البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علوم القرآن

 موضوع النقاش : سلام الله عليكم احبتي    كن أول من يقيّم
التقييم :

رأي الوراق :

 محبة 
19 - ديسمبر - 2009
السلام عليكم احبتي
 
 انا ارجو مساعدتكم في اسماء كتب تتحدث عن دلائل الوهية الله وتضحد الافكار العلمانيه
 
وتشرح بالمنطق العقلي والاسلامي قضية الايمان بالله  وتجيب عن تسائل من خلق الخالق افيدوني افادكم الله وللعلم فقط ذلك للرد
 
على تسائل استاذ علماني انا كمسلمه لم املك المعرفه الكافيه للرد عليه وجزاكم الله خيرا
 1  2  3  4 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
فواتح سورة الشمس    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
والنهار إذا جلاها
 بقلم: بسام جرار
جاء في فواتح سورة الشمس:" وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا، وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا...."، وقد استشكل البعض قوله تعالى:"والنهارِ إذا جلاها..."، لأنّ ظاهر الأمر أنّ الشمس هي التي تُجلّي النهار وليس العكس!!
واضح أنّ الضمير يرجع إلى الشمس، إلا أنّ ابن كثير اضطر إلى أن يُرجع الضمير إلى الأرض التي لم تُذكر في النص الكريم؛ يقول ابن كثير:" قلتُ: ولو أنّ هذا القائل تأوّل ذلك بمعنى وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا أي: البسيطة، لكان أولى، ولصح تأويله". ويحق لابن كثير، رحمه الله، أن يستشكل النص الكريم فيجد المخرج في إرجاع الضمير إلى غير مذكور. كيف لا، وظاهر الأمر يؤكد أنّ الشمس هي التي تُجلّي النهار؟.
والذي نراه أنْ لا إشكال، بل إنّ في الآية الكريمة إعجازاً علمياً، وبيان ذلك في الآتي:
يقول الطاهر بن عاشور في التحرير عند تفسيره للآية 25 من سورة البقرة:" والأنهار: جمع نهر بفتح الهاء وسكونها والفتح أفصح. والنهر: الأُخدود الجاري فيه الماء على الأرض، وهو مشتق من مادة نَهَر الدالة على الانشقاق والاتساع..".
 وأغلب ما عليه أهل التفسير أنّ معنى النهر يدور حول السّعة، على اعتبار أنّ النهر أوسع من الجدول. أما معنى الشق، فالذي نراه أنّه ليس من معاني النهر، إلا أن يكون الشق يقصد به إجراء النهر. أما النهر بمعنى السيلان والجريان فيبدو أنّه قد جاء تبَعاً ولم يكن أصلاً لمعنى النهر، وذلك لأنّ النهر يسيل ويجري بقوة وكثافة.
ويقول الألوسي في روح المعاني:" والتركيب للسعة، ولو معنويّة، كنَهَر السائل بناءً على أنه الزجر البليغ...". فالتوسع في الزجر هو نهر.
 ولنا هنا وجهة نظر تختلف، نقول:
جاء في سورة الضحى:" وأما السائل فلا تنهر"، وجاء في الآية 23 من سورة الإسراء:"... فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما..."، فالنهر هنا بمعنى الزجر، ويبدو أنّه هو الأصل في معنى النهر. وإذا كان الزجر هو المعنى الأصلي للنهر فلماذا سمي نهر الماء نهراً؟ نقول: بما أنّ ماء النهر يسير في أخدود ملتوٍ غير مستقيم فالماء يكون في حالة زجر مستمر من قبل جوانب الأخدود الملتوي. أما البحر فالماء فيه يمتد ويتسع ولا يجري جري النهر، ولا يُزجَر – يُنهَر- ماؤه. ولو كان النهر فيه معنى السعة لكان البحر أولى وأحق باسم النّهر. ولعل الماء القادم من المنابع والذي يَنهر الماء الذي أمامه من أسباب الاسم؟
أما النهار، فقد سمي نهاراً لاتساع ضوئه وانتشاره. هذا ما عليه أهل اللغة والتفسير. والذي نراه أنّ هناك احتمالاً أن يكون اسم النهار قد أخذ من النهر الذي هو الزجر. ولإيضاح مقصدنا هنا نقول: عندما يكون الشخص مسترسلاً في كلامه فتزجره فإنّما أنت تمنعه من الاستمرار في كلامه حتى لا ينتهي إلى مقصده. وإذا كان سائراً نحو مقصده فتزجره فإنما تقصد أن تصرفه عن مقصده، ولا تهدف إلى أن يرجع إلى المكان الذي قَدِم منه. فالنهر زجرٌ عن الاستمرار بقصد الردع عن الوصول إلى الهدف. ولو كان بقصد الرجوع إلى نقطة البداية لكان عكساً.
 من هنا ليس دقيقاً استخدام لفظة انعكاس عند الحديث عن انحراف الضوء، لأنّ الضوء لا يرجع إلى النقطة التي صدر منها، وإنما ينحرف عن طريقه المستقيمة نتيجة وجود جسم يحرفه، أي يزجره، أي ينهره.
عندما نخرج من الغلاف الجوي إلى الأرض نفاجأ بظلامٍ دامس على الرغم من وجود الشمس ومليارات النجوم؛ لأنّ الضوء يسير بخطوط مستقيمة ولا يتشتت عبر الانعكاس – أقصد النهر – لعدم وجود أجسام تنهر هذا الضوء الصادر من الشمس. ولكن عندما يدخل هذا الضوء الغلاف الجوي يتشتت نتيجة الانعكاس – أقصد النهر – فينتشر الضوء ويملأ الأفق ويكون النهار.
فالشمس لا يجليها ولا ينشر ضوءها إلا ما يعكس هذا الضوء ويشتته وينهره. فالنهار إذن هو الذي يُجلي ضوء الشمس.
ويشغب على هذا أنّ الناس عند نشأة اللغة لم يكونوا يعرفون هذه الحقيقة العلميّة، فكيف تسنى لهم أن يسمّوا النهار نهاراً؟ نقول: لسنا مع الذين يقولون بأنّ أصل اللغة  العربيّة هو توقيفي – أي وحياً -، ولسنا مع الذين يقولون بأنّ اللغة العربيّة هي اصطلاحيّة؛ بل نرى أنّ من اللغة ما هو توقيفي ومنها ما هو اصطلاحي، فاسم إبليس مثلاً موجود قبل وجود الإنسان كما ينص القرآن الكريم، وآدم عليه السلام عُلِّم أسماءً لم يسمّها هو، وتلقى من الله كلمات قالها فغفر له...الخ.
وعلى أية حال – وبعيداً عن كل ما قلناه - فهناك ليل وهناك نهار، والشمس موجودة في ليلِ وظلامِ السماء وموجودة في نهار الأرض، فلماذا لا يتجلّى ضوءها في ليل السماء ويتجلّى في نهار الأرض؟ ألا يصح أن نقول: فلنبحث عن سبب تجلّي ضوئها في مكونات النهار فقط، لأنّ ضوء الشمس موجود في ليل السماء أيضاً.
*د يحيى
23 - يناير - 2010
يونس عليه السلام    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
يونس، عليه السلام
فرضية قد تصبح حقيقة
 
