البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : أصوات من العالم

 موضوع النقاش : العرب و الطاقة و الحياة (23)    كن أول من يقيّم
 professor adnan 
16 - نوفمبر - 2009
القسم: مقالات | أضيف بتاريخ: 5-06-2009
البارحة، يوم الاثنين 22 حزيران 2009، نشر الصحافي الأمريكي الكبير، الأستاذ فريد زكريا، مقالاً مثيراً في ” مجلة نيوزويك الدولية: NEWSWEEK “، بعنوان ” البيان الرأسمالي: الجشع مفيد “، تميز بحكمته الإنسانية و بعمق ثقافته و ببعد نظره، و سيكون موضع اهتمام حوارنا الفكري الحالي المتواضع هذا لاحقاً، فذكرني هذا العمل الفكري الشجاع مباشرةً بالمفكر الإيطالي الكبير الأستاذ فرانشيسكو بترراكا ( Petrarch )، الذي سبق له و تصدى في ثلاثينيات القرن الرابع عشر الماضية لتقويم طبيعة أشياء ثلاثية الوجود الغربي السائدة وقتئذٍ، أي: ” تسارع الانحطاط الحضاري الأوروبي – ضراوة الجشع الرأسمالي – تفسخ المجتمع المدني “، التي سادت الوجود الغربي خلال الحقبة الزمنية التي تلت سقوط روما و حتى عصر النهضة الأوروبية، ليخلص بنتيجة ذلك إلى تسمية الحقبة التي غشتها هذه ” الطبيعة الوحشية ” بعصر الظلام: Dark Age “. و بذلك أطلق ” بترارك ” بـاكـورة ” إتـقـان ” البيانات ( declarations ) العقائدية العالمية. و رغم البيانات الظلامية المتضاربة و المتهافتة التي شكلت لاحقاً صلب كيان عقائد ” الاستعمار القديم:Colonization “ و ” الاستعمار الحديث: Imperialism “، فإننا في إطار منظورنا لطبيعة أشياء العصر البترولي السائدة اليوم، ( أنظر مقال رأينا بعنوان: ” نُهُوضُ وَ سُقُوطِ الإِمبرَاطُورِيَةِ البِتْرُولِيَةِ “، المنشور في الموقع الالكتروني المميز أخبار النفط و الغاز السوري: www.syria-oil.com، 4-06-2009) ، سنسعى عبر حوارنا التالي إلى تقديم “عرضٍ مبسطٍ “لطبيعة أشياءِ” ثلاثة بيانات عالمية مشهودة هي: البيان الشيوعي، و البيان الرأسمالي الجديد (المشار إليه أعلاه في مقال الأستاذ زكريا في مجلة النيوزويك الأمريكية) ، و البيان التحرري العربي، و ذلك على النحو المبسط التالي:
( 1 ) - ” ثمة شبح يجول في أوروبا: هو شبح الشيوعية “، ذلك هو مطلع البيان الشيوعي التاريخي الكبير الذي كتبه و نشره كارل ماركس و فريدريك إنغلز معاً في عام 1850. و في الوقت الذي أكد به البيان على تصور أن هذا الشبح وقتئذٍ، بات حقاً يرهب قوى أوروبا العجوز جميعا “، ذهب بعيداً في أعماق الفكر السياسي – الاقتصادي ليشرح حقيقة أن: ” التاريخ بأسره كان تاريخ نضال بين الطبقات: الطبقات المستثمِرةً و الطبقات المستثمَرة، الطبقات السائدة و الطبقات المسودة، في مختلف مراحل تطورها الاجتماعي، و لكن هذا النضال قد وصل في الوقت الحاضر إلى مرحلة أصبحت فيها الطبقة المستثمرة المرهقة ( و هي البروليتاريا ) لا تستطيع أبداً أن تتحرر من نير الطبقة التي تستثمرها و ترهقها ( و هي البرجوازية ) دون أن تحرر في الوقت نفسه، وإلى الأبد، المجتمع بأسره من الاستثمار و الإرهاق..”