فلم يزل الرِّجال يتحدثون مع النساء، في الجاهلية والإسلام، حتَّى ضُرب الحجاب على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصَّة.
ثم كانت الشرائف من النساء يقعدن للرِّجال للحديث، ولم يكن النظر من بعضهم إلى بعض عاراً في الجاهلية، ولا حراماً في الإسلام.أهـ
وفي كتاب : المرأة في جاهليتها وإسلامها لعبد الله عفيفي الباجوري** :
ذلك ربما اختمرت المرأة حتى إذا التقت بالجبان في طريقها كشفت عن وجهها إزراء به، وإيماء له بأنه ليس بالذي يحتشم منه. وقد حدثوا عن نساء بني الحارث ابن كعب أنهن لم يكنّ يُقَنَّعْن دون جبنائهن. وذلك الذي عناه الحارث بن حلَّزَةَ الْيَشْكُرِيُ في قوله:
عيشي بجَدٍّ لا يضرْ كِ النَّوكُ ما أوتيت جدَّا
وضعي قناعك إن رأيـ ـت الدهر قد أفنى مَعَدَّا
يقول إذا ذهب بمعد فضعي قناعك فليس هناك عظيم يأخذك الحياء منه كل ذلك شأن الحجاب في أمم العرب الطارئة وهم بنو إسماعيل وحَفَدَةُ قحطان الذين خلفوا على جزيرة العرب بعد أن عصف الدهر بأهلها الأولين.
أما الأمم البائدة - وهن عاد وثمود وطْسم وجَديس والعمالقة وأُخر غيرهن لا يعلمهن إلا الله – فلم يكن الحجاب معروفاً عندهن بل لقد تبرج النساء في تلكم الأيام تبرجاً أخذه الله عليهم فنهى المسلمين عن مثله في قوله تبارك أسمه: (ولا تَبرَّجْنَ تَبُّرجَ الجَاهِليَّةِ الأولى) وفي تفسير هذه الآية الكريمة يقول النيسابوري: كانت المرأة تلبس درعاً من اللؤلؤ فتمشي به وسط الطريق بين الرجال وفي كل ذلك ما ينبئنا أن طرح النقاب في تلك الحقب المتناكرة لم يكن مرجعه إلى بساطة البداوة وصفاء الملكات بل كان سبيله ما هم فيه من نعومة العيش وصفو الحياة.
على أننا لا زال نثَني القول ونكرره بأن حجاب المرأة العربية وسفورها لم يكونا في شيْ من خُلقها ولا شرفها فقد تسفر الفتاة ترفعاً وكبرياء، وتحتجب اجتنابا للريب ودفعاً لسوآت الظنون. ومن ذلك ما كان يفعل الفواجر إذا مررن بديار الحرائر. فقد كن يرخين القناع حتى يسترن عامة وجوههن. وفي مثل ذلك يقول الحارث بن كعب في وصيته يابَنَّيِ! قد أتت على ستون ومائة سنة ما صافحت يميني يمين غادر ولا قنعت نفسي بخَلَّةِ فاجر ولا صبوت بابنة عم ولا كنة، ولا طرحت عندي مومسة قناعتها.
وكما كان الحجاب في نظامه وسُنته كذلك كان مختلفاً في شكله وهيئته. فهنالك الخمار والقناع والبرقع والنصيف واللثام واللفام وأشباهها.
فأما الخمار والقناع فقريب بعضهما من بعض وكلاهما شُقَّة توضع على الرأس ثم تلاث على جزء من الوجه. ويظهر أن أصل كونهما على الرأس ثم تسدل المرأة شيئاً منها على جزء من الوجه إذا أحوجها ذلك. وشاهد ذلك قول البحتري يصف امرأة اضطرها فأرخت قناعها عَلى فمها.
عَجِلت إلى فضل القناع فآثرت عَذَباته بمواضع التقبيل
وأما البرقع فغطاءُ سائر الوجه أو بعضه وله عينان نجلاوان على عيني المرأة وثقوب أخرى يظهر منها شيء من وجهها. ويسمى ذا الثقوب الضيقة بالوصْواص. ويغلب أن يكون ذلك للإماء. أما ذو الثقوب المنفسخة فهو المَنجول كأن عيونه عيون الحسان النجل وفي ذلك يقول الشاعر:
لهونا بمنجول البراقع حِقبه فما بال دهر لزَّنا بالوصاوص
وأما النصيف فثوب رقيق ] تتجلل [به المرأة فوق ثيابها، وربما قُنعت ببعضه. وإنما سمى بالنصيف لأنه نصَف بين الناس وبينها! فهو يحجز أبصارهم عنها. وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الحور العين: "ولنصيف إحداهن عنها خير من الدنيا وما فيها" ويقول النابغة في وصف المتجردة امرأة النعمان بن المنذر
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتلقفته واتقتنا باليد
أما اللثام والنقاب فكلاهما قناع الوجه من طرف الأنف إلى ما دونه فإن نزل إلى الفم فهو اللفام.أ.هـ
كلمة أراها لا بد منها عندي ، وهي تتعلق بالفتنة:
الخشية من الفتنة أمر محمود ؛ إلا أنه ربما يزيد عن حده لدى بعضنا ، وذلك حرصا منهم على سلامة تدينهم وتقواهم ، خاصة من هم في سن الشباب . ولكننا يجوزلنا ان نحتج بالخشية من الفتنة لدرجة تحول بيننا وبين القيام بواجباتنا حتى تصل حالنا ، لا سمح الله، إلى ما يقرب من حال الجد بن قيس الذي احتج بالخشية من الافتتان بالنساء الروميات وتخلف عن الجهاد في سبيل الله. قال تعالى : " ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" .
ويا من ترى في وجه امراة حسناء فتنة ، وفي باطن قدميها فتنة ، وفي كفيها فتنة ، وفي صوتها فتنة ( حتى في تلاوة كتاب الله) ، فلا بد انك ترى في عينيها النجلاوين تومضان من وراء نقاب فتنة أكبر وقعا ، بل وإن اظهرت عينا واحدة تجعلك تشتهي أن ترى العين الأخرى . وابعد من ذلك.. ما الذي يمنعك من الافتتان بامرأة غير جميلة الوجه على الإطلاق ومسنة ما دمت تفتتن إلى هذا الحد من الافتتان؟! وما الذي يمنعك من الافتتان بفتاة لا يظهر منها إلا ملابسها السوداء الخارجية فقط؟ ما الحل إذن؟ هل نصنع للمراة طاقية الإخفاء كي نحميك من الافتتان؟! وماذا انت فاعل في جاهلية هي كالأولى او اشد جهلا وهي ما نعيشه في حياتنا المعاصرة هذه ؛ في وسائل الإعلام المتعددة؟
إن الذي يحول بينك وبين الافتتان المذموم هو صدق دينك وإخلاصك في تقوى الله وطاعته ، ولا تجعل الدين يسير وفقا لهواك ورأيك وافتتانك.
وبعد،
إن تغفر اللهم تغفر جما واي عبد لك لا ألما!فاللهم غفرانك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* (ت 36ق.هـ): الموسوعة الشعرية / الإصدار الثالث .** مكتبة موسوعة الشعر العربي www.arpoetry.com