الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية ) رئيس الجمعية الفيزيائية العربية profamustafa@myway.com منشور: موقع أخبار النفط و الغاز السوري القسم: مقالات | أضيف بتاريخ: 4-06-2009 ” ثمة حتميةٍ فيزيائية لا عكوسة ( irreversible ) تحكمُ الآنَ وجود إمبراطورية الظلام البترولية الراهن “. و إنطلاقاً من وعي هذه الحقيقة الطبيعية العالمية الراسخة، لن يتردد أبسط عقلاء البشرية في التساؤل عما إذا كان ميعاد جفافِ أقلام الفكر البترولي قد أزف، أو التجرؤ بالقول أنه قد حان أوان رفع صحف هذه الإمبراطورية، بل الشقيقات البترولية الخمس الناظمة لنفوذها، و ذلك كما حدث و سقطت من قبلُ مثيلتها الإمبراطورية الرومانية البائدة؟. أم أن غير العقلاء - إنسانياً من رعاياها في أعلى الأرض و أدناها، لن تبصرَ عقائدهم الظلامية – الرأسمالية – الأنانية ” أبعادَ قَدَرِ هذه الحتمية “، و لن تدرك عقولهم البتة أن أفول نجم هذه الإمبراطورية الغاشمة و من يدور في فلكها، سيؤذن في المنظور غير البعيد نسبياً باكتساح بقاء البشرية، و ليس نماءها فحسب، حتى ليبدو وقتئذٍ أن أمر الله عز و جلّ قد أتى، و أن البشرية ” المستغلة طاقياً ” سيصيبها فقط قضاء الله الموصوف بقوله جلت قدرته: ” و هو يبدأ الخلق ثم يعيده و هو أهون عليه و له المثل الأعلى في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم “؟ ( القرآن الكريم، الروم، 27 ). بدهياً، يمكن الإجابة على هذه التساؤلات الحضارية – المصيرية بدايةً بالقول أنه: عندمـا سيتحقـق ” نضوب ” البترول من تحت شمس كوكب الأرض، و هو ” قَدَرٌ طبيعي لا رادَّ لحدوثه حتماً ” ( الشكل الأول: بيان هيئة النضوب البترولي التاريخية ) ( أنظر الشكل الأول )، ستجفُّ عُرُوقِِ هذا الكيان الإمبراطوري – الرأسمالي الضاري، و في حينه سيفتقد قلب قيادة هذا الكيان الغليظ، عنصر ” بوتاسيوم المودة الإنسانية ” الحاكم لانتظام دقاته. كونها منذ الأيام الأولى – التي سبقت نشر عقيدة أوبيك و أوابيك في مطلع ستينيات القرن الماضي – قد ” أضاعت خبز و ملح ” الإنصاف الإنساني ” على مذبح الأنانية الرأسمالية المستغلة من جهة، كما لن نجد طبيباً واحداً من ” أطباء طاقة العصر و الأوان ” قادرٌ بعدُ على ابتكار عقارٍ يماثلُ “ حبة الحياة: statin ” التي ابتدعها الطب البشري مؤخراً،َ فتتمكن قيادة هذه الإمبراطورية الظلامية في يوم من الأيام من التغلب على هذه الحتمية بأي شكل من الأشكال من جهة أخرى. و بعـيـداً عن التخصص التاريخي، يمكن مقاربـة حـوار ” أفول إمبريالية الظلام البترولية ” من خلال إنارة العوامل الرئيسة التي أدت، دون عودة، إلى ” سقوط الإمبراطورية الرومانية ” ما بين عامي 476 و 1453 ميلادية. و في هذا الصدد، يجمعُ عالما التاريخ البريطانيان العظيمان: الأستاذ الدكتور إدوارد غيبون: ( Edward Gibbon, 1737 – 1794, The History of the Decline and Fall of the Roman Empire ) و الأستاذ الدكتور هيربرت فيشر ( Herbert Fisher, 1865 – 1940, History of Europe ) على أنه: رغم انقضاء ما لا يقل عن عشرة قرون خلت قبل ” سقوط ” الإمبراطورية