكي طابعة يلازمها موضوعيا فيخدرها ميكانيكيا ويساعدها حتى في ممارستها للحب وفي أمور عاطفية ميكانيكية أخرى". لكن لوحة الطابعة ولوحة الحاكي العقيمتين تنحلان الى بعضهما بعضا في لحظة سكينة نادرة من لحظات القصيدة، وهي سكينة يزودنا بها، مرة أخرى، شكل من أشكال الثقافة الشعبية يجد فيه إليوت حيوية دائمة:

"مدينة يامدينة، أكاد أسمع أحيانا

جوار حانة في آخر شاع التيمز

انين ماندولين شجي

وجلبة وثرثرة من الداخل

حيث يهجع اسماوكون في الظهيرة..."

فمثل الاغنية الشعبية التي رأيناها تعزف على بيانو الشارع في «صورة سيدة "، يمكن اختبار مشهد زمالة الطبقة العاملة هذا عن بعد فقط، فالمتحدث لا يستطيع المشاركة في «الجلبة " و«الثرثرة »، ولكن يبدو أن الماندولين وبيانو الشارع يمثلان نوعين من الفن يحتفظان بتأثيرهما في عالم الطبقة الوسطى الذي يفقد فيه الفن قدرته على تحريك العطافة أكثر فأكثر.

وتتاخم الثيمات التي مازالت موجودة في النسخة المنشورة من «الأرض اليباب " نسخة المخطط الذي رسمه إليوت لها. وعلى سبيل المثال، تواصل أغنية «بنات التيمز" السير على نفس المسار الذي رسمه لـ«موعظة النار». فبعد ان يترك القراء السماكين والماندولين خلفهم، يدخلون عالما جافا تنسب فيه أول بنات التيمز الى البورجوازية بوضوح:

"هايبري أضحرتني، أطفال هايبري

لعبوا أسفل الاشجار في المنتزه المغبر.

كان أهلي متواضعين محافظين

كما لم يكن الاغنياء ولا الطبقة العاملة.

كان لأبي عمل صغير، في مكان ما من المدينة،

عمل صغير،عمل مقلق، يوفر لنا فقط،

منزلا في هايبري، وثلاثة أسابيع في بوجنر".

ويكرس مطلع «موعظة النار" غير المقصوص لفرسكا البورجوازية المتغطرسة، وهي مضيفة صالون وأديبة هاوية، يهاجمها إليوت بشدة في سلسلة طويلة من الكوبليهات الهجائية. في «عواطف فرسكا الزائفة، وشهيتها الحقيقية " رجع صدى لما تقوله مريان مور عن: «الافكار المرائية، والعواطف المرائية، وحتى الاحاسيس المرائية " التي تميز فن الطبقة الوسطى وباليهات الكان كان (رقصة نسائية) والسينمات. لكن الصوت الشعبي يحتل خشبة المسرح في السرد الطويل الذي محي من «الموت بالماء " المليء بصور بحارة أصليين، وهنا نلاحظ أن تعاطف إليوت مع البحارة البائسين يناقض ازدراءه لفرسكا، ومرة أخرى يأخذ الانقسام الثقافي الذي يدينه شكل الصراع الطبقي وفي «سويني أجونستي "، مشروع اليوت التالي لـ«الارض اليباب " نراه يبتعد، لأول مرة، عن الشعر وسيطا خاصا، ويحاول واعيا الوصول الى جمهور متلقين واسع، باستعمال أشكال عامية. فـ «سويني" التي تعتمد قاعة الموسيقى وموسيقى الجاز عناصر لها، تطمح بالوصول الى «شروط الطقس" باعتباره عملا ثقافيا شعبيا مصفى. فمن قاعة الموسيقى تستمد عناصرها الفودفيلية، واغانيها الساخرة، وحوارها السريع، وشخصياتها المزدوجة التي تقفز عادة الى قلب الحدث لتقدم نمرا موسيقية، وثرثراتها الايقاعية التي يقفز فيها سطر بشكل كوميدي بين كلام متحدثين، ويشبه المشهد الذي يضم كلبستين وكرمباكر ويعقب نهاية التمهيد روتين كوميدي يتواتر فيه التنابز بالالقاب المضحكة("Kip and Krup") والاعترافات المتبادلة (حيث يجيب كل رجل عن الأسئلة الموجهة الى الآخر) والاسفاف المتكرر («هل نحب لندن ؟ هل نحب لندن ؟ هل نحب لندن ؟ ما وأيل يا كب ؟"). بأخذ إليوت هذا الاسلوب من الكوميديا الفجة ليبني به حوارا خرافيا.

