البحث في المجالس موضوعات تعليقات في
البحث المتقدم البحث في لسان العرب إرشادات البحث

مجلس : الأدب العربي

 موضوع النقاش : الذكريات تاريخ..    قيّم
التقييم :
( من قبل 13 أعضاء )

رأي الوراق :

 أحمد عزو 
26 - يوليو - 2009
لكل منا ذكرياته التي تسكن فيه وتستوطن، تخرج بين الحين والآخر لتعيش في زمن غير زمنها، فتنعش الروح وتضفي عليها حلاوة وألقاً، أو تعصرها إلى حد الخنق.. ولنا جميعاً ذكريات مشتركة سواء التقينا أم لم نلتق، تشكل تاريخاً حافلاً سواء بين أفراد قلائل أم جماعات تتمثل بوحدة الأرض واللغة والمصير.
نصرّ على استحضار ذكرياتنا أينما ذهبنا، وبخاصة تلك المتعلقة بأناس يسكنون قلوبنا، منهم من افتقدناهم ومنهم ما زالوا يتنقلون بيننا وقد عمل فيهم الزمن بمعوله كما عمل  فينا.
توضع ذكرياتنا في حقيبة محكمة، تُفتح عندما نريد وعندما لا نريد، ربما نهرب بها من أيامنا التي تزداد تعقيداً، وحياتنا التي تزداد تلويناً، وأرواحنا التي تزداد تشتتاً.. وفي أوقات عديدة يكون صمتنا ملاذاً وحيداً وآمناً، وخصوصاً عندما نشعر بالغربة تنهش في لحومنا، وكذلك عندما تكون الذكرى أشد إيلاماً من الحسام المهند.
نستحضر الشريط السينمائي وهو يدور في رؤوسنا، نعيش في دائرة خارج دوائرنا المعتادة، مرددين أحياناً (سقى الله أيام زمان)، ونزداد ترديداً لـ(كنا، وكنت)، مبتعدين قدر الإمكان عن الذكريات المؤلمة لأنها -باختصار- مؤلمة.
رحم الله الشابي مبدع هذه الصورة عن (الذكريات الجميلة) التي نحبها وننحاز إليها:
ذكريات تميس في ظلمة النفـ    ـس ضئالاً كرائعات المشيب
 5  6  7  8  9 
تعليقاتالكاتبتاريخ النشر
هدية..    كن أول من يقيّم
 
وهذه الهدية الحلوة المرة للأستاذة لمياء، تمنيت أن أغسل مرارتها كي يختفي طعمها الموجع، لكنني لم أستطع، كان عجزي أكبر من عزمي، فأتت هكذا، وهي للشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي، ذكرتها سابقاً في ملف (الشعر الشعبي.. جماليات مغمورة) وأعيدها هنا لمناسبة الموضوع:
 
في العالم العربي تعيش
كما قط ساكن تحت عربية
عينيه ما تشوفش م الدنيا دي حاجة إلا الجزم
في العالم العربي تعيش
كما بهلوان السيرك تحتك بهلوان دايس عليه
وفوق دماغك بهلوان دايس عليك
والكل واقف محترم
في العالم العربي تعيش
مباراة بقى لها ألف عام..
لعيبة تجري يمين شمال..    
والكورة طول الوقت في إدين الحكم..          
في العالم العربي تقول للبنت حبيتك..
وتبقى البنت بتحبك.. وبتموت فيك..
تناولك بالألم                   
في العالم العربي تعيش
تشتم في طعم المية والطعمية
والقهوة وروادها.. وفي مراتك وأولادها
وحر وزحمة الأتوبيس.. وفي اللي بيعمله إبليس.. وفي التفليس.. ولو سألوك تقول:
الحمد لله.. ربنا يديمها نعم                    
في العالم العربي تعيش كما دمعة في عيون الكريم المحنة تطردها يرجعها الكرم
في العالم العربي تعيش تلميذ في حوش المدرسة
من غير فطار.. عينه على الشارع وبيحيي العلم      
في العالم العربي تعيش، بتبص في الساعة وخايف نشرة الأخبار تفوت
علشان تشوف ع الشاشة ناس        
في العالم العربي..
تموت..
*أحمد عزو
4 - سبتمبر - 2009
هدية على هدية    كن أول من يقيّم
 
في صغري كنت كثيرة التعلق بأبي، بينما كان أخي نوفل الأصغر مني بعام لصيق أمي لا يفارقها للحظة، وهكذا صار لقبي «fille à papa» (بنت أبيها) ولقبه «fils à maman» (ابن أمه)، وكان هذا مصدر فخر لي...
 