الرومانية فإن ” التفسخ ” الشديد الذي أصاب هذا الكيان الإمبريالي الرهيب قد انبثق من: ( أ ) - إرساء بنيان النظام الاجتماعي الإمبراطوري على ” العبودية “، فبلغت نسبة وجود العبيد حدود 25 % من مواطني هذا النظام، الأمر الذي قاد إلى ” تحجر ” قلوب الحكام و سحقهم كل مشاعر الوئام الإنساني الخير بين مختلف طبقات المجتمع الإمبراطوري الكبير، (ب ) – إنحسار الفضيلة و القيم الإنسانية : و ذلك بفعل عوامل رئيسة منها، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي: ( 1 ) – تنامي ” قسوة ” السادة في المجتمع الإمبراطوري في متابعة طموحاتهم الأنانية، ( 2 ) - فحش ” رفاه ” طبقة العسكريين و الأثرياء، كل ذلك إضافة إلى: ( 3 ) - تعاظم ” جشع ” السادة الأغنياء و طغيانهم، و ( ج ) - فساد الطبقات الإمبراطورية الحاكمة: و ذلك عبر توجه ” طغم الأثرياء : imperial cults ” نحو سرقة ” النفوذ ” السلطوي لإرضاء حاجتها من ” التنعم ” بسرقة قوت المستضعفين و العبيد داخل الإمبراطورية و خارجها. ( د ) – اعتماد ” القوة العسكرية “: لبسط النفوذ الاستعماري على الشعوب الأقاليم المجاورة لغرضين رئيسين: ( أولها ) - هو العمل على إمداد النظام الاجتماعي الإمبراطوري ” بالطاقة و الغذاء ” المتوفرة لدى الشعوب المستعمرة ( كاعتماد دلتا مصر كسلة خبز الإمبراطورية )، و ( ثانيها ) - متابعة توسيع ” أسواق العبودية ” بهدف تلبية طلب الطبقات الإمبراطورية الحاكمة على العبيد اللازمين لإمداد ” نظام الرفاه ” الذي قاد إلى ” فساد ” السادة الطاغين خصوصاً، و من ثم إلى ” تفسخ ” الكيان الإمبراطوري كله عموماً. و عند التساؤل حول مدى تطابق أصول أعمدة سقوط ” الإمبراطورية الرومانية ” الأربعة، المبسطة أنفا، مع التي باتت تنظم بقاء / فناء ” إمبراطورية الظلام البترولية ” اليوم، يبدو أن هذه الأصول هي هي ذاتها رغم التغييرات الجديدة في واجهاتها التي أجريت عليها وفق أصول النظرية الماكيافيللية المشهودة. فلقد تمَّ دمج ” العبودية ” و ” تردي الفضيلة ” في عقيدة ظلامية تحمل شعار ” الاستعباد الاستعماري الدولي الشامل ” الذي يتم عبره ضبط ” أنظمة حكم ” اتحادية أو إقليمية ( شمالية و جنوبية دون استثناء ) تعمل ليل نهار على حفظ المصادر الهايدروكابونية و إدارتها، و ذلك كما يحدث اليوم في العديد من أنحاء الوطن العربي و وسط آسيا مثلاً. و الظاهر من مهام الاستعباد ما يجري تحت شعار ” حوار المنتج – المستهلك البترولي ” حيث يتم من خلال فعاليات هذا الحوار على ” ابتكار ” مشاريع إمبراطورية تهدف إلى توسيع جهود الاستكشاف و التطوير في مناطق الأمل البترولية في عالم الجنوب من جهة، و استثمار العوائد البترولية مثلاً في مشاريع شمالية لتعبيد خطط طرق الطاقة الإمبريالية الشمالية من جهة أخرى. و تسهيلاً لمهمة هذه الأنظمة الإمبراطورية الموالية، نُظِمَت ” لعبة الانحسار المالي الشمالية “، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية و انتهاءاً بأوروبا، لإراحة قلوب و جيوب لصوص المصارف الشمالية، و لتركيع الطبقات الفقيرة أمام ” الزكاة البترولية السياسية “، حيث عرف القاصي و الداني اليوم أن هذه ” الزكاة الشيطانية ” تستخدم الآن لشراء أصوات الطبقات الفقيرة و المعدمة بغرض ” قهر ” قوى المقاومة الوطنية و الحؤول دون حيازتها أي نفوذ يذكر ضمن ” استحقاقات ” الاستنساخ الديموقراطية الجارية اليوم لصالح القوى الرأسمالية الإمبراطورية في عالم الجنوب عموماً، و في الوطن العربي خصوصاً. شاهد ذلك قائم الآن ضمن الشرخ الكبير الذي تم إحداثه داخل الشعوب عبر الانتخابات النيابية الأوروبية و اللبنانية. و المميز في هذا الصراع الحضاري المجيد هو صمود و صعود مقاومة حضارية وطنية لهذا ” الاستعباد الحديث ” و بوجه هذه الموجة الديموقراطية المزيفة، و ذلك على نحو مثير للإعجاب الإنساني الكبير. و في إطار العاملين المُدَمِرَيْنِ لوجود ” الإمبراطورية الرومانية “، أنفي الذكر، نتبين اليوم فلاح منظري إمبراطورية الظلام البترولية في توسيع مجالات عمل نفوذ ” السطوة العسكرية الإمبريالية الشمالية ” لتغطية مختلف مظاهر فساد ” ” طغم الأثرياء : imperial cults ” عبر العالم. و لم يعد خافياً بعدُ تحت شمس كوكب الأرض، أن هذا التوجه الجديد بات يعتمد ” خططاً شاملة للاستيطان البترولي ” كما يحدث بداية في فلسطين المحتلة بغرض حماية المصالح الإمبراطورية في شواطيء شرقي البحر الأبيض المتوسط، و انتهاءاً بباكستان المضطربة لتوطيد مصالح صناعات الطاقة و المخدرات، حيث يجري تعزيز إنتاج الأفيون الأفغاني لتدمير النظام الاجتماعي الصيني قبل أن يتم تصعيد الهجومين الأمني و العسكري على النظام الشعبي الاشتراكي في الصين مثلاً. و بسيادة نُظُمِ بقاء ” الإمبراطورية البترولية ” الجديدة هذه، لا نعتقد البتة بأن تضافر الاستهلاك البترولي الوحشي و ” التفسخ الأخلاقي ” السائدين في عالمي الشمال و الجنوب على حد سواء اليوم، سيمنحان هذه ” الامبراطوربة البترولية ” فرصة البقاء لعشرة قرون مقبلة، و ذلك كما حدث لمثيلتها ” الإمبراطورية الرومانية “. و الجدير بالذكر ختاماً، أن استرجاع القيادة ” الإمبراطورية البترولية الظلامية ” لعبر التجارب التي خاضتها ” الإمبراطورية الرومانية ” من قبل، و بخاصة بدء تشرخها في عام 117 ميلادية لإمبراطوريتين غربية و شرقية، و من ثم سقوط الشرخ الغربي منها عام 476 ميلادية، قد استنهض تحديداً قواها السياسية الشمالية لدرء مثل هذا التشرخ، و المبادرة باستئصال نفوذ ” الفاشلين ” في إدارة الأعمال الإمبريالية، سواء عن طريق الإطاحة مباشرةً برأس وزارة صاحبة الجلالة البريطانية ( أي الدعي توني بلير إياه )، و إقصاء الدعي الأكبر الرئيس الأمريكي جورج والكر بوش المهزوم و طغمته عن حكم الولايات المتحدة الأمريكية. و بناء على هذه القراءة التاريخية الواقعية الموضوعية، و استـناداً إلى توقعنا العلمي الدقيـق” لعتبة النضوب البترولية الحديثة ” ( أنظر الشكل الثاني )، لا نتصور أن تبتعد نهاية سقوط ” الإمبراطورية البترولية ” عن بداية الربع الأخير من القرن الحادي و العشرين الجاري اليوم، و كذب المنجمون و لو صدقوا. الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية ) رئيس الجمعية الفيزيائية العربية profamustafa@myway.com |