بقلم: بسام جرار
جاء في الآيتين 87، 88، من سورة الأنبياء:" وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك نجي المؤمنين".
ذو النون هنا هو يونس، عليه السلام. وأكثر أهل العلم على أنّ النون هو الحوت، وتجمع على نينان. وقد ورد في سورة القلم:" فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ..." القلم: 48. ومعلوم أنّ الصاحب من المصاحبة، وقد حصل أنْ صاحب يونسُ، عليه السلام، الحوتَ فترة من الزمن، فلا إشكال. أمّا ذو ففيها ملازمة كملازمة الصفة للموصوف. والذي نرجحه هنا أنّ نون هو الحرف المعروف. ويلزم من هذا القول أن نبين لماذا سمي يونس، عليه السلام، بذي النون، ولماذا يسمى الحوت نوناً؟!
جاء في مختار الصحاح للرازي في مادة (بلس):"أبلس من رحمة الله أي يئس، ومنه سمي إبليس وكان اسمه عزازيل". وهذا فيما نراه خطأ بيّن؛ لأنّ القرآن الكريم ينص على أنّ اسمه إبليس قبل أن ييأس من الرحمة؛ انظر قوله تعالى:" إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين، قال يا إبليس مالك ألا تكون من الساجدين، قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال ..." الحجر 31-33. وكذلك الآيات 7578 من سورة ص، تنص على أنه خوطب بـ (إبليس) قبل أن يطرد من الرحمة. وعليه نقول: إن أبلس من إبليس، لا أن إبليس من أبلس. فبعد أن أصبح إبليس يائساً من الرحمة ووجدت البشرية ووجدت اللغة العربية، اشتق الناس من اسم إبليس الفعل. فالاشتقاق هنا إذن من الاسم. وما قلناه في (إبليس) نقوله في (نون)، فاسم (يونس) معناه كما سنرى (ذو النون وعليه فهناك احتمال أن يكون الحوت قد عُرف بـ (نون) بعد قصته مع ذي النون (يونس).
بالرجوع إلى الآية 88 من سورة الأنبياء نلاحظ أن كلمة (ننجي) كُتبت في المصحف (نجي) على الرغم من أنها تُقرأ فقط (نُنجي). فلماذا حذفت النون عندما كان الكلام عن ذي النون؟! ويصبح الأمر لافتاً بشدة عندما نعلم أنّ سورة القلم تفتتح بقوله تعالى:" ن والقلم وما يسطرون"، وقبل نهاية السورة يقول سبحانه:" فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم". فلماذا حذفت النون عندما وصف، عليه السلام، بذي النون؟! مع ملاحظة أنّ قصة يونس، عليه السلام، وردت أيضاً في سورة القلم التي تستهل بحرف النون، وملاحظة أنه، عليه السلام، لم يوصف فيها بذي النون، بل هو فيها صاحب الحوت.
يحتمل أن تكون هذه إشارة إلى أنّ النون هو الحرف وليس الحوت؛ ففي سورة الأنبياء حذفت النون التي هي حرف، وفي سورة القلم استهلت بنون الذي هو حرف، فالقَسَم كما هو واضح بالحرف والأداة والكتابة:"نون والقلم وما يسطرون".
إذا قرأت سفر يونا في العهد القديم باللغة العبرية تجد أنه يتحدث عن قصة النبي الذي التقمه الحوت وكان رسولاً إلى أهل نينوى. وهي القصة نفسها في التوراة المترجمة إلى العربية وتجدها في سفر يونان. أما في القرآن الكريم فهي قصة النبي يونس، عليه السلام. فهو إذن في اليهودية يونا، وفي النصرانية يونان، وفي الإسلام يونس.
اللافت أنّ الاسم (يونان) هو أيضاً اسم بلد أوروبي يقع على البحر المتوسط، وعندما بحثنا عن أصل التسمية وجدناها تتعلق بشخص له قدسية، بل رُفع عندهم إلى مرتبة الآلهة. ووجدنا أنّ البحر بالقرب من اليونان يسمى (يونيوس)، وهذه اللفظة قريبة جداً من لفظة (يونس)، وعندما نعلم أنّ السين في اللغة اليونانية هي علامة رفع للمذكر، مثل: أرسطوطالس، ببندريوس، كرملّس ... الخ ندرك أنّ هناك احتمالاً راجحاً أن يكون الاسم (يونا) هو في اليونانية (يوناس)، ومعلوم أنّ الألف قد تُخفف في اللفظ لتصبح (يونس).
وإذا عرفنا أنّ النون في اللغة اليونانية هي علامة نصب نُدرك أنّ (يونان) هي في الأصل (يونا) فإذا نُصب على النداء، مثلاً، يكون (يونان). وبما أنّ الأصل في العَلَم المذكر أن يكون مرفوعاً فهو إذن (يونس).
سبق أن أشرنا- عند مناقشة اسم يحيى- إلى أنّ المقطع (يو) يأتي في بعض اللغات السامية القديمة بمعنى (ذووعليه يمكن أن يكون معنى الاسم (يونا) في الأصل السامي هو (ذو- نا)، ويكون معنى (يونان) في أصله السامي (ذو – نان) أي (ذو النون). ومن ثَمّ يمكن أن يكون معنى الاسم (يونس) هو (ذو النون). والسين كما عرفنا علامة رفع تلحق العَلَم المذكر.
علاقة يونس باليونان علاقة مُرجَّحة
يظن البعض خطأً أنّ Greece هو الاسم الحقيقي لبلاد اليونان. والصحيح أنّ هذا الاسم هو وصف سلبي أطلقه أعداء اليونانيين عليهم. أما هم فيقولون إنه اليونان نسبة إلى شخص له في الأساطير اليونانية مرتبة الآلهة. وتنص مقدمة سفر يونان في العهد القديم على أنّ النبي يونان هو من مواليد فلسطين، وقد دعاه الله ليحمل رسالة التوبة إلى مملكة أشور، التي كانت عاصمتها نينوى ... وعندما تسلّم يونان الرسالة من الله أبت عليه روحه الوطنية أن يبشر بالخلاص أمة وثنية، فحاول الهرب من الله على ظهر سفينة، ولكن بعد سلسلة أحداث طُرح يونان إلى أعماق البحر، فابتلعه حوت ... وأخيراً أذعن يونان إلى أمر الرب فانطلق إلى نينوى ليبشر أهلها بالخلاص ...". انظر كتاب الحياة ترجمة تفسيرية، ص 1088.
وفق العقيدة الإسلامية يُستبعد تماماً أن يرفض نبي كريم توبة أهل نينوى بعد أن أنذرهم العذاب، كما ينص سفر يونان. والملاحظ أنّ عدداً من المفسرين قد تأثروا بسفر يونان هذا عند تفسيرهم للآية الكريمة.
ورد في السيرة أنه عندما ذهب الرسول، عليه السلام، إلى الطائف أساء إليه الصغار والكبار إلا ما كان من عدّاس الذي هو من نينوى، فسأله الرسول، عليه السلام:" من مدينة الرجل الصالح أخي يونس بن متى؟". فهذا الحديث- إن صح- لا يشير إلى أنّ نينوى هي البلد التي نشأ فيها يونس، عليه السلام، ولا يشير كذلك إلى أنها البلد الذي آمن ليونس بعد إذ دعاهم. وعليه لا يبعد أن يكون يونس من نينوى ثم أُرسل إلى قومٍ آخرين بعد أن غاضب قومه. ولا يبعد أيضاً أن يكون من فلسطين ثم أُرسل إلى أهل نينوى. ولا يبعُد أن يكون من نينوى وأُرسل إلى أهلها. كل هذه الاحتمالات قائمة. وإذا لم يصح الحديث الوارد في السيرة فيمكن أن ينشأ لدينا احتمالات أخرى.
تشير الآيات الكريمة من سورة الأنبياء إلى أنّ يونس، عليه السلام، قد ترك المكان الذي كان فيه بعد مغاضبته قومه أو غيرهم. وتشير الآيات أيضاً إلى أنّ يونس، عليه السلام، ظنّ أنّ بإمكانه أن يغادر المكان الذي كان فيه لأنّ الله تعالى لم يضيق عليه في ذلك، وأنّ هذا الظن كان في غير محله. أمّا الآيات من سورة الصافات وفيها:" إذ أبق إلى الفلك المشحون"، فتشير إلى أنّ ذهابه كان كذهاب العبد الآبق الذي فرّ من سيده. ولا نستطيع أن نجزم بأنه كان نبياً عندما فعل ذلك، فالاحتمالات كثيرة، ولا يبنى على الاحتمال، وإن كان الأليق بمقام النبوة أن نقول إنّ ذلك كان قبل النبوة.
بعد مغادرته مغاضباً، وبعد حصول قصته عليه السلام مع الحوت، أرسله الله تعالى إلى مدينةٍ يسكنها ما يقارب المائة ألف نسمة، كما نصت الآية 147 من سورة الصافات:" وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون"، فالآية الكريمة لا تصرح، بل ولا تشير إلى أنه رجع إلى بلده الذي غادره. ولو كان قد رجع إلى بلده وقومه لكان ظهر ذلك في النص القرآني البليغ. وحتى لو ذهبنا إلى درجة تصديق ما ورد في سفر يونان، من أنّه رجع إلى أهل نينوى بعد أن أنذرهم، فإنّ ذلك لا يعني أنّه لم ينتقل إلى غيرهم.
أما قوله تعالى في الآية 147، 148 من سورة الصافات:" وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتعناهم إلى حين"، فيشير إلى ضخامة البلد الذي أرسل إليه عليه السلام، كما ويشير إلى إيمان أهل هذا البلد. أي أنهم تأثروا به وسلكوا طريقه. والمعروف تاريخياً أنّ بلاد اليونان قبل الميلاد كانت تتألف من المدن الممالك، فكانت المدينة تتألف من عدد من السكان يكفي لتشكيل مملكة مستقلة قادرة على الدفاع عن نفسها. وإشارة القرآن الكريم إلى إيمان هذه المدينة يعني أنهم قد تأثروا بيونس، عليه السلام. ولا بد أن يظهر هذا التأثر في واقعهم؛ فأما على مستوى الأسماء فغلب اسم يونان على المنطقة، وحتى البحر فاسمه إلى الآن بحر يونيوس. وأما على المستوى اللغوي فأنت تجد أنّهم قد تأثروا بالأبجدية العربية، التي ترجع إلى أصل سوري أو عراقي، فهم لا يزالون يقولون: ألفا، بيتا، جاما، دلتا، ... بل إنّ سبعين في المائة من جذور اللغة اليونانية ترجع إلى أصول عربية.
إذن نحن بحاجة إلى تعميق الدراسات، فلعلنا نكتشف أنّ جذور النهضة الفكرية اليونانية ترجع إلى عهد يونس، عليه السلام، كما ترجع جذور النهضة الفكرية في عصور العباسيين إلى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم.
وفق رواية سفر يونان يتضح أنّ البحر هو البحر الأبيض المتوسط. ووفق المنطق الجغرافي نُرجِّح أنه فعلاًً البحر الأبيض المتوسط، لأنّ أقرب بحر يمكن أن يوجد فيه حيتان كبيرة هو البحر الأبيض المتوسط، لأنّه أقرب إلى نينوى (الموصل) من بحر العرب. ثم إنّ فلسطين، الأرض المقدّسة، كانت مهاجر إبراهيم، عليه السلام، وعليه فمن المتوقع أن يهاجر يونس، عليه السلام، إليها.
سورة يونس هي السورة العاشرة في ترتيب المصحف. واللافت أنها أول سورة في ترتيب المصحف سميت باسم نبي من الأنبياء. وقد جاءت سورة يونس تتصدر مجموعة السور التي تبدأ بالأحرف المقطعة (الر) هكذا: (يونس، هود، يوسف، الرعد، إبراهيم، الحجر)، واللافت أنها جاءت متسلسلة في ترتيب المصحف هكذا: (15،14،13،12،11،10). فلماذا يونس أولاً على الرغم من كون إبراهيم، عليه السلام، هو الأبرز في النص القرآني، وكذلك يوسف وهود، عليهم السلام؟!
 