كنت أذهب مع والدي أينما ذهب، إلى السوق ولقضاء بعض الحوائج، وكنا نلتقي طوال الوقت بأشخاص يعرفهم فأتعجب من كثرة معارفه. ومع أني الآن لا أذكر من تلك المشاوير إلا متعتي الكبيرة إلا أنها باتت جزءا من ذاكرتي لا يمحي، تماما كتلك اللحظات التي كان يحملني فيها على كتفيه ويقول «أنت رأس مالي»، حين كان يطلب مني السير على ظهره لدلكه، وكل مرة كان يقول «أريدك أن تكوني أفضل من الجميع، وأفضل مني... لا شيء يمنعك من هذا».
 
في أحد المرات التي خرجت فيها مع أبي التقينا ببعض أصحابه في محل ابن عم له، وبينما هو مشغول بأمر ما، كان أحدهم يكلمني ويحاول أن ينتزع مني اعترافا، عمو نور الدين، كان جارا لجدتي لأبي رحمها الله ويزورها أحيانا، واختار هذه المرة أن يورطني معها...راح يسألني ملحا في السؤال: « من أحب إليك جدتك في المدية أم جدتك لأمك في الجزائر؟» وكنت في كل مرة أرفض الاختيار وأقول إني أحبهما بنفس القدر، يقول «يجب أن تختاري واحدة، لا تخافي لن أخبرهما بهذا»، وراح يزعجني إلى أن أخبرته أني أحب جدتي لأمي أكثر بقليل...وما كادت بعض الأيام تمر حتى سألتني جدتي « تحبين جدتك دوجة أكثر مني!؟ »، شعرت بإحراج كبير ولم أدر ما أقول، وكان ذلك سبب تسميتي له منذ ذلك الحين بـعمُّو نور الدين البيَّاعْ (والبَيّاعْ عندنا هو الواشي)، كنت حينها في الخامسة أو السادسة من عمري، والآن إن رأيته فلن أعرفه وربما هو أيضا لن يعرفني...لكنه لا يزال في ذهني «عمو نور الدين البيّاع».
 
ليس هنالك  أقرب إلينا منذ أن كنا صغارا من أمي وأبي، صديقين حميمين، وناصحين مرشدين، يذكراننا بالجنة والنار في كل أمر، وبسؤال عزرين (عزرائيل) في القبر يحمل مطرقة عملاقة في يده، يقول: من ربك؟ ما دينك ومن رسولك؟ ...«أعضاؤك يومئذ تكلمك»، نحاول أن نتصور هذا.... الصلاة، يقولان، هي أول ما يسأل عنه المرء يوم القيامة، فحافظوا عليها.
 
 
سقى الله أيام زمان، كانت موقعة بأنفاس الأحبة، أما أيامنا الآن، فلا أدري أنحن من تغير أم هي.
*لمياء
5 - سبتمبر - 2009
رمضان كريم    كن أول من يقيّم
 
تحية طيبة مجددا أصدقائي الكرام، وأخص بالذكر صديقنا وحبيبنا الأستاذ أحمد عزو، الذي أشعرني بأني سأكون لئيما هذه المرة لو لم أرد على تحيته ومودته، وشاعرتنا النجيبة لمياء، نجمة الوراق (بلا منازع) متمنيا لها التوفيق في عامها الدراسي الجديد، وأبارك لها نيلها شهادة حفظ القرآن الكريم على قراءة ورش، وأرحب بعودة الصديقة القديرة سلوى، التي ربما لا يعرفها الكثير من سراة الوراق اليوم، وهي سلوى التي كتبت لها شعرا كثيرا أثناء حرب لبنان، ومن ذلك قصيدة (صورة سلوى) ورمضان كريم يا أستاذة سلوى، وأرجو من أصدقائي وأحبتي ألا يضطروني مرة ثانية للاعتذار عن تغيبي عن هذه المجالس، فهناك أسباب كثيرة تحول دون ذلك، وأنا باستمرار أقلب (ضياء نامه) وأسترجع أجواء تلك القصائد التي كنت أسهر في كتابتها حتى ساعة متأخرة من سحر كل يوم، كانت هذه المجالس هي ديواني وهي اليوم إيواني الذي أشرف منه على أحلى أيام عمري، شكرا لكم حبكم ووفاءكم وكل عام وأنتم بخير
*زهير
5 - سبتمبر - 2009
ما أحلاك يا زهير..    كن أول من يقيّم
 
الأستاذة سلوى والأستاذ زهير.. (المعتّقان الأصيلان).. أحببت أن أرحب بكما في هذا الملف المتواضع، والحمدلله على السلامة، والبيت بيتكم طبعاً..
وأحب أن أطمئن شاعرنا وأخانا الكريم الأستاذ زهير ظاظا أنني تركت المشاكل ونبت لي عقل!!.. ولا أريد بعد اليوم أن أحرج أحداً أو يحرجني أحد، الباب مفتوح كما تعلم فمن أتى يا مرحبا.. ومن أبى يا مرحبا.. وإن شعرتَ يا أستاذ بشيء بسببي سابقاً أو لاحقاً فهذا عن غير قصد مني فاغفر لأخيك الصغير الذي كنت تحمله في ملعب كرة السلة ليضع الكرة في موضعها!!..
كل ما أقوله أنني أفتقدكم جداً، جميعكم أفتقدكم، وهذا من حقي الذي ضمنته القوانين والأعراف الإنسانية.. والحمد لله أن هذه القوانين لا تخضع لعصا السلطان أو حدود الزمان والمكان..
تحياتي وسلامي لحضراتكم.. أساتذة وأستاذات.. وشوقي للمزيد مما تتركه أيديكم الجميلة من زخرفة داخل ذاكرتي وحب يسري بدمي.
*أحمد عزو
6 - سبتمبر - 2009
من ذكرياتي مع والدي    ( من قبل 2 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
  أحيي جميع المشاركين الأعزاء ؛ مسرورا بما اخبرنا به أستاذنا زهير من ان الأستاذة النجيبة لمياء نجمة الوراق قد اتمت حفظ القرءان الكريم غيبا ، فهنيئا لها وجعلها الله مثالا يحتذى في العلم والتقوى .
كان والدي رحمه الله ( توفي منذ عشرين عاما) معجبا بالإمام أحمد ابن حنبل أيما إعجاب ؛ رادا هذا الإعجاب إلى تقوى الإمام بالدرجة الأولى قبل علمه ، مع إعجابه بباقي الأئمة . وكثيرا ما كان يردد أمامي وأنا فتى هذين البيتين المنسوبين للإمام الشافعي :
قـالوا  يزورك أحمد iiوتزوره قلت  الفضائل لا تفارق منزله
إن زارنـي فبفضله أو iiزرته فلفضله فالفضل في الحالين له
وكان يعيد على مسامعي ما قيل عن عدد النصارى الذين أسلموا يوم وفاة الإمام ، وكم حمل بعيرٍ من الكتب كان الإمام يحفظها عن ظهر قلب ، وأن المحبرة لم تفارق الإمام حتى المقبرة ، وفوق ذلك كله الفتنة التي حصلت للإمام أيام المأمون والمعتصم والواثق ، وما جرى له خلالها من ضرب بالسياط وحبس بلغت مدته ثمانية وعشرين شهرا دون أن يتنازل عن التمسك بأن القرءان الكريم كلام الله غير مخلوق.. تمسك أملاه عليه ما يعرفه عن عصر الصحابة رضوان الله عليهم ، الذي خلا من مثل هذه الأمور الفلسفية .
كنت أتساءل أمام والدي : مسند الإمام أحمد يقال إن فيه أحاديث ضعيفة وربما موضوعة ، وكذلك يقال عن إحياء علوم الدين للغزالي كذلك ، فكيف لنا الوثوق بمثل هذين الكتابين؟! أجاب والدي : يا بني ، تدوين الحديث وروايته مجهود بشري معرض للخطأ والصواب ونوازع النفس البشرية ؛ ولكن التقوى أقوى . فكن تقيا ولا عليك من أخطاء التدوين بالغة ما بلغت . ثم يكمل : الحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات...
كان والدي يخشى الخوض في خلافات العلماء السابقين ، ويهتم بإجلالهم وتعطير سيرهم حتى أولئك العلماء الذين خالفوا أهل السنة والجماعة كالمعتزلة مثلا ؛ محسنا الظن بالعلماء ، وأن مقاصدهم كانت خيرا اجتهدوا من أجله ما وسعهم الجهد.. أما نياتهم على حقيقتها ، فكان يدعها لله عز وجل .
قلت له مرة : هل صحيح أن الحنابلة أيام النزاع بين أصحاب المذاهب كانوا يحرضون العميان من أتباعهم على الهجوم على أصحاب المذاهب الأخرى في مساجدهم مزودين إياهم بالعصي؟ كان يضحك طويلا وهو يقص علي بعض الحكايات القديمة التي كانت تتعلق بالتعصب المذهبي ، ثم يتلو :  " تلك أمة قد خلت ، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ، ولا تسألون عما كانوا يعملون " .
وتمضي السنون وأنا غير راض عن طريقة والدي في التفكير العلمي وتمسكه فقط بالتقوى ، فلم أتوصل إلى نتيجة تريح حالي المرهقة مما أطالعه من خلافات العلماء القدماء في مختلف أنواع العلوم ، ثم ، وبعد وفاة والدي ببضع سنين ، توصلت إلى أن الأخطاء البشرية لا تنتهي ، وان ما أراه صوابا يمكن أن يكون خطأ ، وان ما أراه خطأ ربما يكون صوابا ، فما الذي أجنيه من وراء تمسكي برأييى ؟! هل أجني الإعجاب بنفسي للحظات يمكن ان أنتهي بعدها إلى أن إعجابي لم يكن في محله فأخجل من تسرعي بالثقة بنفسي ؟! هل انتفع عند ربي بفلسفتي وتنطعي والظن باني توصلت إلى الحق؟! أقول الآن : كل ذلك لم ينفعني بشيء ، ولم ينفعني بعون الله إلا السعي إلى تحصيل  التقوى سعي الظاميء إلى الماء العذب الزلال .
رحم الله أمواتنا وغفر لهم  ولنا .
 
*ياسين الشيخ سليمان
8 - سبتمبر - 2009
أسعد الله أوقاتكم أساتذتي    كن أول من يقيّم
 
 
شكرا لأستاذي الغالي زهير وشيخنا الأستاذ ياسين على مباركتهما وكلماتهما الرقيقة الطيبة، وفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى، وبارك لنا فيكم وفي علمكم وعملكم وجعلكم للمتقين إماما.
 
وأستغل الفرصة هنا لأرحب بالأستاذة سلوى، صاحبة الملف المثير "القصة القصيرة" والتعليقات العذبة في ملف "الحرية" و"أحاديث الوطن والزمن المتحول"، متمنية أن نقرأ لها قريبا على صفحات الوراق، وأهديكم في الأخير هذه القطعة الأدبية.
 
عن رواية السيميائي (ساحر الصحراء)
باولو كويلهو
 
وصل مع غياب الشمس
يسوق أغنامه صوب مشرق الشمس
وفكر
 
إنها لا تحتاج إلى أن تقرر شيئا
وربما كان هذا هو السبب في أنها تلازمني
 
إن بهجة الحياة ليست شيئا آخر غير احتمال تحقيق الحلم
فأيا كنت ومهما كان ما تفعله
فإنك عندما تريد شيئا بإخلاص
تولد هذه الرغبة في روح العالم
 
إن روح العالم تتغذى من سعادة البشر
تتغذى من تعاستهم
والالتزام الوحيد للإنسان
هو أن يحقق أسطورته الخاصة
 
الناس يدركون في وقت مبكر جدا مبرر وجودهم
وربما كان هذا بالذات هو السبب في أنهم يتخلون عنه
مبكرا أيضا
 
لقد جاءت تلك الرياح
ولكنها جاءت أيضا برائحة الصحراء والنسوة المحجبات
 
إن سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا
ولكن دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت من الملعقة
وسأظل إلى الأبد حريصا على القليل الذي أملكه
لأني أضأل من أن أغير المصير
ولكنى مثل كل الآخرين
فأنا أرى الدنيا على نحو ما أرغب
في أن تكون لا كما هي عليه بالفعل
 
عندما تريد شيئا بإخلاص فإن العالم كله يتآمر بحيث تحصل عليه
لا يسع الناس جميعا أن ينظروا إلى أحلامهم بالطريقة ذاتها
 
ياسر عبد المتجلي
*لمياء
8 - سبتمبر - 2009
شكر و تقدير ..    كن أول من يقيّم

رأي الوراق :
 
من صباح سيدني المستكين قسراً بين براثن الشتاءالكهل و التائق إلى بهجة الربيع الدافىء
و من غرفة مكتبتي الصغيرة المطلة على حديقة بدأت تنفض عبء البَرَد و الصقيع عن كاهلها
أتقدم بالشكر الدافء إلى السيد زهير و استقباله و المفاجأة التي لم أكن أتوقعها بذكر اسمي في ديوانه
القيم ..الشكر أيضاً للسيد احمد عزو الذي فتح أمامي باب التاريخ لأدخله من ذكريات - كالنبيذ المعتق-
تزداد توهجاً و جودة أو .... هكذا يقولون.
الانسة لمياء "نجمة الوراق" و مجالسه كما وصفها الشاعر الأعرف زهير ، لها أيضاً الشكر و التحية على استقبالها الكريم .
 
هي رسالة شكر أردتها الآن للتعبير عن امتناني لاستقبال أثلج بعض من التساؤلات بين الضلوع و لن أغيب طويلاً
عن الإشتراك في هذا الملف الشيق الذي يحفظ للتاريخ مصداقيته و للحاضر إنسانيته ..
 
لكم التحية و المودة ... سلوى
*سلوى
10 - سبتمبر - 2009
الأذن تعشـق قبـل العيـن أحيانـاً ..    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
 
"عندما كنت في عمر متأرجح بين شقاوة الولدنة و انبهارالنضوج ذهبت في رحلة نظمتها شقيقتي لطلابها في المدرسة التي كانت تديرها في ضواحي طرابلس إلى سفوح الأرز المؤزرة بحجاب الثلج ..  و بما أنني أختها الصغيرة أجلستني في "البوسطة" بجانب أستاذ زميل لها تثق به.
 
نظرة واحدة إلى وجهه أرسلت دموعي تسيل كالبركان قهراً على رحلة طويلةٍ طويلة قد تستغرق الثلاث ساعات في "باص" شبابيكه و أبوابه محكمة الإغلاق و  إلى يميني أحد القرود الشاردة من حديقة في سورها فجوة ، و ليس هناك أمل بالفرار .
 
قررت أن أغمض عيني و اتظاهر بالنوم …
 
لا أدري كم من الوقت كان قد مضى حين سمعت صوتاً موسيقياً يتكلم بحماس عن جمال المناظر التي يراها من نافذة البوسطة و مع كل نوتة كان هناك ضحكة تتلاعب على حبال الموسيقى بشقاوة تنثر الألوان في الحقول رغم أن الربيع كان على بعد شهرين منها .
 
اعتقدت أن الله قد ترفق بي و استبدل صاحب الصوت بالمعلم الهارب  من الحديقة .
 
كان صوتاً مدغدغاً لأحاسيس لم أعرفها قبلاً .
 
فتحت عيني متوقعة أن أرى عبد الحليم حافظ  لأفاجأ بأن الأستاذ الفالت من زريبته لا يزال موجوداً بكامله على المقعد بجانبي و يثرثر غناءً و أحلاماً.
 
عندما وصلنا إلى جبل الأرز كانت كل التمنيات المؤذية التي سكبتها على  شقيقتي قد تبخرت و شكرت الله أنه لم يستمع إلى الدعوات المغتاظة التي انصبت عليها بحمية في بداية الرحلة ….."
 
*سلوى
10 - سبتمبر - 2009
أنتم النجوم، أما أنا فـ(بياعة بطاطا)    ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم

رأي الوراق :
 
 
 
رحم الله والدكم أستاذي ياسين وأكرم نزله، وأدخله جنته التي أعد للمتقين، وأحاطكم برعايته وحفظه وكل عزيز على قلبكم... ربما ستكون هذه بطاقتي الأخيرة في مجلسكم الأثير قبل الدخول المدرسي الذي سيكون بعد غد، وقد فكرت طويلا في موضوع مناسب لها فلم أهتد، وأتت هكذا تمتمات أو ترنيمات ...
 
طفلة صغيرة كنت، ساذجة ككل الأطفال، قادمة إلى الدنيا التي فتحت ذراعيها لاستقبالي بحرارة ودعة... كنت في الخامسة أو ربما أصغر بقليل، أتأمل أنامل خالي المنسابة على أوتار الموندولين(1) لتوقع الألحان التي كانت تحملني إلى عالم الكبار، لأغرق في كلمات الباجي(2) وأصير ذاك الـمَقْنين الزِّينْ....تلك كانت اللحظات الوحيدة التي أشعر فيها بحنين لا تفسير له، وبشعور غريب يجعلني أتيه في ملامح خالي وهو يغني بخشوع ليس له مثيل، حينها كانت كل الأيام تصير عندي أيام المقنين (الحسون)، المشتاق للحرية والمغني في قفصه الحزين الذي أتمنى لو أستطيع إخراجه منه...هناك كانت تبدأ الحكاية...
 
يـا  الْـمَـقْـنِينْ iiالزِّينْ يـا صْـفَـرْ iiالْـجَنْحِينْ
يـا حْـمَـرْ iiالْـخَـدِّينْ يـا  كْـحِـيـلْ iiالْعِينِينْ
هَـدِي مُـدَّة وَ iiسْـنِـينْ وَانْـتَ  فِي قَفْصْ iiحْزِينْ
تْـغَـنِّـي بْصُوتْ iiحْنِينْ
لا مَنْ يَعْرَفْ غْنَاكْ مْنِينْ؟
 
كـي تْـغَـنِّي تَتْفَكّرْ iiلٍيَّامْ الـلِّـي  كُـنْتْ فِيهُمْ حُرّْ
تْـفَـرْفَـرْ  فَالْهَوَا iiطَايَرْ وتْـعَـشَّـشْ  iiفَـالشْجَرْ
مِـينْ  بْلاكْ رَبِّي iiالَحْنِينْ تَّحْكَمْتْ مَنْ دُوكْ الجَنْحِيْن
لا  مَـا وْ لا قُـوتْ بْنِينْ يـا لْـمَـقْـنِـينْ iiالزِّينْ
....(3)                                                                     
 
كنت أحب عزف خالي للغناء الشعبي كثيرا، ولا زلت حتى الآن أطلب منه أن يعزف لي في كل مرة أزوره فيها، لأسترجع عبق تلك الأيام الثملة بألحان الحسون، الوردية في بيت جدتي رحمها الله.
 
إلى حين اللقاء، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، تحياتي للجميع ولأستاذي الغاليين سيدا ونجما المجالس، والسلام عليكم ورحمة الله.
 
 
****
(1) المندولين آلة وترية صغيرة شبيهة بالعود إلى حد ما، غالبا ما تستعمل في الغناء الأندلسي والشعبي: mandoline
(2) محمد الباجي أحد رموز الأغنية الشعبية، مؤلف وملحن ومغني قام بكتابة العديد من قصائد الشعبي التي غناها عمالقة الفن الشعبي الجزائري، من مواليد 1933 بالعاصمة من أسرة ثورية =منتدى سماعي=
(3)يقول الباجي في أغنيته التي ألفها في سجنه أثناء الثورة التحريرية، راثيا حريته المسلوبة، مخاطبا الحسون : أيها الحسون الجميل، يا أصفر الجناحين وأحمر الخدين وأسود العينين، هذه مدة وسنين وأنت في قفص حزين تغني بصوت حنون، لا أحد يعرف من أين مصدره، تغني تتذكر أيام كنت حرا، ترفرف في الهواء طائرا وتعشش في الشجر، منذ ابتلاك ربي الحنان، مقيد الجناحين، لا ماء ولا قوت لذيذ، أيها الحسون الجميل...لا شكوى إلا للمولى، هو القادر ، مجيب دعاء العباد... الذي ليس له قلب حنون لا يفهم من أين غناءك أيها الحسون الجميل.
يمكن الاستماع للأغنية بإيقاعين مختلفين:
 
*لمياء
11 - سبتمبر - 2009
تحياتي العطرة     ( من قبل 1 أعضاء )    قيّم
 
تحياتي العطرة لصاحب هذا الملف الرائع ،حقيقة إن الذكريات تاريخ ، وكثير من الناس لم يستطع أن يسجل ذكرياته فتبقى أسيرة حزينة حتى تتلاشى بين طيات الزمن.. وكل تحياتي لجميع سراة الوراق الكرام والقائمين عليه ..وكل عام وأنتم بألف خير وأدعو الله عز وجل أن يعيده عليكم وعلينا وعلى جميع أمتنا الإسلامية والكل يرفل بأثواب العز والسؤدد ودمتم لنا ...
*ابو هشام
23 - سبتمبر - 2009
 5  6  7  8  9