أحن إلى خبز (الشيخ هلال).. ( من قبل 3 أعضاء ) قيّم
تقع قرية (الشيخ هلال) شرق مدينة (السلمية) وتتبع لها، والسلمية بدورها تقع شرق محافظة (حماة) وتتبع لها، والقرية مكونة من 100 بيت على حسب تقديري، ومع أنها القرية التي ننتسب إليها أصلاً إلا أنه ليس لنا فيها أرض ولا شجر ولا حجر، بل الذكرى والأحباب. زياراتنا إلى هناك كانت إلى بيت خالتي (أم هيثم) عليها رحمة الله، في بيتها ننزل ومنه نتجه إلى زيارة الناس، وبيت خالتي هذا مساحته نحو 1500م2، وينقسم كما بيوت القرية كلها إلى ثلاثة أقسام: حاكورة (بستان صغير وقد يشكل نصف البيت أحياناً)، وساحة الدار، والجزء المبني وهو: غرف المعيشة والحمام والمطبخ والحظائر. كنت أحب الدخول إلى الحاكورة كثيراً، لأن زياراتنا كانت في فصل الصيف حيث مواسم التين والعنب والرمان، أجد لذة ما بعدها لذة حين أقطف من الشجر وآكل، فالطعم مختلف كثيراً عن طعم فواكه دمشق، وكذلك الخضار التي تزرع في البيوت، ومن المعيب أن يشتري أهل البيت خضاراً أو فواكه أو بيضاً أو غير ذلك مما ينتجه البيت، ليس هذا فحسب بل كل شيء هناك يختلف، طعم الحليب والجبن والبيض البلدي، وكذلك الخبز. وماذا أخبركم عن الخبز، لم أذق في حياتي طعماً أجمل من طعم خبز (الشيخ هلال)، خبز التنور الرقيق الذي لم أجد مثله في أي مكان آخر على صعيد مكوناته أو طعمه. كانت خالتي تستيقظ مع أهل البيت عند صلاة الفجر، وبعد الصلاة يبدأ العجن ليأتي بعده إعداد التنور ثم الخَبز، فتفوح تلك الرائحة الزكية. النساء هناك يخبزن بكميات كبيرة، فيكفي الخبز لعدة أيام، وهذا ديدن كل أهل القرية، فلا أحد يشتري الخبز من المدينة، ويتم تناول خبز التنور الطري في اليوم الأول من خبزه، وما يزيد فإنه يجفف ليصبح يابساً تماماً، وحين يريدون تناوله في اليوم التالي يرشون عليه بعض الماء ليعود كأنه خبز طازج.. رائحة القرية في كل صباح هي رائحة هذا الخبز الجميل، إذ يكفي أن يقوم خمسة بيوت في الخَبز معاً لتنتشر الرائحة في أرجاء القرية جميعها. كنا في زياراتنا نستيقظ باكراً جداً مع أننا كنا نسهر، نستيقظ وقد (شبعنا نوماً)، لا أدري ما كان سبب ذلك، هل هو هواء القرية النقي الذي يعطي الجسم كفايته من الأكسجين، أم هو شيء نفسي يتعلق بسعادتنا بتلك اللحظات؟.. مرة دخلت الحاكورة مع زوج خالتي رحمه الله، كانت خالتي تخبز، قال لي: اذهب وأحضر خبزاً من عند خالتك، ذهبت إلى التنور وأحضرت الخبز الجميل، وبدأنا نأكل الخبز مع التين والعنب، ما أحلى ذلك، ما أحلاه. أذكر تماماً أنه في آخر زيارة لي إلى هناك –تقريباً في عام 1995م وبعد أن زحفت المدنية قليلاً- أنني شاهدت الناس يهرعون إلى الساحة الرئيسة في القرية، سألت عن السبب فقيل لي إنهم يريدون أن يلحقوا بسيارة الخبز التي تأتي من المدينة حاملة ذلك الخبز الذي لا يؤكل، ومن يتأخر يبقى من دون خبز!!!. |