*د يحيى
23 - يناير - 2010
يونس عليه السلام (2).    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 وإليك الآية الأولى من كل سورة:
يونس:"الر تلك آيات الكتاب الحكيم".
هود:" الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير".
يوسف:" الر تلك آيات الكتاب المبين".
الرعد:" الر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون". إبراهيم:" الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد".
الحجر:" الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين".
واللافت هنا أنّ الآيات الست، التي استهلت بها السور، قد أكدت على موضوع الكتاب. وقد يوحي هذا إلى أنّ ليونس، عليه السلام، دوراً بارزاً في مسالة الكتاب إلى درجة أن يسمى ( ذا النون) أي (ذا الحرف). أمّا لماذا النون دون باقي الحروف؟! فسيأتي الكلام إن شاء الله.
وردت الإشارة إلى قصة يونس، عليه السلام، في سورة الأنبياء وسورة الصافات وسورة القلم. واللافت أنّ القصة لم ترد في سورة يونس، بل لم يرد الحديث حول يونس، عليه السلام، في سورة يونس. ولكن ورد الحديث حول قوم يونس؛ جاء في الآيات 98 من السورة:" فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قومَ يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين". فقط آية واحدة ذكرت قوم يونس، وعلى الرغم من ذلك سميت السورة (يونس)!!
هذا يعني أنّ إيمان هذه الأمّة والمنفعة التي تحصلت نتيجة هذا الإيمان هي النقطة المركزية التي لا بد من الانتباه إليها في قصة يونس، عليه السلام. واللافت أنّ الآية قد ختمت بقوله تعالى:" ومتعناهم إلى حين"، أما الآية 148 من سورة الصافات فختمت: " فآمنوا فمتعناهم إلى حين". وفي هذا لفت الانتباه إلى أهمية الحديث عن الفرصة التي حصلت لهم في الدنيا نتيجة إيمانهم، مما يعني أنه قد يكون بإمكاننا أن نرصد ذلك تاريخياً. ويجدر هنا أن نلفت الانتباه إلى أنّ عدد الآيات التي تنتهي بحرف النون في سورة يونس هو 98 وهذا يوافق رقم الآية التي ذكر فيها قوم يونس فسميت السورة يونس. وهذه الملاحظة تضاف إلى غيرها من الملاحظات المتعلقة بحرف النون وعلاقته بيونس، عليه السلام.
يُقدّر شُرّاح العهد القديم زمن النبي يونان (يونس) حوالي القرن الثامن قبل الميلاد. ومعلوم أنّ مثل هذه التقديرات لا يُركن إليها، فقد يكون زمنه أبعد من ذلك بقرون، ففي الوقت الذي يقدر البعض زمن إبراهيم، عليه السلام، بـ 1800 ق.م نجد البعض الآخر يذهب إلى زمنه يقارب 3000 ق.م. وما نلمح إليه هنا هو احتمال أن يكون يونس، عليه السلام، هو من وضع الأبجدية- وما ترمز إليه من حساب- والتي تُعتبر من أهم الاكتشافات في تاريخ البشرية. ومعلوم أنّ اليونانيين من أوائل من تأثر بهذه الأبجدية، بل أخذوها بترتيبها المعروف، وأخذوا ما ارتبط بها من حساب، وهو ما يُسمى بحساب الجُمّل. ثم تأثرت باقي الأمم الغربية بهذه الأبجدية؛ فأنت تجد، على سبيل المثال، أنّ ترتيب أبجدية اللغة الإنجليزية يتوافق بنسبة مع ترتيب الأبجدية العربية، انظر: (K،L،M،N) و (ك، ل، م ،ن) وانظر: (Q،R،S،T) و (ق، ر، ش ، ت). (A،B) و (أ،ب).
فالفرضية عندنا تقول: إنّ يونس، عليه السلام، هو الذي وضع الأبجدية التي أخذها اليونانيون عنه ثم نقلوها إلى غيرهم من الغربيين، ومن هنا سمي (ذا النون) على اعتبار أنّ النون ترمز إلى حرف الكتابة.
ولكن لماذا النون؟!
أ. ملاحظات تتعلق بالقرآن الكريم:
نلاحظ أنّ القرآن الكريم قد أقسم بالحرف والأداة والكتابة عندما قال في مستهل سورة القلم- لاحظ القلم-:" نون والقلم وما يسطرون". فكانت النون هنا هي التي ترمز إلى الحروف.
ونلاحظ أنّ القرآن الكريم 6236 آية، وتنتهي كل آية بكلمة تسمى فاصلة، فهناك إذن 6236 فاصلة. واللافت أنّ أكثر من 50% من الفواصل القرآنية تنتهي بحرف النون.
ب. اللغة العربية:
تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ اللغة العربية هي اللغة الأقرب إلى اللغة الساميّة الأم. ولسنا هنا في مقام إثبات ذلك. واللافت في هذه اللغة أنّ لحرف النون الدور المركزي في الإعراب والتصريف، ويكفي للتدليل على ذلك ملاحظة الآتي:
1.    تنوين الفتح والضم والكسر: أي تُختم اللفظة بالنون.
2.    التثنية (ا + ن) والجمع (و + ن) و (ى + ن) أي تختم اللفظة بنون.
3.    نون النسوة: تختم اللفظة بنون.
4.    نون التوكيد، والنون المخففة.
5.    إنْ، أنْ، إنّ، أنّ.
6.    إثبات النون وحذفها في الإعراب، وبالذات في الأفعال الخمسة.
ولا تجد في اللغة العربية (الأقرب إلى السامية الأم) حرفاً آخر، كحرف النون، يقوم عليه التصريف والإعراب.
ج. الكتابة:
يمكن الزعم أنّ الذي وضع صور الحروف الأبجدية قام أولاً بوضع صورة النون () ثم قام باشتقاق باقي صور الحروف من هذه الصورة، وهذا أمر يسهل ملاحظته عند استعراض صور الحروف.
وأخيراً فهناك ملاحظات عددية قرآنية قد ترتقي بهذه الفرضية إلى مستوى النظرية آثرنا أن نتريث في طرحها لعلها تنضج
*د يحيى
23 - يناير - 2010
أصناف الناس    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
أصناف الناس:
1.     المؤمن: يُصدّق بقلبه ويُقر بلسانه.
2.     الجاحد: يُصدق بقلبه ويُنكر بلسانه. وحكمه الكُفر، دنيا وآخرة.
3.  المنافق: ينكر بقلبه ويُصدّق بلسانه. ويُحكم عليه بالإسلام دنيوياً، وإن كان في حقيقته كافراً، "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار".
4.     الكافر: يُنكر بقلبه وبلسانه، وحكمه الكفر، دنيا وآخرة.
 
الإيمان والإسلام:
        الإيمان هو الجانب التصديقي، ولا يطّلع عليه إلا الله وحده، أما الإسلام فإنّه انقياد لأوامر الله تعالى واستسلام له. ويغلب أن يكون الاستسلام عن إيمان، فإذا كان الأمر كذلك، فإنّ لفظة الإسلام تعبّر عندها عن الإيمان والعمل، أي عن الدين بشقيه العقدي والتشريعي. وإذ إن البشر لا يطّلعون على حقيقة القلوب فإنّهم يَحكُمون بإسلام كل من أعلن استسلامه لله تعالى ورضي بدينه. فوصف الإسلام إذن ينطبق على كل من ظهر منه القبول والرضى برسالة محمد، صلى الله عليه وسلم. جاء في الآية 14 من سورة الحجرات:"قالت الأعرابُ آمنّا قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا: أسلمنا، ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم"؛ فظاهر الأعراب كان يدل على استسلامهم وانقيادهم. ويبدو أنّ سلطان الدولة الإسلاميّة وهيبتها جعل الأعراب ينقادون ويقبلون الانتماء لدولة الإسلام، فجاء القرآن ليكشف لهم عن حقيقة أنّ هذا الإسلام الظاهري لا يقوم على أساس متين من الإيمان، ولكن استسلامهم هذا يقودهم شيئاً فشيئاً إلى الإيمان؛ فالإيمان يوشك أن يدخل قلوبهم:"... ولمّا يدخل الإيمانُ في قلوبكم". ولا شك أنّ الطاعة والعمل الصالح يُدخِل الإيمانَ في القلوب:" وإن تطيعوا الله ورسوله لا يَلِتْكُم من أعمالكم شيئا"، فالمطلوب الاستسلام والانقياد والعمل الصالح، وهذا هو طريق تقوية الإيمان وتثبيته في القلوب. ( بسام الجرار).
*د يحيى
23 - يناير - 2010
سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
فرضية تتعلق بكيفية خلق المسيح،عليه السلام.
 
