لَوْ عَزَّ البِتْرُولُ: فَمَاذَا يُصْنَعُ!!؟ 11/05/2007 بقلم: الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية) الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابيك )
لا ريب في أن البشرية باتت، قاب قوسين أو ادني، رَهْــنَ الحُـكْــمِ ( governance ) المطلق للهيمنة الإمبريالية الظلامية الشاملة الجديدة: شاهدنا العام في هذا المقام متجسدٌ، بمنتهى البساطة و الوضوح، في السيطرة شبه الشاملة تقريباً لأمم الشمال الكبرى على معظم مقدرات النماء العالمية، في حال بقيت أمم جنوب العالم– و الأمة العربية المستضعفة في مقدمها – مرهـصة الـبـقـاء، و تلـك هي باعتـقـادنـا حـقـيـقـة إشكـالـية " حُـكْـمُ مَـدَنِـيَـةِ الـقُـنُـوُعِ: The governance of contentment civilization “ الراهنة، التي جاء المفكر الاقتصادي الشمالي المميز الدكتور جون كينيث غالبرايث على وصفها مؤخراً. فتحت عباءة إرساء أصول شفافة لمنظور الحكم ( governance ) العالمي الجديد، يسعى صقور الاقتصاد الرأسمالي الدولي، بكل ما يملكون من جهد، إلى استيعـاب قَـرار الـحُـكْـمِ الـوطـني الحـقـيـقي الـحُـرّ ( free national governing )، ما بين أعلى الأرض و أدناهـا، و ابتكـار دُمَـىْ حُـكْـمٍ جديـدة (puppet regimes ) يجري صهرها اليـوم في أتـون " عقائد ديموقراطية الفوضى الدموية "، و ذلك تحت راية التمدن الأمريكي – التلمودي الملطخة اليوم بدماء أطفال و نساء و شيوخ شعوب الجنوب، في كل مكان، و بشكل خاص في أفغانستان، فلسطين، و العراق. و قد اهتزت الأرض تحت أقدام حملة الراية الإمبريالية الظلامية، و في مقدمهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، بفعل التظاهرات الغاضبة لمعظم شعوب الشمال عموماً و المقاومات الوطنية المميزة في عالم الجنوب، و بشكل مقاومٍ مثير خصوصاً في العراق، يبدو الرئيس الأمريكي – التلمودي جورج بوش الابن يصيح اليوم فزعاً مهزوماً: " يا أيها الناس: يكاد " بترول العراق " يضيعُ مجدداً من يدِ "إمبراطورية البترول الكبرى"(!؟) نتيجة عزم مجلسا الشيوخ و النواب بالتخلي عن أبنائهم المقاتلين في بلاد الرافدين (!؟)...الخ "، و ذلك رُغمَ إهدار بضعة تريليونات الدولارات في حرب وحشية ضاريةٍ ذبحت – حسب تقدير مجلة لانست ( Lancet ) الطبية الدولية – ما لا يقل عن ثلاثة أرباع مليون عربي في بلاد الرافدين، و قتلت ما لا يقل عن بضعة ألاف من جنود و ضباط جيش الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يقهر!( the invincible ). و انطلاقاً من هذه الخلفية الغاشية المثيرة اليوم، عمدت مجلة نيوزويك الأمريكية المشهودة – و على لسان كبير محرريها السياسيين هوارد فاينمان – إلى منح الرئيس بوش الابن لقب " الرجل الممزق: A Man Apart " كونه بات يؤكدُ في كل آن على واقعية لقبه الجديد وذلك من خلال ردوده العصبية اليومية على موقف مجلسي النواب و الشيوخ المعارض بمنتهى القوة لخطته الرامية إلى إرسال المزيد من القوات و العتاد الأمريكي – البريطاني إلى العراق، فهو لا ينفك البتة حتى الآن عن كشف حاجته الماسَّةَ " لإتمام مهمته الإمبريالية " لصالح سيطرة " إمبراطورية البترول الكبرى " التامة على بتـرول العراق، الأمـر الذي دفع بحاله التسلطي مؤخـراً إلى: " التـجاهـل الدكتاتوري المبين لروح الديموقراطية الشمالية "، و المبادرة إلى تحدي معارضيه في الحزبين الديموقراطي و الجمهوري بشأن إرسال المزيد من السلاح و الأرواح إلى العراق، و ذلك حين صرَّح بكل الصلف الفاشستي لرئيس الدولة الأعظم في العالم: " أنـا لــن أخـضـــعَ الـبـتـة للمعـارضـة الـداخـلـية قـصيـرة الـنـظـر، فـأنـا الأوحـد الذي يـصـنـعُ قـرار الـحـرب و الـسـلـم في دولـة الولايـات المتحـدة الأمريكية.......