وحوار إليوت هنا طافح بالعامية التي يستورد معظمها من العبارات والكلمات الامريكية، فمن العبارات يأخذ ”"you said it and all rightومن الكلمات swell, slick, gotta,gona,joint, pinched, ومن التحريفات اللغوية العامية يستورد whal yiuo going to do" 'l seen that' and 'that don,t apply". وقد نشرت المقاطع التي شكلت في آخر الامر «سويني»، لأول مرة، في Critarion تحت عنوان Wanna go home,Bab ويعتبر العرض الغنائي الموسيقي- وهو شكل مسرحي محبوب ساد في انجلترا وامريكا منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر الى القرن العشرين - مكونا آخر من مكونات "سويني"، فمن العرض المسمى «الأسمر والثلج " يفترض أن إليوت أخذ دوري تامبو وبونز، ومن العرض المسمى «تحت شجرة البامبو" أخذ «اغنية الزنجي التي كتبها بالاشتراك مع جيمس ولدون جونسون. أما قصص الجريمة التي تمتع إليوت بقراءتها في صحف الاثارة فقد بعثت الى الحياة في حديث سويني الغريب عن «الرجل الذي أدخل الفتيات الى بيته ".

ولأن إليوت لم يناقش موسيقى الجاز في نقده مثلما فعل مع قصص التحري وكوميديا قاعة الموسيقى، نمات المعرفة بخبرته بالجاز محدودة جدا. لقد هاجر إليوت (من الولايات المتحدة الامريكية الى انجلترا) سنة 14 19- وهذا وقت مبكر جدا جعل الفرصة تفوته لمعايشة نشأة الجاز في امريكا، لكنه وقت متأخر جدا جعله يعرف الموسيقى الأمريكية بكل تفرعاتها باعتبارها جزءا من الثقافة الامريكية. فمدينة سانت لويس التي ولد فيها إليوت مدينة معترف بأنها موطن الموسيقى الأساس في العقد الاول من حياة اليوت. ولأنه داوم على حضور حفلات قاعات الموسيقى الانجليزية طوال العشرينيات، بل وما قبل ذلك، فلابد وأنه واكب الجاز وهي تتطور. وطوال هذه الفترة، وبخاصة منذ سنة 1919، فصاعدا قام الموسيقيون الامريكيون الافارقة الذين مارسوا الموسيقى على اسلوب نيو أورلينز (الولاية الأمريكية التي تقع فيها مدينة سانت لويس) بتقديم عروضهم في قاعات الموسيقى الانجليزية.

وعلما أن «سويني" تخلو من اي ذكر للجاز، الا ان عديد عناصر المسرحية العامية، السخرية، البدائية، الادوار التي تلعبها النساء المشبوهات، الجو الاحتفالي - تعني ان الجاز- باعتبارها ليس مجرد موسيقى فقط، بل ظاهرة ثقافية عامة - قدمت للمتلقي المعاصر. وتقنيا، ايضا تعيد المسرحية خلق عنصري السرعة والزخم اللذين اعتبرهما مستمعو العشرينات المزايد الابرز للجاز. ويخلق وزن المسرحية اربع نبرات ضمنية في كل سطر شعري، وحين أقول ضمنية اعني ان اية واحدة منها يمكن ان تستبدل بالاخري او بفترات صمت فاصلة، رغم الاحساس بها. وتنفصل هذه الايقاعات الهادئة عن بعضها بعضا بمقاطع لفظية ضعيفة. ويقوم الترقب الايقاعي القوي الأعوم بالتكرار والقافية بقصر كل نصف سطر شعري على ما هو- تقريبا- الفترة الزمنية الفاصلة نفسها:

"دستي: وماذا عن بريرا؟

دوريس: ماذا عن بريرا؟

الامر لا يعنيني.

دستي:لايعنيك!

فمن يدفع الايجار اذن؟

دوريس: نعم، انه يدفع الإيجار.

دستي: حسنا، بعض الرجال لا يدفعون، وبعضهم يدفعون

بعضهم لا يدفعون وانت تعرفينهم ".

