بقلم: الدكتور عدنان مصطفى أستاذ في الفيزياء رئيس الجمعية الفيزيائية العربية القسم: مقالات | أضيف بتاريخ: 8-03-2009 منشور: نظرا لأهمية المحاضرة التي ألقاها الدكتور عدنان مصطفى رئيس الجمعية الفيزيائية العربية خلال” الندوة الدولية الأولى للفيزياء النظرية “، قسم الفيزياء، جامعة حلب، بتاريخ22/12/2008 وباعتبار أن المحاضرة تناسب ما يجب أن يقدم منشوراً على نطاق واسع أمام القمة العربية في الدوحة التي ستعقد قريبا فإننا ننشر هذه المحاضرة كما وردت : يَا عُلَمَاءَ العَرَبِ إِتَحِدُوُا: حِانَ إِيْقَاظُ الهِمَّةِ* ================= مُدْخَلْ منذ أن وعى الإنسان وجوده الحق تحت شمس الحياة، تشكلت في عميق إدراكه ملامح أصول و تقنيات لأنظمة تجاهدٍ عبقريةٍ إنسانية – متمدنة (1) غايتها تقنين (2) مختلف أنماط تفاعل بقائه ضمن الأكوان التي تحتويه، فكان أن شكل مجمل عطاء هذا التجاهد كيان العلم العتيد (3). و عليه، فقد تجلت غاية هذه الأنظمة العلمية الحضارية – الإنسانية، و النظام الفيزيائي منها بخاصة، في العمل على محو ظلام الجهل من خلال حيازة المعرفة الأزلية (4) من جهةٍ، و في تقنينها ( 5) و استغلالها (6) إنسانياً من جهة أخرى، فتحقق من خلال ذلك بداياتُ فتحُ أبواب المعارف الموصلة لجوهر حقائق الوجود الذي يحتوينا، حيث نتطلع أن يقودنا فلاحنا، نحن البشر المساكين (7)، في هذا المسعى الحضاري إلى بلوغ ابواب معرفة الحق جلت قدرته (8). و بالنسبة للأمر الأخير، نُذَّكِرُ بقول الله عزَّ و جلَّ : ” يا معشر الجن و الإنس: إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان * فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟” (9)، و السلطان بتقديرنا هنا هو ” العلم ” ، بل المدبر لعزم بقائنا في الحياة الدنيا و الآخرة. فهل نحن العرب اليوم في حال إدراكٍ متقدم لعزم قوة العلم هذا، أم لا؟ (10). نَحْوَ عِلْمٍ يَنْفَعُ في الجاهلية العربية، ساد شعار قوتها، المعبر عنه بلسان المنذر بن ماء السماء حين قال بأن: ” العز تحت ظل السيف “. و منذ فجر الإسلام و حتى ضحاه، حدث و تقدم المجتمع العربي تحت راية شعار جديد، عبر عنه خاتم الأنبياء و المرسلين، جدنا المصطفى صلى الله عليه و سلم، في حديثه الشريف القائل: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ ” (11). و حول عقيدة ” العلم الذي ينفع “، الذي أعطى العزًّ العربي معناه الحقيقي، تبلورت أصول البحث العلمي في مدرسة العلم العربي العتيدة، ليعمل تحت رايتها كلُّ السالكين في مختلف أنظمة العلم، فتمكنوا من تكوين و إعداد أرواح العلماء من بعدهم على التمسك بالإخلاص، كونه وقود مركب الخلاص. لهذا، لم تذهب الأزمنة العربية المقيتة اللاحقة بالمكارم، إلا عن العلماء، ذلك لأن ” العلماء ورثة الأنبياء “، يتقون الله عز و جل في الغيب و الشهادة، و يدركون بقلوبهم أن: ” الله يحب معالي الأمور “. و باعتبار أن للعلم |أنظمة أكثر من أن تحصى، أخذ السالكون و مريديهم في مدرسة العلم العربية العتيدة من كل شيءٍ أحسنه. على أي حال، و منذ عصور الظلام المقيتة التي توالت على أمتنا العربية في ظلِّ الطغيان الاستعمارين القديم و الحديث (12) و حتى اليوم، لا بد من التأكيد على حقيقة مجابهة أبناء مدرسة العلم العربية لشتى المصائب التي ألمت بهم و بأمتهم العربية من حولهم، حتى باتوا في مجتمعنا العربي المستضعف اليوم غرباء حقاً، علماً بأن: ” العالم في المجتمع الجاهل يبقى غريباً، و إن قضى فيموت فيه شهيداً “. و السؤال الذي يرد على البال الآن هو: ” هل نموت نحن لوحدنا اليوم في مدرسة العلم العربية المستضعفة شهداء تحت سطح شمس هذا الكوكب أم لا؟ “، و الجواب الصريح حقاً هو: لا. و من يتابع أحدث أخبار مدارس العلم العالمية الحية، و الشمالي منها بخاصة، يري بأم العين تزايد عدد الشهداء فيها (!؟). السبب: أن إمبراطورية الظلام التلمودية الشمالية، مثيرة الحروب عبر العالم، و بخاصة في عالم الجنوب، تريد اليوم بيديها الملطختين بدماء المليون شهيد في بلاد الرافدين، محو ” ظاهرة التناظر الناظمة لكيان الأكوان من حولنا “، مطفئةً ” نور الحق “، و ذلك عن سابق إصرار وحشي شرير، لكي يغشى الكون حالك ظلام الشرّْ الشديد. و كي لا نبتعد في شواهدنا على هذه الحقيقة المرَّةِ كثيراً في المكان، يمكن التذكير في هذا المقام بالظاهرتين التاليتين: في يوم الاثنين 17 تشرين الثاني، شهد العالم تحرك أبناء ” مدرسة العلمü الإيطالية العتيدة ” لمجابهة توجه النخب السياسية الإيطالية الحاكمة – حليفة إمبراطورية الظلام إياها – نحو تسييس أصول هذه المدرسة بما يخدم تغيير مسار البحث العلمي الإيطالي الخيّْر نحو خدمة صناعات السلاح، و التنافس الفضائي الحربي، و السيطرة المتوحشة على مصادر الكوكب الاستراتيجية و في مقدمها البترول و اليورانيوم على سبيل المثال لا الحصر. و بناءً على هذا التوجه، يسعى أزلام الإمبريالية الجديدة، و في إيطاليا بخاصة، إلى إعادة تنصيب قيادات الصفوف الأولى في إدارات الجامعات و مراكز البحوث الإيطالية، و توطين من هو قادر فيها على : (1) تحوير مقررات التدريب و البحث و التطوير الأكاديمية على هواها، و (2) ربط تمويل البحوث العلمية بالولاء السياسي الإمبراطوري الظلامي لها، و (3) ربط المنح الطلابية المادية بالولاء الحزبي الفاشستي المعتمد لديها …الخ و ذلك على سبيل المثال لا الحصر (13). و بنتيجة هذه الظاهرة المقيتة، نتوقع أن تقود هجرة العقول العلمية و التقنية الإيطالية إلى تأجيج ” ثورة أكاديمية ” يعلم الله مدى فعلها (14)، فلربما يفوق فعلها المحلي الواقعي قريباً كل ما أبدته ” ثورة طلاب جامعات باريس ” أثناء الأيام الأخيرة لحكم الجنرال ديغول في فرنسا. و ثمة بداية تحرك غاضب، يبديه الرأي العام البريطاني اليوم، لنصرة مدرسة العلمü البريطانية العتيدة (15)، و ذلك بعد أن عانت طويلاً من توجه حزب العمال البريطاني الحاكم، و بخاصة أثناء رئاسة طوني بلير للوزارة البريطانية و حتى ولاية خلفه غوردون براون اليوم، لتقزيم تمويلات البحث و التطوير العلمي في الجامعات البريطانية، إضافة إلى التأثير السياسي المباشر لتغيير طبائع أشياء التعليم الثانوي و الجامعي نحو أنظمة علم ” لا تنفع ” بقاء / نماء المجتمع البريطاني، و ذلك في متابعة ولاء ظلامية تهدف إلى تأكيد تبعيته البحثية المباشرة لسيادة الإمبراطورية الظلامية الجديدة (16). مَا العَمَلْ ؟ من يقرأ عبر بقاء و نماء مدارس العلم العالمية الحية يتبين له أن السرَّ يكمن في حكمة و صبر العلماء ( سالكين و مريدين)، مع المرابطة في حصون العلوم التي ” تنفع ” و نحن أجدر بالتمسك بشؤونها كما جاء في الحديث النبوي الشريف القائل: ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَع ”. و من هذا المنطلق، و في حال توفر ” الهمة ” المناسبة لإذكاء توقد وجود مدرسة العلم العربية، لا مناص لأبناء المجتمع العلمي العربي جميعاً من التجاهد لصنع تقدم لازم، الآن و ليس غداً، و ذلك في أفق يملك الأبعاد الفيزيائية الثلاثة: البعد الأول: بذل منتهى الجهد في تثبيت خطى الشباب العرب على طريق البحث عن الحقيقة العلمية التخصصية بالتدريب العصري المخلص و التطوير الخالص لإمكانيات الأجيال الوافدة لمختلف مؤسسات العلم في مدرسة العلم العربية ( معاهد متقدمة، جامعات، مراكز و مؤسسات البحوث…الخ ). و يتطلب تحقيق هذا الواجب الرئيس قيام السالك بانتقاء التوجهات العالمية المعاصرة و العمل على ترسيخ أصولها الخيرة في عقول و قلوب العلماء العرب الشباب. و هي البداية التي نتمنى على ملتقانا التفكير ملياً في إرسائها ( أنظر مقال رأينا التبشيري لهدف هذه الندوة المميزة و هو بعنوان: ” الْطَاقَةُ العَرَبِيَةُ: زَرْعُ العَاصِفَةِ أَمْ حَصَادُ الْرِيَاحِ؟؟! “، المنشور في صحيفة تشرين السورية يوم الأربعاء 20 تشرين الثاني 2008 و في المواقع الالكترونية المميزة: كلنا شركاء للوطن : www.all4syria.org ، و أخبار النفط و الغاز السوري: www.syria-oil.com ، و الفكر القومي العربي: www.alfikralarabi.org مثلاً ). البعد الثاني: ابتكار أنماط براغماتية من الحوار مع الرأي العام العربي بغرض إيضاح سبل الاعتماد المتبادل بين استراتيجيات بقاء و نماء مدرسة العلم العربية في ضمير المجتمعات العربية المختلفة، و بذلك يتوفر لقادة العلم العرب فرصاً مؤثرة لإعادة ثقة الإنسان العربي بمقدرة العطاء العلمي الراهنة من جهة، و حيازة أصول مادية و معنوية لصنع استدامة إصلاح التعليم العربي العالي بخاصة و تنشيط برامج بحوث العلوم التي تنفع من جهة أخرى، البعد الثالث: الخروج دون تردد من ” الأبراج الأكاديمية العربية الخشبية ” و التوجه مباشرة لمخاطبة صناع القرار التنموي العربي، بمختلف اللغات التي يمكنهم التحدث بها (!؟)، بغرض إظهار ” المقدرة العلمية – التقنية ” الوطنية – العربية في مختلف جوانب التنمية و التقدم العربي نحو المستقبل. و لا بد من التأكيد في الختام: من أن التمكن من ” تسنين ” هذه المحاور الثلاثة يتطلب واقعيا ما لا يقل عن أكثر من عمر جيل علمي عربي مخلص في حبه للبحث عن الحقيقة العلمية، و لا بد من التجاهد لصنع ” تناغمه ” قبل فوات الأوان، ذلك لأنه ” حان ميعاد إيقاظ الهمة “. مَرَاجِعَ وَ إِشَارَاتٍ |