بقلم: بسام جرار
 
جاء في الآية 45 من سورة آل عمران:" إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يُبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم...".
اختلف أهل التفسير في معنى كلمة (المسيح)، وقد تأثر بعضهم بما ورد في العهد القديم والجديد فزعموا أنّ كلمة المسيح غير عربية. ومعلوم وفق الدراسات المعاصرة أنّ اللغة العربية – في رأي الكثيرين- هي أقرب اللغات إلى اللغة السامية الأم. وعليه فإنّ حرف السين في كلمة المسيح هو الأصل، ثم أبدل في العبرية شيناً، وليس العكس كما يرد في كتابات البعض من القدماء ومن المعاصرين. وما نختاره هنا دون تردد أنّ كلمة المسيح هي عربية، ومادتها (مسح).
المسيح: على وزن فعيل بمعنى مفعول، أي ممسوح. ومن المعاني التي ذكرها أهل التفسير وتستحق الذكر هنا قول من قال: إنه، عليه السلام قد مُسح من الأقذار وطُهّر من الذنوب. وكذلك قول من قال: إنه قد مسح بالبركة، فهو المبارك، انظر الآية 31 من سورة مريم:" وجعلني مباركاً أين ما كنت...".
واللافت أنّ تسمية المسيح كانت من قِبل الوحي قبل ميلاده عليه السلام، مما يعني أنّ للاسم أسراراً قد تتعلق بخَلْقِهِ أو بدعوته أو بوظيفته...ومن هنا يجدر بنا أن نسلط الأضواء على كل الأسماء التي جاء بها الوحي، ومنها اسم المسيح، الذي جاء ثلاثياً، أي: المسيح، عيسى ابن مريم، وكأنه رد على عقيدة التثليث.
والمتدبر للآيات الكريمة يدرك أنّ (عيسى) هو الاسم العلم, بدليل أنّ القرآن الكريم في صيغة النداء يقول:" يا عيسى"، وبدليل أنه في حال سرد أسماء الأنبياء لا يقول إلا (عيسى). أما لفظ (المسيح) فظاهر أنه اللقب الذي اشتهر به عليه السلام، حتى أصبح يمييزه أكثر من اسمه العلم. وإضافة (ال) إلى (مسيح) تشير إلى أنه إذا كان هناك من مسيح حق فإنّه هو عليه السلام.
وما نريد أن نطرحه في  هذا المقام هو فرضية تم وضعها بعد مداولات بين عدد من أعضاء ندوة نون وبعضهم أصحاب اختصاص علمي. يقول الأخ عماد القاضي ـ أستاذ الكيمياء الحيوية ـ مُعرّفاً بالكروموسومات كمقدمة لطرح الفرضية:
" يحتوي جسم الانسان على 46 كروموسوماً، أو على 23 زوجاً من الكروموسومات. وتعني هذه الزوجية أنّ لكل كروموسوم شبيهاً له من الناحية الشكلية ومن ناحية احتوائه على الصفات المختلفة. وهذا يعني أنّ الكروموسوم 7 ، مثلا، يحتوي على عدة صفات، ولنفرض أنها صفة لون العيون، وبالتالي فإنّ الكروموسوم الشبيه له - أو الزوج الثاني له - يشبهه في الشكل والطول وفي احتوائه على صفة لون العيون أيضاً. أي أنّ لكل كروموسوم لدى الإنسان نسخة شبيهة له من حيث الشكل واحتواؤها على الخريطة الوراثية نفسها. 
وقد لفت نظر العلماء أنّ الزوج الأخير من الكروموسومات، وهو زوج الكروسوم الجنسي، يُظهر اختلافا جلياً في الشكل؛ فالكروموسوم الجنسي X أطول بشكل واضح من الكروموسوم الجنسيY، والذي يشكل فقط ثلث طول الكروموسوم الأنثويX   ، مما دعا العلماء للتساؤل حول مدى التشابه بينهما بسبب اختلافهما في الطول والشكل.
ولقد تبين في المصادر العلمية المختلفة - ومنها المجلة العلمية العالمية Nature  - أنّ الكروموسومين الجنسيين متشابهان، وبأنّ لهما الأصول نفسها من حيث احتواؤهما الصفات، وذلك في المنطقة المتقابلة بين   Xو Y ويصل التشابه بينهما إلى أكثر من 99%.( المرجع: مجلة Nature العدد 311 الصادر في 13 سبتمبر 1984 ص 119-123). وما يعنينا أن نلفت الانتباه إليه هنا هو أنّ بعض المقالات العلمية تذكر أنّ الكروموسوم الذكريY  هو نسخة متآكلة من الكروموسوم الجنسي X ".
على ضوء هذه المعلومة العلمية الجديدة في حقل العلم نضع الفرضية الآتية:
" بما أنّ الكروموسوم Y  هو في حقيقته X متآكل، فهناك احتمال أن يكون المَلك المكلف قد قام بعملية مسح جزئي في الكروموسوم 23 الجنسي – في بويضة مريم عليها السلام - فنتج عن ذلك XY . فالكروموسوم الطويل غير الممسوح هو X والقصير هو Y الذي كان X فمسح جزئياً فأصبح Y  بعد أن كان زوج الكروموسومات في البويضة هوXX    ".
وليكتمل تصور الفرضية نقول:
أولاً: يمكن أن تكون تسمية المسيح جاءت من كيفية خَلقهِ المفترضة، وهي مسح الكروموسوم X ليتحول إلى Y فنتج مولود ذكر هو المسيح (الممسوح) عليه السلام.
ثانياً: في حالة الاستنساخ ينتج من الخلية المذكرة ذكر ومن المؤنثة أنثى، أما هنا فنتج من البويضة – التي هي خلية مؤنثة – ذكر. هو في الحقيقة ابن مريم، ومريم فقط.
ثالثاً: يبدو أن المسح كان في بداية التبييض، أي قبل انقسام البويضة. ومعلوم أن البويضة في بداية التبييض تكون 46 كروموسوماً.
رابعاً: بإمكانك الآن أن تعيد النظر فتسأل: لماذا ابتعدت مريم عن أهلها – بالذات أهلها وليس غيرهم من الناس -، ولماذا اتخذت من دونهم حجاباً وهم أهلها، ولماذا خافت خوفاً شديداً عندما رأت الملك في صورة رجل؟!
هل لأنها كانت في بداية التبييض، وتريد أن تستحم بعد الطهر، وفوجئت وهي في هذا الحال بالملك في صورة رجل؟!
خامساً: يبدو أن عملية النفخ التي قام بها الملك – والتي كانت مريم عليها السلام مهيأةً لها – لم تضف شيئاً وإنما هي طاقة موجهة لمسح الجزء المطلوب مسحة ليكون ابن مريم فقط.
سادساً: وبإمكانك أن تعيد النظر لتسأل: هل كان الطعام الخاص الذي يتنزل على مريم، عليها السلام، نوعاً من التهيئة الجسدية قبل عملية المسح؟!
سابعاً: وهناك أسئلة أخرى تبحث عن جواب منها: لماذا:" انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً"، نعم، لماذا شرقياً؟
*د يحيى
23 - يناير - 2010
فوق الذين كفروا    ( من قبل 4 أعضاء )    قيّم
 
فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
بقلم: بسام جرار
 
 جاء في الآية 55 من سورة آل عمران: ((إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... ))  .
 تنص الآية الكريمة على أن وجود أتباع عيسى، عليه السلام، يستمر إلى يوم القيامة. وقد التبس ذلك على بعض أهل التفسير فذهبوا إلى القول بأن قانون الفوقية المنصوص عليه في الآية يخص النصارى في مقابلة اليهود، وهذا فهم عجيب يتناقص مع أساسيات العقيدة الإسلامية والتي هي عقيدة المسيح، عليه السلام، وعقيدة الأنبياء والرسل من لدن آدم حتى محمد صلوات الله عليهم جميعاً. فلا يجوز إذن أن نعتبر النصارى أتباعاً للمسيح عليه السلام.
 
جاء في الآية 14 من سورة الصف: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ )).
 
يُفهَمُ من الآية الكريمة أنّ دعوة عيسى، عليه السلام، قد نجحت لأن الفكرة أصبحت ظاهرة، ولا تكون الفكرة ظاهرة حتى تكون معلنة وغالبة. وينبغي أن لا نخلط بين ظهور الفكرة والظهور المادّي المتمثل بالظهور العسكري، لأن العبرة بظهور الفكرة وإشراقها في النفوس، والسلطان الحقيقي هو سلطان الفكرة على النفوس، لأنها المحرك الأساس للأفراد والمجتمعات؛ فلو نظرت اليوم إلى تسلط اليهود على الفلسطينيين في الأرض المقدّسة لوجدت أن السلطان الحقيقي هو سلطان الإسلام لأنه الموجه والمحرك الحقيقي ولوجدت أن الفكرة الصهيونية تعاني من الانحسار والتلاشي في نفوس الكثير من اليهود.
 
جاء في الآية 123 من سورة النحل: ((ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )) . وجاء في الآية 95 من سورة آل عمران: ((قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) . وجاء في الآية 125 من سورة النساء: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)).
 
فنحن إذن من أتباع إبراهيم عليه السلام، وهذا لا يتناقض مع كوننا أتباعاً لمحمد، صلى الله عليه وسلم، لأن دين الله واحد، وهي مسيرة واحدة ولواء واحد مذ رفعه آدم، عليه السلام، أما اختلاف الشرائع فمرده إلى اختلاف لأحوال الأمم والشعوب، بل أنت تجد في شريعة الإسلام اختلافاً في الأحكام الشرعية يناسب اختلاف الأحوال؛ فصلاة المسافر تختلف في بعض أحكامها عن صلاة المقيم، وكذلك الأمر في الصيام ... الخ.
 
فإذا كان محمد، عليه السلام، متّبعاً لملة إبراهيم فلا شك أن عيسى عليه السلام هو أيضاً مُتبعاً لملة إبراهيم، عليه السلام. وإذا كنا أتباعاً لمحمد وإبراهيم، عليهما السلام، فإننا أيضاً أتباعاً لعيسى ولغيره من رسل الله الكرام، صلوات الله عليهم جميعاً. نقول ذلك لنبين أنّ قوله تعالى: ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) يُقصَد به أهل الإيمان الصحيح الذين لم ينقطع وجودهم في الأرض بعد عيسى، عليه السلام، واستمروا يحملون لواء الحق والحقيقة حتى بُعِث الرسول، صلى الله عليه وسلم، وبذلك تستمر مسيرة الحق إلى يوم القيامة. جاء في الحديث الصحيح: (( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ... )) وهذا كلام صريح باستمرار ظهور الفكرة إلى أن يرث الله تعالى الأرض وما عليها.
 
الدارس لبعض ما كُتِب حول القرون الستة من عيسى إلى محمد، عليهما السلام، يلاحظ أن هناك حركة ظاهرة تستعلن بفكرتها الحقة وتكون حجة على الأمم، ومن ذلك الجماعة المسيحية المسماة (الموحدون) ، وكذلك أصحاب الأخدود، بل إن قصة إسلام سلمان الفارسي تبين لنا حقيقة استمرار الرسالة الحقة، فهذا سلمان، رضي الله عنه، يتتلمذ على راهب، وعندما تحضر هذا الراهب الوفاة يوصي سلمان براهب آخر يلحق به ويتتلمذ عليه، حتى يوصيه الأخير بأرض ذات نخيل سيظهر فيها النبي الخاتم صلوات الله عليه. ويبدو أن إسلام هذه الجماعات الحاملة للحقيقة أدى إلى انصهارها في الأمة الإسلامية وبالتالي تندثر أخبارها لعدم تميزها، على خلاف الأمر في الجماعات النصرانية التي لم تُسلِم.
 
جاء في الآيتان 139- 140 من سورة آل عمران: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ... )). فمعلوم أن هذه الآيات من سورة آل عمران جاءت تعقيباً على ما أصاب المسلمين في معركة أُحُد. فما ينبغي لمن استعلى بالفكرة الإيمانية الحقّة أن يضعف لمجرد هزيمة لحقت به في عالم الأشخاص، فما ذلك إلا قانون اقتضته الحكمة الربانية التي تُخرّج أتباعها وتنصر الحقيقة. فالسيطرة المادية للكفر في مرحلة من المراحل يجب أن لا يوهن من الفكرة الحقة التي تجعل من صاحبها الأعلى دائماً وفي كل الأحوال؛ فهذا بلال بن رباح، رضي الله عنه، ينتصر بفكرته وهو مطروح فوق الرمال الملتهبة يعاني جسده من سياط سيده الذي كان يشعر بعمق هزيمته أمام خادمه المستعلي بفكرته.
 
