التجديد في القوالب التامة كن أول من يقيّم
نقول: لقد أضاف الشعراء إلى إيقاع الخفيف عدداً كثيراً من الضروب، زاد عددها كثيراً عن ضروبه الخليلية الخمسة، لم تخرج في مجملها عن جوهر الخفيف، ولا عن روح إيقاعه. وهو حقّ شرعيّ للشعراء في كل عصر، لأنهم سادة الإيقاع والوزن والشعر، وليس لأحد من العروضيين أن يحجر على إبداعاتهم كما يُثبت ذلك واقع الشعر. وسأمثل هنا لبعضٍ من مبتدعات الشعراء الكثيرة في إيقاع الخفيف، دون ادّعاء الإحاطة هنا بكل ما جاؤوا به. 1- فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فاعلاتاْنْ
بزيادة حرفٍ ساكنٍ إلى الضرب (فاعلاتن). وأمثلته عديدة، أقتصر منها على قول ابن زاكور: جَبَـلٌ جلّلَتْ ذُراهُ الرّياحِـينْ=متَّعَ اللهُ ساكنيهِ إلى حِـينْ وحَماهمْ منْ كلِّ سوءٍ وأبْقا=هُمْ كهوفاً يأوي إليها المساكينْ وقَفَـتْ دونَهُ الشّوامِخُ إجْلا=لاً لَهُ، إذْ لهُ وَقارُ السلاطـينْ يمتـلي قلبُ مَنْ يراهُ سـروراً=وتـدلّي لهُ مُناهُ الأفانـينْ 2- فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فاعلانْ
بحذف نون (فاعلاتن) وإسكان ما قبلها. وأمثلته ليست قليلة عندي، منها قول الششتري: طابَ شرْبُ المُدامِ في الخَلَواتْ=اِسْقِني يا نديمُ بالآنِياتْ خَمْرةٌ تَرْكُها علينـا حـرامٌ=ليسَ فيها إثْمٌ ولا شُبُهاتْ آهِ يا ذا الفقيه لو ذُقْتَ منها=وسمعْتَ الألحانَ في الخلَواتْ لَتَرَكْتَ الدّنيا، وما أنتَ فيهِ=وتَعِشْ هائِماً ليومِ الممـاتْ
وربما التزم الشعراء (فعِْلانْ) بسكون العين وحركتها بدل (فاعلان). 3- فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فعْلن
بسكون العين من الضرب (فعْلن). وهو قالب لا يزال نادراً، أمثل له بإحدى ترجمات الشاعر عبد الرحمن شكري لإحدى رباعيات الخيام: هاجَ للقلْبِ جِدَّةُ الحَوْلِ أشْجا=ناً لديـهِ قديمةُ العَهْـدِ تأنَسُ النفسُ بالتفرُّدِ والخَلْـ=ـوَةِ في ظلِّ حالةِ الرّغْـدِ حيثُ تحكي الأزهارُ راحَةَ موسى=في بياضِ النُّوّارِ والوَرْدِ ولَها نفحــةٌ كأنفاسِ عيسى=باعِثاتٍ لِلمَيْتِ منْ لَحْـدِ
4- فاعلاتن مستفعلن فاعلن=فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
قالب نادر، وجدت عليه قول الشاعر ظافر الحداد: جاءَنا بعدَ أكْلِنا (فُقّاعُ)=قد أَجادَتْ إحْكامَهُ الصُّنّاعُ فكأنّ الكِيزانَ سودُ البَنَا=نِ، ولكنْ عيدانُها الأقماعُ
5- فاعلاتن مستفعلن فاعلن=فاعلاتن مستفعلن فاعلان
قالب مستحدث آخر، وجدتُ له شاهده بقول الشيخ عبد الغني النابلسي: غُصْنُ بانٍ عليهِ بدْرُ كَمالْ=عطْفُهُ ينثني بِخمرِ دلالْ راحَ يرنو بمقلةٍ رشَقَـتْ=في قلـوبِ المُتيّمينَ نِبالْ ورْدُ خدَّيْهِ يانِعٌ أبَــداً=عَرْفُهُ فائـحٌ بغيرِ زَوالْ إنْ تَبَدّى أقول: بدْرُ دُجًى=وإذا ما دَنَا أقولُ: غَزالْ
6- فاعلاتن مستفعلن فعِلن=فاعلاتن مستفعلن فعِْلان
قالب جميل، يبدو أنه من اختراع الشاعر حسين بن عبد الصمد الحارثي (-984هـ)، بقوله: فاحَ نَشْرُ الصَّبَا، وصاحَ الديكْ=وانْثَنى البانُ يشتكي التّحْريكْ قمْ بِنـا نَجْتَـلِي مُشَعْشَعَـةً=تَـاهَ منْ وَجْـدِهِ بِها النِّسِّيكْ إنْ تَسِـرْ نحونـا تُسَرَّ، وإنْ=مِتَّ في السّيْرِ دوننـا نُحْيِـيكْ
وإن كان الشعراء قد استخدموا هذا الضرب (مشطوراً) قبل ذلك بكثير كما سنرى في المشطورات بعد قليل. وقد عارضها ولده؛ البهاء العاملي، وعدد من الشعراء الآخرين في عصره وبعده. 7- فاعلاتن مستفعلن فعِلن=فاعلاتن مستفعلن فعْلن
قالب مستخدم جميل رائق. ذكره الزنجاني بقوله: وقد بنى المحدثون لهذه العروض ضرباً آخر على (فعْلن).. كقوله: قَرّ عيْنُ العُلا بإحْسانِكْ=عَزَّ شأنُ العلومِ منْ شانِكْ يدّعي الدّهْرُ وهْوَ مُفْتَخِـرٌ=أنّـهُ منْ عِدادِ غلْمانِكْ |