ويشير النمط الذي تؤسسه الاسئلة الأولى عن بريرا- وهي في المقيتة السطور الاول من المسرحية - الى ان توقفا قصيرا يتبع كل شطر من الحوار التالي. («الامر لا يعنيني... لا يعنيك !"). كما يشير الى ان «نعم " دوريس تسبق النبر. وهكذا يخلق اسلوب اليوت الذي يعتمد النبرات المتصاعدة بقوة ومن ثم المقاطع الوسيطة الضعيفة، يخلق الزخم الذي يميز الجاز.

كثيرا ما ينظر الى عناصر «سويني" الشعبية على انها تعبير عن الرؤية العدمية التي تميز الحياة المعاصرة. ويقول المحاججون ان اليوت يستثمر الجاز وأشكالا ثقافية شعبية أخرى ليكشف خواءها فقط - بكلمات أخرى، ليكشف فراغ التحديث الثقافي الروحي. في ضوء تأرجح إليوت الذي طالما أشرت اليه، قد لا يجد المرء سببا ليشك في صلاحية ما يقوله المحاججون جزئيا. ورغم ذلك، يوجد رأي بديل لوجهة النظر هذه وان لم يخالفها كليا. ويلخص هذا الرأي البديل بالقول: قصد إليوت أن تكون "سويني" ترويحا بمضمون إليوتي، فعناصرها الشعبية ليست سوى وسيلة يتم بواسطتها نقل رؤية إليوت المروعة الى «متلقين كثر متنوعين ». فإليوت يستعمل هذه الاستراتيجية أيضا في مسرحياته اللاحقة، حيث تتجسد فيها أفكاره اللاهوتية على شكل ما يسمى بكوميديا المرسم. فعناصر «سويني" الشعبية، مثلها مثل عناصر «الأرض اليباب "، يتم التعامل معها بود واضح الى درجة لا يمكن معها القول ان إليوت كان يستثمرها ليسقطها.

على العكس من ذلك، تعني مقالات «الانجليزي الرومانسي " و«ماري لويد" و"ماريان مور» ومحاولة إليوت كتابة «مسرحية جاز"، أن «سويني" قد كتبت لتدشن مهمة اليوت العامة الجديدة. ففي شهر ايلول سنة1924 ، كما يقول أكرويد، أخبر إليوت أرنولد بينيت أنه "تخللا بكل تأكيد" عن الشعر غير الدرامي. ولكن اتحاد الكتاب - كما يبدو- اعتبر «سويني" خروجا عن الخط، مما أوقع إليوت في حال من التشاؤم قوية، ودعاه للعودة والتركيز على متوالية غنائية عرفت فيما بعد باسم «الخاوون ". وطبعا، من الصعب القول كيف كان «المتلقي الذي ´لا يكتب ولا يقرأ" سينظر الى «سويني" بأسلوبها ووجهة نظرها السلبية من العالم، لو أنها عرضت. لكن جهود إليوت للعثور على شكل فني جديد في الثقافة الشعبية كانت جهودا أصيلة حقيقية.

أكثر من ذلك،. لم تكن مساهمة الجاز البنيوية الأساس في «سويني" مساهمة شاذة: فمن الواضح ان إليوت ترك فيها أثرا نفذ الى شعره قبل مدة طويلة منها. وتوضح دفاتر إليوت المبكرة، غير المنشورة الى الآن، أهمية الثقافة الموسيقية الجماهيرية في تشكيل اسلوبه الشعري. وعلى سبيل المثال، يتذكر بطل "حاشية المهرج " الاليوتي بحماسة مغامراته في شارع برودوي من خلال معارضة شعرية لأغنية شعبية. ويجلس راوي عمل آخر عنوانه «الدخان الذي تجمع فصار أزرق ثم هوى" في كباريه باريسي، فيفتر فمه عن مقطع شعري فيه حكمة بالغة المعنى، وفي مقطع الراوي الثاني تنتقل القصيدة خلسة الى شكل من القصيد جديد لا يمكن تسميته الا شعر جاز سابق لزمانه، اذ تصور القصيدة رقص جاز وتمثيل جاز أوليين، وتقتطف قصيدة غنائية فعلية، وتتضمن عامية مناسبة، وما هو أكثر أهمية أنها تقلد الايقاعات السريعة المقوقعة كما ايقاعات الاغاني الشعبية القصيرة التي كانت سائدة في تلك الفترة. ومن ناحية اسلوبية، تقع هذه القصائد غير المنشورة في منتصف الطريق الى قصائد الجاز الغنائية:

"طبعا سياتي وقت أتساءل فيه

"أأجرؤ؟» "أأجرؤ؟"

وقت أستدير فيه وأهبط الدرج

ببقعة صلعاء وسط شعري"

"لابد لي من تحمل كل شكل متغير

كي أجد التعبير الملائم وأرقص... أرقص

مثل دب يرقص

وأزعق مثل ببغاء، أثرثر مثل قرد،

فدعنا نستنشق الهواء في عشية تبغ ".

ورغم أن هذه السطور ذات وزن خماسي التفعيلة، فما يجعلها فريدة - ما يمنحها مزية خاصة يدركها المرء لأليوتيتها- أن أوزانها غير كلاسيكية، وظلت موجودة حتى في «الأرض اليباب " وبعدها بأعوام في «أربعاء الرماد":

"نزهة العام الجديد تبعث السنين

عبر سجادة دمع صافية،

تبعث الايقاع القديم بالقصيد الجديد،

تستعيد الزمان،

تستعيد الرؤيا التي لم تفسر في حلم سام ".

ولقد تعلم إليوت أصواته الخاصة- ايقاعاته المميزة، طرق استعماله للايقاع، تناغم أسطره - من أصوات الموسيقى الشعبية او اكتشفها منها، وفي كل مرة نراه يطلق صوتا «مثل صوته " يكون يلمح الى الجاز.

وأخيرا أقول: إذا كانت الفكرة القائلة بضرورة وجود «مهمة " حداثية لـ«الحفاظ على استقلالية الفن المؤسساتي وكرامته " لا يمكن تطبيقها على إليوت، فمن العدل أن نسأل: الى أي مدى، بعامة، يضللنا مفهوم الحداثة المهيمن ! وأقول. ان لم يشاطر معاصرو إليوت استعداده لتجاوز الحد الثقافي الفاصل (بين الثقافتين الرفيعة والشعبية)، فان كتابا عديدين آخرين توافقوا مع إليوت بطريقة او بأخرى، ومن هؤلاء: بيتس، شتاين، جويس، وولف، وليامز، كوكتو، بريخت، وأودن، وأظن أن علاقة الحداثة بالثقافة الجماهيرية معقدة الى درجة لا يحسن معها الاكتفاء بالتعميم المبسط لفهمها. وهكذا، يبدو أن إعادة تقويم الحداثة كمفهوم عام أصبح أمرا ضروريا، هذا إذا كان لفهمنا للتحول الثقافي الذي عم القرن العشرين أن يتطور.

مجلة نزوى العدد 17
*عبدالرؤوف النويهى
19 - يناير - 2010
مقطع من الأرض الخراب    كن أول من يقيّم
 
إليوت له أثر وتأثير على الشعر العربى الحديث،وأبالغ فى القول أن قصيدة الأرض الخراب وقصيدة رماد الأربعاء ..كانتا لهما فعل السحر فى مسيرة القصيدة العربية .


وأحفظ بعض أبيات الأرض الخراب ، ترجمة الدكتور عبد الغفار مكاوى، وردت فى كتابه العمدة ..ثورة الشعر الحديث.. الجزء الثانى..


وأكاد أزعم أن صلاح عبدالصبور.. قد حام حواليها فى قصيدته زيارة إلى القبور .


يقول ،فى المقطع الأول :


نحن الرجال الجوف
عظامنا هشة
يسند بعضنا بعضاً
برؤوس محشوة بالقش .يا للضياع!
أصواتنا الأجشة حين نتهامس معاً
خافتة ،وبلامعنى
كالريح بين الأعشاب الجافة
أو أرجل الفئران فوق الزجاج المكسور
فى قبونا الكئيب.
خطوط بلاصورة ،ظل بلا لون
طاقة مشلولة ،يماءة بغير حركة
يامن عبرتمونا ،بعيون نافذة
إلى ممكلة الموت الأخرى
انكرونا ،إن فعلتم،
لاكذكركم الأرواح العارمة الضالة
ولكن اذكرونا كرجال جوف
ذوى عظام هشة .
*عبدالرؤوف النويهى
19 - يناير - 2010