جاء في الآية 76 من سورة يوسف: ((وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)) بذلك يتبيّن أن الفوقية لا تعني دائماً فوقيّة ماديّة، ولا شك أن هم عيسى، عليه السلام، كان الفكرة وانتصارها وفوقيتها على الأفكار المناقضة لها، لذلك كان من المناسب أن يُطَمأن، عليه السلام، عند رفعه، فيُقال له: ((وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) ، ثم يأتي الوحي الكريم فيبرز لنا نحن المسلمين هذه الحقيقة، والتي هي قانون ربّاني يستمر إلى يوم القيامة، فأين مصداق ذلك في الواقع؟
 
تتجلى فوقية الفكرة أولاً بشعور المؤمن بتفوقها على غيرها من الأفكار المناقضة لها، وثانياً بإحساس الكافرين بضعف فكرتهم وقصورها وعجزها عن المواجهة، وذلك عندما تكون ساحة المعركة هي العقول والقلوب وواقع الفطرة الإنسانية السويّة.
وإليك بعض مؤيدات تفوّق الفكرة الإسلامية:
1.    على الرغم من تفوق الغرب المسيحي علميّاً وتكنولوجياً واقتصادياً وعسكرياً، وعلى الرغم من كونه قبلة العالم في العلم والمعرفة إلا أننا نجد أنّ التحول نحو الفكرة الإسلامية من الظواهر المتصاعدة في المجتمعات الغربية. في المقابل نجد أنّ المجتمعات الإسلامية تُعجَب بمدنية الغرب ولكنها في المقابل لا تقبل فلسفته. من هنا لا نلحظ أي تحول نحو العقيدة المسيحية على الرغم من توافر الدواعي الكثيرة المشجعة على ذلك.
2.    تعتبر فرنسا الدولة الرائدة في تاريخ الديموقراطيات الغربية، حيث كانت الثورة الفرنسية المثال والقدوة لجميع الأوروبيين، وعلى الرغم من ذلك نجد أنّ الجمهورية الفرنسية العريقة تضيق ذرعاً بعدد قليل من الطالبات الصغيرات اللواتي يلبسن الحجاب المجتزء والمتمثل بغطاء الرأس. فتشهر سلاح القانون في وجوههن البريئة تحت زعم أن ذلك من أجل حماية القيم الديموقراطية، نعم، فمن أجل حماية قيم الديموقراطية، لا بد من الانقضاض على أبسط مبادئ الديموقراطية!! وعندما نعلم أنّ المدرسة فرنسية وان المدرّس فرنسي، وعندما نعلم أن الطالبات صغيرات يمكن التأثير عليهن واستيعابهن ومسح أدمغتهن في اتجاه الفكرة الغربية، عندما نعلم ذلك كله ندرك أن الجمهورية الفرنسية بعظمتها وعراقتها قد باتت تشعر بالدونية في مواجهة الفكرة الإسلامية، وباتت مدركة لعجزها عن التأثير حتى في فكر الطفل المتلقي، وأدى هذا الشعور بالعجز والدونية إلى الانقضاض على أهم مبادئها ولم تبال أن كشفت عورتها أمام العالم. ويمكننا أن نفهم دوافع مثل هذه التصرفات والتي لا يمكن أن تكون تصرفات الواثق الذي يشعر بتفوقه تجاه الآخرين. أما رفع الصوت والتغني بقيمه فلا يدل إطلاقاً على ثقته بقوة فكرته وأناقتها، بل إن الأمر على العكس من ذلك تماماً.
3.    المستقري للفكر الاستشراقي والتبشيري الغربي يجد أن الاهتمام الأول هو بالفكرة الإسلامية، ويدهشك الكم الهائل من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى تزييف الفكرة الإسلامية. وهذا يدل على شعورهم بقدرة الفكرة الإسلامية على اختراق حصونهم الفكرية. ويندر أن تشعر بموضوعية هؤلاء عندما يتحدثون عن الإسلام، أمّا إذا كان حديثهم عن غير الإسلام فإن الموضوعية تتجلى في أفضل صورها، ولا شك أن الذي يلجأ إلى الكذب والتلفيق في مواجهة فكرة ما فإنما هو يعلن عجزه عن أن يكون صادقاً، لأن الصدق عندها سيضطره إلى الاعتراف والإذعان، وتعمد إخفاء الحقيقة يشير إلى الإقرار الداخلي بقوة الفكرة وصدقيتها.
*د يحيى
24 - يناير - 2010
زوال إسرائيل ( بسام جرار).    ( من قبل 5 أعضاء )    قيّم
 
كتـــاب
زوال إسـرائيل عام 2022م، نبوءة أم صُدَف رقميـة
يُقسَم هذا الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول هو تفسير لنبوءة سورة الإسراء، والمتعلقة بقيام وزوال الإفساد الإسرائيلي من الأرض المباركة. والقسم الثاني يطرح نظرية جديدة في العدد القرآني تنسجم مع التفسير، وتشير إلى احتمال زوال إسرائيل عام 2022م
          :: لم يكن في القـدْس يهــود ::
  قبل الهجرة بسنة، كانت حادثة الإسراء والمعراج، فكانت زيارة الرسول، صلى الله عليه وسلم، للأرض المباركة، للمسجد الأقصى الذي بارك اللهُ حوله. وانطلق عليه السلام من (للذي ببكة مباركا)، إلى المسجد (الذي باركنا حوله). من أول بيت وضع للناس، إلى ثاني بيت وضع للناس. في ذلك الوقت كانت القدس محتلة من قبل الرومان، وكان المسجد الأقصى مجرد آثار قديمة ومهجورة. وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت له مسجديته التي ستبقى إلى أن يرثَ اللهُ الأرض ومن عليها.
        لم يكن لليهود وجود يُذكر في مكة المكرمة، ولم يكن لهم أيضاً وجود في القدس منذ العام 135م، عندما دمّر (هدريان) الروماني الهيكل الثاني، وحرث أرضه بالمحراث، وشرد اليهود وشتتهم في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وحرّم عليهم العودة إلى القدس والسكنى فيها. وعندما أُسريَ بالرسول صلى الله عليه وسلم كان قد مضى على هذا التاريخ ما يقارب الـ 500 عام، وهي مُدة كافية كي ينسى الناس أنه كان هناك يهود سكنوا الأرض المقدّسة.
 بعد حادثة الإسراء نزلت فواتح سورة الإسراء،والتي تسمّى أيضاً سورة بني إسرائيل. واللافت للنظر أن ذكر الحادثة جاء في آية واحدة: (سُبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً مِنَ المَسْجِدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأَقْصا الذي باركنا حولهُ لنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إنّهُ هُوَ السميعُ البَصير). ثم جاء الحديث عن موسى عليه السّلام، ونزول التوراة، والإفساد الإسرائيلي: (وآتينا موسى الكتابَ وجعلناهُ هُدىً لبني إسرائيلَ ألا تتخِذوا مِنْ دوني وَكيلاً.... وقضَيْنَا إلى بني إسرائيلَ في الكتابِ لتُفْسِدُن في الأرضِ مَرتَيْنِ... فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ... ) فما علاقة موسى عليه السّلام، وما علاقة بني إسرائيل بتلك الحادثة وتلك الزيارة، وما علاقة النبوءة التي جاءت في التوراة قبل الإسراء بما يقارب الـ 1800 سنة بهذه الحادثة ؟!
         هل يتوقع أحد أنْ يخطر ببال المفسِّرين القدماء إمكانية أن يعود لليهود دولة في الأرض المقدّسة ؟! نقول: الدولة الأموية، والدولة العباسية، والدولة العثمانية، كل واحدة منها كانت أعظم دولة في عصرها. فأيُّ مفسر هو هذا الذي سيخطر بباله أنّ المرّة الثانية لم تأت بعد، وإن خطر ذلك بباله فهل ستقبل عاطفته أن يخطّ قلمه مثل هذه النبوءة، التي تتحدث عن سقوط القدس في أيدي اليهود الضائعين المشردين المستضعفين ؟! من هنا نجد أنّ المفسرين القدماء قد ذهبوا إلى القول بأنّ النبوءة التوراتيّة قد تحققت بشقّيْها قبل الإسلام بقرون. ونحن اليوم نفهم تماماً سبب هذا التوجه في التفسير، لكننا أيضاً نُدرك ضعفه ومجافاته للواقع، ومن هنا نجد الغالبية من المفسرين المعاصرين تذهب إلى القول بأن وعد الإفساد الثاني قد تحقّق بقيام دولة إسرائيل عام 1948م.
 المفسِّر الحقيقي للنبوءات الصادقة هو الواقع، لأن النبوءة الصّادقة لا بد أن تتحقق في أرض الواقع. ومن هنا لا بُدّ من أن نستعين بالتاريخ قدر الإمكان لنصل إلى فهممٍ ينسجم مع ظاهر النص القرآنيّ، حتى لا نلجأ إلى التأويل الذي لجأ إليه الأقدمون وبعض المعاصرين. ونحن هنا لا نعطي التاريخ الصِّدْقية التامة، فمعلوم لدينا أنّ الظنّ هو القاعدة في عالم التاريخ، لكننا في الوقت نفسه لا نجدُ البديل الذي يجعل تفسيرنا أقرب إلى الصّواب، فنحن نحاول بقدر الإمكان أن نقترب من الحقيقة.
 قضى الله في التوراة أنّ بني إسرائيل سيدخلون الأرض المقدّسة، ويقيمون فيها مجتمعاً (دولة)، ويُفسدون إفساداً كبيراً، تكون عقوبته أن يبعث الله عليهم عباداً أقوياء يجتاحون ديارَهم. وبعد زمن يتكرر إفساد بني إسرائيل في الأرض المقدّسة، فيبعث اللهُ العباد مرّة أخرى، فيدمّرون ويهلكون كلّ ما يسيطرون عليه إهلاكاً وتدميراً.
 
