الإخوة الأفاضل ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لو قيّظ الله لأستاذنا زهير العودة من جديد لقيادة مجالس الوراق لخيّل أنّ عنوان " غربة من غير غربة " هو أحد مواضيع مسابقات الوراق الغراء ... غير أنّ الامر ليس كذلك ، إنّه لافتة تستفز القارئ ، كما هو ديدن العناوين عموما ... أكتب لكم هذه الكلمات ونسائم المسجد النبوي تهدهد خواطري ، إذ شرّفت هذا العام بأداء منساك الحج ... وعلى خلاف الأمكنة الغريبة عنا ، تلك التي تشعر بينك وبينها بمسافة ، قد تمحي مع الزمن ، وقد لا تمّحي ، فانّ المدينة المنورة تحتضنك منذ اليوم الأول ، أو منذ اللحظات الأولى ، كأنّ بينك وبينها ميعاد هذا أجله ... فلاغربة لك في هذه الديار ... وحين تبصر المسلمين يأمون المسجد النبوي من كافة أقطار الدنيا تفهم مغزى " من كلّ فج عميق " وتدرك عالمية الرسالة الإسلامية وعمقها وتناسبها مع الفطرة الانسانية ، حين يتغلغل ذاك النسيم الروحاني في شغاف القلوب والأرواح ، فيتقاطر الناس من كل حدب وصوب ، قبلتهم واحدة وأفئدتهم عامرة بذكر الله وبالصلاة ... ها هنا تسكب العبرات .... هذه الكلمات رددها الرسول الكريم ، صلوات الله وسلامه عليه ، حين رأى دمع سيّدنا عمر ينهمر ... الأمر كذلك ، إذ يستدعي هذا الجو الايماني أعمق ما في النفس الانسانية وأخلصه ، خاصة حينما تتنسم عبير الروضة الشريفة وتمتلأ بها روحك .... بدأت قراءة الرحلات إلى الحج التي سبق لي أن مررت على أسطرها مرور القارئ النهم تأخذ معاني أخرى ، إذ تغتسل الكلمات حينها بعبق المكان وبأريج الإيمان ... لتصبح تلك الرواية دراية بعد دربة ، وتأويلا لمابين الأسطر وما فوق الكلمات ... وللحديث بقية إن شاء الله |