كرة القدم وإلهاء الشعوب كن أول من يقيّم
فهل وصلنا -نحن عرب الألفية الثالثة- إلى هذه الحالة التي أشار إليها رسولنا الخاتم، صلى الله عليه وسلم؟ أجمل تحية لأخينا وأستاذنا ، د.صبري أبو حسين ، وبارك الله مسعاه ، وشكرا له على موضوعه المفيد ، والذي فتح لدي أبوابا عديدة من الفكر ؛ لذا فلن أجيب على قدر السؤال وحسب : لو أننا سألنا الملايين من عشاق لعبة كرة القدم إن كانوا يرونها مما نحقر من الأعمال، فهل تراهم يجيبون بالإيجاب؟! أغلب الظن أنهم سوف يرتقون بهذه اللعبة إلى مصاف الأعمال الجليلة ؛ متناسين مضارها أو متجاهلين ما ينتج لدينا منها من مساوئ . ومن بين هؤلاء مسئولون كبار من رؤساء دول ورؤساء وزراء ومن دونهم ، والذين عادة ما يرعون هذه اللعبة عندما تجرى في بلدانهم . إن الاحتفاء بلعبة كرة القدم إلى هذا الحد العجيب، وعلى أعلى المستويات من الاحتفاء، لهو مظهر واحد من بين مظاهر لا تحصى من اللهو غير الموجه لصالح مسيرة الأجيال المتعاقبة التي من المفترض أن يكون سيرها في السبيل التي تنهض بها نحو مستقبل زاهر . فهناك من الألعاب غير لعبة الكرة ما يحظى باهتمام الشباب لدرجة إهمال واجباتهم الحقيقية ، كانتشار اللعب بالموبايلات وما تحفل به من برامج ضارة ، والعاب الكومبيوتر ، والأفلام السينمائية التجارية المسفة والتي تشجع على ارتكاب الجرائم ، والمسلسلات الرديئة ، واللعب بالمراسلات عبر البرد الإلكترونية ، والمحادثات العبثية عبر الماسنجرات ، إلى غير هذه الألعاب التي وجد الشيطان له فيها مراحا لم يكن ليحلم به في سالف الأيام . ومن الملاحظ أن غالب الأمم والشعوب التي تهتم برياضة كرة القدم اهتماما بالغا تكون قضاياها السياسية والاقتصادية بالغة التعقيد والخطورة ويصعب عليها حلها ؛ فتركبها المشاكل والهموم ، فتلجأ إلى دفن همومها في هذه اللعبة لتعزي نفسها عما هي فيه . ويقال إن الانكليز هم من اخترعوا هذه اللعبة حين كانوا في ذروة أمجادهم وبذخهم وفراغ رؤوسهم من همّ كونهم الآن قد تراجعوا عن تصدر الأمم ، أما اليوم ، فهم ليسوا في رأس قائمة الأمم ذات الشهرة في هذه الرياضة الكروية ، وكذلك الأمريكان ، وكذلك اليهود الذين امتلكوا الطاقة النووية من زمان . أما الشعوب التي مشاكلها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أكبر من أن تحصى ، فنجدها على رأس قائمة المبدعين في مجال لعب الكرة ، مثل البرازيل والأرجنتين ، وكذلك بعض الشعوب العربية الفاشلة سياسيا وعسكريا رغم أن الأموال لا تنقصها ، وقس عليها شعوبا إفريقية وآسيوية أخرى . لقد كان الأحرى بنا ، نحن العرب والمسلمين، أن نتصدى لما يعترينا من نكوص عن اللحاق بركب التقدم العلمي والاقتصادي، وبالتالي العسكري، قبل أن نحاول أن نكون بارعين في لعب كرة القدم ولو كلفنا ذلك مهما كلفنا . ومن العجيب أن الشعوب المحتلة من قبل الأجانب نراها تجتهد أيما اجتهاد في تحصيل نجاح ولو كان ضئيلا على صعيد الرياضة الكروية . فهذه فلسطين وهذه العراق رغم ما حل ويحل بهما من مصائب نراهما تعنيان بكرة القدم عناية ظاهرة . فحين كان الإنكليز منتدبين على فلسطين ، وكانت فلسطين تموج بالأحداث الخطيرة كهجرة اليهود إليها من اجل اغتصابها ، وقيام ثورة القسام واستمرارها إلى ما بعد استشهاده ، بزغ مع ذلك نجم الفلسطينيين الكروي حينذاك لدرجة أن شاركوا بالتصفيات على كأس العالم! والفلسطينيون الآن ، وهم يعانون ما يعانون ، في غزة والضفة والشتات ، نراهم يولون لعبة الكرة هذه عنايتهم . أليس واضحا إذن سعي الأنظمة الدولية القوية ومن يتبعها من أنظمة تسير في ركابها إلى إلهاء الشعوب عن مصالحها وعن محاولة حل مشكلاتها بمخدرات قوية الأثر ، وأقوى ما فيها مخدر لعبة كرة القدم ، التي تتخذ مظهرا رياضيا حضاريا خادعا ! يتبع |