الخ: I am the decision-maker on issues of war " ( The Associated Press, 30 January 2007 )، مؤكداً على أنه سيمضي في تحريك قوات البحرية الأمريكية ( متعددة المواهب القتالية ) الكامنة – بشكل مريح – سرياً في جنوب العراق و البالغة 92000 و ليس تلك البالغة 21500 جندياً التي يلوح بها على الملأ الأمريكي الغاضب، لحسم إشكالية السيطرة التامة على بترول المشرق العربي. و لا جدال في أن هذا الحال التعيس الذي بات يعيشه أصحاب القرار الطاقي في " إمبراطورية الظلام البترولية الكبرى " هو الذي جعل أسواق الطاقة العالمية، و البترولية المضطربة منها بخاصة، تتصور بروزاً سوقياً مبيناً لمقام حقيقة " انحسار وفرة المصادر البترولية " في المنظور العاجل، ليصبح عزيزاً في الآجل، و لات حين مناص. و إطفاء للنار التي هبت في بيادر الشمال الطاقية، و في عقر حزبه الجمهوري المهزوم تحديداً، حاول الرئيس الأمريكي – التلمودي جورج بوش الابن في خطابه الدوري حول حال الأمة الأمريكية ( 24 كانون الثاني 2007 )، و باعتباره مرسل رب التلمودية العصري، إبداء كراماته الدينية من خلال الإقتداء بمرسلٍ جهنمي آخر هو الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان ( صاحب حرب النجوم إياها ) الذي سبقه بتقديم وصيته الحادية عشر، و التبشير بوصايا جديدة. و إذ لا يمكن إنـكـار معرفة كل المؤمنين بالرسالات السماوية الثلاث بمضمون الوصايــا الـعـشـر، كما لا يعرف سوى القلة منهم بالوصية الريغانية الجـديـدة الحاديـة عشر القائلة:" أيها السياسيون الـجـمهـوريون لا تــقــدحوا الـبـتـة بـرفـاقـكـم الـجـمهـوريـيـن: Thou shalt not speak ill of a fellow Republican "، وعظ الرئيس الأمريكي – التلمودي بوش الابن، في خطابة المشار إليه أعلاه، بالوصايا 12، 13 و 14 القائلة بحزم: 1. أيها الشعب الأمريكي حذار من ادمانك على البترول المستورد (!؟) الذي عَـزَّ اليوم، بل عليك خفض استهلاكك البترولي بما لا يقل عن 20% (!!!؟) خلال العقد المقبل: ( Bush’s blue-collar war, New Statesman, 22/01/2007, Slash Petrol Use, Bush Tells Us: Daily Telegraph, Jan 24 2007
2. يا أنصار التلمودية حذار من الذين يحولون بينكم و بين الوطنية الجنوبية الناهضة، فأصحابه يريدون إحباط إيمانكم بتعاليم " إمبراطورية البترول الكبرى "، تلك الداعية إلى عدم ترك مصائر الثروات البترولية العالمية بيد أوبيك أو أوابيك أو الرئيس خوزيه شافيز ( Rich man, poor man, The Economist, Jan 18th 2007 )
3. يا حكــام الـعـراق الـجـدد، احـذروا غــضـب رب التلمود الأعظم – راعـي إمبـراطـورية الـبـتـرول الـكـبـرى– بتـهاونكـم في تسلـيمـنا شرعاً مـقـدرات ثــروة الــعــراق البـتـرولـية ( www.wsws.org: Jerry White, 11/01/2007 ). على أي حال، لقد نهضت المعارضة الديموقراطية و الجمهورية في وجه الرئيس التلمودي بوش الابن و نائبه ديك تشيني، مؤكدة في يوم الثلاثاء 30 كانون الأول 2007 على أن " قرار الحرب و السلم الأمريكي يأتي عبر المشاركة المؤسسية السياسية الجماعية المسئولة في الولايات المتحدة الأمريكية، و لا يمنح الدستور الأمريكي قرار الحرب للرئيس، بل يوكل إليه أمر إدارة القوات المسلحة ليس إلا "، و ذلك على لسان السناتور آرلين سبيكتر أمام الاجتماع الخاص بسلطة مجلس الشيوخ في شأن الحرب و السلام. و إزاء بروز ظاهرة الردع الشمالية هذه، يحق للوطنيين العرب، من أصحاب القرار السياسي – التنموي الوطني خصوصاً، و المفكرين عموماً، التحرك نحو فتح حوار جادٍّ جديد بين مستهلكي البترول و مصدريه على أساس " عقيدة الاعتماد المتبادل العالمية " التي سبق أن بادهت بها أوبك و أوابيك عبر معظم عقود القرن العشرين الأخيرة، و هي التي تشكل باعتقادنا القوة الموصدة لباب الحروب الإمبريالية الظلامية التي تقوم بشنها " إمبراطورية النفط الكبرى " على نحو مدمر للبشرية منذ ما لا يقل عن عقدين من الزمان الغابر. و في حال عدم اقتناص مثل هذه الفرص الطيبة اليوم، يبدو أن إمبريالية الظلام ستمضي في حصد الأخضر و اليابس على وجه البسيطة، و حينها لا مناص لنا من إعادة إطلاق نداء وقفة العزّ العربية الإسلامية الأخير في وجه الظلم و القائل: " أيا سيوف خذينا ".
|