. و بعزيمة مميزة لا سابق لها، يختم البيان الشيوعي نداءه قائلاً: ” فلترتعش الطبقات الحاكمة أمام فكرة الثورة، فليس لدى البروليتاريا ما تفقده سوى قيودها و أغلالها، و تربح من ورائها عالماً بأسره، فيا عمال العالم إتحدوا “. وفي المنطقة الغائمة في هذا العالم المنظور، تبين لاحقاً منذ نشر هذا البيان و حتى تاريخه، أن ” أثر الفراشة: The Butterfly Effect ” البترولي قد ساد المجتمعات البشرية، ما بين أعلى الأرض و أدناها، منذ عام 1857 ( أي زمن حفر أول بئر بترولي في رومانيا ) و حتى اليوم، فكان أن أفسدت دحرجة أول برميل بترولي، و ليس خفقة جناحي فراشة حضارية ما، لعبة صراع الطبقات و أعطتها هيئات لعب ” صراع ما فوق طبقية ” إمبريالية هجينة متوحشة جديدة. فكان أن تجسدت بواكير فلاح هذه اللعب عبر الإطاحة برأس أول تجربة اشتراكية عالمية عظيمة ( أي دولة الاتحاد السوفييتي العتيدة )، و بتركيع الأمم الأوروبية عند أقدام الإمبريالية - الأمريكية – التلمودية الجديدة، كما شرخت عميقاً كامل وجود البشرية و استقطبته إلى حد كبير بين ” إمبراطورية الظلام البترولية ” و من عاداها من أحرار و فقراء الشعوب، حيث يتوق اليوم جميعُ ” المستضعفين في الأرض ” إلى سماع بيان ” ثوري إنساني ” جديد يقول: ” يا فقراء العالم قوموا لله “، و
 
( 2 ) - ” ثمة شبح يرعب العالم: يؤذنُ بعودة الرأسمالية “، ذلك هو مطلع البيان الرأسمالي الدولي التاريخي الجديد الذي كتبه المفكر الشمالي البارز الأستاذ فريد زكريا في الولايات المتحدة الأمريكية و نشره في مجلة النيوزويك الأمريكية يوم 22 حزيران 2009 الجاري. ففي مقدم بيانه الجريء هذا، بدأ الأستاذ زكريا بيانه الجديدً، قائلاً: ” عبر الشهور الستة الماضية، ترسخ اعتقاد لدى السياسيين و رجال الأعمال و النقاد بأننا أصبحنا اليوم في وسط زحمة رأسمالية كارثية تتطلب تغييرا جباراً و سنوات من معالجة الآلام. فلن يبقى أي شيء على حاله دون ريب. و أعلن عميد المعلقين الماليين، مارتن ولف، في صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية قائلاً: أنه قد تهاوى الآن إله عقائدي. و هتف جيفري إيمليت مدير شركة جنرال الكتريك مذعوراً قائلاً: على الشركات – و هي تعمل اليوم – أن تقوم بإصلاح أصولها الذاتية “، كما أكد وزير المالية الأمريكي تيموثي غيثنر قائلاً: لقد تبدلت الرأسمالية؟ “. و تلك هي حقيقة كبرى حيرت من قبل قادة الرأسمالية في قمة لندن (, 02 April 2009 G-20 London summit ) و كاد لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يفلت في هذه القمة ليقول تحديداً: ” لقد هزمت الشيوعية من قبل، فيما يتكسر مركب الرأسمالية اليوم على صخرة الانحسار الكبير الضارب، أ لم يحن وقت ابتكار نظام عالمي جديد؟ “. و عندها لم يتردد الرئيس الفينيزويلي هوغو شافير من إسعافه ناصحاً وقتئذٍ عن بعد: ” عليك بالاشتراكية و أعدك بأن البشرية المستضعفة لن تهزم البتة بعد الآن “. و في ما بين عرض التفاصيل المثيرة لتكسر أشرعة الرأسمالية العالمية على صخور الانحسار الاقتصادي الرهيب، الذي ينتاب وجود أمم الشمال الإمبريالية اليوم تحديداً، يمضي البيان الرأسمالي الجديد في تشخيصه ظاهرة أفول الطبقتين الرأسمالية و البرجوازية معاً، و بدء اندماجها في طبقةٍ بشرية