نظــرة تــاريخيّـة ::
 
  بعد وفاة موسى عليه السلام، دخل (يوشع بن نون) ببني إسرائيل الأرض المقدّسة، التي كتب اللهُ لهم أن يدخلوها: (يا قَوْمِ ادْخُلوا الأرضَ المُقدّسَةَ التي كتَبَ اللهُ لَكُمْ...)[1][1] ، وبذلك تحقق الوعد لهم بالدخول وبإقامة مجتمع إسرائيلي. وبعد ما يقارب 187 سنة تمكن داود عليه السلام من فتح القدس، وإقامة مملكة. من هنا نجد أنّ (كتاب الملوك الأول) في العهد القديم،  يُستهلّ بالحديث عن شيخوخة داود عليه السلام وموته. ومع أنّ (العهد القديم) قد نسب إلى داود، عليه السلام، ما لا يليق بمقامه، إلا أنه حكم له بالصّلاح، على خلاف ابنه وخليفته سليمان عليه السلام. جاء في الإصحاح الحادي عشر، من سفر الملوك الأول: "... فاستطعنَ في زمن شيخوخته أن يغوينَ قلبه وراء آلهة أُخرى، فلم يكن قلبه مستقيماً مع الرب ألهه، كقلب داود أبيه. وما لبث أن عبد عشتاروت... وارتكب الشرّ في عيني الرب، ولم يتبع سبيل الرب بكمال، كما فعل أبوه داود". نقول: إننا نتفق مع كَتَبة العهد القديم على أنّ لداود عليه السلام ولد اسمه (سليمان)، وأنّه كان حكيماً، وأَنه ملك بعد وفاة أبيه. ولكننا نخالفهم تماما في النظرة إليه، عليه السلام؛ فهو، كما جاء في القرآن الكريم:(وَوَهَبْنا لِدَاودَ سُليْمانَ نِعْمَ العَبْدُ إنهُ أَوّاب)[1][2]. من هنا نعتبر أن الإفساد الإسرائيلي قد بدأ بعد وفاة سليمان عليه السلام؛ عندما انقسمت دولة النبوة إلى دولتين متنازعتين، وانتشر الفساد، وشاعت الرذيلة. جاء في مقدمة (كتاب الملوك الأول)[1][3]:  "... يبين كتاب الملوك الأول، بشكل خاص، تأثير المساوئ الاجتماعية المُفجِع على حياة الأمة الروحية".
 توفّي سليمان عليه السلام عام (935 ق.م)[1][4]، فحصل أن تمرّد عشرة أسبأط، ونصبوا (يربعام بن نابط) ملكاً على مملكة إسرائيل في الشمال. ولم يبق تحت حكم رحبعام بن سليمان سوى سبط (يهوذا). وهكذا نشأت مملكة (إسرائيل) في الشمال، ومملكة (يهوذا) في الجنوب، وعاصمتها القدس. وكان الإفساد، فكان الجوس من قبل الأعداء، الذين اجتاحوا المملكتين في موجات بدأها المصريّون، وتولى كبرها الأشوريّون والكلدانيون، القادمون من جهة الفرات. جاء في مقدمة (كتاب الملوك الثاني): "ففي سنة 722 ق.م هاجم الأشوريّون مملكة إسرائيل في الشمال ودمّروها. وفي سنة 586 ق.م زحف الجيش البابلي على مملكة يهوذا في الجنوب وقضوا عليها… ففي هذا الكتاب نرى كيف سخّر الله الأشوريين، والبابليين، لتنفيذ قضائه بشعبي مملكة يهوذا وإسرائيل المنحرفين. يجب التنويه هنا أنّ الخطيئة تجلب الدينوية على الأمة، أمّا البرّ فمدعاة لبركة الله.  يكشف لنا كتاب الملوك الثاني أنّ الله لا يُدين أحداً قبل إنذاره، وقد بعث بأنبيائه أولاً ليُحذّروا الأمة من العقاب الإلَهي"[1][5].
 يُلحظ أنّ دولة إسرائيل الشمالية كانت تشمل معظم الشعب، أي عشرة أسباط، وكانت هي سبب تمزّق دولة سليمان، عليه السلام، بعد وفاته، وحصول الشِّقاق في الشعب الواحد. وقد زالت إسرائيل وشُرِّد شعبها قبل مملكة يهوذا بما يقارب 136 سنة. وبعد فناء الدّولتين حاول الإسرائيليّون أن يعيدوا الأمجاد السّابقة فأخفقوا. أمّا نجاح بعض الثورات فلم يتعدّ الحصول على حكم ذاتيّ، أو مُلك تحت التاج الروماني، لذلك نجدُ كُتب التاريخ تتواطأ على القول إن زوال مملكة يهوذا هو زوال الدولة الإسرائيلية الأولى، فلم تولد مرّة ثانية إلا عام 1948م
:: في تفسـيــر النّبــوءة  ::


 
 
 
 
 
*د يحيى
24 - يناير - 2010
زوال إسرائيل (2)    ( من قبل 3 أعضاء )    قيّم
 
:: في تفسـيــر النّبــوءة  ::
 
 لماذا أُنزلت النبوءة مرة أخرى بعد نزولها الأول في التوراة، قبل الإسراء بما يقارب 1800 سنة ؟ نقول: لو كانت النبوءة قد تحققت كاملة قبل الإسلام، لوجدنا صعوبة في فهم ذلك. ولكن عندما تكون المرّة  الأولى قد تحققت قبل الإسلام - وهذا ما حصل في الواقع - والثانية تتحقق في مستقبل المسلمين، فإن الأمر عندها يكون مفهوما، سيّما وأننا نعيش زمن تحقق الثانية، بل إنّ التفسير المنسجم مع ظاهر النص القرآني ليؤكّد ذلك:
 (وَقَضَيْنا إلى بَني إسرائيلَ في الكتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرضِ مرتينِ وَلَتَعْلُنَّ عُلواً كبيراً. فَإِذا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعثْنا عَلَيْكُم عِباداً لنا أُولي بَأْسٍ شَديد فَجَاسوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعولاً).[1][1]
         (وَقَضَينا إلى بَني إسرائيل): وإسرائيل هو (يعقوب) عليه السلام، وأبناء  إسرائيل هم الأسباط الإثنا عشر، وما تناسل منهم. والقضاء هنا يخصهم بصفتهم مجتمعاً، وهذا يستفاد من قوله تعالى: " إلى بني إسرائيل ". (في الكتاب): أي التوراة، ويؤكّد هذا قوله تعالى في الآية الثانية من السّورة: "وءاتَيْنا موسى الكتابَ وجعلناهُ هُدىً لِبني إسرائيل". والمعروف أنّ التوراة نزلت لبني إسرائيل. وكان كل رسولٍ يُبعث إلى قومه خاصّة، وبُعث محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى الناس كافة.
         (لتُفْسِدُنَّ في الأرضِ): واضح أنّ الكلام هو إخبار بالمستقبل. وبما أنّ الكتاب هو التوراة، فالنبوءة تتحدث عن المستقبل بعد زمن التوراة، وليس بعد نزول القران الكريم. وورود النبوءة في القران الكريم بصيغة الاستقبال، لانّ الكلام حِكاية لما ورد في التوراة، كقوله تعالى في حكاية قول ابن آدم مخاطباً أخاه: "قالَ لأَقْتُلَنّك".
         (في الأرض): الإفساد في جُزء من الأرض هو إفساد في الأرض. والفساد هو خروج الشيء عن وظيفته التي خُلق لها، وهو درجات؛ منه الصغير، ومنه الكبير.                                                                                      
         (مرتين): هذا يؤكّد أنّ الإفساد هو إفساد مجتمعي، وفي زمان ومكان معينين. أما الإفساد الفردي فهو متكرر في كل لحظة.
         (وَلَتَعْلُنَّ عُلواً كَبيراً): فهو إفساد عن علو وتجبّر. وقد يكون الإفساد عن ضعفٍ وذِلّة. أما الإفساد المنبأ به فهو عن علوٍ كبير. والعلو يفسره قول الله تعالى: (إن فِرْعَونَ علا في الأرضِ وجعلَ أهْلها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفةً مِنْهُم يُذَبّحُ أَبناءَهُم وَيَسْتَحيي نِساءَهُم إنهُ كانَ مِنَ المُفْسِدين)  [1][2]فإفساد المجتمع  الإسرائيلي سيكون  عن علو، واستكبار، وغطرسة، وإجرام.
         (فإذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما): فإذا حصل الإفساد من قبل المجتمع الإسرائيلي في الأرض المقدّسة، وتحقّقت النبوءة‏ بحصول ذلك، عندها تكون العقوبة
 
:: عبـاداّ لنـــا ::
 
         (بعثنا عليكم عباداً لنا): ذهب بعض المعاصرين  إلى القول بأنّ العباد هم من المؤمنين، بدليل قوله تعالى: (عباداً لنا). وقد ألجأهم هذا إلى القول بأنّ المرّة الأولى هي التي  تم فيها إخراج اليهود من المدينة المنورة، في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخول عمر بن الخطاب القدس فاتحاً، وهذا بعيد عن ظاهر النص القرآني. ولا ضرورة لمثل هذا التأويل لأنّ عبارة (عباداً لنا) تحتمل المؤمنين وغير المؤمنين، مع وجود القرائن الكثيرة التي تدل على أنهم من غير المؤمنين. وإليك توضيح ذلك :
         1) لم يرد تعبير (عباداً لنا) في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع فقط. وأهل اللغة من المفسرين القدماء لم  يقولوا بأنّ عباداً لنا تعني مؤمنين. بل ذهبوا إلى القول إنهم من المجوس.
         2) إذا صحّت رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الجند، والتي أخرجها ابن سعد في الطّبقات، فستكون دليلاً على فهم الصحابة للآية الكريمة. يقول رضي الله عنه: "ولا تقولوا إنّ عدوّنا شرٌ منا فلن يُسَلّط علينا وإن أسأنا. فرب قومٍ سُلّط عليهم شرٌ منهم، كما سُلّط على بني إسرائيل لما أتوا مساخط الله كفرة المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً". لاحظ قوله رضي الله عنه: "كفرة المجوس فجاسوا خلال الديار" فهو يجزم بأنهم كفرة، واستشهد بالمرّة الأولى، وهذا يوحي بأنّ المرّة الثانية لم تحدث بعد؛ إذ كان الأَولى أن يستشهدَ بالمرّة الثانية، لأنها أقرب في الزمان، وأدْعى إلى الاعتبار.
         3) نقرأ في القران الكريم: " ذَلِكَ يُخَوّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فاتقونِ " ]الزمر:16 [.
" أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ في ما كانُوا فيهِ    يَخْتَلِفون " ]الزمر46[ .
" نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا " [الشورى 42].
" إِن اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبيرٌ بَصير " [فاطر 31 ].
" ءَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُم عِبادِي هؤلاءِ أَمْ هم ضَلّوا السّبيل " [الفرقان 17]
لاحظ الكلمات:(عباده.. عبادي.. عبادك.. عبادنا) في الآيات السابقة والتي تؤكد أن المقصود عموم البشر.
         4) التخصيص في قوله تعالى: " عباداً لنا " يقصد به إبراز صفة قادمة، وهي هنا: " أُولي بأسٍ شديدٍ ". فإذا قلتَ: ولدي ذكيّ، فهمنا أنك تقصد الحديث عن ولدك. أما إذا قلت: ولدٌ لي ذكيّ، فهمنا أنك تقصد الحديث عن ذكاء ولدك بالدرجة الأولى.
         5) ودليل أخر من حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه، في كتاب الفتن - باب ذِكْر الدّجّال - عند الحديث عن يأجوج ومأجوج: "... فبينما هو كذلك، إذ أوحى اللهُ إلى عيسى عليه السلام: أني قد أخرجتُ عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم " لاحظ: " عباداً لي ".
         ( عباداً لنا أولي بأسٍ شديد ): لا يتوهم أحد أنّ الوصف البأس الشديد لا يكون إلا في المسلمين، فقد جاء في سورةالفتح:"…سَتُدعونَ إلى قومٍ أولي باسٍ شديد …" [1][1]
 
______________________
[1][1]الفتح: 16


 
 
 
 
*د يحيى
24 - يناير - 2010
زوال إسرائيل (3)    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم
 
 
 
الجَـــوْس ::
 
 فجاسوا خلال الديار): الجوس هو التردُّد ذهاباً وإياباً. ونحن نقول في العاميّة: "حاس الدار" إذا أكثر من الذهاب والإياب حتى ظهرت آثار ذلك في أرجاء البيت، في صورة من الفوضى. وكذلك عندما نضع البصل في الزيت، ونضعهما على النارِ، ونكثر من التحريك والتقليب، نقول: " إننا نحوس البصل ". وإذا وقع إنسانٌ في مشكلة جعلته يضطرب فلا يعرف لحلها وجهاً، نقول: " وقع في حوسة ". والحوس والجوس هنا بمعنى واحد. والعقوبة غير واضحة المعالم كالمرة الثانية، ولكنك تستطيع أن تتصورها عندما يجوس قوم أولوا باسٍ شديد، ليس في قلوبهم إيمانٌ ولا رحمة.
 بدأ الفساد بانقسام الدّولة بعد موت سليمان عليه السلام عام 935 ق. م، ثم كان جوس المصريين، فالآشوريين، فالكلدانيين. وبارتفاع وتيرة الإفساد ارتفعت وتيرة الجوس وخطورته، حتى بلغ الذّروة بتدمير الدّولة الشمالية إسرائيل عام 722 ق.م. وبذلك تم قتل وسبي عشرة أسباط من الأسباط الإثني عشر، وبقي الجوس في الدولة الجنوبية يهوذا على الرغم من بعض الإصلاحات، وأبرزها إصلاحات (يوشيا) عام 621 ق.م،[1][1] إلى أن تم تدميرها من قبل الكلدانيين عام 586 ق.م. وبذلك تلاشت آثار المملكة التي أسسها داود وسليمان، عليهما السلام.
        (عباداً لنا أولى بأسٍ شديد فَجاسُوا خلال الدّيار): الدارس للتاريخ، والمتدبّر للآيات الكريمة، يلاحظ:
        1) أنّ الجوس قام به المصريّون، والآشوريّون، والكلدانيّون –البابليون - وبذلك نلحظ دقة التعبير القرآني: " عباداً " هكذا بالتنكير.
        2) كانت الأمم الثلاث قوية وشديدة البأس، وتجد ذلك واضحا في الروايات التاريخية.
        3) دخلت جيوش هذه الأمم خلال الديار من غير تدمير لكيان المجتمع، وأبقوا الملوك في عروشهم، حتى كان الملك (هوشع)، الملك التاسع عشر على مملكة إسرائيل، فزالت في عهده عام 722 ق.م. أما مملكة يهوذا فزالت عام 586 ق.م، في عهد الملك (صِدْقيّا)، الملك التاسع عشر على مملكة يهوذا، وبذلك انتهى الجوس. من هنا نلحظ دقة التعبير القرآني في قوله تعالى: " خلال الديار ".
        4) تَصاعدت وتيرة الإفساد وتصاعد معه الجوس، حتى كان الأوج عام 722 ق.م، ثمّ عام 586 ق.م. من هنا ندرك دقّة التعبير القرآني في قوله تعالى: " لتُفسِدنَّ في الأرض... ولتعلنَّ عُلواً كبيراً ".
           بعد زوال المملكتين انتهت المرة الأولى، لكنّ جزءاً من اليهود عادوا إلى الأرض المقدّسة على مراحل، وبدأت عودتهم في عهد (كورش) الفارسي، الذي حرص على أن لا يقيم لهم دولة، ثم كان الاحتلال اليوناني عام 333 ق.م، ثم الأنباط، فالرومان الذين استمر احتلالهم للأرض المقدّسة حتى العام 636م، أي عام فتح عمر بن الخطاب للقدس.
 قام اليهود العائدون من الشتات[1][2]حاولات عدة لتحقيق الاستقلال، أو الحصول على حكم ذاتيّ. وقد نجحت بعض هذه المحاولات لفترة محدودة حتى كان السبي على يد (تيطس) الرّوماني سنة70م، ثم السبي الروماني الأخير في عهد (هدريان) عام 135م. وقد التبس الأمر على البعض، فذهبوا إلى القول بأنّ المرة الثانية كانت عام 70م و 135م لأن الهيكل الأول دُمر عام 586 ق.م، ودُمّر الهيكل الثاني عام 70م، ومُحيت آثاره تماما عام 135م.

توصيف الثانية ::
 
 
 بالرجوع إلى النص القرآني نلحظ أنّ هناك تعريفاً مفصّلاً بالمرّة الثانية يرفع كل التباس، وإليك بيان ذلك:                                 
(ثم): وهي للتراخي في الزمن:  سنة... عشرات السنين... آلاف... لا ندري.
(ثم رددنا لكم الكرة عليهم): تعاد الدّولة لليهود على من أزال الدولة الأولى، ولم يحصل هذا في التاريخ إلا عام 1948م، إذ رُدّت الكرّة لليهود على من أزال الدولة الأولى. والذين جاسوا في المرّة الأولى هم المصريون، والأشوريون، والكلدانيون. أما التدمير النهائي فكان بيد الآشوريين والكلدانيين. ونحبّ هنا أن يعلم القارئ أن الآشوريين والكلدانيين هم قبائل عربية هاجرت من الجزيرة العربية إلى منطقة الفرات، ثم انساحت في البلاد، حتى سيطرت على ما يسمى اليوم العراق وسوريا الطبيعية. وقد أسلم معظم هؤلاء وأصبحوا من العرب المسلمين، وهذا ما حصل لأهل مصر أيضاً. أما اليونان والرومان، فلم يكن لهم يد في زوال الدّولة الأولى، ولم تُردّ الكرة لليهود عليهم، ولم يكن اليهود في يومٍ من الأيام أكثر نفيراً منهم. أما نجاح اليهود في الحصول على شيء من الاستقلال في العهد اليوناني والروماني، فلا يمكن اعتباره رداً للكرّة، لأن اليونان والرومان لا علاقة لهم بالجوس الأول، ثمّ إنّ اليهود استطاعوا أن يحصلوا فقط على ما يسمى اليوم بالحكم الذاتي لا أكثر.
(وأمددناكم بأموال): لاحظ إيحاءات: (أمددناكم)، ثم انظر واقع دولة إسرائيل قبل قيامها، وبعد قيامها إلى يومنا هذا، فقد قامت واستمرت بدعمٍ ماليّ هائل من قبل الغرب. ولا نظنّ أنّنا بحاجة إلى التفصيل في هذه المسألة، التي يعرفها الجميع.
 (وأمددناكم بأموالٍ وبنين): قوله تعالى: (وبنين) لا يعني أنهم لم يُمدّوا بالبنات، ولكن لا ضرورة للكلام عن البنات في الوقت الذي نتكلم فيه عن رد الكرّة، وقيام الدولة، وحاجة ذلك إلى الجيوش الشابة المقاتلة. ورد في كتاب (ضحايا المحرقة يتّهمون)، والذي قام على تأليفه مجموعة من الحاخامات اليهود، أن حكومة هتلر عرضت على الوكالة اليهودية أن تدفع الوكالة خمسين ألف دولار مقابل إطلاق سراح ثلاثين ألف يهودي، فرفضت الوكالة هذا العرض مع علمها بأنهم سيقتلون. ويرى مؤلفو الكتاب أنّ سبب الرّفض هو كون الثلاثين ألفاً هم من النساء، والأطفال، والشيوخ، الذين لا يصلحون للقتال في فلسطين؛ فقد كانت الوكالة اليهودية تحرص على تهجير العناصر الشابة القادرة على حمل السلاح، أي البنين.
(وجعلناكم أكثر نفيراً): والنّفير، هم الذين ينفرون إلى أرض المعركة للقتال. وعلى الرُّغم من أنّ العرب كانوا أكثر عدداً عام 1948م، إلا أنّ اليهود كانوا أكثر نفيراً؛ ففي الوقت الذي حشد فيه العرب (20) ألفاً، حشد اليهود أكثر من ثلاثة أضعاف (67) ألفا.
 
