البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : علم الاجتماع

 موضوع النقاش : التعصب- دراسة قرآنية للمفهوم وأثره الاجتماعي والتاريخي- الجزء الأول    كن أول من يقيّم
 يوسف  
4 - أغسطس - 2009
مقدمـــة
 
لا يفتك مرض بمجتمع من المجتمعات بقدر ما يفتك به التعصب، ذلك أن هذا المرض يقف دائماً عقبة في وجه أية عملية تنموية أو تقدمية، فكيف يمكن لبلد أن يتطور وتتقدم فيه مفاهيم الحضارة والمدنية إذا كان الفرد يشك في جاره ولا يأمن زميله في الجامعة أو مكان العمل تحت مبررات ومسميات مختلفة.
 
إن الوقفة العقلانية الهادئة أمام هذا الموضوع تكشف زيفه وعدم موضوعيته، فهو بكل بساطة نتاج نموذج تربوي متخلف ومنحط، يرى الأمور من زواياها الضيقة ويهمل ويتناسى الفضاء الرحب للإنسانية، ولئن ادعى أحدهم أن ما يقوم به من تعصب بأي شكل من الأشكال هو رد فعل على ما يقوم به الآخر تجاهه، فذلك أجدى أن نفكر جدياً بالتسامي على ما ورثناه عن آبائنا وما ورثه الآخرون عن آبائهم من تعصب وتحزّب وضغينة ولا نكون كمن قال الله فيهم: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ألو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون * ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون} [البقرة: 170-171].
 
في هذه الورقة سنقوم بدراسة موضوع التعصب من خلال آيات القرآن الكريم، ونفحص موقف الإسلام النقي ممن يتحزّبون ويتعصبون بغض النظر عن ماهية ذلك التعصب لنصل في خاتمة المطاف إلى تأكيد الإسلام على الوحدة الإنسانية وتساوي البشر  فيما بينهم في الحقوق والواجبات.
 
أولاً- المساواة
 
لا ريب أن القرآن الكريم ركّز وفي أكثر من مناسبة على وحدة الجنس البشري والمساواة بين الناس. {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء:1]. ولنلاحظ هنا أن الخطاب موجه إلى الناس جميعاً وليس إلى جماعة محددة. {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون* وتقطّعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون} [الأنبياء:92-93].
 
ويبدو أن تنبيه القرآن الكريم المتكرر إلى الأصل الواحد للإنسانية جاء رداً على العصبيات القبلية التي كانت منتشرة بين العرب من جهة وعلى العبودية وأسواق النخاسة من جهة أخرى وفي هذا يأتي حديث النبي: "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى".
 
ولا تقتصر المساواة على الأعمال والمكانة في الدنيا، فالقرآن يوضح بجلاء أن كافة الناس متساوون في الثواب والعقاب ولا توجد أحقية لقوم أو طائفة على غيرهم سوى بالعمل، وهذا ما يبدو واضحاً في الآيات التالية: {يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليُروا أعمالهم* فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} [الزلزلة:6-7-8]، وواضح تماماً توجيه الخطاب للناس جميعاً، بل إن القرآن وفي موضع آخر يعدد بالتفصيل هؤلاء "الناس" موضحاً لنا أن الثواب على قدر العمل الصالح لأي كان: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62] ولنلاحظ هنا أن الصابئة هم عبدة الكواكب وقيل عبدة الملائكة وقد عدّهم القرآن مع أتباع الديانات الأخرى.
 
وفي كل الأحوال، فإن قضية المساواة ليست مجرد آيات تُتلى أو أفكار يتم التنظير لها، فهي ممارسة وعقيدة، والواقع أننا نمارس اللامساواة بكل أبعادها وعلى كافة المستويات، فأتباع كل طائفة أو فئة أو مذهب أو مدينة أو قرية أو دولة أو دين أو حزب أو ملّة يمارسون اللامساواة بين بعضهم بعضاً وبينهم وبين الآخرين وبشكل فجّ في بعض الأحيان، حتى بات السؤال الأول في التعارف هو: "من أين أنت؟" ويتبعها سلسلة من التلميحات والملاحظات والاستفسارات لمعرفة انتماءات "الآخر" الدينية أو الفكرية أو المذهبية وغيرها، وبعد هذا السيل من التحقق والاختبار يتم إصدار "الحكم" بحق هذا "الآخر" بغض النظر عن الأخلاق والصدق و"العمل الصالح" و"التقوى".حتى أن الكثير من الأحزاب والتجمعات والحركات الإسلامية سقط  في فخ التعصب، ففي حين ترفع هذه الحركات شعارات "الوحدة الإسلامية" نجدها تمارس التعصب والتحزب على كافة المستويات (القرية، المدينة، الطائفة وغيرها).
 
ولا يخفى أن جملة من الظروف السياسية والاجتماعية عبر مئات السنين قد أفرزت هذا الواقع الذي جعل الناس يتشككون فيمن حولهم بشكل لا عقلاني وجمعي في الأغلب، ولكن هذه المشكلة لا يمكن التغاضي عنها في سياق أي عملية تنموية أو تطويرية في المجتمعات العربية وغيرها، فهي وبكل بساطة تخلق الآلاف من الحواجز النفسية والاجتماعية بين أبناء حتى القرية الواحدة في بعض الأحيان مما يؤدي بالنتيجة إلى انعدام الثقة وشيوع مشاعر الحذر والترقب والخوف الدائم وهذا كاف لوأد الحضارة في مهدها.
 
يتبع في الجزء الثاني:
العلاقات الإنسانية داخل المجتمع
 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
لا يوجد تعليقات جدبدة