هجينة جشعة فاحشة الثراء، ليحط الرحال عند ” نصح ” قادة هذه الطبقة الجديدة بالتوقف عن جشعهم خوفاً من أن تكمن في هذه الطبيعة الأنانية شرارة ثورة للفقراء و المستضعفين، قادرة على تعطيل هذا الاندماج الرجعي الهجين دون رجعة. و يختم البيان الرأسمالي العالمي الجديد قائلاً: ” لا ريب في أننا ضمن معضلة كارثية شاملة، حيث تم توجيه الكفاية من اللوم، و تم تقديم العديد من الإصلاحات، الواجب تحقيقها، ما بين النظام الدولي و الحكومات و المؤسسات الخاصة. و تبقى في القلب، ثمة حاجة ماسةٍ لإصلاح شجاع أعمق فيما بيننا. فإن لم نبادر بفعل ذلك بشكل صائب، فلن يقودنا الوضع لاستعادة النماء أو لإصلاح العولمة أو لإنقاذ الرأسمالية من جهة، بل يمكن في المقابل أن يكون البداية الصغيرة نحو الجنون من جهة أخرى “.
 
أما البيان العالمي الثالث، فهو ذلك ” البيان التحرري العربي ” الذي دعا، و لم يزل، إلى إعلاءِ مقام وجود الشعب العربي تحت الشمس. و المميز في هذا البيان أنه: كتب حقاً بدماء الشهداء لدى إنطلاق شرارة الثورة العربية الكبرى في بلاد الشام في النصف الأول من القرن العشرين الماضي. و تجلى مسطراً بالعزة على راية المستضعفين من أبناء الطبقة العربية الكادحة ليكون محفزاً خالداً للأجيال العربية الصاعدة على التفاني في إرساء مباديء الحرية و الوحدة العربية و الإنصاف الاشتراكي العربي الحق. و قد عرفت قوى الظلام الإمبريالية القديمة و الحديثة، بعظيم خطر فعل هذا البيان الوطني – العربي المجيد، على مصالحها البترولية بخاصة، لم تتوانى البتة عن ” ابتكار ” قوى ” إستيطانية ” جديدة يمكن من خلالها حكم ” governance ” تحرك مركب بقاء و نماء الشعب العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي حتى اليوم. فكان أن أفلحت هذه القوى في التآمر و الإطاحة برأس أول تجربة وحدوية عربية مجيدة في العصر الحديث، أي ” الجمهورية العربية المتحدة ” التي رأسها البطل العربي الخالد جمال عبد الناصر، الأمر الذي أعاد لقوى الرأسمالية و الاستغلال في الوطن العربي بعض مواقع نفوذها و ثقتها بالمستقبل المنظور. و من جهة أخرى، لم تستكن راية المستضعفين في الأرض العربية و لم تهن، فكان أن تمكنت بقومتها الجديدة من: (1) تعزيز صمود أخوتنا إزاء زحف قوى الشمال الإمبراطورية – التلمودية على بلاد الرافدين، و (2) و من صنع انتصار المقاومة اللبنانية العظيم في تموز عام 2006 على الجيش الإسرائيلي التلمودي المحتل في لبنان، و من ثم (3) تمكين المقاومة الفلسطينية المجيدة من الثبات أثناء محرقة غزة عام 2009 الجاري. و من الإجحاف بمكان لقدر ” البيان التحرري العربي ” القول بأنه سيحمل نفس مصير البيانين الشيوعي و الرأسمالي، فهو بعون الله أرسيت طبيعته الحضارية على أساس أن يكون متجدد ” القومة لله ” و لهذا أصبح خاضعاً لقول الله عز و جل: ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم “، صدق الله العليُّ العظيم.
 
الدكتور عدنان مصطفى
وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية )
profamustafa@myway.com
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة