لَوْنُ البِتْرُولِ العَرَبِيّْ الجَديدْ ! الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية ) رئيس الجمعية الفيزيائية العربية د.عدنان مصطفى : (كلنا شركاء) 14/1/2009 ثمة إشهار إعلامي جنوبي معاصر، تعرضه اليوم دوريا إحدى القنوات التلفزيونية الرسمية، الخاصة بدولة عربية رئيسة في منظمة الأقطار المصدرة للبترول ( أوبيك )، يتميز بدأبه – عبر إطارات بهيجة متغايرة الألوان و الألحان – على التبشير " بالمستقبل " (!). و دون أن ندخل في تفصيل هذا الاشهار الفني البهيج، يخلص هذا الاشهار، المثير بتوقيت ظهوره في عصر الانحسار التنموي العالمي القائم اليوم، إلى التأكيد بشدة على رؤية ما للمبشر ( أي النظام الرسمي الحاكم إياه ): إذ تقول هذه الرؤية واثقةً بما معناه: " يا أيها العربُ ابتهجوا، فالمستقبل المنظور لوجودنا سيكون: " مضمون حتماً " و " مأمون حقاً " و " مزدهر الألوان دوماً " دون ريب. كل ذلك بشكل مواكب لبروز هيئة الشخص المبشر، أي ذلك المزهو بشماغه و عقاله العربيين، و بظهوره المزدهر و هو يمسك بزمام دولاب صمام بترولي منصوب في موقع ما ضمن أحد حقول هذا البلد البترولية. و لولا ربط تلاوين هذا الاشهار " بالمستقبل العربي " الذي تشكل هذه الدولة العربية جزءاً منه، لما أعرناه بالاً، مثلما نفعل في معظم الأحوال و نحن نسمع و نشهد صهيل الخيول الدونكيشوتية التي يمتطيها صناع القرار في النظام العربي الرسمي الحاكم من المحيط إلى الخليج (!؟). و باعتبار أن مصمم هذا الاشهار قد اعتمد توالي شأن " الازدهار اللوني " منطلقاً للايحاءِ السياسي - التنموي " بطبيعة أشياء " المستقبل العربي المنظور، فلا مناص لنا في هذا المقام من التمسك " بالمنطق الصوفيزيائي اللوني " لكشف " طبيعة أشياء " الأرضية المادية و المعنوية التي سيقف عليها الانسان العربي في زمن هذا المستقبل العربي الجديد. جدلاَ، سواء راقبنا أحداث البقاء / الفناء العربي المعاصرة، الجارية من حولنا اليوم، من خلال إطار قطر عربي غني منتج للطاقة ( بل البترول تحديداً ) هنا، أو عبر إطار آخر لقطر عربي فقير طاقياً هناك، فإن العرب – حسب النظرية النسبية – لا بد أن يبصروا حقاً ذلك " اللون البترولي " المميز لعصر بقائهم / فنائهم "، أليس كذلك؟، في حال تقول " البصائر المتيقظة اليوم " لحكماء و علماء الأمة العربية – المرهصة اليوم تلمودياً – " بتغاير " هذا اللون البترولي و بإنحساره السريع عن مجال الطيف التركوازي ( أي ذلك الذي تزدهر في إطاره رؤية الحسنات و يتحقق تعزيزها، و تتخامد فيه مشاهد السيئات و يجري اجتنابها ). و من هذا المنطلق يمكن لنا إجراء محاورة مبسطة لقدر هذا " التغاير " المثير. و في هذا الصدد، يمكن البدء باستحضار أحد أبرز المعايير الفيزيائية، و هو الذي إبتكره العارف بالله أبو القاسم الجنيد، رضوان الله عليه، ( القرن الثالث هجري )، ذلك المعيار القائل حقاً بأن: " لون الماء لون الاناء ". فعندما تميز الاناء الشعبي العربي مثلاً، بعيد إنقضاء الحرب العالمية الثانية، بطبيعته الكريستالية الوطنية – العربية الحضارية الأصيلة، أبصر الناس وقتئذٍ جميعاً تحت الشمس أن: لون البترول المكتشف على الأرض العربية هو " بترولي حق "، و من هذا المنطلق رفعت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج شعار " بترول العرب للعرب "، و دفعت بعض أقطارها العربية المنتجة للبترول ( أي: العراق، الكويت، المملكة العربية السعودية )، و بالتعاون مع مثيلاتها المصدرة للبترول في عالم الجنوب ( أي: إيران، فينيزويلا ) كي تعلي في شهر أيلول من عام 1960 بنيان عقيدة الأوبيك ( OPEC ). الأمر الذي حفز المزيد من الأقطار العربية المنتجة للبترول أيضاً إلى أن تبدأ في التاسع من كانون الثاني عام 1968، و من بيروت ( لبنان )، قيام منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول العتيدة ( أوابيك – OAPEC )، و بذلك تعززت وقفتنا العربية بوجه الأفعال الاستعمارية الحديثة، الرامية في الشرق و الغرب جميعاً، إلى تعكير شفافية إناء عزيمتنا الوطنية العربية النابضة بلون الوحدة و الحرية و الانصاف الانساني، شاهد ذلك هو " إشهار سيف النفط العربي " في وجه المعتدين أثناء حرب تشرين التحريرية التي نتنفس ذكراها اليوم. و أذكر بمزيج من السعادة و الألم اليوم تعابير سعادة صناع القرار البترولي العربي في منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول ( أوابيك ) و ابتهاجهم الكبير بتدشين المشاريع البترولية العربية المشتركة في إطار هذه المنظمة العظيمة. و كنا في مجالس صنع القرار الأعلى لهذه المنظمة " نبصر " بجلاء أنه عبر مثل هذه المشاريع التنموية الوحدوية الاستراتيجية سوف نعبر شط الأمان، لتجنيب الجماهير العربية وقوعها في إطار صنف الأمم الفقيرة التي تعيش اليوم بدخل فردي لا يرقى إلى 1.25 دولار في اليوم ( حسب تقرير " أهداف التنمية الألفية – الأمم المتحدة 2009 مثلاً ). و من يعود إلى وقائع و أدبيات الحوار العربي – الأوروبي و الحوار العربي – الياباني خلال السبعينيات من القرن العشرين الماضي، أي تلك التي أقامها صناع القرار الطاقي العربي الأمجاد، يجد أن رؤية " لون المستقبل العربي " ستكون دون شك بترولية – تركوازية بهيجة، ذلك لأن العرب سيلتزمون بإمداد الجزء الأكبر من نظام الطاقة العالمي بالبترول في الوقت الذي تعهدت أمم الأرض لهم به وقتئذٍ بأن تسهم في تعزيز تقدمهم المدني المتبادل في ظل عودة الحقوق العربية المسلوبة من قبل قوى الظلام التلمودية ما بين عصر اتفاق سايكس – بيكو وحتى قدوم عملاء إمبراطورية النفط الكبرى على ظهر الدبابات الأمريكية لاحتلال بلاد الرافدين!؟. و احسرتاه، منذ مطلع العقود الأخيرة للقرن العشرين الفارط و حتى اليوم، تمكنت قوى الشمال – المستهلكة للبترول العربي الرخيص – عبر تكويم المزيد من أحجارعقائد " هوبز " الظلامية و تفعيل الطويل من مقاليع الكيد " الماكيافيللية " من رمي إنائنا الوطني – العربي البترولي الشفاف هذا و كسره، لتقوم هذه القوى الشيطانية و أزلامها في النظام العربي الحاكم اليوم بتجميع شظاياه و صهرها مباشرة في هيئة إناءٍ زجاجي " لنظام عربي هوبزي – ماكيافيللي حاكم " متلون لا ريب فيه. و من هذا الاناء، تكشف لون البترول العربي المغتصب الجديد قرمزياً كلون دماء شهداء الحرية العربية في بلاد الشام و الرافدين و الخليج العربي. و قد أرعبت طبيعة عواقب هذا اللون الأحمر القاني قلوب بعض العرب و المستوطنين من أزلام الامبريالية الشمالية، تراكضوا سراعاً أمام شعوبهم لكي يغطوا برماد الأنانية و الغدر و النفاق جدران ذلك الاناء العربي الكريم - الشاف بالدماء الآن – ناثرين فوق رأسه " الرمادي " ما تيسر لهم من ألوان تراب الأرض العربية المستضعفة. و الحق يقال في هذا المقام أنه " من هنا انبثق شعار " الأرض مقابل السلام " الرهيب، تبريراً لاستسلام النظام العربي الحاكم أمام إرادات قوى الظلام التلمودية الباغية، و من ثم تسليمه مفاتيح أقدار الثروات البترولية العربية لامبراطورية الشمال البترولية الكبرى و ذلك دون قيد أو شرط. و بالعودة إلى الاشهار العربي الخاص المشار إليه بدايةً، يبدو جلياً أن صناع القرار في هذه الدولة العربية المسكينة، ومن والاهم من أمثالهم بين المحيط الأطلسي و الخليج العربي، لم يعد إناء بقائهم المتقزم في السلطة يسمح لهم بإبصار " لون المستقبل " الذي أشهروه " متغايراُ " في إعلانهم ، و باتوا يبحثون عن طبيعته جزافاً دون جدوى. لهذا تاهت حسبتهم – وفق تعبير أخوتنا الأشاوس في الخليج العربي - فسلموا، مع بقية أندادهم في النظام العربي الحاكم، و ضمن إطار " منتدى المستقبل 2009، مراكش، 2-3 تشرين الثاني 2009: أي Forum for the future "، لوزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ( هيلاري روضام كلينتون الصهيونية )، عهدة الدفاع عن القدس الشريف ( بل مرقد أبو البشرية آدم عليه السلام و منطلق معراج جدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم للسماء )، علماً بأنه سبق لهم و لأمثالهم أن أداروا تحت راية كامب دايفيد القذرة، و في منتجع شرم الشيخ الصهيوني، ظهورهم لآلام أخوتنا العرب المقاومين الصابرين في فلسطين المغتصبة من جهة، و بخاصة لمعاناة أطفال و نساء وشيوخ غزة هاشم أثناء المحرقة التلمودية التي نفذها العدو الأمريكي – الاسرائيلي في غزة مؤخراً من جهة أخرى. و رغم دأبهم على " تبليط البحر " في عزِّ القهر، تاهوا في ليل غاب عته الفجر، و مع ذلك يبقى من قبل و من بعدُ، للواحد القهار الأمر. *الدكتور عدنان مصطفى وزير النفط و الثروة المعدنية الأسبق ( سورية ) رئيس الجمعية الفيزيائية العربية |