 
 
 
 
*د يحيى
24 - يناير - 2010
زوال إسرائيل (4)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
ستـة عنــاصر ::
 
 
 
على ضوء ما سلف يظهر لنا أنّ هناك ستة عناصر لقيام الدولة الثانية والأخيرة، نجدها في القرآن الكريم. واللافت أنّ هذه العناصر تنطبق تماماً على دولة إسرائيل المعاصرة:
         1) تعاد الكرّة والدولة لليهود على من أزال الدولة الأولى، وهذا لم يحصل في التاريخ إلا عام 1948م، كما أسلفنا.
         2) تُمدُّ إسرائيل بالمال الذي يساعدها عند قيامها، وفي واستمرارها، ويظهر ذلك جليا بشكل لا نجد له مثيلا في دولة غير إسرائيل.
         3) تُمدُّ إسرائيل بالعناصر الشابة القادرة على بناء الدولة، ويتجلى ذلك بالهجرات التي سبقت قيام إسرائيل، والتي استمرت حتى يومنا هذا.
         4) عند قيام الدّولة تكون أعداد الجيوش التي تعمل على قيامها أكثر من أعداد الجيوش المقابلة. وقد ظهر ذلك جليا عام 1948م، على الرُّغم من أنّ أعداد الشعوب العربيّة تتفوق كثيراً على أعداد اليهود، ومن المفترض على ضوء ذلك أنّ تكون أعداد الجيوش العربيّة أكثر من ذلك بكثير.
         5) يُجمَع اليهودُ من الشتات لتحقيق وعد الآخرة. وهذا ظاهر للجميع، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: "...جِئنا بكم..."[1][1]   .
          6) عندما يُجمَعُ اليهود من الشتات يكونون من أصولٍ شتىّ، على خلاف المرّة الأولى؛ فقد كانوا جميعا ينتمون إلى أصل واحد، ألا  وهو يعقوب عليه السلام. أمّا اليوم فإننا نجد أنّ الإسرائيليين ينتمون إلى 70 قوميّة، بل أكثر. ويستفاد ذلك من قوله تعالى: " جئنا بكم لفيفاً ".
  انظر هذه العناصر الستة، هل تجد هناك عنصراً سابعاً يمكن إضافته، وهل هناك عنصر زائد يمكن إسقاطه ؟! وبذلك يكون تعريف المرّة الثانية جامعاً كما يقول أهل الأصول. وعليه من أراد أن يقول إنّ وعد الآخرة قد تحقّق قبل الإسلام، فعليه أن يُبيّن لنا متى توافرت هذه العناصر قبل هذه المرة.
 
____________________
[1][1]يأتي بيان ذلك بعد أسطر.
 
وعــد الآخــــرة ::
 
 لم يرد تعبير : " وعد الآخرة " في القران الكريم إلا في سورة الإسراء، في الآية 7، والآية 104. والحديث في الآيتين عن بني إسرائيل: "فإذا جاء وعدُ الآخرةِ ليُسوءوا وجوهكم"، "فإذا جاء وَعْدُ الآخرةِ جِئْنا بِكم لفيفا". في بداية سورة الإسراء تمّ تفصيل الحديث حول الإفسادين. وفي خواتيم سورة الإسراء تمّ إجمال الحديث عن المرتين "فأرادَ أنْ يَستفِزَّهم من الأرض فأغرقناهُ ومن معهُ جميعاً، وقلنا من بعده لبني إسرائيلَ اسكنوا الأرض فإذا جاءَ وَعدُ الآخرةِ جئنا بكم لَفيفا" أي قلنا، من بعد غرق فرعون، لبني إسرائيل: اسكنوا الأرض المقدّسة. وبذلك يتحقّق وعدُ الأولى. وقد كان القضاءُ بحصول المرّتين بعد خروج بني إسرائيل من مصر. وأمّا قوله تعالى: (فإذا جاءَ وعدُ الآخرةِ جئنا بكم لَفيفاً(، فإنّه يشير إلى أن اليهود بين وقوع المرّة الأولى، ووقوع المرّة الثانية والآخيرة، يكونون في الشّتات، بدليل قوله تعالى: (جئنا بكم). ومن هذه الآية تمّ استنباط العنصر الخامس والسادس، والمعنى: عندما يأتي زمن وعد المرّة الأخيرة نجمعكم من الشتات، في حالة كونكم منتمين إلى أصول شَتىّ. أمّا قولنا إن الأرض هي الأرض المقدّسة المباركة، فيظهر ذلك جليا في الآيتين: (136،137) من سورة الأعراف: " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمِّ بأنهم كذَّبوا بآيتنا وكانوا عنها غافلين، وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستضعفونَ مشارقَ الأرض ومغاربها التي باركنا فيها..) من هنا يمكن أن نوظف التاريخ لتحديد الأرض المباركة شرقاً وغرباً. والمعروف أنّ بني إسرائيل قد سكنوا واستوطنوا فلسطين، والتي بوركت في القرآن الكريم خمس مرات، وقُدِّست مرّة واحدة:
1)  "... مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها..". [الأعراف: 137[
2) "... إلى المسجدِ الأقصا الذي باركناحولهُ..." . [الإسراء: 1 [
3) " ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ". [الأنبياء: 71[
4) "...تجري بِأمرهِ إلى الأرض التي باركنا فيها...". ]الأنبياء: 81 [
5) " .. بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرةً...". ] سبأ:18[          
6) " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسةَ...". ]المائدة:21[
 تتحدث الآية الأولى عن الأرض التي سكنها بنو إسرائيل بعد إخراجهم من مصر وغَرَق فرعون، وهي الأرض المقدّسة التي وُعِدوا بأن يدخلوها، كما جاء في الآية 21 من سورة المائدة. ومعلومٌ  أنّ المسجد الأقصى الذي تتحدث عنه آية سورة الإسراء موجود في فلسطين. أمّا الآية 71 من سورة الأنبياء فتتحدث عن نجاة إبراهيم ولوط، عليهما السلام، إلى الأرض المباركة. ويجتمع أهل التاريخ على القول بأنّ إبراهيم ولوطاً، عليهما السّلام، قد هاجرا إلى فلسطين، بل إنّ إبراهيم، عليه السلام، مدفون في مدينة الخليل. والآية 81 من سورة الأنبياء تتحدث عن سليمان، عليه السلام، ومعلوم أن مملكته كانت ابتداءً في فلسطين. أمّا الآية 18 من سورة   سبأ فتتحدث عن العلاقة بين مملكة سبأ ومملكة سليمان، عليه السلام، ومعلوم أن مملكته، عليه السلام، تعدّت في اتساعها حدود فلسطين المعاصرة. وإن كانت فلسطين تشكّل الجزء الأساس والرئيس في مملكته.
 ( إن أحسنتم  أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتُم فلها ): وَعْظ يحمل معنى التهديد.
 ( فإذا جاء وعدُ الآخرة ): إذا  وقع الإفساد الثاني، وحصل من اليهود العلو والطغيان، عندها ستكون العقوبة: ( ليسوءوا وجوهكم... ). وفي وعد أُولاهما كان جواب (إذا) هو (بعثنا)، فأين جواب (إذا) في وعد الآخرة ؟نقول: هو أيضاً (بعثنا) والمعنى: فإذا جاء وعد الثانية والأخيرة بعثناهم لتحقيق أمور ثلاثة: ليسوءوا... وليدخلوا... وليتبروا.
 ( ليسوءوا وجوهكم ): أي يُلحقوا العار بكم، أو يُسيئوا إليكم إساءة تَظْهر آثارها في وجوهكم. وقد يكون المقصود تدمير صورتهم التي صنعوها عبر الإعلام المزيّف، بحيث تتجلى صورتهم الحقيقية، ويلحقهم العار، وتنكشف عوراتهم أمام الأمم، التي خُدعت بهم سنين طويلة. وهذا يكون بفعل العباد الذين يبعثهم الله لتحقيق وعد الآخرة.
 ( وَلِيَدْخُلوا المسجدَ ): المقصود المسجد الأقصى، والذي بُني بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، وفق ما جاء في الحديث الصحيح.
 ( كما دخلوهُ أولَ مرةٍ ): تكون نهاية كل مرّة بدخول المسجد الأقصى، وسبق أن بينا أن نهاية المرة الأولى كانت عام 586 ق.م، إذ دُمّرت دولة يهوذا، وسقطت القدس في أيدي الكلدانيين. أما اليوم فقد اتخذ الإسرائيليون القدس عاصمة لهم، ولا شك أن سقوط العاصمة، والتي هي رمز الصراع، سيكون أعظم حدثٍ في المرة الثانية، والتي وصفتها الآيتان بـ (الآخرة)، مما يشير إلى أنّها الأخيرة. وهذا مما يعزز قولنا: إنّ هذه هي المرّة الثانية، إذ لا ثالثة، وقد سبقت الأولى.
 ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ً): يُدمّرون، ويُهلكون، ويُفَتتون كل ما قد يسيطرون عليه، إهلاكا، وتدميرا، وتفتيتاً. وذلك يوحي بأنّ المقاومة ستكون شديدة، تؤدّي إلى رد فعل أشد. و (ما) تدل على الشمول، وهي هنا بمعنى (كل). والضمير في (عَلَوْا) يرجع إلى أعداء بني إسرائيل. ويجب أنْ لا ننسى لحظة أنّ المخاطَب في هذه النبوءة هم اليهود:  ( لتفسدُنّ... ولتعلُنّ... عليكم...  رددنا لكم... وأمددناكم... وجعلناكم... أحسنتم... أسأتم... وجوهكم... يرحمكم... عدتم ). لذلك يجب أن نَصْرِف الضمائر في الكلمات الآتية إلى أعداء اليهود:  ( فجاسوا... عليهم... ليسوءوا... وليدخلوا... دخلوه.... وليتبروا... علوا... ).
*د يحيى
24 - يناير - 2010
 1  2  3  4